|
المال السياسي
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 19:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أننا نريد الديموقراطية ولكننا لا نعرف أهم مكوناتها ، ونريد حرية التعبير بشرط أن تمس معتقدات وآراء الآخرين ، لا أرائنا نحن ..
الديموقراطية هى تنافس أطراف ذات ثقل اجتماعى واقتصادي للوصول إلى سلطة القرار في الدولة ، واستخدامها لتحقيق مصالحها ، ومن هنا كانت الديموقراطيات العريقة تقوم على أساس أحزاب للرأسماليين - كحزب المحافظين في بريطانيا والحزب الجمهوري في أمريكا - وأحزاب للعمال والطبقات الوسطى ( كحزب العمال فى بريطانيا والحزب الديمقراطى في أمريكا ) وذلك بصفة عامة ..
أى أن الديموقراطية في الدول التى نحاول تقليدها هى - ظاهرياً على الأقل - تعبير سياسى عن واقع اقتصادى معين ، ومن هنا كان المال للديموقراطية والتنافس على أساسها ضرورة وجود ..
وفى مصر ترتفع مع كل إنتخابات الأصوات محذرة من خطر المال فى السياسة ، ويبدو أن الناس يطالبون بديموقراطية خيالية ، فالديموقراطية بمفومها وتطبيقها الغربي - الذي نحاول تقليده - تعطى المال الكلمة الأولى في القصة كلها ..
وبغض النظر عن أن الموضوع يستخدم فى مصر بطريقة " خام " إلا أن المنطق واحد .. المال شئ طبيعى فى أى عملية تنافس سياسي ، فما يتم التنافس حوله هو السلطة وصولجانها ، وهى مطمع كل أصحاب المطالب والمصالح ..
واذا كان المال يستخدم أحياناً فى مصر كرشوة مباشرة للناخبين ، فإنه يستخدم في أمريكا فى شكل إعلانات ودعاية على الشاشات وفى الصحف ، وحملات انتخابية تستخدم فيها كل أنواع المؤثرات ، وهى أمور مكلفة جداً ، فجذب الزبون - أو الناخب - أو الضحك عليه ، ناحية هذا المرشح أو ذلك يستلزم هناك أيضاً أموالا طائلة ..
كما أن المال السياسى المقدم لتمويل الحملات الانتخابية لمرشحى الرئاسة أو الكونجرس أو حكام الولايات يصل إلى مليارات ، وتنفقه شركات ومراكز قوى تنتظر رد الجميل بعد الانتخابات !! إذا أردنا الديموقراطية فيجب أن نعرف عيوبها ، حتى نكون على بينة مما نطالب به ، وهى عيوب ليست جديدة ، ويتكلم فيها العالم كله ..
المال والدعاية فى الديموقراطية على الطريقة الغربية إذن هو أساس وجودها .
ومن ناحية أخرى لم تنجح الديموقراطية فى النظم الاشتراكية واليسارية ، لأن تنافس الطبقات والفئات الإجتماعية تم منعه ، وابعدت الطبقة الرأسمالية وازيحت ، كما أن أغلب الطبقة العاملة في تلك المجتمعات يعملون كمستخدمين وموظفين وعمال لدى الدولة وهيئاتها ومؤسساتها الإنتاجية والخدمية ، وبمنع الطبقة الرأسمالية وشراء الطبقة العاملة امتنع مبرر ومعنى التنافس السياسي للوصول إلى السلطة العليا في المجتمع ، ومن هنا كان التنافس السياسي فى النظم اليسارية والاشتراكية باهتاً وغير مقنع ، بعكس الدول الغربية التى تركت حرية التنظيم للفئات الاجتماعية بضوابط تجعلها تحت السيطرة ، واصطنعت شكلاً براقاً بغض النظر عن محتواه الفعلى ..
وللديموقراطية ، بخلاف المال السياسي مشاكلها الأخرى ، ومن عيوب الديموقراطية - باختصار - بجانب المال السياسى الجوانب الآتية :
- أنها قد تستخدم لتقوية مجموعات عرقية أو طائفية أو مناطقية كما يحدث الآن في العراق ، وكما حدث سابقاً فى لبنان ، فعدم تكَّون مفهوم الدولة أو تراجعه يفتح الطريق فوراً لظهور تكوينات ما قبل الدولة ؛ كالعشيرة والطائفة والعرق والإقليم ، وعندما تأتى الديموقراطية فى ظروف كهذه فهى وصفة ممتازة لتمزق الدول وتفتيتها ..
- أن الديموقراطية وعلى خلاف ما هو شائع هى باب واسع لوصول انتهازيين وفاسدين بل وقادة عصابات أحيانا للسلطة فى بعض البلاد ، ومن قرأ شيئاً عن الانتخابات فى الهند ( إنتخابات الولايات والانتخابات البرلمانية ) سيجد أموراً عجيبة ، ذكر بعضها الكاتب الأمريكى فريد زكريا فى كتابه " مستقبل الحرية " ، وقصة ساركوزي في فرنسا والأموال التى أوصلته إلى السلطة - ومنها أموال القذافى الذي شارك ساركوزي فى دمار بلده وقتل القذافى نفسه - شاهد ودليل ..
- أنها باب مفتوح لوصول تيارات متطرفة إلى سلطة القرار في الدولة ، أو وصول مرشح متعصب ، أو مرشح عالى الصوت إلى مواقع حساسة ، يصبح من خلالها متحكما فى مصير عشرات الملايين ومصير دولة بأكملها ، وهناك أمثلة كثيرة لدول سلمت مصيرها لمرشحين من هذا النوع ، وفى أرقى البلدان علماً وثقافة كألمانيا ، فلم يصل هتلر - الذي كان سبباً فى أكبر مجزرة في تاريخ البشرية والتى ذهب فيها ٦٠ مليون إنسان وهى الحرب العالمية الثانية - لم يصل إلى السلطة سوى بصناديق الإنتخابات !!
هذه ليست دعوة لكراهية الديموقراطية .. اطلاقاً بل هى دعوة لفهم ما نطالب به ونتمنى تحقيقه في بلادنا ، ومشاكله وعيوبه التى يتكلم عنها العالم أجمع سوانا ، فنحن مازلنا في المرحلة الرومانسية فى النظر إلى الديموقراطية وتطبيقها ..
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسيين .. ومذكراتهم التى لم يكتبوها
-
السادات .. مجرد ملاحظات
-
الجانب الآخر من الصورة
-
الانقطاع والاستمرارية فى السياسة والاقتصاد المصرى
-
هل كان الأمر طبيعياً ؟!
-
وجهين لعملة واحدة ..
-
إعادة بعث الماضى .. فى السياسة
-
مقتل رجل ليست له قيمة ..
-
أستاذ الجامعة ... نماذج
-
لماذا تتعثر الديموقراطية فى العالم الثالث ؟
-
كيرة والجن ..
-
هل الديموقراطية هى الحل ؟ نعم ولكن ..
-
المطالبة بالديموقراطية
-
معضلة التنظيم السياسي
-
تركيا .. وقصتها الطويلة معنا
-
حرب الأفكار
-
أشك !!
-
الدرس الجديد
-
أمر مريب ..
-
جمال عبد الناصر وونستون تشرشل ..
المزيد.....
-
وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا
...
-
مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
-
استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
-
عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
-
بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
-
الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
-
ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا
...
-
-بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات
...
-
الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
-
سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|