أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - موقفان














المزيد.....

موقفان


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 7305 - 2022 / 7 / 10 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


1- ابتكار
في ربيع العام ١٩٦٩فجأةً اجتاح الفيضان كل البساتين والقرى والحقول والبراري، فتحول العالم بين ليلة وضحاها الى بحر ٍ متلاطم الأمواج، فقد انهدمت السدود الطينية على ضفتي الشط، وتدفق الماء عارماً، ولم يعد ثمة شيء خارج طوفان الماء سوى الطريق العام و جزء بسيط من تل المقبرة القديمة وديوانية فالح التي اتخذها مسكناً لعائلته. حتى المدرسة غرقت.
لم يقلق أحد على شيء فهم يعلمون ان الماء سينحسر إن عاجلا ً أو آجلا، قد تموت فسائل النخيل الصغيرة التي يغمر الماء قلوبها، ومن المؤكد ان أشجار التين، والبرتقال، والعنب ستموت أيضاً، لا بأس يمكن زراعتها من جديد. ومن المؤكد ان البيوت المبنية من الطين سيبتلعها الماء، أما الأكواخ فقد طافت. يمكن اعادة بناء كل شيء. لا شيء يدعو الى القلق طالما انتقل السكان الى كتف الطريق العام الذي عرضه أربعة أذرع وبنوا لهم أكواخاً موقتة بين حافة الأسفلت حيث تمر الشاحنات الهادرة وبين الموج. وتمنّوا أن لاتحصل حوادث دهس!
لكن القرويين قلقون بخصوص امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي الذي سيحلّ موعده عمّا قريب! فالوقت مهم، ولابد للمعلمين أن يكملوا المنهج! ولابد للأولاد أن يعرفوا كلَّ شيء ويكونوا على أتمِّ الاستعداد. وليس من سبيل لاتمام تلك المهمة.
لكن فالح أعلن ان ديوانيته ستكون صفاً. يا للخبر السعيد! والله أنت بطل يا فالح! بل انه بادر بنقل عائلته الى كتف الطريق وحشرها بين الاكواخ المتلاصقة. وترك الديوانية فارغة.
رحب الجميع بالفكرة. فحملوا السبورة وعلبةً بداخلها قوالب طباشير ومسّاحة من الصف السادس في المدرسة الغارقة التي صارت ملعباً لأسماك الخشني. نقلوها كأثاث عروس وسط الأغاني والهلاهل الى ديوانية فالح، وفرشوا الأرضية بما تيسر من البسط والسجاد والحصران. وجاء الاطفال وأهاليهم والمعلّمون كلّ صباح. حتى أُكمل المنهج على أفضل وجه. ودخل التلاميذ الامتحان ونجح الجميع.
2- تقليد
بيد أن موقفاً آخر حدث مع أغلب سكان تلك القرى الغارقة. فحين بات الناس محتجزين على كتف الطريق العام لايغادرونه أبداً شعروا بحاجة الى الحركة. اذ عليهم أن يخوضوا في الماء حتى السرّة لجلب العلف الاخضر لأبقارهم التي نجت، ولجلب الحطب من أجل الخبز. وكيف لهم أن يخوضوا وقد ارتفع منسوب الماء، وما عاد أحدٌ قادراً على تجنّب السقوط في العميق بعد أن اختفت معالم الدنيا!
‎ ولكنه جاء من مكان خفيّ، لا يعلم أحدٌ على وجه الدقّة من أين. قالوا انه كان يعمل صبياً في سوق التنك! وقالوا انه كان يعمل في البحر، وقالوا انه راضع مع أبليس!
‎ جاء في الوقت المناسب يحمل معه الحلّ. بصفيحتين من الحديد المغلون المضلّع، ولوحي خشب، وبعض القطع الخشبية، عملها أمام أعين الناس المذهولين، طرق الصفيح المضلّع فصار مستوياً، ثم ربط القطعتين بمسامير، ثم طواهما وثبَّت الأخشاب بالصفيح، فصار زورقاً. سدَّ بعض الفتحات بالقار، ثم صبغ الصفيح بلون أزرق، والأخشاب بلون أحمر، والقى الفُلكَ في الماء، بسم الله، فطافت.
‎ ليست بلماً، وليست مشحوفاً، هي خفيفة، ومتينة، ومبتكرة، وسريعة، وبسيطة التركيب، ورخيصة الثمن، وجميلة، وملوّنة. لذلك ابتكروا لها اسماً جديداً.
‎ كل عائلة احتاجت واحدة، بل كل شخص احتاج واحدة! يالها من فكرة. ولكن الرجل لم يستطيع تلبية كل الطلبات التي صارت بالعشرات!
‎- هي سهلة لماذا لا نعملها نحن؟ قال أحدهم.
‎وعملوها، بالمواد نفسها، والأبعاد نفسها، والطريقة نفسها، وصبغوها، بالألوان نفسها، أزرق للصفيح، وأحمر للخشب. فامتلأت تلك الآفاق بذينك اللونين، حتى صعب على الناس تمييز زوارقهم عن زوارق جيرانهم!
‎ ذات يوم سأل طفلٌ أحد الرجال العارفين.
‎- لماذا لا يجرّب الناسُ ألواناً أخرى؟ كالأصفر والأخضر والأبيض؟
‎ أطرق الشيخُ برهةً، و فكَّرَ مليّاً، حكَّ لحيته، وزمَّ شفتيه، وهزَّ رأسه، وردَّ بوقار:
‎- وهل تطفو بتلك الألوان أيضاً ؟



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنان فطري عجيب
- عطلة العيد
- حكايتا بقرة ووزّة
- اجتماع اللجنة العليا
- ضحايا مجرمون
- حكاية موت الدكتور سلمان
- حكاية سعيد الورّاق
- كاميرات ثلاث -الجزء الثالث
- كاميرات ثلاث -الجزء الثاني
- كاميرات ثلاث -الجزء الأول
- خيالات
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء التاسع والأخير
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثامن
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء السابع
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء السادس
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الخامس
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الرابع
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثالث
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثاني
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الأول


المزيد.....




- العمود الثامن: في حكاية الشيخ والشاعر !!
- الاحتفاء بالشاعر والمترجم ياسين طه حافظ بمناسبة اختياره رمزً ...
- جاهزون يا أطفال .. أحلى الأفلام الكارتونية على تردد قناة سبي ...
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- يحصل على جائزة أفضل فيلم صيفي لعام 2025 “فيلم مشروع أكس”
- رابط مباشر نتيجة الدبلومات الفنية الدور الاول برقم الجلوس فو ...
- في ليبيا: السوريون يواجهون أوضاعا إنسانية وقانونية صعبة في ظ ...
- Maturity: ألبوم لنادر بن عن المنفى والإنتماء بإيقاعات الفولك ...
- الرابط متوفر من هنا.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأو ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - موقفان