أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!














المزيد.....

نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7171 - 2022 / 2 / 23 - 10:20
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



حين يضربُ ذكرٌ أنثى في الطريق العام، أمام أبصار الناس، غالبًا يقفُ الناسُ صامتين، ثم يمدّون أياديهم نحو جيوبهم يُخرجون هواتفهم لالتقاط الصورَ ومقاطع الفيديو. يقولُ واحدهم لنفسه: (لعلّ من حقّه أن يضربَها. فقد تكونُ الأنثى ابنتَه، زوجتَه، شقيقتَه، ابنة عمّه، أو حتى أمّه! ولا ضيرَ أن يؤدِّبَ الذكرُ "ما" يخصُّه من إناث. عادي.) ولتأكيد هذا "العادي" قد نجد تلك الأنثى بعد برهةٍ ترقصُ مع ذلك الذكر وتتناول معه وجبةً دسمةً وهما يتضاحكان. ثم يقولُ الذكرُ للناس ضاحكًا: (عادي يا جماعة. هذه الأمور عندنا "عادي" جدًّا.) وقد تقول الأنثى ضاحكةً: (عادي يا جماعة، أصلي عصبية ونرفزته. ) عزيزي القارئ رجاءً لا تُعقِّدِ الأمورَ وتدخلُ بنا في متاهات "السادية" و"المازوخية" و"متلازمة ستوكهولهم"، الحكايةُ أبسطُ من هذا بكثير. الأمر "عادي".
لسبب ما تذكرتُ "كيفين كارتر"، المصوّرٌ من جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا، الذي نذر نفسَه لتصوير وفضح ألوان التمييز العنصريّ ضدّ الملونين والمستضعفين. وكان هو أول من صوّر طريقةَ الإعدام بالطوق، المعروفة باسم Necklacing، أو القلادة، التي كانت تتمُّ بجنوب أفريقيا في منتصف الثمانينيات الماضية. إطارٌ كاوتشوكي مملوء بالبنزين يوضع حول صدر الضحية وذراعيها، ثم تُشعل النيران! يستغرق الأمرُ نحو عشرين دقيقة لكي يقضي المنكوبُ حرقًا. كانت الأسلوبَ الشائعَ للإعدام دون محاكمة للقضاء على المعارضين ومثيري القلاقل في الثمانينيات والتسعينيات الماضية. وكان أول ضحايا تلك المحرقة رجل يُدعى "ماكي سكوزانا". التقطت عدسةُ كارتر ذلك المشهدَ المروّع، وقال للصحف: (كنتُ مرتعبًا مما يفعلون. وكنتُ مرتعبًا مما أفعل. وحين بدأ الناسُ يتكلمون عن تلك الصور، شعرتُ أن ما فعلتُه ربما لم يكن سيئًا جدًّا. كوني شاهدًا على البشاعة ليس بالضرورة أمرًا بشعًا.) في مارس 1993، قام كارتر برحلة إلى السودان. وقرب قرية عيّود بالجنوب، سمع صوتًا يشبه النشيجَ الخافت. كأنما أنينُ متألمٍ أو محتضَر. مشى إلى مصدر الأنين فوجد طفلةً سمراءَ هزيلة متكورةً على نفسها تجاهدُ في الزحف نحو معسكر الإغاثة الذي مازال على بعد كيلومتر، عساها تصيب بعض طعام يقيم أودها المنهَك. توقفتِ الطفلةُ عن الزحف تسترد أنفاسها. ولم تكن عدسة كاتر وحدها التي تستعدُ لالتقاط المشهد البائس. ثمة عدسةٌ أخرى في الفضاء ترقب وتترقّب. عينُ نسر قرأت الحكايةَ كاملةً. حكايةَ البشر الذين يموتُ بعضُهم تُخمةً، ويموتُ بعضُهم جوعًا! أدرك النسرُ بحدْسه الغريزيّ أن الطفلةَ لن تقوى على استكمال مسيرة الزحف، وسوف تموتُ بعد قليل. فحطّ على مقربة منها ينتظر أن تلقى حتفها حتى يلتهمها. فالنسورُ -كما تعلمون- لا تأكلُ إلا الجيفَ النافقة. التقطت عدسة كارتر المشهدَ المروّع الذي يجمع بين كائنين جائعين. الطفلةُ المحتضرةُ، والنسرُ المنتظر. وبالطبع وقع كارتر فيما بعد تحت مقصلة النقد اللاذع لأنه اكتفى بالتصوير، دون المساعدة، لكنه برّر بأن لديه تعليماتٍ بعدم لمس المنكوبين اتقاءً للأمراض الُمعدية. وكتب صحفيٌّ من فلوريدا: (كان الرجلُ يضبط عدسته ليلتقطَ إطارًا رائعًا لمعاناة الطفلة. وكأنه أحد الضواري المتحفزة. في الحقيقة كان ثمة نسران في المشهد، لا واحد.)
بيعت الصورةُ لجريدة نيويورك تايمز ونُشرت في مارس 1993. واتصل مئاتُ القراء بالجريدة ليسألوا عما إذا كانت الطفلةُ قد أُنقذت أم لا. ما حثّ الصحيفةَ على كتابة تعليق مقتضب يقول إن الطفلة كان لديها ما يكفي من القوة للابتعاد عن النسر، لكن مصيرها النهائيَّ مجهول. في الثاني من أبريل 1994 هاتفت الصحيفةُ "كارتر" لتُعلمه بفوزه بأرفع الجوائز في مجال التصوير الصحفي: جائزة البوليتزر. وفي 27 يوليو من نفس العام، بعد ثلاثة شهور من فوزه بجائزة عالمية لالتقاطه الصورة التي هزّت العالم، قاد "كارتر" سيارته إلى حيث شجرة الصمغ الضخمة على نهر بشمال جوهانسبرج، حيث كان يلعب وهو طفل ويركض في الحقول يطارد الفراشات. جلب خرطومًا وأوصل أحدَ طرفيه بماسورة عادم السيارة، وأدخل طرفه الثاني في نافذة صالون السيارة. دخل وأدار الموتور. وضع سماعات الوكمان في أذنيه واستسلم للموسيقى، ثم رقد على جانبه واضعًا حقيبته تحت رأسه كوسادة. وأسلم الروحَ. بعد انتحاره وهو لم يتجاوز الثلاثة والثلاثين من عمره، وجدوا ورقة كتب عليها: (تفترسُني الذكرياتُ الحيّةُ ليل نهار. القتل، الجثامين، الغضب، الألم، الموت جوعًا، الأطفال الجرحى، زنادُ مهووسي القتل، الجلادون، ومشاهد الإعدام...، ذهبتُ لألتقي بـ "كين"، إذا كنتُ ذلك المحظوظ."
شكرًا، للوعي الجمعي المصري الذي رفض أن يكون نسورًا صامتة، وانتفض ثائرًا على الذكر الذي ضرب أنثاه ليلة زفافها، وكلّ الدعم للزميلة الصحفية "أميرة عبد الحكيم” من "البوابة نيوز" التي سجلت عدستُها ذلك المشهد.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمود أمين العالم… أمي خائفةٌ منك!
- أكاذيبُ زجاج الشرفة
- هابي فالنتين
- ياسر رزق … وسنوات الخماسين
- إصبعُك والثعبان … أصحاب ولا أعز
- العالمُ المخبَأ في ورقةٍ صفراءَ صغيرة
- معرضُ الكتاب … والشتاء وآلزهايمر
- عيدُ الغطاس … والقلقاسُ الأخضر
- رسالةُ سلام للعالم … من أرض السلام
- منتدى شباب العالم … ميلاده الرابع
- تهاني الجبالي … الماعت … وداعًا!
- مِحرابٌ ومَذبح … في الجمهورية الجديدة
- جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب
- رحلة العائلة المقدسة… وجائزة فخرُ العرب
- السِّحرُ الذي ... معقودٌ بناصيتها
- شجراتُ الصنوبر تُضيءُ جنباتِ مصر
- ميري كريسماس بالمصري... أيها العالم!
- شحاذون
- “إحنا- … ضدّ التحرّش!
- كيف تنمو الموهبة؟


المزيد.....




- الاعتذار وحده لا يكفي .. ورقة رصد حول وتحليل لخطابات الاعتذا ...
- نتنياهو يتوعد إيران بسبب -قتل النساء والأطفال-
- مصر.. جريمة اغتصاب سيدة معاقة تهز البلاد
- استقبل الآن تردد قناة كراميش 2025 الجديد على النايل سات لمتا ...
- فوق السلطة: طقوس اغتصاب أطفال تهز إسرائيل ونتنياهو متهم برعا ...
- أيهما أقوى ذاكرة: النساء أم الرجال؟ ولماذا؟
- ” سجلي فورًا متترديش” خطوات التسجيل في دعم ساند للنساء 1446 ...
- دور المرأة المقدسية في إدارة الجمعيات الخيرية -حين يصبح الع ...
- ليبيا..أمر بالقبض على -أحمد الدباشي – العمو- في صبراتة بعد ت ...
- الولايات المتحدة: إعلان بطلان محاكمة هارفي واينستين بتهمة ال ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - نسورٌ كثيرةٌ … وفريسة!