أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - صلاح منتصر … هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!














المزيد.....

صلاح منتصر … هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7259 - 2022 / 5 / 25 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


مستحيلٌ أن ينسى المرءُ عبارةً غيّرتْ نظرتَه إلى العالم، وعدّلت في كيمياء تعامله مع الناس. يقول الشاعر ت.س.إليوت: “القصيدةُ الجميلة هي التي تُبدّل نظرتك إلى الأشياء.” هكذا فعل بي الكاتبُ الكبير "صلاح منتصر" الذي فقدناه بالأمس، وكان بالحق “قصيدةً حيّة”.
وأنا بعدُ صبيّةٌ في الثانوية العامة، قرأتُ في عموده بالأهرام هذه العبارة: “الآن، قُلْ لمَن تحبُّه، إنك تحبُّه. لا تؤجل قولها، فربما لا تأتي الفرصة مجددًا.” وأنا ابنةٌ لأمٍّ عملية جادّة علّمتني أن نقول "الحب" بالفعل لا بالقول. علّمتني أمي أن التعبير عن الحب بالكلام، لونٌ من ابتذال الحب. فالحبُّ مسؤوليةٌ وعملٌ والتزامٌ، لا كلمات. وقرّرتُ أن أخوض التجربة، فذهبتُ إلى أمي مباشرة وقلت لها في خجل: “ماما على فكرة أنا بحبك!” لمحتُ على وجهها شبهَ ابتسامةٍ سرعان ما اختفت، وردّت في اقتضاب: “طيب، روحي ذاكري!” أخفقتِ التجربةُ مع أمي التي تؤمن بفلسفة: الكلامُ يُميتُ العمل. لكن التجربةَ لم تخفقُ مع كثيرين مرّوا بحياتي هم في أمسِّ الحاجة إلى سماع كلمة: “أحبك!” تلك الكلمةُ الخفيفةُ في القول، الثقيلةُ في الميزان، قد تكون كل ما يحتاجون إليه. هكذا تعلمتُ من "صلاح منتصر" درسًا نسيت والدتي أن تعلمَنيه. الفعلُ هو جوهر الحقيقة وفلسفة الوجود، لا شك، لكنَّ للكلمة سحرًا علينا ألا نغفلَه كذلك. المهمُّ أن تأتي الكلمةُ في ثوبها الصحيح وتوقيتها المناسب. لمستُ الأثرَ الهائل لكلمة "أنا بحبك" في دور المسنين التي أستمتع بزيارتها كلما نفدت شحنتي وأردتُ أن أحتشد بالطاقة والحب. لمستُ أثرَها العجيب في تغيير بشرٍ كانوا لا يعرفون الحب وينشرون لعناتِهم على الناس، تغيّروا حين شعروا أن هناك مَن يحبّهم. لمستُ أثرَها العذبَ في دور الأيتام، حينما تقولُها لطفلةٍ غادرها أبواها فسقطت من فوقها مظلةُ الأمان والحب.
في حفل أقامته جريدة "المصري اليوم" قبل خمسة عشر عامًا، شاهدتُ "صلاح منتصر" يجلس إلى طاولة بعيدة. مشيتُ نحوه وقد قررت أن أقول له: "أحبك" لأنه من علمني أن أقولها قبل فوات الأوان. نهض حين رآني وأشرق وجهُه بتلك الابتسامة الطيبة التي يعرفها ويحبُّها كلُّ مَن عرفه. حاولتُ أن أقول له: "أحبك أيها الأستاذ الذي تعلمتُ على يديه الكثيرَ، وأدينُ له بالكثير وووو". لكنني لم أقل شيئًا! بشاشةُ وجهه عقدت لساني، فاكتفيتُ بمصافحته بكل ما أكنُّ له من حبٍّ واحترام وامتنان.
“صلاح منتصر" أحدُ علاماتِ مصرَ البارزة ليس في عالم الصحافة وفقط، بل في جبهة الوطنية وحقل التنوير والمسؤولية الاجتماعية. كان "مثقفا عضويًّا" منخرطًا في مشاكل مجتمعه غيرَ منعزل في صومعة الكُتّاب بين الكتب والأوراق والقلم. يشعر بمسؤوليته عن شباب مصر كأنهم أبناؤه، بل بوصفهم أبناءه. لهذا علّم الآباء والأمهات كيف يحتضنون أبناءهم لئلا يفقدوا بوصلةَ التواصل معهم فيضيعوا بين أمواج الحياة الهادرة. حملتُه الشرسة في محاربة التدخين لم تقتصر على مقالاته الطيبة في عموده الشهير بالأهرام: "مجرد رأي"، بل توسعت لتغدو حملةً قومية اتخذت لنفسها عنوان: "أنتَ سيدُ قرارك" استلّته من مقالات "صلاح منتصر"، وغدت من مقررات "الثانوية العامة" لتعلم النشء مخاطرَ التدخين، وسوف تظل تلك الحملة حيّةً تتنفس لتنقذ ملايين الشباب من غول التدخين الشرس.
“صلاح منتصر" من الكتّاب النادرين الذين أجمع على حبّهم الجميع. فقد كان صفاءُ قلبه منعكسًا بجلاء على وجهه، وكذلك على مداد قلمه. رجلٌ لم يعرف إلا الحب. حب الوطن وحب أبناء الوطن، حب البشر وحب الإنسانية، ومساندة كلّ من يلجأ إليه، والأخذ بيد أصحاب الخُطى الأولى في بلاط صاحبة الجلالة.
بوسع المرء أن يلمس المحبة الهادرة التي يكنُّها المصريون والعرب لهذا الراحل الكبير، بمجرد نظرة سريعة على سرادق العزاء الهادر الذي حضرناه الأسبوع الماضي في مسجد المشير طنطاوي. بوسعك أن تختصر القول في عبارة: “كانت مصرُ والوطنُ العربي هناك!” العديد من رجالات الدولة والوزراء والسفراء والساسة والمفكرين والأدباء والصحفيين والإعلاميين، ووفودٌ من الأشقاء العرب. وأرسل الرئيسُ "عبد الفتاح السيسي" مندوبًا عنه ليقدم واجبَ العزاء لأنه رئيسٌ مثقف يحترم القلمَ والفكر. ووقف الأستاذ "عبد المحسن سلامة" رئيس مجلس إدارة الأهرام ليستقبل العزاء من الوافدين الذين ظلوا يتواترون على مدى الساعات ما بين الأصدقاء والقراء والتلاميذ الذين لا ينسون فضل أستاذهم.
أستاذي العزيز "صلاح منتصر": ربما لم أقل لكَ كم أحبّك قبل فوات الفرصة كما علمتَنا أن نفعل، لكنني قلتُها حين عانقتُ زوجتَك الجميلة في ثوب حدادِها، يوم الفراق.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ملك سيام- … عهدٌ من -صبحي- ... واجبُ النفاذ!
- أبناء الشيخ زايد … في عيون مصر
- ذكرى شهدائنا الأقباط في ليبيا
- مَن قتل شهداءَنا في شرق القناة؟
- صوتي في مسلسل -الاختيار-
- مسيحيون ...يغنّون لعيد الفطر
- هدايا/رسائلُ الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية
- أسبوع الآلام... وأسبوعُ الأعياد
- هؤلاءِ كلُّ مَن أحببتُ!
- السحورُ على شرف النسيج المصري
- نجدلُ من السَّعفِ تاجًا للوطن
- تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!
- الإفطارُ الرمضاني على المائدة الإنجيلية
- الأُسطى إسلام … عظمةُ امرأة مصرية
- رمضان كريم … والهدرُ غيرُ كريم
- رمضان كريم … في بلادي الجميلة
- الرئيس السيسي: المرأةُ المصرية … مفتاحُ حياة
- في حضرة الطيبات والطيبين ... المنسيين!
- ما هديتُك في عيد الأم؟
- الستّ نعيمة … مبسوطة جديدة ...تحسبُهم أغنياءَ!


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - صلاح منتصر … هل قلتُ لكَ: أحبُّك؟!