أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - هؤلاءِ كلُّ مَن أحببتُ!














المزيد.....

هؤلاءِ كلُّ مَن أحببتُ!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7228 - 2022 / 4 / 24 - 13:05
المحور: الادب والفن
    


خلسة المختلس

من الصعب على المرء نسيان "أولَ" مرة من كل شيء في حياته، بعدما يكتمل وعيه بالحياة وبمن حوله. أول يوم يذهب فيه إلى المدرسة، أول مَن صادقه، أول معلم في حياته، أول كلمة قرأها، أول لعبة جاءته، أول حب في حياته، أول بلد سافر إليها، وطبعا أول كتاب قرأه. بالنسبة لي، وبعد تجاوُز مجلات الأطفال: ميكي وسمير وتان تان، وألغاز "المغامرون الخمسة" للعبقري محمود سالم، وقصص "المكتبة الخضراء" الفاتنة التي كانت تصدر عن دار المعارف بمصر، بعدما تجاوز تلك القراءات التمهيدية الجميلة الأولى، لا أنسى أن أول عمل أدبي رصين قرأته كان رواية "أحدب نوتردام" للفرنسي الرائع "فيكتور إيجو”. وجدت الكتاب ملقىً على أرضية مصعد العمارة التي نقطن بها وأنا عائدة من مدرستي، وكنت آنذاك ربما في السابعة أو الثامنة من عمري. وحرتُ لا أعرف معنى كلمة: "أُحْدُب"؟ هكذا كنت ألفظها. وما معنى "نوتردام"؟ يبدو أنه شيءٌ طلسمي مما اعتدت أن أراه في مكتبة! لكن سرًّا ما سيدفعني للقراءة لتكون أول عمل أدبي أقرأه. صحح لي أبي نُطق كلمة "أَحدَب" وشرح لي ما هي نوتردام، وشرعتُ في القراءة. كوازيمودو وأزميرالدا. الأول رمزٌ للقبح الشكلي والتشوّه الخَلقيّ، فيما الثانيةُ رمزٌ للجمال الجسدي الفاتن. على أن كليهما يجتمعان في جمال الإنسان ورقيّ الروح وطيبة الطوية. أحدبُ، يحمل فوق ظهره نتوءًا شاذًّا يجعل منه أضحوكة باريس القرن الثاني عشر، له عين واحدة والأخرى مطموسة ضامرةٌ. لا يجيد الكلام إلا بلعثمة مرتبكة. مما سيحدو بأهالي باريس لانتخابه "أميرا للحمقى" في احتفالهم السنوي. لم يكن كوازيمودو سوى لقيط وجده راهبُ كنيسة نوتردام على بابها في فجر أحد الصباحات الباريسية الباردة. تركته أمه بِلَيلٍ ربما لدمامته وبشاعة تكوينه. يلتقطه الراهبُ ويربيه ليجعل منه أداةً طيّعة تنفذ أوامره دون تفكير أو إرادة. ويغدو كوازيمودو قارعَ أجراس الكنيسة الضخمة مما يُفقده السمع، لتكتمل عاهاته. أزميرالدا، يعني زمردة، البنت الغجرية التي ترقص في احتفال الحمقى في صُحبة عنزتها التي تجيد السحر. سمراء ممشوقة شعرها جَعِدٌ فاتن. تسلب ألباب الحضور، ومنهم قس الكنيسة، المتزمت، الذي يخطفها ويسجنها في غرفة بأحد أبراج الكنيسة تمهيدًا لحرقها بتهمة السحر والشعوذة وفقًا لقوانين أوروبا القروسطية. يدخل عليها الأحدب محاولا مواساتها لكنها تجفل من بشاعته. أحبها لأنها الوحيدة التي لم تسخر من عاهاته وسقته جرعة ماء حين كبّله القس بالأغلال في ساحة الميدان عقابًا على خروجه من الكنيسة ونشوة الفرح بلقب "أمير الحمقى"، جاهلا بكمّ السخريات التي يضمرها شباب باريس فيما يتوجونه بالتاج الورقي. كوازيمودو أحب أزميرالدا. وهي أشفقت عليه. كان في وجودها حيّةً دليلٌ له على وجود الجمال الإنساني المكتمل. الروح والجسد. لذلك حارب البشرَ جميعًا من أجل الإبقاء عليها. صدَّ بجسده المعوّق بوابةَ الكاتدرائية الضخمة فيما الباريسيون يحطمونها بجذوع الأشجار ملوحين بشعلات النيران طلبًا لرأس الساحرة الملعونة. ولما قتلها القسُّ في الأخير، لم ينتبه كوازيمودو لنفسه إلا وقد قذف بربيبه القسّ من البرج الشاهق ثم جثا على ركبتيه يبكيهما معا قائلا: "هؤلاء كلُّ من أحببت!” ثم يدفن نفسَه معهما حيًّا ليحفر الناس القبر بعد سنين فيجدون هيكليْن عظميين متعانقيْن، أحدهما لفتاة، والآخر لمسخ بشري معوّج الظهر. حين حاولوا فصل الهيكلين يتفتتان عظامًا صغيرة. قرأتُ الرواية عدة مرات، بالعربية والإنجليزية وأحتفظ بنسخة منها بالفرنسية لغتها الأصلية. نحن لا ننسى أول رواية قرأناها ولو بعد مائة عام. لا سيما إذا كان الكاتب فيكتور إيجوو. عرفت تفاصيل الكاتدرائية غرفةً غرفة وبرجًا برجًا وجرسًا جرسًا. وحين دخلتُ كلية الهندسة قسم العمارة بعد ذلك بعقد كامل درسـ الكنيسة في مساقطها الأفقية والرأسية كإحدى أجمل القطع الفنية التي أفرزتها المدرسة القوطية Gothic Architecture في القرن الثاني عشر. شيء يشبه الحلم وأنا أتتبع بقلمي الرصاص كل خطوط الكنيسة. النوافذ الدائرية بزجاجها الملون المعشق، الأبراج الشاهقة، المنمنمات والحفائر والمنحوتات، الأجنحة الطائرة، تماثيل الملائكة التي تَعدُ الخطّاءين بالمغفرة. حتى الأرشيدوق فرولو وكوازيمودو رأيتهما في المساقط داخل بعض أروقة الكنيسة وعند المذبح. كأنني أسير داخلها في صحبة الأحدب الذي لم أره إلا وسيمصا ساحرًا. وحين زرتُ باريس لأول مرة سألني الرفاق أين تريدين أن تذهبي؟ وقلتُ لهم: “كنيسة نوتردام"، بيتي الأول. أقف على ضفة نهر السين وأتأمل البناية الشاهقة، وألمح كوازيمودو يلوح لي من أحد أبراجها هاتفا: تعالي يا عزيزتي، فأنا أحبك أيضا!

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السحورُ على شرف النسيج المصري
- نجدلُ من السَّعفِ تاجًا للوطن
- تشويهُ حائطٍ … بكلماتٍ عظيمة!
- الإفطارُ الرمضاني على المائدة الإنجيلية
- الأُسطى إسلام … عظمةُ امرأة مصرية
- رمضان كريم … والهدرُ غيرُ كريم
- رمضان كريم … في بلادي الجميلة
- الرئيس السيسي: المرأةُ المصرية … مفتاحُ حياة
- في حضرة الطيبات والطيبين ... المنسيين!
- ما هديتُك في عيد الأم؟
- الستّ نعيمة … مبسوطة جديدة ...تحسبُهم أغنياءَ!
- الشيخ طنطاوي … البابا شنودة … ذكرى طيبة
- ماعت المصرية … على منصّة القضاء
- جائزة صموئيل حبيب … سمفونية العطاء
- خرافةٌ اسمُها: قبولُ الآخر!
- معجزاتُ أجدادي
- نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!
- محمود أمين العالم… أمي خائفةٌ منك!
- أكاذيبُ زجاج الشرفة
- هابي فالنتين


المزيد.....




- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - هؤلاءِ كلُّ مَن أحببتُ!