أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - التتارُ الجدد














المزيد.....

التتارُ الجدد


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7351 - 2022 / 8 / 25 - 01:44
المحور: الادب والفن
    


لا جديدَ في آلأفق..كل شيء صامت، كل شيء ملتبس في عوالمنا آلجديدة، كأننا أمام ترقب مريب لشيء ما مبهم غامض سيحدث.."الديمومة المتجمدة"..هكذا عبَّرَ الناقد(ألبير يس)في مؤلفه:(تاريخ الرواية الجديدة) واصفا الانتظار الرتيب في رواية"صحراء التتار"للايطالي:"دينو بوزاتي"(1906 - 1972)التي نشرت للمرة الأولى عام 1940...
نحن بمعية ضباط وجنود في محميتهم وقلعتهم العتيدة على الحدود يترقبون هجوم عدو محتمل قادم من بعيد.إنهم في أَمَاكنهم واقفون يتربصون تقتاتهم لحظات غبش تتعاقب بتثاؤب رتيب.أعينهم واجفة ترنو الى أفق قريب سحيق حيث يمكن أن يعن هجومٌ مَا مباغت في أي إغفاءة عين، غير أن العدو المرتقب لا يظهر.. تبا..اُوووف..أولائك المهدِدون الغزاة الطامعون ذَوُو الأشداق المفتوحة لا يظهرون..وحده خواء الفلاة وفراغها يقتحم محاجر البآبئ، والريح آلصرصرُ الجدباء تهب من كل حدب وصوب تُزَمْجِرُ.تطمس العواصفُ المتعاقبة والتيارات المتشابكة شغافَ القلوب الواجفة، بطوق عَدَمي تطوقها، لا خلاصَ من المعاينة من التدقيق في الملاحظة، ليظل سكان الحصن _الحريصون على سلامة مَنْ فيه_سُجناءَ قلعتهم الحصينة بأسوارها الشاهقة السميكة المسننة، سجناء آنتظارٍ قميئ لا يُشهر حربا لا يعلن سلما..القلعة كينونة باردة متوجسة لا يهاجم وجلها أحدٌ، لا يفسد خلوتها آلواجفة أحد، وحده سراب خواء الامتداد اللامتناهي يحاصرُ مُقَلَهم ليزيد الأمرَ التباسا..كل شيء هادئ في الميدان آلشرقي، كل شيء ساكن في آلميدان الغربي،وفي جميع الميادين صمت مطبق يكاد المريب يقول في ميازيبه خذوني..لا زحفَ اليوم لا كَرّ غدًا لا عراك لا مباغتة لا توغل لا مخاتلة لا مناورة لا خشخشة لا حركة لا تشابك لا صياح لا صراخ لا وجيبَ قلوب تسرع بالنبضان..لا شيء من كل ذلك لا شيء البتة..لقد وقع الجميع، إذن، ضحية إحساس خوف وَهْمٍ جماعي مِن قَدر ماحق محقق واقع لا محالة آسمه: مجهول لا يأتي..وها هي الأيام والليالي والشهور والسنون تمضي، والتاريخُ يَطوي التاريخَ، يقفو الزمنَ الزمنُ، يتسارع آلأمَدُ، وأطلال الجنود هناك في دهاليز بُرْجهم المُحَصَّن يرنون من نوافذ أغْلقتْ فتحاتُها، لا ريحَ يلج الردهاتِ لا رُواءَ، لا أشعة شمس تنساب، لا نسيمَ يتسلل، لا ثقة في هواء أو نَدًى أو رَذاذ أو عيادة أو عزاء، ليس ثمة أمل في أمل أو رجاء..يقبع القابعون في مَعاقلهم بحرص آحتراس يترقبون عدوا مفترضا لا يبدو للعَيان (بالمناسبة، كثيرة هي الأنظمة المتخلفة التي تبني مشروعية تواجدها على وجود أو إيجاد هذا العدو، وإن لم يوجد، فعليها أن توجده لتستمر في سلطتها..أنا يقظ أنتظر عدوا، إذن أنا موجود...)..بالنسبة لشعراء فرسان من قبيل طرفة والصعاليك والخوارج، فإن أغلبيتهم لم يرتاحوا لهذه الترنيمة التي تشتغل تحت الضغط، فعملوا على خرقها عن طريق مبادرتهم مواجهة مخاوفهم مباشرة وجه لوجه..فالموت فان إذا ما ناله الأجلُ..على حد تعبير(عمران بن حطان الخارجي)..ولا يتطلب الأمر عندهم الا مواظبة على الصبر والإجهاز على التردد المُخل بمروءة الفارس:"فصبرا في مجال الموت صبرا فما نيل الخلود بمستطاع"..يُصرح شاعر من طينة(قطري بن الفجاءة)..و"إذا لَمْ يَكُن مِنَ المَوتِ بُدِّ، فَمِنَ العَـارِ أَنْ تَمُوتَ جَبَانَـا"يؤكد المتنبي...
الحياة التي تفاوض الأقدارَ، تغدو عند المترددين المنتظرين وقعا ثقيلا، ضياعا، كابوسا بِيكِيثِيًا كافكاويا..إن الانتظار عند هذيْن الأديبيْن ومَنْ لف لفهما مشكلة وجودية فردية قد تعبر عن حالة إنسانية جماعية؛لكن في صحراء تَتارٍ بوزاتي لا يأتون؛ الترقبُ يتكثف يتكدس يُمسي إشكالا جماعيا مشكلته خيبة توقعات هلاوس بُنِيَتْ على آفتراضات خاطئة تَتأهب بحساسية غير متوازنة لعدو محتمل قادم من بعيد من وراء حدود البراري والبحار كما جرت العادة في تجاربَ تاريخية كثيرة خلتْ..لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين..للي عضو الحنش يخاف من الحبل..(من هنا نفهم سبب وجود مدافع ثقيلة على أسوار المدن البحرية التاريخية)...والحال، أن التهديد المُحدق ظل صدى لأزمنة معاناة عاشت ويلاتها الكثير من الحضارات العتيقة دون أن ينال من عنفوانها وكبريائها القليل أو الكثير؛ وتستمر لحظات الحضارات المستحدثة(الكيان الأمريكي مثلا)تتوقع مجيء ضربات نائية بعيدة:غزو فضائي/نيازك/أوبئة/كوارث طبيعية/اندلاع معارك العوالم...)، يستعد الأنام يخزنون المؤونة والأدوية تحت الأرض يعدون العدة محفَّزين بغريزة البقاء والخوف من مجاهيل لا تعد لا تحصى دون أن يحدث شيء..يتبخر زمن الانتظار مخيبا آمال جمهور المنتظرين وتوقعاتهم؛ وهذه الخيبة يتفاقم الشعور بحدتها المتوارثة لأنها تتجدد كل يوم..كل لحظة.. لننتبهْ يا سادة..إننا نعيش هذا الإحساسَ بوعي أو دونه في مجمل حيواتنا فردية كانت أو جماعية(لكل منا فَناؤه الخاص قبل الفناء الجماعي للحياة الإنسانية)..وكلما أسرعت مقطورات الأعمار في خَببها اللاهث، ازداد الإحساس تفاقما بهول الِانحدار الجارف الذي سيودي بنا بقلاعنا وبحصوننا التليدة لا محالة في يوم في سَنة في نيف من الأقدار في لحظة في ومضة عين في آلتفاتة في غفلة في شرود..بتواطؤ بمؤامرة محبوكة مفضوحة..سنؤدي جميعنا ثمنها غاليا...
هاهم التتار قادمون يا سادة، بنُسخ جديدة هذه المرة، وهنا المأساة، العدو يُبدل جلده، يغير آستراتيجيته والتجارب السابقة في الحيطة والحذر والمقاومة والمواجهة والمكابدة لا لن تجدي نفعا، الغزاة_هذه المرة_لا يهجمون من بعيد، لا يقدمون من سحيق الأمكنة أو من فلوات آلأزمنة، لقد كانوا دوما معنا، يسكنون دواخلنا، طفيليات هي نبتت من بين ظهرانينا في غفلة منا أو إدراك منا..في غمرة ترقب التتار الغريب البعيد نبت تتار قريب أنتجته نطف نشاز أهل الدار غُرِسَتْ في زمن غلط، وُلدتْ كما يولد أي هجين مجهول الجينات مطموس البصمات..يُشهر سُمه الزعاف كما آتفق، لا حُرمة لميت أو تاريخ، لا مَنْجَاة لحي من فساده المستشري، لنستعدْ لنحترسْ..هم جزء من كياننا يَرُومون إفساد كينوننتنا..لننتبهْ..المعركة مغايرة هذه المرة ولا أحد في ساحة العراك غيرنا وهؤلاء التتار...



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَدْوُ آلْفِجَاجِ
- سَيَمُرُّ آلْقِطَارُ بُعَيْدَ قَلِيل
- زَنَابِقُ آلْحَيَاةِ، بخصوص قصيدة-يا صبر أيوب-للشاعر عبد الر ...
- مُجَرَّدُ شَخيرٍ لا غير
- سُعَال
- دُودُ سِكَّةِ آلْحَديد
- شَرْخ
- سُلَالةُ قابيل تُكملُ آلمهمة
- بخصوص شريط(حَلاق درب آلفقراء)لمحمد الرَّكاب)
- السيد(بِيغُونْجِيهْ)في مواجهة قطيع القرون ...
- بخصوص(Voyage au bout de la nuit)لفرديناد سيلين
- ثُمَّ هَوَى
- رغم الصخب والجؤار...(قراءة في رائية أبي الصعاليك)
- تَصْفُو حِينَ تَرْتَجِزُ
- عَدَم
- بخصوص(كائن لا تحتمل خفته)ميلان كونديرا
- تَرَى آلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْهَا
- اِنْكِفَاء
- زَعَمُوا أَنَّهُ
- بَسَاطة...(قصة)


المزيد.....




- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...
- عُلا مثبوت..فنانة تشكيليّة تحوّل وجهها إلى لوحة تتجسّد فيها ...
- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - التتارُ الجدد