أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - التَّابْعَة














المزيد.....

التَّابْعَة


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7358 - 2022 / 9 / 1 - 20:11
المحور: الادب والفن
    


أنا تِلْمِيذ مُعَطَّلٌ.طُرِِدْتُ مِنَ المَدرسة لِأنِّي شَغَلْتُ مَقْعَدا في القسمِ لمُدة رَأَوْهَا طَوِيلَة، وَكان عَلَيّ أن أخْلِيَ المكَانَ لغيري_هكذا قالُوا_وكَان عَلَيّ أَنْ أَسْتَغِلّ وَقْتِي جَيِّدا كَيْ لا يَذْهَب مَعَ الرِّيحِ في البرية كَمَا ذَهَبَتْ سنونُ دراستي الأولى والأخيرة.أعيش مَع والدتي وإخوتي الأربعةِ، كلهُم صغارٌ لا يقدرون على أي عمَل.اِثنان منهُم طرِِدُوا من قسْم(الشهادة)، فَوَجَدُوا في الزَّنْقَةِ مَلاذا ومَرْتَعا للّعِبِ وقَتْلِ الوقْتِ.أبي ابْتَلَعَتْهُ المسخوطة فرنسا.غَادَرَنَا مُذْ كنَّا صغارا لا يتذكرنا إلا في رأس كل سنة بحوالَةٍ فقيرة يذهَبُ نصفُها في اليوم الأول لاستخراجها والنصف الثاني نُغَطِّي به دُيُونَ البقَّال وصاحب الفران وتاجر الخضر المُتَنَقِّل.أما الكتب المدرسية والدفاتر وبقية ما يُسَمّى بالأدوات لِما تبقى من إخوتي، فكنا نكتري ما يمكن أنْ يُكْتَرَى ونشتري ما يمكن أن يُشترى بالسلف طبعا والتقسيط ومزيد من الاقتراض الذي"يقرط"كهولنا جميعا، فنموت أحياء يُثْقِل عاتقَنا كفنُ الحُروفِ التي لم ندرسها أبدا في خربتنا النائية المسماة خطأ:مدرسة؛ ورغم ذلك، كان إخوتي الذين ظلوا متشبتين بالذهاب والإياب إليها يُؤْمنون أنها يمكن أن تعطي لهم في يوم ما شيئا ما يُنجيهم وينجينا جميعا من عيشة الضنك الغارقين فيها كلنا دون استثناء...
حياتنا بالمدرسة وبدونها كانت ولازالت استثناء..دائما نحن هكذا نعيش الطوارئ والأوبئة والجائحات..العائلة النائمة في وَضْع متداخل كأسماك المصبرات. أفْواهٌ فاغرة يَدْخُلُهَا الهوامُ والذبابُ والكثيرُ من العذابِ.سراويل مخرومةٌ.أخِي الأصْغَرُ يَحُكُّ عَوْرَتَهُ المُدماة التي هرشها البَقُ.أخْتِي تَرفس أختَها، فَترُدُّ هاتِه برفسةٍ أخْرَى أقْذَعَ في صِراعٍ أبدي على المجَالات الفسيحَة التي أُتِيحَتْ لنا في قَصْرِنَا الكَبِيرِ..طُفُولَتُنَا كانت ضائِعَة نَسجَ الْعَنَاكِبُ أَسْلاكَهُمْ عليها.. كُنَّا نَقْرَأُ كِتاب"التِّلاَوَةَ"في دُورنا الخَربَةِ حذاءَ مَطَارِحِ النفايات..نَرَى يَبَسَ الخُبْز وأَمْوَاهَ الْحَارِّ مُبَرْقَعا بيْنَ السُّطُورِِ.لا نَفْقَهُ للمعلمين قَوْلا.كانوا في وادٍ.كُنَّا فِي وادٍ.عندما نَلِجُ سَمَّ المَدارسِ، نُفَكِّرُ للتو في الخروج والطيران بعيدا فـي المساحات الخضراء مـع العصافيرِ والشحاريرِ والحساسين..كنا لا نطيقُ الجُدرانَ ومصاحبةَ الجرذان..كانت هُمومونا كالفَقْصَةِ كالأشواك كالأعشاب الطفيلية تكبر مَعَنَا بالرغم منا؛ ولازال الواحد منا يَكْبُرُ يَكْبُرُ وضغائنُه تَزْدَادُ تفاقُما من يوم لآخرَ..في أحايينَ كثيرة، يطبقُ عَلَيّ سؤالٌ:أنحن صغارٌ حقا أم فقط هم الآخرون الذين يعاملوننا كذلك؟؟كانت عَيْنَايَ تتفحصَان بفُتورٍ سقف بَرَّاكة القصدير الذي تَلْعَبُ فيه الثُّلَمُ والثُّقُوب وَالفَجَوَاتُ الجُمْباز َدون حسيبٍ أو رَقِيبٍ، وَكانَتْ الأمطارُ في ليالي الشتاءِ البارِدَةِ تُعَانِقُ رقابَنا ونحن نقرأ في تلاوتنا المفسرة:
..سَقْفُ بيتي حَديد رُ كْـنُ بيتي حَجَـر..
قال أخي الأصغرُ:
_ أنا لا أحِبُّ القراءةَ..طردوني وقالوا رأسُكَ فُقَاعة..أكره"التلاوة"..ما فيها غير الحفاظة..لا أفهم شيئا منها..ليس فيها ما يشبهني...(٢)

قال الكبير:
_كَيْفَهْمُوا علينا..المعلم يربينا..المديرة تربينا..لا أريد تربية مصنوعة من زفت..

سَأَلَتْ أخْتِـي الصغيرةُ:
_والنشيـد!!؟؟
_حتى النشيد أكرهه..!!..
_أنا أُحِبُّ"مُحَنْدْ أُولْيَزِدْ"..تابع الأصغرُ..(٣)

...هكذا قرأتُ في مذكرات أبي التي كتبها في سبعينيات القرن الماضي..وهاهو الآن هنا يبذل قصارى جهوده كي لا تعيد العجلةُ دورانها بالطريقة نفسها وفي السكة نفسها.ورغم كل المتاعب والمشاق فإن الخوف من المجهول الآتي جعل حياة أبي وحياتنا معه فتنة لا تُطاقُ، فالكتب نَقْتَنِيها مُسْتَوْرَدَة من الخارج وبأتمان أكثر من أضغاث الخيال ومكوثنا في حجرات الدراسة يتطلب نزيفا شهريا يوازي كبش عيد الأضحى كل شهر دون الحديث عن التسجيل السنوي والتأمين الافتراضي المليئ بالأوهام وهلوسات المُحال وواجبات النقل و و...فيضان من المصاريف التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد...ويشتاط أبي غضبًا وتطلع له السخانة للرأس(٤)ويمرض جسدُه الضامرُ بشتى المصيبات في زمن الألفية الثالثة ينتظر في لهفة نتيجة كل سنة لتتجدد المعضلةُ عاما بعد عام... وهكذا..دواليك إلى..أن يرتاحَ أبي ويرانا نحن فلذات كبده كما يحلم خاطرُه ويرضاه...وتستمر فِتْنَتُنا السنوية الدائمة التي تشبه"التَّابْعَة"حتى إشعار آخر...

_ شروح:
(١)التابعة:طاقة سلبية تعطل قدرات الانسان على الفعل
(٢)الحفاظة:الحفظ والاستظهار.
(٣)موحند أوليزيد:مغني أمازيغي من الأطلس المتوسط بالمغرب
(٤)السخانة:الحمى



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قَرْنَان
- مُمَارسةُ آلموت
- اِقْرَأْ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ
- فْشِي شْكَلْ
- رَحِيل
- الجوكر أو الأقنعة الموروثة
- التتارُ الجدد
- شَدْوُ آلْفِجَاجِ
- سَيَمُرُّ آلْقِطَارُ بُعَيْدَ قَلِيل
- زَنَابِقُ آلْحَيَاةِ، بخصوص قصيدة-يا صبر أيوب-للشاعر عبد الر ...
- مُجَرَّدُ شَخيرٍ لا غير
- سُعَال
- دُودُ سِكَّةِ آلْحَديد
- شَرْخ
- سُلَالةُ قابيل تُكملُ آلمهمة
- بخصوص شريط(حَلاق درب آلفقراء)لمحمد الرَّكاب)
- السيد(بِيغُونْجِيهْ)في مواجهة قطيع القرون ...
- بخصوص(Voyage au bout de la nuit)لفرديناد سيلين
- ثُمَّ هَوَى
- رغم الصخب والجؤار...(قراءة في رائية أبي الصعاليك)


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - التَّابْعَة