أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُمَارسةُ آلموت














المزيد.....

مُمَارسةُ آلموت


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 18:10
المحور: الادب والفن
    


في قراءتي الأولى الانطباعية المتسرعة، لم أستطع فهم ربط علاقة آنتشار الجرذان بتفشي الوباء، ومع توالي تقدمي في القراءة، أدركت ما لم أدركه في البداية؛ ومع توالي السنين والاعوام وصنوف الطواعين التي اجتاحت القلوب والحلوم، آكتشفت شيئا من أسرار اللعبة..
من حسنات الوباء كيفما كان نوع هذا الوباء، الوعي بالذات، بحقيقتها بواقعها بمكانتها وهوانها، والتمييز بين الصالح والطالح فيها، وفيما يحيطها من عمق وضحالة وتبر وخشاش وكينونات نافعة وجرذان طفيلية بين مجموع النافعين الصامتين المثقلين بحرقة الأسئلة والطفيليين النزقين الناعقين..أما السياسيون، فقد آحترفوا الكذب، لأن الشعوب غاطسة في ممارسة التصديق.السياسيون آمتهنوا حِرَف الاحتيال، لأن تابعيهم غارقون في آمتهان الغباوة الزائدة عن حدها...أو كما قال كامو في طاعونه الصادم :

"Le mal qui est dans le monde vient presque toujours de l ignorance, et la bonne volonté peut faire autant de dégâts que la méchanceté, si elle n est pas éclairée".

لقد قرأتُ نص هذا(الطاعون)أول ما قرأته بشغف جملةً واحدة دون توقف رغم ما فيه من أدران ومواجع..قرأتُه منفردا منعزلا ومجتمعا برفقة ثلة من طلاب جامعة ثمانينيات القرن الخالي..كنا ذواتا متفرقة مستقلة موحدة مؤتلفة، نرى بعضنا في بعضنا، نرى مفردَنا في جمعنا..كنا ذواتا تسكن ذاتا واحدة..ذات متشظية الى ذات ولهانة عاشقة مقبلة على الحياة، وذات منحسرة مترددة مكتفية بعزلة الانطواء، وأخرى اجتماعية تكد تجتهد في إرضاء الآخرين كيفما كان هؤلاء الآخرون ولو على حساب خصوصيتها الحميمية؛ ثم ذات جادة صارمة متعالمة عبثية ماسكة بتلابيب طفولة رعناء لا تريد تبرحها وو..جعلنا نوزع الفصول والأقسام بيننا بطريقة تجعل الفقرات يقفو بعضها بعضا بسلاسة دون توقف دون عناء مكابدة شرح أو محاولة فهم ما لا يُفهم..كنا نقرأ نقرأ وكفى مكتفين بتلاوتنا الفطرية وبإحساسنا الذي لا يخيب.ناورنا صلابتها بآستعارات توازي وجودنا الجهنمي الذي لا يلين في مدينتنا الشقية..عاندناها متحَدِّين دهاليزها، لَممنا في مغالقها شتات أنفسنا المكسرة على طريقة أهلنا في الجبل العالي هناك في الأعالي..قرأنا الرواية أول مرة كاملة في ظروف مشتركة حكيتُ عنها..آه..آسف..هل حكيتُ شيئا؟؟لا لمْ أحكِ شيئا..لم أتكلم..هذا أكيد..تلك عادتي ذاك ديدني أن أظل صامتا شاردا هائما أبدا أدع ذاتي وحيدة وذواتَها توغلُ في ثرثرة فضفاضة لا تنتهي...
لست أدري عند ذكري طاعون كامو أتذكر طاعونا آخر في بلدة عربية أخرى مشابهة (في الواقع هناك طواعين كثيرة عالمية وعربية تجعل من ظاهرة الآفات علامة لافتة في الأدب الانساني)، كأن هذي الربوع من البسيطة كتب عليها مكابدة وقع أوبئة الأنام لوحدها على غرار ما كان يقع في أوروبا القرون الوسطى، لتختلط الاستعارة الفلسفية بالحقيقة السياسية التي تفوق في مرارتها الرموز وما يمكن أن تحوي من إيحاءات دالة..من صور الطاعون القميئة أنْ نعيشَ في عالم مستبد لا يبالي، ليتحول الطاعون من حالة طارئة عابرة الى حالة مزمنة تتوارثها الأجيال تتعايش وإياها كمعطى طبيعي لا يمكن مواجهته أو رفضه أو التمرد عليه..في رواية"الوباء"التي كُتِبَتْ عام 1981 يطرح هاني الراهب أسئلة هامة كثيرة لم يجد لها جوابا في الواقع الحياتي بخصوص الأرض، والانسان المقهور، والحياة في مجملها في تواترها من جيل لجيل، والديمقراطية والحرية والشعب كمجموع عام وكماهية فردية بمحاولة مقاربة موقع المثقف المتطلع الى غد أفضل في مجتمع نائم في فضاء تنقرض فيه الثقافة ويُقتل الوعي النقدي وينتشر الاستبداد؛ إذ ذاك يغدو الوباء الميتافيزيقي وباء واقعيا سياسيا اجتماعيا يشمل حيوات بأسرها يأسرها في طوق جبروت حكم متسلط يفتك بالبلاد والعباد...
أتَذْكُرين أيتها الذات المهشمة..مازالَتْ نسخة كتاب طاعون كامو معي بغلافها الشاحب الكابي المنهك المثقل بأدران يرقان بوصفير..آه..قصدتُ وإياكِ الوادي الهادر الجارف..عفوا..الجاف الناشف..(كذا يسمى في المنطقة:"الواد الناشف")في ذاك الجو الحار كرجال غسان في شَمس قطرانية يَرُومُونَ ما يرومون بعيدا عن ظلال صهاريج الوهم وأوهام الرقاد.امتطينا صهوة تلك الخطوط القاتمة المتآكلة من الحروف الفرنسية قابعين في قعر وادٍي(إيسْلي)الذي لَه ما لَهُ في تاريخ العلاقة بين الإخوة الأعداء، وتلك قصة طاعون آخر..قَسّمْنَا الفصولَ والأبوابَ، وذُبْنَا في الفجاج في الجُرُف في تلابيب المنحدرات،في بَرارٍ خاليات..انصهرنا؛ وما جاءتِ السادسة أو ما يشبه السادسة حتى كُنَّا نتحاور في متاه المَقروءات التي خلفتْ آثارا لحظيةً ظهرتْ في التو والساعة، فمِنْ دُوار لدُوار ومن ضربة شمس لنزلة برد في غير أوانها، ومن نزيف لا يريد أن ينقطع لشهيق لا يريدُ أَنْ يعقبه زفيرٌ..لقد تشققت جبهة رأسي ساعتها شقوقا لَمْ تندملْ ولم يمْحها الزمنُ الواهن بعدُ، لما هويتُ مغشيا من أعلى صخرة كانت هناك ربما منذ الأزل.. أتذكرينها؟؟أترينها لا زالتْ هناك؟؟لا..لم تكن صخرة سيزيف أو حَجرة مرو آبابيل أو مما تُرجَم به الأباليسُ في أعياد آلقديسين.. كانت صَمّةً صمّاءَ مُصْمَتَةً وكفى تلك التي حَفرنا فيها نقشنا المأثورَ :

_ ici On Va cesser de vivre...

وجدتُ جسمي منهارا يا هوووهُ وعقلي غائبا، لكن الروحَ، وحدها الروح ظلتْ ترفرف بأجنحة الخيال بعيدا في الأجواء تعاني لا تبالي..لا زلتُ أذكر، رغم كل هذه الأيام، رغم كل هذه الليالي رغم توالي كل هذه الجائحاااات مازلت أذكر وأنا في رحاب حِضن آرتقائي في معارجي الشاهقات أوووه مازلتُ أذكر وأنا أهمس لنفسي وحيدا وإياها أو أناجي أنفسا متشظيات داخلي في الفلوات:هنا سنكف عن ممارسة الموت هنا أخيرا سنعيش يا فرحتاه إيسِي اُونْفا صِيصي دو موغيغ..



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اِقْرَأْ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ
- فْشِي شْكَلْ
- رَحِيل
- الجوكر أو الأقنعة الموروثة
- التتارُ الجدد
- شَدْوُ آلْفِجَاجِ
- سَيَمُرُّ آلْقِطَارُ بُعَيْدَ قَلِيل
- زَنَابِقُ آلْحَيَاةِ، بخصوص قصيدة-يا صبر أيوب-للشاعر عبد الر ...
- مُجَرَّدُ شَخيرٍ لا غير
- سُعَال
- دُودُ سِكَّةِ آلْحَديد
- شَرْخ
- سُلَالةُ قابيل تُكملُ آلمهمة
- بخصوص شريط(حَلاق درب آلفقراء)لمحمد الرَّكاب)
- السيد(بِيغُونْجِيهْ)في مواجهة قطيع القرون ...
- بخصوص(Voyage au bout de la nuit)لفرديناد سيلين
- ثُمَّ هَوَى
- رغم الصخب والجؤار...(قراءة في رائية أبي الصعاليك)
- تَصْفُو حِينَ تَرْتَجِزُ
- عَدَم


المزيد.....




- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...
- برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع التخصصات عبر ...
- دورة استثنائية لمشروع سينما الشارع لأطفال غزة
- تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا: معركة ضد مشروع استعماري متجدد ...
- انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السي ...
- محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوي ...
- بعد 35 عاما من أول ترشّح.. توم كروز يُمنح جائزة الأوسكار أخي ...
- موقع إيطالي: هذه المؤسسة الفكرية الأميركية تضغط على إدارة تر ...
- وفاة الفنانة الروسية ناتاليا تينياكوفا نجمة فيلم -الحب والحم ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُمَارسةُ آلموت