أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!














المزيد.....

أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 12:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مقالي الاثنين الماضي بنافذتي هذه، كتبتُ عن دفء العائلة الذي نتنعّمُ به في إجازات الأعياد. ويبدو أن مقالي ذاك قد جرح بعض الناس ممن تَمزّقَ عنهم ثوبُ الأسرة، فوخزتهم لسعاتُ برد الوحدة والهجر؛ بسبب رحيل الأحباء أو سفر الأبناء أو عقوقهم. وصلتني عشراتُ الرسائل تحكي هموم كاتبيها ممن غدت الأسرةُ بالنسبة لهم مجرد جدرانَ باردةٍ في بيتٍ صامت. لهذا أكتبُ لهم هذا المقال كنوع من الاعتذار، لا لكي يتعزّوا به، بل لنتأمل قدرتنا البشرية السحرية التي منحها لنا اللهُ في خلق الزحام من صحراء الوحدة والهجر.
أقولُ لمَن جرحهم مقالي "العيد، العائلة، الجنّةُ التي على الأرض" إن اجتماع الناس حول مائدة الأسرة شحيحٌ بسبب دوامة الحياة المتسارعة. ولكن بوسعنا "خلق الزحام" على "أطلال الوحدة". ودعوني أحكي لكم ملخص حوار دار بيني وبين صحفية كندية في حفل توقيع بعض كتبي قبل أعوام في تورونتو الكندية. سألتني الصحفيةُ: “سيدتي، هل تُحبين الوحدةَ والسكون؟ أم تفضّلين الوجودَ بين الناس والصخب؟" فأجبتها: "أحبُّ الاستمتاعَ بالوحدة، وسط الحشود. والاستمتاعَ بالزحام في وحدتي.” وطلبتِ الصحفيةُ توضيحًا، فقلت لها:
“في منزلي الصغير بالقاهرة، يعيش معي مليون إنسان يملأون يومي صخبًا وقلقًا وحبًّا ومعاركَ وضحكًا وعشقًا ومشاكساتٍ وحروبًا؟! أحيانًا لا أكادُ أجد مقعدًا شاغرًا في منزلي للجلوس، وفي أحايين أخرى لا أجد مكانًا للنوم على سريري، من فرط الزحام! فأضطرُ أن أنام في غرفة المكتب، جالسة على مقعدي ورأسي ساقط فوق أكوام الورق على سطح المكتب. يعيش في منزلي أبو حيّان التوحيدي وابن عربي وغاندي وأفلاطون وأرسطو وابن رشد وبورخيس وطه حسين وسارتر وبرنارد شو وأكتافيو باث وشمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي وسيزان وشوبان وشتراوس وموتسارت وفيفالدي وينّي وكالفيني وسيلفادور دالي وبيكاسو وهارولد بنتر ومكسيم جوركي وفرجينيا وولف وموليير وإيميلي ديكنسون وجبران والأخطل وجورج أوريل وفوكو وديكارت ونزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد الصبور وزكي نجيب محمود وعبد العزيز المقالح والسياب ونازك الملائكة والنفّري ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وغيرهم. حتى "ماركي دو ساد" خصصتُ له ركنًا معتمًا في بيتي يليق بجحوده. الشهر الماضي قضيتُ يومي أفضُّ معركة بين مارتن لوثر كينج وهتلر. ناصرتُ الأول وشبكت زهرةً في عروة قميصه، وركلتُ الثاني، فانزوى وبكي. وقبل أسبوعين أنصتُّ إلى جوديث شقيقة وليم شكسبير، وهي تقول له باكيةً: "أنا أكثرُ منك موهبةً، لولا أنك ولدٌ وأنا بنتٌ في مجتمع يظلم النساء. ظلمني نوعي فلم أشتهر، وأنصفك نوعك فاشتهرتَ." فابتسم ولم يُجب، ثم التفت معي إلى معركة ساخنة بين ابن تيمية وابن عربي، انتهت بأن مزّق كلٌّ منهما مخطوطاتِ الآخر.
ولكم أن تتخيلوا حالَ بيتي بعد تلك المعارك بين العقول التي تسكن معي، والتي تُسفر دائمًا عن مزهريات مهشمة، ووسائد ملقية هنا وهناك، ومقاعد مقلوبة وأرائك تقفُ كالتوابيت في ساحة الوغى. بيتي يُعوزه الهدوء. وفجأةً يصدح فيولين تشايكوفسكي مع صوت فيروز تغني للعصافير واليمامات التي تزور شرفتي كل صباح تقول لي: "صباحك سكر يا فاطمة"، ثم تطيرُ بعدما تلتقطُ القمح من كفّي. تملأ عيني ألوانُ بيكار ومختار وحليم ووانلي. العام الماضي قضيتُ عدة نهارات أصلحُ إحدى طواحين "فان جوخ" الهوائية بعدما تدلَت ريشةٌ من طاحونة وكادت تسقط من اللوحة على الأرض. وبعدما أصلحتُها فرح جوخ وكافأني بثلاثة عيدان قمح من إحدى لوحاته لأخبز بها رغيفًا لعشائي مع زُراع البطاطس الفقراء. وبعد العشاء، استأذنتُ بيتهوفن في عزف "فور إليس" على بيانو في لوحة "بولديني": لابيانسيتا . قبل النوم، انتبهت على صخب وهرج ومرج في قاعة المعيشة! فإذا بها معركةٌ عنيفة بين رينوار وماتيس؛ حيث غضب الأول لأن الثاني وضع باللوحة لونًا أسودَ، والأسود، في رأيه، ليس لونًا بل بقعةٌ من الخواء أو مِزقٌ في اللوحة، وأصرَّ الثاني على أنه سيدُ الألوان! ثم تجاوز ماتيس في غِيّه ورسم عنقًا طويلا لرجل ولوّنه بالأخضر، حتى يغيظ رينوار. صالحتهما معًا لأنني أحبهما معًا، ولم أناصر أحدًا على أحد فغضبا مني كلاهما وخاصماني! غدًا أصالحهما بكعكة شيكولاته وأهدي كلا منهما علبة ألوان جديدة. بيتي صغير جدًّا؛ ومزدحم جدًّا. زحامٌ في بيتي ولكن لا أحد. أولئك الذين يشاركونني البيت لن يبكوا عليّ حين أموت، فهم لا يعرفون الدمع؛ لأنهم جميعا صنّاع فرح.
أيها الوحيدون، اصنعوا زحامكم الخاص من الكتب والاسطوانات، واستضيفوا طيورَ السماء في شرفاتكم وامنحوها بعض القمح.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيد … العائلة … الجنّةُ التي على الأرض
- الضمير… القطّةُ التي كسرت عنقي!
- دقّوا الشماسي
- شمس ٣٠ يونيو
- مَن يُسَلِّعُ المرأةَ ويُشيّؤها … على هامش مقتل نيّرة
- شمعةٌ جديدة في بلاط المصري اليوم
- عيد الأب … العيد المنسيّ!
- فرج فودة … عِشْ ألفَ عام!
- أنت على حق يا نهرو!!!… والدليل: قالولوا!
- نغم راجح … عصا ناير… وقلبُ الفقي
- ذكريات -اعتصام المثقفين- … حقل الألغام
- عقولٌ نقيّة … قلوبٌ نظيفة
- الرحلةُ المقدّسةُ في أرضِ مصرَ
- هنا السُّليْمانية … الكُردية ... البهيّة1
- صلاح منتصر … هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!
- -ملك سيام- … عهدٌ من -صبحي- ... واجبُ النفاذ!
- أبناء الشيخ زايد … في عيون مصر
- ذكرى شهدائنا الأقباط في ليبيا
- مَن قتل شهداءَنا في شرق القناة؟
- صوتي في مسلسل -الاختيار-


المزيد.....




- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أيّها الوحيدون … اصنعوا زحامَكم!