أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نضال حمد - نظرة على المشهد الفلسطيني العام















المزيد.....



نظرة على المشهد الفلسطيني العام


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 499 - 2003 / 5 / 26 - 03:55
المحور: القضية الفلسطينية
    


 

http://home.chello.no/~hnidalm

 

عندما اختارت القيادة المتمكنة في منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة السيد ياسر عرفات أن تسير في طريقٍ خاص بها وحدها وعلى نفس سكة القطار الذي قررت أن تسير عليه القيادة الإسرائيلية في زمن رابين وبيرس وبيلين،لم تقم باستفتاء الشعب الفلسطيني أو سؤاله عن رأيه بالسكة والقطار والمحطات وسائقي القطارات وعمال السكك الحديد. بل اعتبرت نفسها وصيا على الشعب الذي تصورته مراقبا غير معني بالقضية و صورته على أساس أنه طفل صغير لا يفهم ولا يعي ولا يعلم من علوم السياسة والحرب والسلام سوى ما ستجيئه به قيادات السلام، ولا نعرف هل أن تلك القيادة تجاهلت عن عمد أم نسيت أن الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب الدنيا تسييسا وثقافة.وقد استغلت القيادة الفلسطينية صفتها الشرعية لتقوم بعمل يتطلب شرعية غير عادية في الصفوف الفلسطينية. لذا فعندما افتضح أمر المفاوضات السرية في أوسلو كانت المفاجئة كبيرة للشعب الفلسطيني الذي علم من وكالات الأنباء والصحافة عن أن هناك من يتحاور مع الإسرائيليين ويفاوضهم بالسر، باسمه أو نيابة عنه، ومن أجل أيجاد حل للقضية الفلسطينية على الأقل بما يحفظ ماء وجه قيادة المنظمة التي كانت يومها تعاني من استهتار الأمريكان والإسرائيليين بها وبوجودها السياسي الذي ضعف جدا بعد حرب تحرير الكويت وتحطيم العراق،وبعد استبعاد المنظمة من مؤتمر مدريد للسلام بناء على رغبة شامير وموافقة بوش.وقد كان لحرب الخليج الثانية واحتلال الكويت الأثر الكبير على قوة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى وحدة الأمة العربية شعوبا وحكومات.هذا التغيير أو التحول السريع في موازين القوى والتحالفات والتقسيمات، جعل المنظمة توافق على حضور مؤتمر مدريد بشكل أعوج وعبر شخصيات وطنية فلسطينية تمثل أهل الداخل الفلسطيني وتعرف بولائها للمنظمة، وكذلك ضمن تشكيلة وفد أردني فلسطيني مشترك،عمليا استبعدت المنظمة من العرس العالمي المدريدي.

 بعد جولات عديدة من الحوار الفلسطيني الإسرائيلي بواسطة الوفد الذي كان يقوده الدكتور حيدر عبد الشافي والذي أبدى تماسكا وحرصا وطنيا فيما يخص المسائل الجوهرية، وظل أعضاءه يرفضون الأملاءات الأمريكية و الإسرائيلية و يتمسكون بالثوابت الوطنية الفلسطينية،مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يعتبرونهم عقبة بوجه تقدم المفاوضات، وهذا ما أضعف دورهم لأنهم تركوا يحاورون ويشقون ويتعبون وهم لا يدرون أن هناك من وراء ظهورهم تدور مفاوضات سرية،يقودها محمود عباس أبو مازن بمباركة من الرئيس عرفات ومن دون علم معظم القيادة والمؤسسات التشريعية والقيادية الفلسطينية. نعم كان وفد حيدر عبد الشافي يفاوض بقوة الحق ومن أجل الحقوق الفلسطينية كاملة كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية. بينما الذين أرسلوهم للحوار كانوا قد فتحوا بالسر قنوات اتصال وحوار سرية مع وفد آخر كان يمثل منظمة التحرير الفلسطينية، ولنكن أكثر وضوحا و نقول بوضوح أكثر أنه كان يمثل جناح الرئيس ياسر عرفات في منظمة التحرير الفلسطينية وفتح، لأن فتح نفسها ذهلت بالإعلان عن مفاوضات أوسلو السرية وآثار ذاك الذهول لازالت بادية وواضحة على هيكيلة فتح وقيادتها الأولى. فموقف بعض أعضاء اللجنة المركزية لفتح كان واضحا بمعارضته لما نتج عن مفاوضات أوسلو السرية، حيث أن أغلبية قيادة فتح كانت ضدها، ونخص هنا مواقف فاروق القدومي أبو اللطف، أبو ماهر غنيم،محمد جهاد،هاني الحسن، ،عباس زكي(عاد الاثنان الأخيران والتحقا بعرفات في مناطق الحكم الذاتي،عملا بشعار أنا أبن فتح ما هتفت لغيرها...).

 أما فيما يخص منظمة التحرير وعلى الرغم من نفوذ و هيمنة جناح الرئيس أبو عمار عليها إلا أن الأكثرية عارضت الاتفاق ورفضته. لكن ياسر عرفات بطرقه المعهودة والمعروفة وبالدعم والإسناد العالمي والعربي أستطاع أن يخرج بمجلس وطني فلسطيني يلبي رغباته ويوافقه على اتفاقياته، أما اللجنة التنفيذية للمنظمة فقد أظهرت تلك الأحداث أنها لجنة من لون واحد تقريبا وفيها من هم أعضاء لكن للبصم فقط،خاصة ممثلي بعض التنظيمات الصغيرة والبعض من المستقلين الذين عادة كانوا يتبعون لفتح أو لأبي عمار مباشرة. وكانوا يسمون في المصطلحات الفصائلية المتبادلة مستقلون على طريقة الثلاثة حروف، أي مستقلون لكنهم بالحقيقة يعملون وفق قرارات وتوجهات قيادة فتح.

هكذا كان واقع حال كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر جزءا من فتح وليست فتح جزءا منها كما هو مفترض وكما يقول المنطق والعقل. وهذا يعود سببه أولا لقوة ياسر عرفات الشخصية وحنكته ودهائه وتكتيكاته التي جعلته الأب الروحي وعراب منظمة التحرير، وكذلك لأن فتح كانت ولازالت أكبر التنظيمات الفلسطينية، ولأن المعارضة الفلسطينية بيسارها كانت أضعف من أن تواجه قوة عرفات وفي أحيان كثيرة كانت تشكل غطاء هاما ومباشرا لسياسته( ياسر عبد ربه،الحزب الشيوعي الفلسطيني سابقا الشعب لاحقا،سمير غوشة وجماعته ،أبو العباس وجماعته،الديمقراطية والشعبية في أوقات متفاوتة). فكان الأخير يواجه المعارضة داخل صفوف فتح بالفصائل ويواجه الفصائل بقوة فتح، فيخرج من كلا المواجهتين منتصرا على فتح وكذلك على اليسار الفلسطيني المعارض. والتاريخ الفلسطيني الحديث مليء بالأمثلة التي تثبت عجز اليسار الفلسطيني عن قيادة المنظمة مع أن الظروف في بعض الأحيان كانت متاحة وسنحت لليسار الفلسطيني القيام بذلك وقد أضاعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فرصة ثمينة لقيادة العمل الوطني الفلسطيني في نهاية الستينات، ثم أضاع التحالف الديمقراطي الفلسطيني وكان يضم الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة طلعت يعقوب والحزب الشيوعي الفلسطيني "حزب الشعب لاحقا" فرصة ثانية لتعديل كفة الميزان في المنظمة وترجيح كفة اليسار الفلسطيني على قيادة عرفات فيها وذلك بعد انشقاق فتح الانتفاضة بقيادة أبو موسى وأبو خالد العملة في سوريا ولبنان سنة 1983. لكن كل تلك الفرص كانت تضيع بسبب التردد أو بسبب الحنكة السياسية العالية التي يتمتع بها ياسر عرفات،هذا بالإضافة لشبه أجماع  دولي وعربي على ضرورة بقاء قيادة عرفات السياسية ودعمها بكل قوة، باعتبارها قيادة مرنة ومتساهلة ويمكن الحوار معها، بينما الآخرين لهم برامج سياسية لا تتفق ومتطلبات السلام الذي تريد أمريكا فرضه على العالم العربي وبالذات على الجانب الفلسطيني.وأمريكا تعرف بأنه لا سلام يصمد عمليا بدون توقيع فلسطيني رسمي.

يوم أعلن أبو عمار أنه سيقبل بأوسلو وسيلتقي برابين و بيرس وسيوافق على إعلان المبادئ واتفاقية غزة وأريحا أولا،تسبب بصدمات للكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية الذين كانوا يدافعون عنه و يرون فيه القائد التاريخي والختيار الذي لا يمكن له أن يفرط بذرة من تراب فلسطين، وكان لديهم الاستعداد لإطلاق النار على الآخرين دفاعا عن عرفات وعن فتح، ولازال الدم الفلسطيني الذي أريق برصاص فلسطيني وصمة عار تلطخ وجوه الذين ارتضوا بقتل أبناء شعبهم وتخطوا المحرمات الفلسطينية. وفي هذا المجال نحن لا ننحاز لأي من الذين فعلوا ذلك لأنه بصراحة حصل ذلك من قبل جميع القوى الفلسطينية تقريبا لكن بتفاوت وفي أزمنة وأمكنة مختلفة، والمسئولية تقع على عاتقهم كلهم لكن بتفاوت نسبي في حجم الجريمة بين طرف وآخر من تلك الأطراف.ولا ننسى هنا أن نلتفت للقوى والأنظمة العربية التي كانت تغذي الانشقاقات والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني أو العربي الفلسطيني.لأن تلك الأنظمة مارست ولازالت تمارس دورا تخريبيا داخل البيت الفلسطيني.

 

عاد أبو عمار ومن معه من أهل أوسلو إلى غزة وأريحا أولا وبدأت رحلة جديدة من المعاناة الفلسطينية، كان يدفع فيها الشعب الفلسطيني الثمن ويسدد فواتير المرحلة، فبرزت بعودة المنظمة ومع قدوم السلطة وجوه وأصناف من موظفي السلطة كانوا قبل أوسلو مصنفون في عداد المغضوب عليهم ولا الضالين، منهم من كان سقط في السجون أو خارجها، ومنهم من بقي في الوطن المحتل ومنهم من أبعد وعاد ليحتل مواقع مهمة وحساسة في أجهزة السلطة الوليدة والجديدة.ومنهم من كان الفساد والسوس ينخر عظمه منذ عمان ومنذ ما قبل وبعد لبنان فتونس والمنفى العربي والمهجر العالمي.

 من غزة وأريحا بدأت السلطة مهامها ورحلتها الصعبة، وتواصلت المفاوضات مع الإسرائيليين، بعد أن عاد ياسر عرفات إلى غزة من بوابة رفح المصرية الفلسطينية وأستقبله شعبه الفلسطيني استقبال الفاتحين والأبطال هذا بالرغم من تذمر الكثيرين ورفضهم لتلك المعاهدة أو الاتفاقية التي بموجبها عاد الرجل ولو بموافقة من الاحتلال. وتعرف الشعب الفلسطيني على منظمته التي عادت إلى الوطن لكن ليس كما كانت أو كما كان يريدها الشعب الفلسطيني، فالمنظمة عادت بفتح وبعض المشتقات التي انشقت عن تنظيماتها مثل تنظيمات عبد ربه وسمير غوشة وأبو العباس،أما الفصائل الأخرى فكانت كلها ضد أوسلو ومنها من أعتبر هذا كله خيانة وأعتبر أبو عمار سادات جديد" الدكتور جورج حبش- لن نرضى بسادات فلسطيني جديد". وكان واضحا أن قسما مهما وواسعا من فتح لم يرافق عرفات في العودة إلى غزة لأسباب منوعة وعديدة، بل عادت معه وجوه ليست من الطراز الرفيع الذي عرفناه واعتدناه في تونس وقبلها لبنان، فغاب شهداء اللجنة المركزية لفتح أبو جهاد وأبو أياد وأبو الهول وأبو الوليد وماجد أبو شرار، ومن يدري لو كان هؤلاء لازالوا على قيد الحياة هل كان عرفات سيقدم على ما أقدم عليه في أوسلو أم لا؟ فمن الناس من يقول أن موتهم سهل عليه اتخاذ القرار ومنهم من يقول أن موتهم هو الذي أجبره على التسرع في اتخاذ القرار.ولم يعد أبو اللطف وأبو ماهر غنيم وشفيق الحوت ومحمد جهاد وغيرهم.على كل حال ومهما كان السبب فأن قرار سلام أوسلو بشكله المعروف كان قرارا فتحاويا غير متكاملا و بموافقة مشكوك في أمرها وبطريقة سوف يتم الكشف عنها في المستقبل ولكن ليس في المستقبل القريب،لأن الحكاية لازالت تسرد في حياة الرئيس عرفات.

 

بعد أن توطدت العلاقة قليلا بين رابين وعرفات وصارا كما يقول عرفات نفسه ويردد دائما صديقان وشريكان في سلام الشجعان( نرجو أن يتذكر أبو عمار اللد والرملة وما فعله هناك صديقه رابين بأبناء جلدته).بعدما تسلم كل منهما بالإضافة لبيريز جائزة نوبل للسلام أصبحت العلاقة أقوى من السابق، وأصبحت المطالب معلنة ورابين لم يخفها بل كان يرددها دائما على مسامع الدنيا قاطبة، وعلى مسامع الرئيس عرفات، عليك ضرب الإرهاب ومحاربة حماس والجهاد والتنظيمات الراديكالية والإسلامية التي تهدد أمن إسرائيل وعملية السلام. وبالنسبة لحماس والجهاد الإسلامي فقد برزتا في زمن الانتفاضة الأولى وجاءتا لتعبرا عن مد إسلامي ينمو في الشارع الفلسطيني وينسجم مع المد الإسلامي الذي برز وظهر في الشارعين العربي والإسلامي، وكانت جماعات واتجاهات فلسطينية وفتحاوية اتهمت رابين نفسه بأنه هو الذي ساهم وساعد في تأسيس حماس على حساب منظمة التحرير ولمحاربتها بالحركات الإسلامية وذلك أبان الانتفاضة الأولى منتصف الثمانينات. حتى لو كان هذا الكلام صحيحا فأن السحر أنقلب على الساحر. لقد أعربت الفصائل الفلسطينية المختلفة بما فيها حماس والجهاد عن نيتها إسقاط اتفاقيات أوسلو ومواصلة العمليات المسلحة والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وبرزت من ضمن تلك المعارضة المقاومة الإسلامية التي قامت بمجموعة كبيرة من العمليات النوعية داخل الكيان الإسرائيلي وأسفرت عن أحداث حالة هلع وإرباك خيمت على كافة الإسرائيليين. ولم يهنئوا باغتيالهم قادة الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد،وبالذات المهندس يحيى عياش الذي تحول لأسطورة ورمز للعمليات " الاستشهادية المشروعة " فلسطينيا وعربيا و" الانتحارية الإرهابية " إسرائيليا. فحتى بعد تلك العمليات التي أودت بحياة كوادر فلسطينية إسلامية كانت تبرز قيادات جديدة تأخذ مكانها وتباشر العمل ضد الإسرائيليين. وحدث أن اعتقلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مطلوبين فلسطينيين وسجنتهم ومنهم من سلم لإسرائيل بطريقة أو أخرى،وذلك بناء على اتفاقيات أمنية وقانونية وسياسية تمت بين الطرفين(عبر جهاز الأمن الوقائي في غزة والضفة بقيادة دحلان والرجوب). لقد وقف الفلسطينيون جميعا على شفا حرب أهلية فلسطينية بسبب تطبيق السلطة الفلسطينية للاتفاقيات الأمنية وبسبب تواصل عمليات المقاومة الإسلامية والفلسطينية. وهنا نستطيع القول أن الفلسطينيين تخطوا بقدرة قادر تلك العاصفة التي كادت تجعلهم كعصف مأكول.وقد أبدت المعارضة الفلسطينية حرصا كبيرا على عدم الأنجرار لمعارك داخلية كانت كل مبرراتها موجودة وكان بعض القائمين على أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة في السلطة الفلسطينية قدموا كل المبررات لمثل تلك المعارك. فقد تم اعتقال الناس والمناضلين بالعشرات، وأستشهد بعضهم نتيجة التعذيب في سجون السلطة الفلسطينية. كما تمت تصفية بعض الكوادر الفلسطينية الجهادية بتواطؤ واضح أو حتى مشاركة سرية من بعض أجهزة السلطة الأمنية. كل هذا واستطاع الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية تجاوز تلك الأزمات والحفاظ على شعار أن الدم الفلسطيني محرم،مع أن نفس هذه الدماء لم يتم احترام حرمتها وقداستها في حروب لبنان الكثيرة بين الأخوة الأعداء، فدمرت المخيمات وقال المئات من الفلسطينيين في حروب الفصائل والتنظيمات وبسب الانشقاقات والاغتيالات والصراعات والجميع تلطخت حرابهم وبنادقهم وأياديهم بدماء أبناء فلسطين.ولا زالت بعض تلك النزاعات مفتوحة وقائمة في مخيمات لبنان وبالذات في مخيم عين الحلوة أكبر تجمعات الشتات الفلسطيني في لبنان،حيث يعيش حوالي 100 ألف لاجئ فلسطيني على مساحة لا تتعدى 2 كلم. وهؤلاء الفلسطينيون في لبنان وفي الشتات بشكل عام ينتظرون تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تنص على عودتهم وتعويضهم عما لحق بهم من معاناة نفسية ومادية ومعيشية وبممتلكاتهم من خسائر خلال سنوات الشتات الممتدة منذ النكبة سنة 1948.

وتبقى قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين تحاول إسرائيل ومعها أمريكا بلجان الكونغرس واللوبي اليهودي ورؤوس الأموال والسياسة الرسمية للإدارة الأمريكية التي أثبت أنها أكثر إدارات البيت الأبيض تطرفا وعنصرية وعداء للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة، كل هؤلاء يحاولون تجاوز حق العودة وشطبه وإرغام الجانب الفلسطيني على التنازل عنه مقابل أوهام وسراب. وقد أعدت أمريكا وإسرائيل وبعض رجال القانون من التابعية اليهودية دراسات ومشاريع حلول عنصرية لتشتيت اللاجئين الفلسطينيين وتوزيعهم على العالمين العربي والغربي، وبدون أن تتكلف إسرائيل أي شيء،ما عدا الاعتراف بالذنب الأخلاقي. وقد جاءت دراسة الصهيونية الأمريكية دونا آرزت لحل قضية اللاجئين كما تقول الكاتبة لكن الحقيقة أنه مشروع تنظيف عرقي للفلسطينيين من فلسطين كما سماه وعرَفه للقارئ الدكتور سلمان أبو ستة في كتابه القيِم والهام"حق العودة مقدس وقانوني وممكن" صفحة 20 و21 من الكتاب المذكور.هذا الطرح لحل قضية اللاجئين يجب أن يقبر في مهده وأن لا يعطى أي آذان صاغية،لأنه بكل بساطة طرح يعيد ذبح الضحية ويكرم الجلاد،يشرع سرقة الأرض الفلسطينية وتهويدها ويقونن اغتصابها ومصادردتها وتسليمها للمهاجرين اليهود بينما أصحابها لازالوا مشردين ولاجئين على حدود أرضهم وغير قادرين على العودة إلى ديارهم التي توزعها الدولة الصهيونية على المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وإثيوبيا والأرجنتين وفرنسا ورومانيا وغيرهم من البلاد.

وبالمناسبة فأن أي حل لا يضمن عودة هؤلاء أو إعطاءهم حقهم الطبيعي فأنه لن يرى النور أبدا، وهناك قناعة تامة بأن أحدا ما من السلطة الفلسطينية أو غيرها لا يمكنه المساومة أو المهادنة في قضية اللاجئين لأنها قضية كل لاجئ فلسطيني،ولا يوجد أي تخويل للوفود الفلسطينية المفاوضة من قبل الشعب الفلسطيني يمنحهم حرية التفاوض على هذه القضية بالذات،لأن السلطة الفلسطينية لا تمثل كل الشعب الفلسطيني. هناك منظمة التحرير الفلسطينية وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،لكن هذه المنظمة لا تستطيع أيضا بمؤسساتها المعطلة والمغيبة والمرقعة والتي ينخر فيها الفساد والمحسوبيات والسوس أن تقوم بالتفاوض أيضا على قضية اللاجئين. هنا يبرز أمامنا خلل ما في الأمر، من أذن سيفاوض نيابة عن من،ومن سيتحدث باسم الشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين من اجل إيجاد حل لقضيتهم؟؟!الجواب أنه يجب أجراء استفتاء ديمقراطي حر من خلاله يقوم اللاجئين بانتخاب لجنة تمثلهم تكون جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية التي بدورها سوف يتم إعادة بناءها وإصلاحها بشكل ديمقراطي وحضاري،يضمن أعادة ترميمها وتجديدها وبناء مؤسساتها وضخ الحياة فيها، لأنها بكل بساطة كانت مجرد منظر أو مطية للتنازلات وتمرير الاتفاقيات التي كانت قيادة السلطة ترغب بتمريرها بدون العودة للمرجعية الشعبية الفلسطينية.

 

إن فشل عملية أوسلو والتي جاءت مفاوضات كمب ديفيد التي فشلت بدورها،أثبتت أنه لا يوجد لدى الإسرائيليين نية لسلام حقيقي يعطي الشعب الفلسطيني حقه،فقد حافظ الجانب الإسرائيلي على مراوغته وعنجهيته وعنصريته طيلة سنوات الضياع الأوسلووية الفلسطينية،وبينما كانت المفاوضات تدور في عواصم العالم ومدنه،كانت الجرافات الإسرائيلية تقوم بواجبها العقائدي الاستعماري والاستيطاني عبر مصادرة وتجريف الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات الجديدة وتوسيع القديمة وتحديثها،كل ذلك يحدث بحجة النمو الطبيعي للمستوطنات.وكان الجانب الفلسطيني أعجز وأعزل، ولم يستطع وقف السرطان لأن العدو أقوى منه ولأنه بعلم أو بدون معرفة وعلم أعطى الجانب الآخر حرية العمل في ظل السلام وعبر عملية أوسلو،فأصبح ينطبق عليه المثل الشعبي القائل "جاء كي يكحلها فعماها".

 طبعا إسرائيل استغلت هذا العجز وتلك السياسة المهادنة أو المستهترة،وواصلت سياسة المصادرة والاستيطان، وتبين لاحقا أن فترة السلام كانت بنفس الوقت فترة ازدهار و توسع الاستيطان في الضفة الغربية بشكل رهيب ومخيف. وكان الشعب الفلسطيني يدفع فواتير سلامهم لا السلام الحقيقي والعادل والكامل مضاعفة،بينما الجانب الإسرائيلي يجني ثماره السياسية والمالية والاقتصادية والتوسعية والقانونية والدولية،من إلغاء البند الشهير في قرارات الأمم المتحدة الذي يقول أن"الصهيونية شكل من أشكال العنصرية" وحتى أصبح الكفاح الوطني المسلح ضد الاحتلال إرهابا..ثم  بقدرة قادر وبفضل سلام الشجعان أصبحت قيادات إسرائيل التي ارتكبت أكبر عملية سطو وذبح وتنظيف عرقي في فلسطين المحتلة،قيادات مسالمة وتستحق جوائز نوبل للسلام،بينما صاحب الحق صار ضعيفا وغير ذو قدرة على أقناع الآخرين بحقه وحقوقه التي تنص عليها كافة المواثيق والقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. في هكذا أجواء سياسية صعبة ومجهولة بالنسبة  للإنسان للفلسطيني العادي،ومع الصدمة الكبيرة التي أحدثتها عملية السلام،التي بدورها أفقرت الشعب الفلسطيني ودمرت بنيانه الاجتماعي والاقتصادي الذي كان قائما كما كان في زمن الاحتلال.وجد الفلسطيني نفسه بلا عمل و بلا إنتاج و بلا أمن وأمان و بسجون تغيرت أسماءها أو تبدل حراسها ومن كان سجانها،ثم صارت المحسوبيات صفة من صفات الحصول على وظيفة أو عمل، وصار الفساد سيد الحياة الدنيا في الضفة الغربية وقطاع غزة ومؤسسات ووزارات السلطة. صار الوزير مثل الزير،والقائد الأمني مثل الحاكم العسكري أو المدني،وقمعت المعارضة وسدت بعض الأفواه كما كممت بعضها تماما، اغتنى بعض البشر وأما البقية فأصبحت تحت خط الفقر أو ما شابه ذلك.

 وفي الأفق التفاوضي والسياسي والوحدوي الفلسطيني الداخلي كانت الأمور صعبة والأوضاع تغلي وتزداد تفاقما وتنذر بثورة شعبية كبيرة. وهذا ما حدث يوم زار شارون المسجد الأقصى زيارة استفزازية بدعم وإسناد من رئيس الوزراء العمالي براك وبحراسة أمنية قدرت ب2000-2500 شرطي ورجل أمن إسرائيلي. لكن هذا لم يمنع الفلسطينيين من صد شارون ورده هو ومن معه من الأوباش، فكانت شرارة بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية يوم هذه الزيارة المصادف 28-09-2000.امتدت الانتفاضة لتعم كل أراضي فلسطين الطبيعية من القدس إلى الضفة وغزة وحتى جماهير الجليل والمثلث والنقب التي دفعت عشرات الشهداء ومئات الجرحى في خروجها القوي لدعم الانتفاضة الفلسطينية والتنديد بحكومة براك المستهترة والكاذبة. وأثبت الانتفاضة بأن الشهب الفلسطيني واحد وأنه شعب حي يحس بالألم نفسه في كل أماكن تواجده وتشتته في الوطن وخارجه. بعد أن فشلت إسرائيل في قمع الانتفاضة الشعبية المسالمة والتي تشبه العصيان المدني قامت باستعمال السلاح بكل أصنافه وأشكاله من البنادق الرشاشة والغازات المسيلة للدموع حتى الطائرات المروحية والحربية والدبابات والصواريخ وكل ما ملكت إسرائيل من أدوات قتل وقمع وتنكيل.

بعد عدة أشهر من التحركات و التظاهرات السلمية التي كانت تتطور لقذف بالحجارة، وبعد أن حصد الجيش الإسرائيلي حياة المئات وجرح الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء وبدأ حملة منظمة لضرب البنية التحتية الفلسطينية وتصفية القيادات والكوادر التي تعتبر خطرة على الإسرائيليين، بدأت القوى الفلسطينية المختلفة ممارسة العمليات العسكرية واستخدام السلاح ضد الجيش الإسرائيلي والإسرائيليين. فحدثت سلسلة من العمليات التي جعلت إسرائيل تهتز من النهر إلى البحر، واستطاعت العمليات الفلسطينية وخاصة التي استهدفت المدن والتجمعات والباصات والمطاعم والمقاهي(كانت العمليات تركز على تجمعات الجنود والمجندين في تلك الأمكنة المستهدفة)،واستطاعت تلك العمليات نشر حالة من الهستيريا والرعب والهلع في صفوف الإسرائيليين، وعطلت السياحة بشكل كامل وانهار قطاع الخدمات والسياحة والمواصلات وكادت الحركة تتوقف وتنعدم الحياة في المجتمع الإسرائيلي.

لقد أبرزت الوحشية الإسرائيلية في التعامل مع الانتفاضة نهج الاستشهاد وأعادت الحيوية للمقاومة الفلسطينية التي كانت عاجزة عن تجهيز الأعداد الهائلة والكبيرة من المتطوعين الفلسطينيين للاستشهاد وتنفيذ عمليات استشهادية ضد إسرائيل. حتى حركة فتح التي قادت عملية سلام أوسلو انضمت بأجزاء منها للمقاومة التي كانت محصورة في الحركات الإسلامية،فتأسست كتائب الأقصى ولجان المقاومة الشعبية والجيش الشعبي،وقدمت فتح كوكبة مهمة من قادتها وكوادرها وأعضاؤها في الانتفاضة الحالية. هذا وأعادت الانتفاضة الحيوية أيضا للأجنحة العسكرية للفصائل اليسارية الفلسطينية فتم تأسيس كتائب الشهيد أبو علي مصطفى التابعة للشعبية وكتائب المقاومة الوطنية للديمقراطية والعودة وغيرها من الأجنحة،هذا بالإضافة لأقواها وأكثرها سرية وتجهيزا كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في فلسطين.في تلك الفترة كانت إسرائيل تخطت الحدود الحمراء باغتيالها أمين العام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى في مكتبه برام الله،مما حدا بالجبهة الشعبية للرد بقوة واغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الفاشي رحبعام زئيفي المعروف عنه عنصريته وعدائه الشديد للفلسطينيين والعرب.بعد ضربة الاغتيال تلك قامت إسرائيل باجتياح المناطق الفلسطينية في عملية أطلقت عليها اسم عملية السور الواقي،هذا وكانت إسرائيل قبل العملية المذكورة أفشلت كافة المحاولات السياسية التي جرت لإعادة الأمور إلى نصابها وتفعيل الحل السياسي.وكانت مرحلة براك انتهت بهزيمته النكراء في الانتخابات أمام شارون القوي، العائد على صفيح ساخن والذي كان الشرارة التي أشعلت نار الغضب والحقد الدفين والنقمة على السلام العليل وما جاء به من مآسي وويلات في فلسطين.

لقد أتى شارون بمشروع تصفية السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وبنيتها التحتية وذلك عبر إعادة اجتياح واحتلال المناطق الفلسطينية وفرض سياسة الأمر الواقع وتكملة ما لم يستطع تكملته في عملية سلامة الجليل سنة 1982 لكن بين ذاك الزمن الماضي وهذا الزمن الحاضر شتان،فالفلسطينيون يقاتلون على أرضهم وبين جماهيرهم وفي مواجهة يومية مباشرة مع عدوهم الأول. وقد اختلفت الأمور عن سابقاتها ولم يعد أمام الفلسطينيين سوى الصمود والمقاومة فالعدو من أمامهم والبحر من وراءهم.

وفي آذار 2002 بدأت عملية الاجتياح التي أسفرت عن مذابح عديدة في مخيم جنين وفي أحاء نابلس كالبلدة القديمة وحي الياسمينة.وكذلك في باقي المدن والمناطق الفلسطينية في الضفة وغزة. كما تم اعتقال قيادات فلسطينية ميدانية وبرلمانية وسياسية مثل مروان البرغوثي مسئول فتح في الضفة الغربية وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني،كذلك الشيخ حسن يوسف مسئول حماس السياسي في الضفة، وعبد الرحيم ملوح نائب أمين عام الجبهة الشعبية، مع العلم أن الأمين العام للجبهة أعتقل بناء على توصية أمريكية إسرائيلية وبقرار من السلطة الفلسطينية وتم احتجازه في مقر المقاطعة في رام الله هو ورفاقه الذين نفذوا عملية تصفية زئيفي،ولم تفلح كل المناشدات في ثني السلطة عن اعتقال سعدات ومن ثم المطالبة بالإفراج عنه.ثم تمت محاكمته بشكل صوري في مقر المقاطعة حيث كان  الرئيس عرفات محاصرا ولازال حتى يومنا هذا. وقد أسفرت عملية السور الواقي عن اعتقال آلاف الفلسطينيين وقتل وجرح آلاف أخرى،كما حوصرت كنيسة المهد وفي داخلها بعض المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين الذين انتهت معاناتهم في الحصار عبر صفقة إبعادهم التي وافق عليها الرئيس عرفات لتشكل أول عملية إبعاد في التاريخ الفلسطيني تتم بموافقة سلطة أو هيئة فلسطينية. كما تمت عملية أو صفقة محاكمة سعدات ورفاقه بالإضافة لفؤاد الشوبكي وتم نقلهم بحراسة أمريكية بريطانية إلى سجن أريحا.ولم تشفع تلك الصفقات للرئيس عرفات بحيث منح حرية محدودة لم تدم أكثر من أيام معدودة ثم عادت إسرائيل لتحاصره من جديد وتشدد حصاره وتمنع عنه كل شيء تقريبا،لكن عرفات المراوغ والمعروف عنه انتعاشه في فترات كهذه،لازال في حصاره يمسك بدفة السفينة،هذا على الرغم من المطالب الأمريكية والإسرائيلية العلنية بإلغائه وتنصيب شخصية أخرى في مكانه.وفي هذا الإطار تم استحداث منصب رئيس وزراء فلسطين الذي جاء ليكون مكان الرئيس الفلسطيني وليتمتع بصلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس،هذا وطالب بوش وشارون ومن معهما بالإصلاح والمحاسبة والشفافية وإعادة بناء السلطة الفلسطينية على أسس أمريكية إسرائيلية. ومنعت أمريكا الرؤساء والملوك والقادة من العرب والأجانب من زيارة عرفات أو الاتصال به كنوع من العزلة السياسية خاصة والرجل في حصار خانق وشديد ووضع صعب ومحرج. المهم أن التجاوب مع مطالب بوش كان كليا من قبل العرب والأجانب،وبقي عرفات وحده يسند ظهره لجدار نصف واقف ولشعب لازال يقف بوجه الريح ويدافع عن حقه المشروع والممكن والقانوني والمقدس،ويحمي قيادته التي لم تستفد لغاية الآن ولم تتعلم من تجاربها السابقة بأن هذا الشعب هو جدارها الواقف وصلبها وعمدان بنيانها وأساس وجودها وبقاءها ومكانتها.فعلى الرغم من كل ما حصل وحدث وكل ما نتج عن تصرفات وقرارات القيادة التي لم تسأل الشعب الفلسطيني عن رأيه بتلك التصرفات والقرارات،ألا أن الشعب الفلسطيني لازال متمسكا بقيادته الشرعية وبأبي عمار كي يثبت للأمريكان بأنهم والإسرائيليون غير مؤهلين ولا يستطيعون تقزيم الشعب الفلسطيني وفرض إرادتهم السياسة على هذا الشعب،لا عبر رئيس وزراء جديد يكون في جعبتهم ولا عبر وزارة جديدة تشرع خططهم وطرق عملهم.

 صحيح أن الشعب الفلسطيني كان يطالب القيادة الفلسطينية بالإصلاح والمحاسبة وإعادة تأهيل وبناء السلطة والمنظمة ،وصحيح أن السلطة ورئيسها لم يجيبا الشعب الفلسطيني ولم يتجاوبا مع تلك المطالب إلا عندما فرضتها الغطرسة البوشية والشارونية،لكن ورغم ذلك فقد هب هذا الشعب ليقول نحن من يحمي الشرعية الفلسطينية ومن يصون السلطة والمنظمة ومن يدافع عن أبي عمار بوجه محاولات شطبه والانقلاب عليه بدعم أمريكي إسرائيلي. لذا فأن سير عمل الحكومة الجديدة برئاسة أبو مازن سوف يكون الاختبار الفعلي للمكانة التي كان عرفات يحتلها وهل لازالت قائمة أم أنها اهتزت وتضررت وتداعت بشكل جعل أبو مازن ينتصر لأول مرة في حياته السياسية ويفرض بقوة التأييد الخارجي والتدخل الدولي والعربي والتهديد الإسرائيلي تشكيلة وزارته على الرئيس الفلسطيني وعلى حركة فتح وعلى المجلس التشريعي الفلسطيني. وهذه تعتبر أول معركة سياسية داخلية علنية يخسر فيها الرئيس عرفات وسوف تسجل في التاريخ الفلسطيني الحديث. لكن خسارة موقعة لا يعني الهزيمة والتسليم وخسارة الحرب أو نهاية المعركة.لأن أبو عمار قوي ويملك أسلحة كثيرة لا تتوفر عند خصومه، وهو يملك رصيد شعبي كبير وتاريخ وطني وسياسي وميداني عريق،لا يملكه الآخرين ولا يملكون أيضا شعبية في الشارع الفلسطيني. وما استقالة صائب عريقات سوى الخطوة الأولى على طريق تحديد ملامح السياسة العباسية القادمة. وما اختيار جبريل الرجوب ليكون نائبا لوزير الداخلية ومسئول الأمن في الضفة الغربية،سوى دليلا جديدا وإضافيا على نوعية السياسة العباسية القادمة. فالرجوب سيعود من باب خريطة الطريق كما يراها شارون وآخرين عادوا من أبواب الخريطة نفسها وكما يراها بوش. فبأي لاءات حكومة فلسطين الجديدة سيسبح شعب الشهداء والمقاومة والانتفاضة ؟

قد يقول البعض أن الحركات الإسلامية الأصولية الفلسطينية سوف تفشل مهمة وزارة أبو مازن وتقضي عليها وعلى آمال السلام التي ستأتي به. هذا كلام غير واقعي وغير علمي وغير صحيح وهو مجرد استنتاجات تعتمد في كتابتها على الدعاية الأمريكية المغرضة وفي تسويقها على الأعلام الذي لا يلاطف الإسلاميين ولا يريد لهم الخير ولا يشاطرهم أي محبة أو صداقة أو حتى رأي. فالعمليات الاستشهادية بالمفهوم الفلسطيني والانتحارية بالمفهوم الآخر،قائمة وموجودة وتعتبر السلاح الذي لا مناص منه يوم تصعد إسرائيل من عدوانها وجبروتها في المناطق الفلسطينية وهي كما يعلم القارئ والمتابع سلاح ذو حدين، لكنه سلاح فعال ومؤثر في عملية الصراع،لأنه لا يوجد عند الشعب الفلسطيني أباتشي أو طيور أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل أو قنابل وصواريخ، كل ما يملكه الشعب الفلسطيني أبناءه الذين يحبون الموت لأجل الحياة كما يحب أعدائهم الحياة لأجل الحياة. أما الحكومة الفلسطينية الجديدة إذا ما التزمت بالحق الفلسطيني وعملت على تحقيقه وانتزاعه سلما أو حربا،فأنها سوف تحظى بدعم الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية،أما إذا جاءت لتقوم بما عجزت إسرائيل عن القيام به وتحقيقه،تكون كمن يحفر قبره بيده.وهنا لا بد من تأكيد المخاوف الفلسطينية الشعبية والفصائلية التي نتجت عن بيان حكومة أبو مازن والذي أعتبر السلاح المقاوم سلاحا غير شرعي، وأن السلاح الشرعي سيستخدم لحفظ الأمن والنظام فقط. لماذا فقط هذه؟ وهل السلاح الذي تحمله أجهزة الشرطة والأمن الفلسطينية سلاح للاستعراض ولترهيب اللصوص أو الخارجين عن القانون، أنه سلاح الشعب الفلسطيني ولا يمكن لسلاح تابع للشعب الفلسطيني أن يكون موجها ضد الشعب الفلسطيني بل يجب توجيهه إلى الوجهة الصحيحة، وهذه الوجهة معروفة ومكشوفة وواضحة وهي وجهة السور الواقي من حيث جاءت دبابات الغزو التي دمرت السلطة الفلسطينية وقتلت وروعت الفلسطينيين.ولازالت حتى يومنا هذا تعتقل وتحاصر رئيس دولة فلسطين وسلطة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية.يجب تصحيح تلك المقولة والقول أن لهذا السلاح مهمة واحدة،هي الدفاع عن الأرض والشعب.أما إذا كان له مهمة أخرى غير تلك فسوف يكون سلاح خارج عن الشرعية الجماهيرية والشعبية الفلسطينية وسوف يسقط في أول امتحان سيواجهه على الأرض الفلسطينية.

 أن المفاوضات الجادة والمقاومة الجادة سلاح واحد يجب الدمج بينهما واستثمار كلاهما من أجل تحقيق المصلحة الوطنية الفلسطينية واستعادة الحقوق الوطنية المغتصبة،إذ لا يمكن فصلهما عن بعضهما أبدا.فهل سيرقى كلٍ من الحكومة الفلسطينية الجديدة والمقاومة الفلسطينية العتيدة لمستوى الاستحقاقات ولمطالب الوحدة الوطنية والتمسك بتحريم المحرمات،خاصة أن تجربة مخيم عين الحلوة  الأخيرة وما شاهدناه ورأيناه تجعلنا نؤكد من جديد على لغة الحوار وتعزيز وتمتين المناعة الفلسطينية بوجه الالتجاء للسلاح لحل المشاكل الداخلية. ويجب أن تكون تلك التجربة مثالا حيا ومؤلما يبعث في الفلسطينيين الإصرار والعمل من أجل الوحدة الوطنية الفلسطينية. لأنه إذا أنقطع حبل الوحدة الوطنية الفلسطينية،فسوف سنشهد تحولا دراماتيكيا في العلاقات الفلسطينية- الفلسطينية وكل ذلك على خلفية خارطة الطرق وما فيها من مطالب ستجبر الحكومة الجديدة على اللعب بالنار التي تحرق كل من لا يعرف كيف يخمدها أو كيف يقوم بأطفاءها في الوقت المناسب.

 



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصمت على الجرائم مشاركة في الجريمة
- صحوة وصرخة الأهالي في عين الحلوة
- النرويج ليست أمريكا أو إسرائيل
- الرياضة والسياسة والعرب والإسرائيليين
- العربي نضال حمد فلسطيني عراقي
- عين الحلوة بين تزمت الإسلاميين وعنجهية الفتحاويين
- الصراع الإسلامي الفتحاوي في مخيم عين الحلوة
- الحكومة الفلسطينية تدخل النفق المظلم
- عجائب وغرائب لكنها حقائق إسرائيلية
- زيارة باول المشروخة
- دولهم ودولنا..
- يوم النكبة الفلسطينية
- صرخة باردو العنصري
- طرد جماعات السلام جزء من عملية اغتيال السلام
- يزول الإرهاب بزوال أسبابه
- لغة قطر العجيبة والغريبة
- خارطة الطريق بلا طرق
- شواكيش عراقية وعربية
- الغريب والعجيب في زمن بوش الحبيب
- من أخبار الدنيا الأخرى


المزيد.....




- -بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعتقل 4 مواطنين و9 إثيوب ...
- اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون -خدعة- أو مقدمة لحرب مدمرة
- بسبب استدعاء الشرطة.. مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للت ...
- روسيا تستهدف منشآت للطاقة في أوكرانيا
- الفصائل العراقية تستهدف موقعا في حيفا
- زاخاروفا: تصريحات المندوبة الأمريكية بأن روسيا والصين تعارضا ...
- سوناك: لندن ستواصل دعمها العسكري لكييف حتى عام 2030
- -حزب الله-: مسيّراتنا الانقضاضية تصل إلى -حيث تريد المقاومة- ...
- الخارجية الروسية: موسكو تراقب عن كثب كل مناورات الناتو وتعتب ...
- -مقتل العشرات- .. القسام تنشر فيديو لأسرى إسرائيليين يطالبون ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نضال حمد - نظرة على المشهد الفلسطيني العام