أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطا درغام - الارتجال للمسرح















المزيد.....

الارتجال للمسرح


عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 7318 - 2022 / 7 / 23 - 17:26
المحور: الادب والفن
    


الارتجال في حياتنا لا يتوقف؛نحن نتعرض له يوما بيوم..بل أننا في كل لحظة من حياتنا علينا أن نتوافق مع أي ما يحدث حولنا، وكلما كان الحدث مفاجئًا أو غير متوقع، كلما كانت الاستجابة تميل لأن تكون تلقائية ومباشرة..أو ارتجالية .ولأننا لا نتوقع دائما ما سيحدث لنا،فإننا في الغالب نكون مضطرين للتوافق مع ما نواجهه بلا تخطيط، بل إننا لو خططنا فلن نحقق النتيجة التي توصلنا إليها بالارتجال.
وتاريخ فن الارتجال قديم قدم الإنسان؛ فقد بدأ مع الطقوس البدائية حيث كان كاهن القبيلة يرتجل أدعية ودمدمات يستنزل بها اللعنات أو يسترحم الآلهة؛ ثم يرتجل رقصة تعبر عن شكره للآلهة؛ واستمر- الارتجال- حتي بات جزءًا أساسيًا من التدريب في أكثر الأشكال المسرحية حداثة في العصر الحاضر.
كل الأشكال بدأت بالارتجال، ولقد اتخذت الأغنية والرقصة والطقس الدرامي أشكالها التقليدية بعد فترات طويلة من الارتجال، واستمر استخدام الارتجال في الكوميديا الإغريقية والرومانية،وبعد ذلك طبعًا في الكوميديا ديللارتي الإيطالية.
واليوم يجد الارتجال طريقه في تنوع واسع من مجالات الحضارة الغربية؛ فهو يستخدم في العرض المسرحي وفي برامج التدريب للممثلين،وفي الفصول المهنية ، بل وفي تدريب المدرسين- هنا غير العلاج النفسي والتعليم.
لكن ما يهمنا هنا هو الارتجال في المسرح- وهو موضوع هذا الكتاب الهام الذي يفيد العديد من قطاعات المهتمين بالثقافة المسرحية،لكنه ذو أهمية وفائدة خاصة لدارسي التمثيل.
وجدير بالذكر أن هناك فرق بين الارتجال والإضافات العشوائية التي يهواها الكثير من الممثلين، والتي كثر عليها الحديث.لكن هذه الظاهرة المؤسفة تصاحبها ظاهرة أشد خطورة هي تعثر المنهج العلمي في تدريب الممثل عندنا، وعدم الاهتمام به وخصوصًا فيما يتعلق بتكنيك الارتجال.
فما زال الارتجال في مسرحنا يعاني من الاستخفاف،ومن اعتقاد البعض أنه مضيعة للوقت. صحيح أن هناك بعض المخرجين الشباب الذين ينفذون مسرحيًا من خلال"ورشة" للممثلين وتدريبات مكثفة تشمل بلا شك الارتجال،لكن عددهم يُعد علي الأصابع- وصحيح أن هناك محاولات لتعليم الطالب في معهد المسرح أن يُزيد من تلقائيته واستجابته الفورية ،لكن عملية التعلم هذه يشوبها الكثير من الشك والتردد وعدم الثقة.
وكفنانة موجهة/ مخرجة أفنت حياتها في التجارب المسرحية تحاول"فيولا سبولين" في هذا الكتاب (الارتجال للمسرح) الذي ترجمه الدكتور سامي صلاح ضمن إصدارات أكاديمية الفنون- أن تُزيل العوائق التي تقف أمام هذه العملية الخلاقة، ملتمسة منهجًا علميًا يؤدي للاعتراف بأهمية الارتجال وأهمية استخدامه في المسرح وفي التدريس.وينصب اهتمامها علي إيجاد طرق لإنشاء علاقة صحيحة،بل ومثلي بين الطالب والمدرس ،او بين الممثل والمخرج،وفي محاولة للوصول إلي عمل فني يفجر الطاقة الخلاقة لكل من ااشترك فيه.
والدليل لا يكتفي بتقديم التمارين والألعاب المسرحية،بل إنه يحمل فلسفة عميقة تكمن وراء تصميم وشرح هذه التمارينن الألعاب.هذه الفلسفة تعتمد- ضمن أشياء أخري- علي إيمان المؤلفة عن حق بالغريزة الاجتماعية المتأصلة في الإنسان،ومن هنا نراها في كل أجزاء الكتاب علي أهمية العمل الجماعي والألعاب الجماعية وانصهار الفرد في المجموعة؛أي أنها ببساطة تؤكد علي شرط لازم من شروط فن المسرح ،وهي تُخصص مساحة كبيرة لشرح أهمية إزالة التوتر بين أفراد المجموعة،ومنع المظاهر السلبية المحتم وجودها لدي البعض،وتعطي إرشادات واضحة للموجه أو المدرس،وأيضا المخرج لتساعده في تخقيق هذا.
ولأن التمارين والألعاب لها قواعد وأهداف،فالمؤلفة تفيض في شرح هذه القواعد والأهداف مع التركيز علي تفاصيل صغيرة يجب علي المدرس/ المخرج أن يهتم بها في إشرافه علي أداء التدريبات.فمثلًا نراها تكرر تحذيرها للمدرس/المخرج من تلقين الطالب/ الممثل كيف يؤدي التمرين، مؤكدة أن فهم مشكلة اللعبة ومحاولة حلها يجب أن ينبعا من الطالب نفسه.
كما تحذر في مواقع كثيرة من " الاتجاه السلطوي أو الاستبدادي" الذي يشوب علاقة المدرس والطالب، منبهة إلي أضرار هذا الاتجاه وآثاره المدمرة علي الطالب/الممثل، وعلي تلقيه واستجابته لعملية التعلم.فضلًا عن آثاره علي العمل الفني نفسه.
في هذا الصدد، تؤكد "فيولا سبولين" علي أهمية أن يكون الطالب/ الممثل متحررًا من المشاعر التي تصاحب انتظار قبول المدرس/ المخرج لعمله أو الخوف من رفضه.وهي تعتقد أن فكرة "الرفض/والقبول "هذه تقتل الإبداع في الطالب الممثل، وتجعله فاقدًا لهويته الذاتية، التي هي حجر الأساس في التجريب وفي الارتجال المسرحي.ولذلك تؤكد علي أهمية أن يكون المدرس/ المخرج جزءًا من اللعبة تمامًا مثل الطالب/الممثل،وأهمية أن يبتعد عن إصدار الأحكام- وبدلًا من ذلك عليه أن يُدير مناقشة بعد التمرين يقوم فيها الطلبة/المتفرجون- بتقييم ما رأوه .فأهمية التمرينات أو الألعاب المسرحية تكمن في المرور بالتجربة نفسها، والإحساس بها والوعي بجميع جوانبها سواء من خلال الاشتراك فيها أو مشاهدتها والتعليق عليها.
وكما يقول روبرت لويس_أحد مؤسسي "مسرح المجموعة" في الولايات المتحدة الأمريكية-"إن إحدي القيم العظيمة للارتجال تكمن في التدريب؛لأنه يعطي الممثل فرصة "نحقيق الهدف" من المشهد أو حسب تعريف "سبولين" حل مشكلة المشهد، ولن يتحقق الهدف أو تحل المشكلة مالم يكن هناك تدريب متواصل علي الارتجال؛ فهو ينمي قدرته علي الوعي بنفسه، وعلي تملكه لزمام المشهد في نفس الوقت،وعلي الوعي بجمهوره والتواصل معه ونسيانه في نفس الوقت.
قيمة ثانية تتضح لنا من خلال التمارين التي يوردها الكتاب،وهي مساندة الطالب/الممثل علي إنشاء علاقة وإحداث تواصل مع زميله علي المسرح،فأحيانًا تفشل كلمات المؤلف في تحقيق هذا التواصل؛لأنها ليست الكلمات التي اختارها الممثل.
ولهذا نجد أن استانسلافسكي كان ينصح ممثليه بوضع المشهد جانبًا بعد قراءته واستيعابه وارتجال مضمونه دون التقيد لا بالحوار،ولا بتوصيف الشخصيات ،ولا حتي بالحدث؛ كل مايهتمون به هو "الحياة الداخلية للمشهد"،والمعني الداخلي لما بين سطور المؤلف،أوما يُسميه استانسلافسكي "النص الداخلي" وبعد انتهاء ارتجالهم يعودون للنص الأصلي، وقد اكتسبوا رؤية أعمق وبصيرة أشد نفاذًا.
في المسرح المفتوح" تحت إدارة "جوزيف تشايكين" لجأ الممثلون إلي تكنيك آخر:الوصول إلي نص العرض من خلال الارتجال ؛ فكانت الفرقة تبدأ بفكرة رئيسية وترتجل علي أساسها، وتطور منها شخصيات وأحداث وعلاقات، بل وتبتكر مؤثرات صوتية؛ كانوا يواصلون الارتجال حتي يصلوا إلي شيء،واضح مسلي ويصلح لعرض متكامل.
قيمة ثالثة للارتجال ،هي أنه يجبر الممثل المتدرب علي"الكلام والإنصات"،وهو متطلب يحتاج إلي الكثير من طلبتنا وممثلينا ،الذين لا يتكلمون بل يلقون السطور ولا ينصتون بل يسمعون بدون"التكلم والإنصات" لن يتمكن الممثل من الإقدام علي الفعل،وفي الارتجال يكون الممثل مُجبرًا علي التكلم حتي يُظهر قدرته علي التخيل الإبداعي (فالمفترض أنه لم يجهز ما سيقوله)؛ومجبرًا علي الإنصات لأنه لا يعرف بالضبط ما سيُقال له.
الارتجال أيضًا يُساعد الممثل علي تطوير إحساسه "بالمرة الأولي"-أحد الشروط الجوهرية لفن التمثيل:فلا يجب أن يشعر الجمهور أنه يشاهد عرضًا تم التدريب عليه لشهور، بل يجب أن يتولد لديه الانطباع أن ما يشاهده يحدث لأول مرة وفي اللحظة التي يراه فيها.
وفلسفة هذا الكتاب تقوم علي فكرة أن الدراما هي الشكل الفني الوحيد الذي يدرك بشكل شامل طبيعة الإنسان الاجتماعيةن وأن التمثيل خبرة حياتية،ولكي يتعلم الممثل كيف يحيا، عليه أن يمر بخبرات و تجارب، وهذا ما يحققه له تكنيك الارتجال.
ويعتبر بحق هذا الكتاب كنز لكل درارسي التمثيل وأكاديميين ولفناني المسرح بشكل عام، وأنه يكاد يكون موسوعة لتمارين إعداد الممثل وإنضاجه..



#عطا_درغام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر المسرحي في الأدب المصري المعاصر
- الأزهر في ألف عام
- جماليات فن الإخراج
- قضايا الفلاح في البرلمان المصري-1924-1936
- الجامعة الأهلية بين النشأة والتطور
- فن الدراما عند رشاد رشدي
- عصر الصورة من الفوتوغرافيا إلي الأقمار الصناعية
- قضايا المشرق العربي كما يراها الشعراء الأسبان
- يوسف الشاروني وعالمه القصصي
- حكايات أندرسن
- الغيم والمطر: الرواية الفسطينية ..من النكبة إلي الانتفاضة
- المرأة والتغير الاجتماعي 1919-1945
- القصص الديني في مسرح الحكيم للدكتور إبراهيم درديري
- كتاب الفكر الثوري في مصر قبل ثورة 23 يوليو- الدكتور عبد العظ ...
- حول الثقافة الشعبية القبطية
- الكادراج السينمائي
- المجتمع المصري والثقافة الغربية للدكتورمحمد رجب تمام
- المأثور الشعبي في السينما المصرية (دراسة لبعض أفلام صلاح أبو ...
- الشخصية الوطنية المصرية: قراءة جديدة لتاريخ مصر للدكتور طاهر ...
- المرأة من السياسة الي الرئاسة


المزيد.....




- وفاة الممثل التونسي الكبير فتحي الهداوي
- --شكرا لأنك تحلم معنا--: فيلم كوميدي في زمن التراجيديا
- التمثيل الضوئي للحد من انبعاثات الكربون
- الفيلم الوثائقي -الخنجر- يشارك في مهرجان الظاهرة السينمائي ا ...
- فوز عبارة ادبية مُلهِمة للكاتبة العراقية أسماء محمد مصطفى في ...
- “ثبتها الآن وفرح أطفالك” تردد قناة MBC 3 للأطفال على الأقمار ...
- -شظايا رسومات- معرض جماعي لـ9 فنانين تشكيليين بطنجة
- تراجع الإيرادات السينمائية بأميركا.. هل فقدت دور العرض بريقه ...
- “نزلها الآن” تحديث تردد كراميش 2024 على النايل سات وعرب سات ...
- “الحلقـة كاملـه HD” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة للعر ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطا درغام - الارتجال للمسرح