أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - مقام الفرس















المزيد.....

مقام الفرس


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 7312 - 2022 / 7 / 17 - 03:10
المحور: الادب والفن
    


نكتة حول ارويشة: كان مسجونا فكان السجناء جميعا يعرفونه لشهرته إلا سجين واحد كان يتجاهله، ومرة اقترب منه رويشة وسأله: انت لا تعرفني؟
رد عليه السجين: "لو كنت اعرفك لما دخلت السجن"، النكتة تحيل إلى أن السجين هو معتقل سياسي ورويشة يحيل إلى أنه فنان لهو وفساد ومربي شيخات، رغم ذلك، رغم هذا التحريض التقدمي المعلن لم يمت رويشة في ذاتنا، نعم هو مغني اطلسي شعبوي لكن فنيا كان يرقى إلى مستوى فريد الأطرش: رويشة مثلا أقام (قلد مقام الربيع لفريد الأطرش بالوتر الامازيغي وليس بالعود لدرجة وضع هذا المقام في مسابقة تلفزية بوضع السؤال: لمن هذا المقطع وكانت الإجابات : لفريد الأطرش بينما كانت لرويشة ). لرويشة مقامات أبدعها ولم يسميها، كان الامر نوعا من "لقصارة" عبث آخر! لكن في الحقيقة كانت مقاطع جميلة جدا، في ألباسيتي سنة 2002 كنت استمع لمقطع له، موسيقى صامتة، ولسبب ما ذكرتني إيقاعاتها برقصة الفرس، كنت اسمع ذلك الإيقاع في ألباسيتي واتخيل اني في عيد عرش السبعينات بمريرت، عيد الخيم واحيدوس والتبوريدة وانتشار البغال في الحلقات الفنية لكن موسيقى ارويشة ذكرتني أكثر برقص الفرس : حين ينتهي السباق في التبوريدة وتعود الخيول إلى نقطة الأنطلاق ، تعود وهي بشكل فني متنفرة من راكبها: الفارس عندنا ليس من يركب الفرس بل من يروض وحشيتها وهو فوق الفرس، لمعرفة هذا يجب ان تعرف ان فرس التبوريدة ليس فرسا مهذبا كالفرس الأوربي، بل هو فرس "حر" التي تعني ببساطة فرس متوحش لم يألف قرب الناس إليه. إن الفارس بهذا عندنا هو بطل، يعني برغم حرارة الفرس وفطنته الموحشة يستطيع ان يروضه في الركوب، في الكثير من المقاطع لرويشة الصامتة في انتقاله من أغنية إلى أخرى، ألمس هذه الحركة من الفرس ولا استطيع وصفها لأنها حركة معقدة: فرس يريد أن يسقطك وانت ثابت فوقه تلجمه بأشكال تجعله يثير رقصات موحشة لكنها مع ذلك فنية رائعة، صحيح ان ارويشة كانت تغمره إرادة ان يكون مثقفا أكاديميا وليس فقط مثقف عادي (في كل استجواباته مع الإذاعة والتلفزية يبدو شيزوفرينيا وهذه عقدة كرسها التعليم المغربي: المثقف هو من يتكلم لغة القرآن أو لغة فوكو بينما الثقافة في الحقيقة هي ايضا ما تقوله الحاجة الحمداوية بلغتها المغربية العادية حول اغانيها ورقصها، بشكل عام هذه الشيزوفرينية التي مورست من خلال النكتة على ارويشة جعلته اكثر تصوفا مع تقدم السن، لكن ما اريد أن أثيره هو ان في الكثير من إبداعاته الصامتة والتي لم يعنونها او يؤسسها كمقام موسيقي صامتة بقيت مجهولة، اخاف ان يتبناها احدهم ويسجلها باسمه وعموما ما دمنا نعيش لن نسمح بذلك.
لكن ليست هنا المشكلة!
مع شعار اللطيف عند ظهور ما يسمونه الظهير البربري، انتزع من الأمازيغ كل تعبير في التحرر توظف فيه الامازيغية أو بعبارة أدق انتزع منهم اللسان الأمازيغي، الحركة التقدمية بالمغرب حينها لا معنى لها في ان تكون باللسان الأمازيغي، غنها لغة متخلفة رغم أنه في الميدان كانت الحركة الامازيغية عكس الحركة المدينية ثورية بشكل فاجر: يعني كانت توصف من طرف المثقفين المغاربة بفرنسا (طلبة المغرب بفرنسا) وبالمشرق (طلبة المغرب في مصر وسوريا) بالهمجيين والإرهابيين، وعموما في المغرب عند الامازيغ هناك فهم تقليدي: "أغاراس اغاراس" عند الأمازيغ في المغرب ليس هناك ازدواجية إما انك معنا او انك ضدنا، لم تكن ثقافة التهذيب سائدة كما الآن، كانت ثقافة " أغاراس أغاراس" شعار ضد الإزدواجية، لفهم هذا الشعار أحيلكم إلى معركة واد المخازن بين الدولة السعدية ودولة البرتوغال: الذين ساندوا السعديين لم يكونوا بالضرورة راضين على دولة السعديين بل كانت القاعدة هي كالتالي: "معك ضد الأجنبي ولو اني لست معك" ومعنى هذا أني معك ضد الأجنبي، وحين ننتهي من هذا، لدينا حسابات أخرى فيما بيننا.
"أغاراس أغاراس" هو في الأمازيغية مبدأ اتفاق: نحدد نقطه ونقول : اغاراس أغاراس (يعني طريق لا يمكن ان ننحاز عنه وهو مبدأ الاتفاق ) يعني لا تهم التناقضات بيننا إلا حين ننتهي من الطرف النقيض الرئيسي (نفس الإشكال حاليا الذي تمارسه الدولة: سنلتزم بالسلم الإجتماعي حتى نتغلب على النقيض الرئيسي وهذا موضوع آخر لأن في الصراع الدولي هناك دائما إكراهات متجددة نركب او تركب الدولة عليها لضمان السلم الاجتماعي). "اغاراس أغاراس" تعني: مهما كانت الظروف سنلتزم بالإتفاق وهذا كان شعار الحركة الوطنية ضد الاستعمار في المغرب عند الأميين (أقصد الذين لهم لغة ولا يكتبونها كما يكتبها فولتير وطه حسين) وهو بالطبع اتفاق شفهي بين القبائل الأمازيغية بالمغرب، الفكر التقدمي سواء جاء من فرنسا أم من دمشق أو مصر جاء بشكل غير مستوعب لواقعنا، جاء بشعارات ضخمة تتجاوزنا: جاءتنا مثلا الاشتراكية بشكل قومي عربي تعني في الأساس نكران هويتنا، من فرنسا جاء على شكل اممية خرقاء أيضا تعني لا وجود لنا إلا في التموقع في الصراع الطبقي، يعني ان نحدد وجودنا كطبقة عاملة أو كطبقة بورجواية في الوقت الذي كانت انماطنا بشكل فطري "اشتراكية" (اشتراكية بدائية إن شئت): لم تكن لدينا الملكية الخاصة بل السائد هو الملكية الجماعية (نمط المجتمع الرحالي في المغرب بالتحديد). لم تكن القومية العربية موفقة ولا الأمممية الاشتراكية الفرنسية أيضا موفقة وكل طلبة التهذيب الحضاري سواء كانوا طلبة في المشرق اوطلبة في الغرب بفرنسا/ كانوا خونة على أقل تقدير (إقرأ منشورات وزراء فرنسا الاستعمارية في الخمسينات والستينات: كل زعمائنا الوطنيين كانوا خونة في فرنسا وجزء منهم الآن هم من يمثل الطبقة البورجوازية، نعم أضف إليهم طلبة دمشق ومصر الذين حولوا كل ثقافتنا إلى ثاقفة اموية وعباسية وجاهلية). ساعدت الأمية الأمازيغية (الامازيغية كلغة لم تكن تكتب او تدرس ) في ان يتحضر هؤلاء بالمعنى السلبي الذي يضعه مهدي عامل في مقدماته الرائعة: الحضارة ليست ان تكون تدرس وتنتقم من جهل اهلك: الحضارة هي تهذيب السلوكات العدوانية في حاضرة معينة (تعريف ابن خلدون، في اللغة، الحضارة هي هذا المجز بين لغات بدوية تجمعت في حاضرة اومدينة وليست خيانة الشعوب باسم التقدم: الحضر أيضا يعني العمران والهندسة الأرشتيكتية والفن وغير ذلك، يعني ببساطة ما يبنى في المدينة وهو مزيج لتأثيرات ثقافية موجودة بالمدينة ). المدنية لا تعني أن أنقل البناء والعمران واللغة والثقافة الغربية إلى شعب آخر بل هو بناء ينشأ من ذاته، من نسيج ثقافة ممتزجة في مدينة معينة بما فيها تلاقحها مع البراني .
في أوربا مثلا، في مدنها يتم تصقيل الثقافات الهوياتية، في برشلونة مثلا، كل الأزقة والساحات العمومية والمعالم الحضارية بأسماء كتلانية، وجدت هذا ايضا في الباسك، وعموما هناك عملية تصقيل الهويات في المدن: يضعون أسماء ومعالم المنطقة أسماء لمعالم المدينة وبعدها في سياق التعبير عن التفتح يضعون مثلا شارع دوسييفسكي برغم أنه ليس باسكي بل لأثر معالمه الثقافية العالمية، في المغرب مثلا تجد اسماء أزقة لا يعرفها المواطن العادي وليست علما مغربيا أصلا.
بشكل عام الثقافة السائدة في المغرب في شقها القومي العربي او الفرنسي الغربي صنعت منا شخصية شيزوفرينية تكره ذاتها ومظاهرها عديدة من خلال أسماء المدن والانهار والجبال وغيرها، مثلا: مدينة فزاز هي فاس الحالية، تيطاوين هي تطوان، موربيع هو ام الربيع وهلم جرا إلا ما كان مانعا بشكل لا يمكن تغيير اسمه.
عند الأستقلال الشكلي كان الصراع الثقافي في المغرب هو بين خونة المشرق وخونة الغرب، بين طلبة دمشق والقاهرة وطلبة باريس ولا زال هذا الصراع حتى الآن متوهجا بينهم في الدفاع عن الفرنسية او عن العربية والشاطرون من مثقفي العصر الحديث تنكوا للكل يفضلون الإنجليزية تجاوزا للصراع .
سأعود إلى نكتة رويشة: رويشة في المدرسة كان طالبا مشاغبا، لكن مع ذلك كان فنانا بالفطرة، كان ينزع خيوط سرواله المتمددة (خيوط لاستيك) ليصنع بها اوتارا موسيقية (هذا ما اعرفه عنه شحصيا لانه ابن بلدي) وربما طرد لانه كان مشاغبا، لكنه بالفعل، في مساره الموسيقي أبدع، بداية كان يقلد اوتار الموسيقى المصرية (الغزو القومي الناصيري أو الدمشقي الذي تكلمت عنه) متمثلا في انواع موسيقى العود (مقام الربيع الذي ذكرته هنا والذي ارويشة كان يتقنه بالوتر المغربي وليس بالعود وأعتقد انه كان يتقنه ب"لاستيك" سرواله)، لكن في مساره التطوري أبدع مقام رقصة الفرس والتي أخاف ان يسرقها هؤلاء الموهوبون بثقافة الحظيظ كما فعلوا مع مقام الراي: الراي أغنية امازيغية قديمة لا تسمح صفحات الحوار المتمدن بوضعها )
ملاحظة: الأغاني المغاربية ولا اقصد فقط المغربية التي تنتسب إلى شريحة الشاب "حمو حزوظ" كلماتها تفتقد إلى الإيقاع، أقصد إيقاع الكلمة حيث هي اغاني تصقل كلاما عاديا في اغنية، إن ترجمة اغنية انجليزية او إسبانية او حتى أي لغة إلى العربية، في الترجمة لا يترجم الإيقاع، أقصد إيقع الكلمة، وإذا بدت الأعنية في لغة اخرى جميلة، لا يعني ذلك أن ترجمتها جميل إلى العربية، لكن الاغاني الغربية في لغتها تحتفظ بهذا الإيقاع : "ادخلت الدار، كنت عيان، جطيت راسي في المخدة، النعاس مابغاش إجيني" انها جمل تعبر عن واقع لكنها ليست اغنية، هذا كله كلام عادي لا إيقاع مسيقي فيه وإذا غناه شاب ما ورصعه بالموسيقى فهو يشوه مباديء الغناء أصلا.



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش احداث مليلية الأخيرة
- الخير والشر وموقع الفاروق المعظم منها
- الرحلة إلى وليلي، تتمة لموضوع الحمار والكلب والقطط
- هزلت!
- البورغواطيون وقياس الزمن
- أنا وكلاب القرية وقططها وحمارنا الذهبي
- مؤشرات تحلل الولايات المتحدة
- نقض هيكلية الحزب السياسي
- نيرون القرن الواحد والعشرون
- الماركسية وعلاقة التحديد
- حين تسبق العين الشهية
- رؤوس بدون ذاكرة تاريخية
- في تناقض الفكر القومي
- حول ماذا يتصارع هؤلاء؟
- العالم بقرون ذكورية
- عيدكم سعيد! وداعا شيطان رمضان!
- لماذا نقد الإسلام وليس الاديان الأخرى؟
- الرأسمالية تبدع، لكن العمال لا
- جدل -الشيخ- و-الشيخة- بالمغرب
- من الإستقلال الشكلي إلى الإستعمار التام والناعم


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عذري مازغ - مقام الفرس