أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - إعادة بعث الماضى .. فى السياسة














المزيد.....

إعادة بعث الماضى .. فى السياسة


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7330 - 2022 / 8 / 4 - 19:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الماضى لا يموت ، وخصوصا في السياسة ، يبدو أنه يتوارى قليلا ، فى بطون الكتب أو في اجداث القبور أو فى أروقة المتاحف ، لكنه يبقى مؤثرا دوما في الطبقات العميقة للشعوب ، وإذا رأى فرصه مناسبة ، او وجد من يستغله خرج من بطون الكتب ومن اجداث القبور ومن أروقة المتاحف إلى دنيا الناس يحاول أن يعيد ما انقضى فى غير زمنه ، وفى المرة الأولى - كما قال الحكماء - قد يكون مناسباً ومتناسباً مع عصره ، أما فى المرة الثانية فهو أشبه بالملهاه أو المأساة ..

والأمثلة على ذلك كثيرة :
- فقد استغل موسولينى زعيم إيطاليا في النصف الأول من القرن العشرين انتصارات ألمانيا في بداية الحرب العالمية الثانية وانضم إليها ، حاسباً أنها الفرصة المناسبة لإعادة مجد الإمبراطورية الرومانية القديمة ، ومعها مجد إيطاليا وريثة الإمبراطورية فى رأيه ، وعاصمتها الخالدة روما ، وكانت الإمبراطورية الرومانية قد انهارت منذ أكثر من ألف عام ، وأخذت ألف عام أخري قبلها وهى فى طور الذبول والانهيار ، وهو ما شرحه إدوارد جيبون باستفاضة في مؤلفه العظيم " اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها " لكن الوهم صور لموسولينى أن يعيد فى القرن العشرين حياة القرن الأول الميلادى وما قبله ، كأن مئات السنين وتطور الشعوب وتغير نمط الحياة كل ذلك بلا قيمة ، لكن المهم فى رأيه إعادة يوليوس قيصر واغسطس - بل ونيرون - إلى القرن العشرين بعد موتهم بألاف السنين ..
كانت المحاولة مضحكة بالطبع ، وما بدء بمحاولة إعادة بعث مجد إيطاليا القديم واحتلالها لغيرها من البلاد إنتهى بوقوع إيطاليا نفسها تحت الاحتلال الأمريكى ، وإعدام موسولينى !!
وكان هذا هو الدرس الأول لمن يحاول أن يعيد الماضى البعيد فى غير عصره ولا أوانه ..

- وكانت المحاولة الثانية هى محاولة اليهود إعادة وجود محدود لهم فى فلسطين منذ أكثر من ٢٥٠٠ عام إلى الحياة مرة أخرى ، ولململة بناء دولة من اشتات لغة قديمة اندثر أغلبها ، ومن تراث دينى قديم ، أعيد تفسيره ليخدم الخطط السياسية الجديدة ، وكان حظ اليهود أن وقفت خلفهم القوى العظمى في كل عصر( بريطانيا فى القرن ١٩ وبدايات القرن العشرين ، وأمريكا منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن ) ..
وبغض النظر عن القوة الإسرائيلية ومَن ورائها ، فوجود إسرائيل تاريخياً محسوم ، والقوة متغيرة ومعها يتغير أحوال البشر وأحوال الدول كبيرها وصغيرها ، والمغامرة الإسرائيلية مصيرها الزوال مهما طال الزمن ، ككل شئ قائم على أساس واه ٍ ، وبناء كله من الأساطير ..

- كانت المحاولة الثالثة من شاه إيران في السبعينات من القرن العشرين ، عندما خطر على باله اعاده المجد القديم لامبراطورية الفرس ، وإذا به فجأة يتذكر ملوك فارس القديمة وحكمهم للبلاد البعيدة ، ويحاول أن يتشبه بهم ، وعندما تمادى فيما هو فيه ، كانت النتيجة أن استيقظ فجأة على صوت الناس الهائجة خارج قصره العظيم ، تطالبه بالذهاب والتنحى ، ويطالب بعضهم برأسه ، وكان أن هرب ذات ليلة من بدايات عام ١٩٧٩ إلي أمريكا ، وعندما رفضته ورفضه غيرها ، قبله السادات هنا فى مصر ، وبعد عام واحد مات ، ودفن بعيدا عن بلده وأرضه التى عاش ٣٧ حاكما بأمره فيها ..

لم يكن من خلَف الشاه فى إيران بأكثر ذكاء منه ، لقد حاول رجال الدين الذين جاءوا بعده نفس المحاولة ولكن بطريقة مختلفة ، حاولوا إعادة بعث مجد بلادهم القديم ، وسيطرتها على ما حولها من البلدان بسلاح الدين هذه المرة ، واحيوا من رقدة القرون نعرات طائفية ظن الناس أنها إنتهت ، وانحيازات مذهبية كان مكانها القرن الأول الهجري ، وعاد الناس مرة أخري إلى الصراع القديم بين على ومعاوية ، وبين الأمويين وشيعة على وأبناءه ، وكأن مئات السنين التى انقضت على ذالك التاريخ القديم هباء ، وسار وراء الشيوخ الايرانيين كثيرون من الشيعة العرب ، ومازلت فصول الملهاة مستمرة ، ولم يكتب الفصل الاخير فيها حتى الآن ..

- وكانت المحاولة الخامسة ، هى محاولة الرئيس التركى الحالى أردوغان اعاده بعث امبراطورية أجداده الأتراك البائدة وحكمهم للعالم العربي بسلاح الدين أيضا ، كان العالم العربي قد استقل عن الأتراك وغيرهم ، وبنى دولا جديدة ، وسار في طريق التحديث كثيرا ، وإذا به فجأة يجد من يريد عودته مرة أخرى إلى حظيرة السلاطين الأتراك وحريمهم ، والانكشارية ( الجيش التركى ) والاغوات ، ودنيا الجهل والغطرسة التركية المعتادة ، ومازلت المحاولة مستمرة أيضا ، تحاول أن تلبس العصر الحديث لباس القرون الوسطى ، وتعيد في غير زمنها ولا عصرها امبرطوريات بادت ، ونظم حكم اكل الزمان عليها وشرب !!

ومن الحق أن يقال أن المحاولة الإيرانية لإعادة بعث مجد الإمبراطورية الفارسية بسلاح الدين والمذهب الشيعى ، وكذلك المحاولة التركية لإعادة بعث امبراطورية الأتراك بسلاح الدين أيضا وعودة الخلافة ، كانت كلتاهما صدى لمشاريع خارجية غربية( أمريكية بريطانية فى الأساس ) ترى الدين سلاح ممتاز ولا يجب تركه ، لإعادة تدوير المنطقة وارجاعها إلى النفوذ الغربى ، بعد وضع المظلة الإيرانية على نصفها والمظلة التركية على نصفها الآخر ، وبعد ارجاعها إلى أكثر نسخ الدين تعصبا وانغلاقاً بل وارهاباً ..

سيفهم الأتراك والايرانيون كما فهم غيرهم في الشرق والغرب أن إعادة بعث ماضيهم على حساب غيرهم مهمة مستحيلة ، وان إعادة إحياء العظام وهى رميم هى قدرة الخالق وحده ، وان ما يحاولون فعله مضر بهم قبل غيرهم ، فقديما قالوا .. من لا يتعلم من اخطاء التاريخ وخطاياه.. مكتوب عليه تكراره .

سينتهى ذلك كله فى وقت ما ، لكن ما سيستمر هو إستغلال البشر للتاريخ وللماضى في السياسة ، فهو معين لا ينضب لبائعي الأوهام للشعوب ، ولاصحاب المصالح وأصحاب النفوذ من الدول الكبرى ..
ومازلت الملهاة مستمرة ، ومازال المخدوعون لا يتعلمون ، ومازلت الشعوب هى من تدفع الثمن من حياتها ، ومن تطورها ، ومن أعصابها ..



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل رجل ليست له قيمة ..
- أستاذ الجامعة ... نماذج
- لماذا تتعثر الديموقراطية فى العالم الثالث ؟
- كيرة والجن ..
- هل الديموقراطية هى الحل ؟ نعم ولكن ..
- المطالبة بالديموقراطية
- معضلة التنظيم السياسي
- تركيا .. وقصتها الطويلة معنا
- حرب الأفكار
- أشك !!
- الدرس الجديد
- أمر مريب ..
- جمال عبد الناصر وونستون تشرشل ..
- 30 يونيو 2013 ... أسئلة وأجوبة .
- المعنى الحقيقى لما حدث فى مصر فى 30 يونيو 2013 ..
- الديموقراطية الأمريكية
- العراق ولبنان .. وأسئلة حول الديموقراطية !
- لماذا يدافع الإخوان عن تركيا بهذه القوة ؟!
- الخداع في السياسة .. بين المتقدمين والمتأخرين
- قصتنا مع تركيا


المزيد.....




- أكثر من 420 ألف رطل من الذخائر وقرابة 30 صاروخ -توماهوك-.. إ ...
- بيانات دول عربية على الضربة الأمريكية بإيران فجر الأحد
- الأردن.. جدل حول مدى تأثر المملكة باحتمال ضرب مفاعل ديمونا ب ...
- سلاح إيراني برسائل عقائدية وتكتيكية.. ماذا نعرف عن صاروخ خيب ...
- إسرائيل ستعيد رفات ثلاث رهائن من غزة والرئيس هرتسوغ يطالب بـ ...
- هل انتهى البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة الأميركية؟
- الدويري: طهران تخطط لحرب طويلة الأمد وواشنطن وتل أبيب تخططان ...
- كيف يستغل المحتالون تطبيق تيك توك لإصابة المستخدمين بالبرامج ...
- واشنطن تقلّص بعثتها بالعراق وتحذر من السفر إليه بعد استهدافه ...
- شاهد.. شرطة الاحتلال تستبعد الصحفيين الأجانب وتبحث عن الجزير ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - إعادة بعث الماضى .. فى السياسة