أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - هو الذي رأى كل شيء _الجزء الرابع















المزيد.....



هو الذي رأى كل شيء _الجزء الرابع


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6769 - 2020 / 12 / 23 - 01:56
المحور: الادب والفن
    


إختفاء المسلّة
الساعة الواحدة ظهرا
يشعر الشابان أنهما قد وُضعا على حين غفلة أمام امتحان غريب. فقد شغلهما هذا الغريب الغامض عن مخاوفهما وآلامهما السابقة، تلك التي دفعتهما الى اللجوء الى القاع باحثين عن السلام فيه. لايريد عماد أن يتذكر خسارته لبسمة، يريد أن يهرب منها، بسمة الفتاة التي أحبّها، والتي فقدها بلحظة غاشمة، لا يريد أن يتذكر. ويريد حسن أن ينسى تلك الصدمات التي لاحقته، والتي جعلت العالم يبدو مزيفاً بعينه، فلا يستطيع أن يرى سوى نسخته المغشوشة. ها هما اليوم يواجهان سؤالاً جديداً هو :من عسىاه أن يكون هذا الرجل ؟ هل هو الدكتور منعم أستاذ الفلسفة ؟ أم هو سلمان، أم هو أبو فيصل الذي فقد أولاده؟ أم هو مجرد مجنون آخر لفظته مطحنة الحياة القاسية، وساقته الأقدار ليكون بينهما؟ يشعر عماد مع هذا بالطمأنينة، ذلك لأنه واثق من أن المساعدة ستأتي لحل اللغز من الناس المهتمين قريباً. فقد أرسل الرسائل للأصدقاء القدامى الذين لم يعد يتذكرهم عدا أن أسماءهم بقيت محفوظة في ذاكرة الهاتف خاصته، وقد أُرسل رسائل للاصدقاء الجدد من مجتمع القاع، وسينقل ذلك الشبح الذي لابد أن يكون قد استمع لحديث الرجل الغامض الى صاحب الجلد الشفاف ربما، أو لأيٍّ كان كل تلك التفاصيل. سيتكفل الآخرون بحلّ اللغز. يشعر عماد أن وظيفته تحولت الى مضيف فقط، هو مثل عامل خدمة في فندق ليس الا. أما التفسير فسيضطلع به الآخرون. أما حسن فرغم أنه ظل صامتاً طوال الوقت السابق الا أنه بدأ يراجع نفسه، وبدأ يشكُّ في خياراته الأخيرة في الانخراط بعالم القاع! فهذا الرجل إن كان صادقاً فيما يقول، كان حسن يفكر، فهو قد مرَّ بظروف أصعب من تلك التي مرَّ بها، ومع هذا فقد ظلَّ متمسكاً بدور يريد أن ينهض به وهو أن يكتب عن مشاهداته. واذا كان الرجل الغامض كاذباً فيما يقول، أو اذا كان مجنوناً، فهو وان كان كذلك الا أنه ظلَّ يحمل همّاً عاماً، لم ينسحب منه، ولم يهرب منه. ولهذا يشعر حسن أن قراره في مغادرة مجتمع السطح العفن بدا له قراراً انهزامياً. وإكتشف حسن أيضاً أنه ما زال قادراً على التفكير!
الفضول ربما هو الذي دعاهما الى الاحتفاظ بالرجل ورعايته. فأصبح شغلهما الشاغل. يرعيانه كما لوكان أباً لهما. نظّفاه، وأطعماه. وتركا من أجله وبسببه بسطتَهما اليوم. فلم يصعدا الى الرصيف القريب من خيمتهما ليفرشا الخردة التي اعتادا على عرضها وبيعها كل يوم. أما هو، فقد كان رجلاً يهذي. اختلطت برأسه الصور. وتوهّم أنهما ملاكان يستقبلانه بعد موته، ثم ظنَّ أنهما محققان مستعدان لتعذيبه من أجل انتزاع اعترافات منه. في هذه اللحظة، وبحدود الساعة الواحدة ظهراً، وقد مضت ساعات لوجود الرجل الغامض في الخيمة بعد أن وجده الشابان فاقد الوعي، بدأ الرجل مرة أخرى يتمتم بصوت خفيض. حاولا معرفة ما يريد أن يقول. يعتقد هذه المرة أنه ضيف على صحفيين يريدان أن يعرفا منه الذي حصل. كمن يهذي، يودُّ أن يسجّل أفكاره ورؤاه ومشاهداته. يشعر أنه رجلٌ مهم، شخصية مميزة، خبير بشؤون مدينته. يعتقد أن الصحفيين يحرصان على معرفة تفاصيل لا يعلم بها الا هو، فقد توهمَّ أنه هو الوحيد الذي رأى كل شيء.
- لنسأله لِمَ حصل كل ذلك، ما رأيك؟ قال حسن.
- نعم، نعم، ولابد من تسجيل كل كلمة يقولها. لابد أن نشارك الآخرين بهذه المعلومات فقد تكون مهمة، من يدري! قال عماد.
- تماما. قال حسن
- هل لك أن تقول لنا لماذا حصل الذي حصل لمدينتك؟ قال حسن موجهاً السؤال للرجل. رفع رأسه وإتَّكأ على مرفقه، سحب جسده قليلا للأعلى، وبدأ يسرد:
- كان لدى الناس أوقات فراغ كثيرة للاستمتاع بالعروض المسرحية التي تقام في المسارح الكبيرة. وكانت المهرجانات تقام في الساحات. ولكن ذلك لم يدم طويلا، ذات صباح سمعنا خلال نشرة الأخبار أن المسلّة قد اختفت. هكذا ببساطة اختفت. كانت صدمة كبيرة للجميع، كيف يمكن أن يختفي أهمّ شيء في حياتنا؟ كان الناس يتساءلون. هذا أمر لا يمكن تخيّله حتى. لماذا؟ وأين؟ ومن قام بذلك؟ سرقوا حبة قلوبنا! أنشد أحدُ الشعراء بحزن قصيدة طويلة. وبكت المدينة كلُّها، وبكت القرى المنتشرة في وادي الأنهار الأربعة، بكى البحارة على ظهور السفن الصاعدة والنازلة باتجاه البحر، وبكى الفلاحون والصيادون، النساء والرجال، الممثلون والمشاهدون، وبكى الرعاة المتوغلين بقطعانهم في البراري، بكى الجميع. لقد سرقوا مهجة قلوبنا، ونور عيوننا!
ولم يعرف أحد كيف أختفت المسلّة، فقد كانت هنا بالأمس عندما انسحب آخر المتجولين من الساحة قبل أن يغيب القمر في الأفق، كانت شاخصة ثابتة في مكانها الأزلي. عندما تأكدتُ من تطابق عقربيّ الساعة الكبيرة في الساحة المركزية عند زاوية المسرح المركزي العظيم معلنة الثانية عشرة ليلاً، أطفاتُ مضخة النافورات، هكذا كانت التعليمات تنصُّ دائماً، وعدتُ لأنام في غرفة المناوبين الليليين. قال موظف البلدية المناوب عندما أيقظه الناسُ في الصباح ليسألوه عمّا حدث للمسلّة. اختفت مسلتنا! يا للعار! كيف؟ من يتجرّأ على سرقة قطبنا الذي حوله تدور كلُّ حياتنا؟ عشنا أياماً من التيه والألم والصدمة. كلّ الشِعر كان يدور حول المسلّة تقريباً، وكل الأمثال الشعبية التي توارثناها كانت تدور حول المسلّة. فكيف يمكن أن نتخيّل الحياة بدونها؟
انتشرت شائعات تقول ان المسلّة قد أُخذت للصيانة بسبب التلف الذي أصابها، وشائعات أخرى تقول أنهم قد اكتشفوا ان المسلّة تحتوي كتابات مقلوبة لذلك سُحبت من أجل إصلاح تلك العيوب! ولكن لا أحد على يقين. من الذي أخذها؟ وأين تمَّ نقلها؟ ستُعاد أم لاتعاد؟ لا أحد يعلم.
حزن الكثيرون عندما علموا أن المسلّة تحتوي على كتابات مقلوبة، وتوصلوا الى استنتاج مفاده أن كل شيء ليس له قيمة طالما أن كل شيء كان يدور حول مسلّة قد نصبت بالمقلوب، ما هي الا غلطة! وأن كل شيء عرفناه حتى الآن هو محض خطأ. بلبلة كبيرة قد حصلت عندما نُشرتْ صورة للساحة المركزية التي تقع أمام المسرح المركزي المهيب وهي تخلو من المسلّة. كانت المسلّة عبارة عن عمود أبيض من الرخام مدبب في نهايته يستند على قاعدة موشورية الشكل ارتفاعها ثمانية أمتار وطول ضلعها أربعة أمتار تتوسط بركة ماء دائرية قطرها ستة وثلاثون متراً وضعت في حافتها ست وثلاثون نافورة تقذف الماء باتجاه قاعدة المسلّة. وفوق القاعدة الموشورية ثمة قاعدة أصغر منها مثمّنة الشكل ارتفاعها خمسة أمتار. تلي القاعدة المثمنة قاعدة دائرية ارتفاعها ثلاثة أمتار. تستند عليها المسلّة وهي عمود ذو مقطع مربع ضلعاه من الأسفل مترين، وتستدق المسلّة كلما ارتفعت الى الأعلى، ولا أحد يعرف على وجه الدقّة ارتفاعها. تتكون من عدد من المكعبات المنقوش عليها كتابات قديمة، نصوص تمجّد شعبي. وقد عرفنا دون أن نقرأ النصوص أن تلك الكتابات هي عبارة عن نشيد يتغنى بقدرة شعبي على الصمود عبر الزمن. وأنه شعب مكافح، يتحمل الصعاب، وأنه محظوظ، يحظى بعناية السماء، وأن على أبنائه ألا يقلقوا، وأن عليهم أن يشعروا بالثقة بأنفسهم لأن أجدادهم قد تغلّبوا على صعاب لا تخطر على بال. لذلك فإنهم قادرون على تخطّي أيّ نوع من المخاطر. هذا هو ملخص النشيد الذي قيل لنا أنه مكتوب على المسلّة، وقد حفظناه عن ظهر قلب.
وجدنا الساحة خالية من المسلّة، ووجدنا بركة الماء الراكد يكتنفها الصمت لأول مرة. لم تعد النافورات تعمل. ولِمَ عليها أن تعمل بعد أن أختفت المسلّة. كان بلاط الساحة المركزية المتكوّن من حجر البازلت الأسود الذي كان القدماء قد جلبوه من جبالنا الشرقية، وقد طُعِّم بالحجر الأبيض الذي جلبه القدماء عبر بحرنا من الجزر الغربية النائية، هكذا قالت الحكايات، كانت كل النقوش تدور حول مركز واحد هو قاعدة المسلّة التي لم تعد موجودة. وواصل كلامه:
اجتاحت الجموع الغاضبة مركز المدينة. يبدو أن الجميع قد فقد عقله! قال قائد الحرس، ولكنه قبل أن يكمل الجملة التي كان ينوي قولها وجد نفسه مصلوباً على جدار. ولكن الناس وجدوا أنفسهم نادمين بعد أن عرفوا أن كل ذلك الهياج، وكل ذلك التكسير وتحطيم الأبواب والأثاث، وكل عمليات الأعدام المتكررة التي قاموا بها لم تكن لتعيد المسلّة الى مكانها القديم.
بعد سنوات، ذكرت نشرة الأخبار أن المترجمين الذين كُلّفوا بترجمة المسلّة وفكّ رموزها وإعادة الكلمات المقلوبة الى وضعها الصحيح أكتشفوا أخيراً أن المسلّة لا تعود الى وادي الأنهار الأربعة، بل هي تعود الى بشر آخرين. لم ينتبه أحد للخبر عندما قُرأ في نشرة أخبار الساعة العاشرة، لأن الناس وقتها كانوا ينتظرون نتيجة مباراة كرة القدم النهائية!
في الليالي التي تلت ذلك الهيجان، وبعد أن اكتشف الناس أن كل ذلك لم يؤدِ الى اعادة المسلّة التي لا تعود لنا، تمَّ ردم البركة بعد طرد الوزّات التي اعتادت السباحة فيها. وتم تشكيل لجنة لتهدئة الأوضاع أعضاؤها الرجال الأكثر غضباً! أحداث كثيرة حدثت بعد ذلك الفجر الدامي، ولكن المهم أن أحداً لم يعد يذكر المسلّة، فقد تمَّ نسيانها تماماً. لم يقتصر الأمر على نسيان مسلّتنا التي صار اسمها مسلّتهم لاحقاً، ثم لم يعد أحد يتذكرها. ولكن الناس انشغلوا بالثأر المتسلسل. وهكذا استمرت عمليات القتل الخطأ بطريقة خاطئة تماما لسنوات طويلة خاطئة استمرت حتى وقت قريب، قال.
ذات مساء بعد اختفاء المسلّة، واصل حديثه، وبعد الهيجان الذي حصل وبعد تشكيل اللجنة، عندما حضر الناس حفلة الموسيقى كعادتهم كل خميس، اكتشفوا أن عازفي الفرقة الموسيقية كانوا حيارى، فقد لاحظ الجمهور أن وجوه العازفين مصفرّة. وأنهم ليسوا على عادتهم في مثل هذا الوقت حين يكونون مشغولين بتنظيم آلاتهم، يدوزنون أوتارها، ويضبطون نغماتها. فقد رأوهم تلك الساعة وأيديهم مرتجفة، وأفواههم فاغرة، وريقهم جاف، عيونهم تبحث عن جواب. ينظرون لبعضهم، وينظرون لخلفيّة المسرح علّهم يشاهدونه قادماً اليهم عبر الستائر. فقد علموا لتوّهم أن قائد الأوركسترا لم يحضر. ثم علموا أن خطباً سيئاً قد حاق به. ثم علموا أنه وُجد مقتولاً في شقته! نهض العازفون واحداً تلو الآخر ورُكبهم تصطك، بعضهم حمل آلته معه، وبعضهم تركها هناك. سمعوا موسيقى صاخبة مضطربة كانت تتردد في رؤوسهم، نزلوا من خشبة المسرح، ولم يعد أحد يراهم منذ ذلك الحين. ظل الجمهور تلك الليلة مذهولاً لا يعلم ما الذي عليه فعله، ولكن العائلات أخيراً عادت الى بيوتها من الحفلة التي لم تكن حفلة.
واصل الرجل الغامض كلامه:
ومثلما اختفى الموسيقيون، كذلك اختفى الرسّامون، والنحّاتون، والشعراء، والمهندسون، ومصمّموا الأزياء، واختفى المعلّمون. وحلَّ محلّ كل هؤلاء أناس آخرون أقلّ درجة منهم، أو ربما أكثر وطنية منهم! أو ربما أفضل من السابقين. عندما حلَّت الذكرى السنويّة لتلك المناسبة التي كان على الضبّاط الاحتفال بها، كل الذي تذكروه أن عليهم أن يلبسوا بدلاتهم العسكرية، ويضعوا على صدورهم النياشين والأوسمة والشارات التي من المحتمل أن تزداد هذه السنة أيضاً، وأن عليهم أن يكونوا مستعدّين للترقية. ولكن المشكلة أن عدداً منهم لم يستطع ضبط تهجئة رتبيته الجديدة التي مُنحت له العام الماضي حتى بات مهدداً مرة أخرى برتبة جديدة هذا العام أيضاً! وعليه أن يدخل دورة ليتعلم تهجئة حروفها! اذ كان عليه أن يكتب الرتبة قبل اسمه حين يوقع على الأوامر الادارية والوقوعات اليومية الخاصة بالحضور والغياب! تباً لماذا لا يجعلونها كل ثلاث سنواتّ؟ لو كنتُ مكانهم لاقترحت أن تكون الترقيات بنفس الاسم مضافاً اليها رقم، ما الضير أن تكون عميد أول، عميد ثاني، عميد ثالث، بدل هذه الفوضى؟ قال آخر وهو يحلق ذقنه استعداداً للاحتفال. منذ صبيحة ذلك اليوم العظيم، صار الضباط الذين لا يجيدون القراءة والكتابة مهووسين بقضية المحافظة على أمنهم الشخصي. من يضمن أن الغاضبين الجدد لا يسعون الى قتلنا؟ قال أحدهم.

الأسوار

اجتمع أعضاء اللجنة الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بكوابيس مستمرة لا تنتهي أبداً لتدارس وضعهم. كنّا ننام بالثكنات البعيدة قريري الأعين. قال العميد الركن، ولكننا لا نستطع النوم في مركز المدينة. راح يشرح لرفاقه على خريطة غطّت كل الجدار الجنوبي لغرفة الحركات حيث تمَّ اقتلاع الشبّاكين اللذين مرَّ منهما الغاضبون لفقدان المسلّة صبيحة ذلك اليوم المشئوم، وتمَّ غلق الفتحتين بصفائح حديدية سميكة لُحمت مع قضبان حديد التسليح التي استُخرجت من الأعمدة الخرسانية. وبطريقة محترفة تماماً، بيَّنَ لهم ضرورة إحاطة المنطقة بأكملها بسياج من الكونكريت المسلّح مع نصب بوابة جديدة غير تلك التي عبروا من خلالها حين كانوا غاضبين. بوابة تكون أكثر متانة ولا تذكّرنا كلما مررنا بها بذلك اليوم الذي بتنا نخشى أن يكرره الشباب مثلما فعلنا نحن تماماً. ولننعم بنوم هانئ ولو لبضع ليالٍ قبل أن يتمَّ سحلنا! بوابتنا الجديدة ستكون أبعد بكثير من البوابة القديمة، يا للسخرية! ستكون بوابتنا مدخلاً للمركز كله بما في ذلك المسرح والسوق والقصور والوزارات وبما في ذلك الساحة المركزية التي كان عمود ما عديم الفائدة ينغرز وسطها مثل رمح قبل اقتلاعه! ولكن العميد الجالس على يمينه كان له رأي آخر لم يصرّح به، اذ حدَّث نفسه فقط: كيف لنا أن ننام هانئين ونحن متجاورون، والله حتى قبورنا لن تكون آمنة لنا طالما أنتم موجودون! فيما كان يسعل سعالا متواصلا بسبب التدخين.
عندما تم بناء الجدران الخرسانية المقاومة لكل أنواع الانفجارات، واصل الرجل كلامه، صار اسم المنطقة المركزية منطقة الأسوار، نظرا لأنها كانت محاطة بالأسوار من جميع الجهات. ولكن السكان استسهلوا اسماً آخرَ إذ أسموها منطقة الأسرار. وهو ما وجدوه مطابقا تماما لحقيقتها، فمن ذا الذي يعلم ما الذي كان يدور هناك؟ الناس الذين يسكنون المدينة والضبّاط الذين يسكنون منطقة الأسرار كان كل منهم يفكر بالآخر المجهول الغامض ويرتاب منه. النساء الغجريات قارءات الطالع فقط كنَّ حلقة الوصل بين الطرفين! كنَّ يقصصن على الضبّاط ما كنَّ يرينه من خلال الاحجار والصدف والمحار والخرز قصصاً لما ينوي الشعب فعله بهم. ويقبضنَ أجوراً مجزية. أراهم يعبرون البوابة سيدي! أراهم يحملون المشاعل في ليلة حالكة الظلام سيدي! قلوبهم تغلي بالحبّ! ماذا ؟ الحبّ! قولي شيئاً آخر! هذا ما أراه سيدي! تباً لكِ، لابد أنك تكذبين. حسناً، حسناً، إذا لم تعجبك أبدلها، قلوبهم تغلي بالحقد. وكنَّ يقصصن على الشعب ما كان الضبّاط يخططون لهم هناك خلف الأسوار. أيام وليال سود تنتظركم! سوف تتفرقون شذر مذر، قولي لي بربك هل سأتزوج؟ هل سأنجب؟ سوف ترون الويل والثبور! وكنَّ يقبضنَ أيضاً. ومع هذا لم يستطع الضبّاط أن ينعموا بالنوم. ولذك تمَّ اقتراح حفر خندق بعمق خمسة أمتار وعرض عشرة أمتار حول الجدران الخرسانية. هكذا تم تطوير التحصين للمنطقة في وقت لاحق، كان الجميع متحمسين حين شرح لهم الضابط ذو الرتبة العالية جداً تلك الخطة على الخريطة المعلّقة على جدار غرفة الحركات التي لاحظ الجميع أنها بدأت تتآكل ربما بفعل الرطوبة التي كانت تنزّ من السقف حيث سقطت القنابل صبيحة ذلك اليوم المشئوم منذ أعوام خلت، أو ربما بتأثير حشرة الأرضة التي بدأت تنخر الجدران. وهكذا أُقتُرحَ بعد سنين أن يتم ملء الخندق بالنفط الأسود، كان ذلك موضحاً على الخريطة بلون أسود غامق. ثم أُقتُرحَ بعد سنين أن تُشعل النار بالنفط الأسود لمزيد من الحماية. وحين تم اشعال النار في الذكرى السنوية صار اسمها منطقة حلقة النار بدلا من منطقة الاسرار، وقد أُشِّر المقترح على الخريطة بلون أحمر. ومع هذا لم يذوقوا طعم النوم.
عانى سكان المدينة من الدخان الأسود والروائح الكريهة يومين بالاسبوع وذلك بحسب اتجاه الرياح السائدة. انها عدالة السماء تلك التي تغيّر اتجاه الرياح فيمكننا أن نتنفس هواء نقياً في حين يعاني سكان منطقة أخرى من نوبات الربو القاتلة يومين في الاسبوع بدلاً عنا. الا أن المؤسف أن سكان حلقة النار المركزية، كانوا يعانون من الآثار الجانبية للحرائق طيلة أيام الاسبوع، فاذا كانت الرياح شمالية أو جنوبية أو شرقية أو غربية كلها تدفع الحرارة والسخام باتجاه المركز الذي صار اسمه بمرور الزمن منطقة السخام.
وحيث أن القرارات التي تخصُّ وادي الأنهار الأربعة كانت تُتخذ من قبل اللجنة القابعة في منطقة السخام، فقد كانت كل القرارات خاطئة تماماً. كيف لنا أن نتخذ قرارات صائبة في الوقت الذي لا يتوفر لنا أوكسجين كافي؟ قال الرجل المسنّ الذي كان يوقّع قرارات لم يستطع قراءتها حتى بسبب تقرح جفنيه، وبسبب نوبات الربو المميتة التي كان يتعرض لها. لم أستطع النوم منذ زمن بعيد ومع هذا يتوجب عليَّ أن أتخذ قرارات صائبة! قال آخر.
ومع كل الأعذار التي كان يحاول المسؤولون القابعون في منطقة السخام تبرير فشلهم بسببها، الا أن أحداً لم يصرح جهاراً أن السبب الحقيقي هو عدم قدرتهم على قراءة الكتب والتقارير التي كانت ترسل اليهم من جهات المدينة الأربع ومن القرى التي كانت تأنُّ في وادي الأنهار الأربعة. واصل حديثه، كانوا لا يستطيعون القراءة! وكانوا مشغولين بأمور أخرى أكثر الحاحاً من قراءة البريد! لذلك فقد أمروا حرّاسهم بإلقاء البريد سراً في الخندق المشتعل. اهتموا بأمر واحد وهو مراقبة بعضهم بعضاً، ووضع الخطط والمؤامرات للنيل من بعضهم، حتى انتهى الأمر ذات يوم بعدم وجود أحد نهائياً في منطقة السخام الأسود بعد أن قتلوا بعضهم.
حين انطفأت النيران، وبرد الخندق، ورأى الناس الجدران الكونكريتية لأول مرة وهي سوداء تماما، وقد احترقت بوابة النصر التي تم بناؤها، تجرأنا للمرة الأولى على الدخول، وتفاجأنا عندما وجدنا المباني البيضاء وقد أصبحت سوداء تماماً. وتيقّن الجميع أن بإمكان الناس أن يعيشوا بدون منطقة مركزية أو منطقة سخام كما عاشوا سنوات قبل أن ينطفئ الخندق المشتعل. ولكن على الجميع هذه المرة أن يكون حذراً.

حكايات

واصل الرجل الغامض حديثه: عندما كان أعضاء اللجنة مشغولين بأمورهم الخاصة قبل أن يقتل بعضهم بعضا وراء جدران السخام تلك، كانوا يديرون أمور المدينة بالحكايات. ونظرا لعدم وجود تاريخ محدد لاختفائهم خلف جدران السخام، فلست متأكدا ما اذا كانت الحكايات قد بدأت بإيعاز وتدبير منهم عندما كانوا ممسكين بزمام السلطة، أم أن ذلك حصل بعد اختفائهم حين كانت الأمور تُدار بصورة خفيّة من قبل مجهولين لا أحد يعرفهم، قبل أن يظهر الكبار! على أية حال فقد نجحت الحكايات نجاحاً باهراً. باعتبار انها أفضل الطرق لإدارة مدينة حينما لا يكون لديك ما تقدّمه. وقد نجح الأمر بشكل مذهل حتى أن الناس بدأوا يندمون على حياتهم السابقة! فقد وقف الناس حيارى وهم يتذكرون السنين التي عاشوها سابقاً. وتذكروا بألم أيام السعادة، وشعر الكثيرون منهم بالعار بسبب خُطب المخلصين وهم فئة جديدة من الناس الحماسيّون الذين كانوا يندسّون بين الناس ليبلغوهم ما يجب أن يفعلوه وما يجب الا يفعلوه.
وهكذا فقد تمَّ اغتيال الفنانين، وعُلّقوا جميعاً من أرجلهم في الساحة المركزية التي كانت تقع أمام المسرح المركزي المهيب قبل أن يتحوّل الى ثكنة عسكرية، ثم الى مخزن للملابس المستعملة، ثم تحول الى ركام حين تقاتل الناس حوله حتى الموت. بدأت تنتشر بين الناس أخبار مختلفة بخصوص العيون المُدَمِّرة. كانت تلك الأخبار على الأغلب مقلقة ومخيفة وعصيّة على التصديق. كما أن الأفراد كانوا لا يستطيعون تكذيبها أيضا. المشكلة أنه لم يكن هناك من هو قادر على أن يسأل. فالذين ضُبطوا وهم يسألون أُعدموا على الفور. بعض الناس بالبداية كانوا يحاولون أن يجدوا معنى للأمور التي كانت تحدث، فقط ليرتاحوا.
لست متأكدا، يقول الرجل، هل أن الناس بذكائهم اكتشفوا أن كل من يطرح سؤالاً يصير عرضة للموت في اليوم التالي، أم أنهم أُبلغوا بذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. أنا لم أسمع أحداً يقول للناس ذلك، ولكنني عرفتُ أن الناس اكتشفوا هذه الحقيقة. وهو ما تركهم في حيرة. اذ لم يعرف الناس وقتها ما الذي يجب أن يفكروا به. هل عليهم أن يفكروا بالخوف من العيون فائقة القدرة؟ أم أن عليهم أن يفكروا بضرورة تجنب الأسئلة التي تؤدي الى الموت غالبا؟ أم أن عليهم الا يفكروا بالعيون فائقة القدرة لأن مجرد التفكير بها سيجعل الأسئلة تُثار في رؤوسهم بصورة لا أرادية. لذلك توصل البعض منهم أن الطريق الأمثل لتجنب الاسئلة المميتة هي الا يفكروا أبدا!
لذلك راح الناس يواصلون الليل بالنهار، بلا نوم أو راحة. يفكرون بالبحث عن طريقة تجنبهم الوقوع بحبائل التفكير! و يتخيّلون ما سيحصل لهم حين يجدوا أنفسهم وقد سقطوا دون وعي منهم بمستنقع الأسئلة. وقد شاع بين الناس أن أفضل طريقة لتجنّب الخطَرين معاً، خطر نسيان العيون، وخطر التفكير هو أن يرددوا التحذيرات باستمرار. وهو ما نصح به الحكماء، وخطب به المخلصون، وانتشرت كتيبات صغيرة حسنة الطباعة تتضمن خلاصات لآخر التحذيرات الصادرة. لذلك حفظوها عن ظهر قلب. فكانت لهم خير معين لقضاء الوقت. وانتشرت طرق مجرّبة ومضمونة للترديد. طرق مؤكدة لا تجعلك عرضة للمسائلة!
شيئا فشيئا بدأت بعض التغيرات تظهر على وجوه الناس وأجسادهم وتصرفاتهم بسبب الخوف والسهر والحفظ وغناء التحذيرات الرتيب الذي يخلو من أي جمالية تذكر. واصل كلامه، فصارت وجوههم صفراء، وعيونهم حمراء. وهزلت أجسامهم بشكل مخيف، ربما لأنهم نسوا مواعيد وجبات طعامهم المعتادة، أو ربما تركوا عادة إحضار الطعام الى بيوتهم، أو ربما لم يتبق في جيوبهم ما يكفي من المال لشراء الطعام، أو ربما لأن الأسواق قد خلت من المواد الغذائية. لم أكن أعرف تماماّ ما الذي كان يجري، لذلك فلن أتحدث الا عمّا رأيته وعرفته.
- الأشرار الحاقدون والكارهون للخير، والذين لا يودون أن يروا الناس سعداء هانئين بدأوا استخدام عيونهم فائقة القدرة لاحلال الخراب والمرض والفقر والجنون وكل ما هو سيء. قال أحد المخلصين وهو يخاطب جمهوراً من الناس كانوا يصطفون على شكل طابور بانتظار أن يفتح العجوز حسون مخبزه.
تحول الطابور الذي هو عبارة عن خط متعرج يمتد من فتحة استلام الخبز في جدار الفرن بمحاذاة جدار الفرن، ليصل الى الرصيف، تحول هذا الخط الى حلقة تحذير دائرية، كان المخلص يقف وسطها. حتى أن العجوز حسون وعمّاله الذين كانوا يحاولون إيقاد الفرن قد التحقوا بالحلقة. وعندما انتهى المخلص من خطابه، وانفضّت حلقة التحذير، لم يعد أحد من المواطنين الى الطابور، بل تفرّقوا عائدين الى بيوتهم. حتى أن العجوز حسون عندما عاد الى بيته، لم يكن متأكداً هل أنه باع الخبز هذا اليوم أم أنه لم يفتح الفرن أصلاً. فيما وجد العمال في اليوم التالي العجين الذين أعدّوه في اليوم السابق وقد انتفخ حتى وصل الى السقف! وصار طعمه حامضاً ورائحته نتنة.
- أحذروا أيها الناس الطيبون! فالاشرار بدأوا يتخفّون بهيئة مارة اعتياديين، لا يمكن لأحد أن يكتشف أمرهم. وواصل المخلص خطابه: لا يلزمهم سوى النظر الى الدار، فتحلُّ على أهلها اللعنة. في عيونهم قدرة عجيبة لتحويل القصور الى خرائب بعد حين. كان الناس غالبا ما ينسون الغاية الذي خرجوا من أجلها الى الأسواق، قبل أن يسمعوا خطابات المخلصين الذين صار المرء يصادفهم في كل مكان. وكان الناس غالبا ما يعودون الى بيوتهم خالين الوفاض وهم خائفين دون أن يشتروا الأشياء التي نسوا أن يشتروها. ثم تطورت خطابات المخلصين مؤخراً فاصبحت تذاع من خلال مكبرات صوت ليل نهار في الأسواق وفي الطرقات. ولكنني وجدت أن صوت الرجل الذي كان يحذّر الناس من شرّ العيون المدمّرة من خلال مكبرات الصوت، بعد ان انقسمت مدينتنا الى مثلثات متناحرة، كان هو نفسه في كل المثلثات مع إجراء بعض التغييرات البسيطة. ثم تطورت خطابات المخلصين لتصير أكثر خطورة وأكثر اثارة للرعب: أيها الناس لا يقتصر الأمر على الجدران والأبواب، بل أن الأمراض تبدأ بمهاجمة العائلة، فلا ينفع مع مصيبتها دواء. تتهرأ أجسامهم، وتتحول هيئاتهم. قال أحد المخلصين. بإمكان العيون المدمّرة أن تصيب فتاة جميلة، فتظهر على وجهها بثور بسيطة، ثم ما تلبث أن تتحول الى بقع زرقاء قاتمة، ثم يبدأ شعرها بالتساقط، ثم تتقوس عظامها، وتبدأ بالتحوّل السريع الى عجوز تعلو وجهها التجاعيد، تسقط أسنانها، وتُطفأُ عيناها، وتفقد صوتها، ثم تضمحل حتى يصير بقدر وزن قطة، ثم تموت. قال مخلص آخر. ما إن سمعت النساء هذه التحذيرات حتى أجهشن بالبكاء وهنَّ يتحسسن ظفائرهن. ولتلافي العيون المدمّرة، ولتجنب المصير الأسود الذي ينتظرهم، بدأ الناس باتخاذ إجراءات احترازية مهمة وضرورية. أجراءات وقائية مبتكرة وذكية ساعدت الناس على تجنب العيون الشريرة. فقد بات من المعروف للجميع أن تلك العيون كانت تستهدف البيوت حسنة البناء، والنساء الجميلات، والشبّان الأصحّاء، والوجوه النضرة. كانت تلك العيون تستهدف الجمال.

التقبيح

واصل الرجل الغامض كلامه: وحيث أن لا علاج للمصابين يمكنهم من الشفاء بعد الإصابة، فقد بات لزاماً تجنّب الإصابة، والتخفي عن تلك العيون الخفيّة. فلا تُظهر البنتُ جمالها بتاتاً، ولا يُظهر الشاب قوته وتناسق جسمه للغرباء، ولا تظهر على واجهات الدور والمباني معالم الترف والنعمة والجمال أبداً. هكذا بثَّ المخلصون في أوساط المجتمع. فلا علاج سوى القبح. فصار القبح مطلباً ضرورياً، ونشط الباحثون بنشر الدراسات حول أفضل الطرق لنيل القبح، وكيفية ابتكار وسائل التقبيح. وبناءً على الطلب المتزايد على خدمات التقبيح، انتشر في المدينة مكاتب هندسية تبرع بتقبيح المباني! وظهر علم جديد بدأ يُدَرَّسُ في الكليات والجامعات، علم التقبيح، uglyiology. واستحدثت أقسام جديدة تُدَرِّس مادة اسمها التصميم الدميم Uglytectural Design ". كما نشط أطباء التقبيح باختراع طرق لتشويه الوجوه وتقبيحها. وظهر تخصص جديد اسمه Distoriology، وظهرت جراحة التشويه، Distortion Surgery فراجت أعمالهم، وأقبل الناس عليهم.

سحرة

بعد مدة طويلة من زمن الخوف والقلق والشائعات ذاك، واصل الرجل كلامه، شاع خبرٌ مفادُه أن عرّافاً ألحق أذىً جديداً مبتكراً بالناس. وقد عمل العرّافُ سحراً يجعل الرجال عاجزين تماماً. وقد تيقنَّ بعضُ كبارِ السنِّ الذين كانوا يعانون من تضخّم البروستات من أثر هذا العمل الإجرامي! وراحوا يشيعون بين الناس أن أعراضَ السحرِ قد ظهرتْ عليهم. فشاعَ الخوفُ بين الجميع، وبدأت الشكوك تحومُ حولَ البعض. وصار الرجال مشغولين بتفقد قدراتهم صباح مساء للتأكد أنهم مازالوا بخير وأن السحر لم يصل اليهم بعد. ولكون أولئك الأشخاص الذين يقومون بتلك الأعمال الشريرة مجهولون، فقد عمَّ الشك والريبة بين الناس. فصار كل واحد منهم يشك بأخيه وجاره وصديقه. فقد شعر كل فرد منهم أنه يواجه مصيره لوحده، دون أن يكون هناك جماعة ينتمي اليها تحميه وتقدم له العون والنصح. وراح بعض الشبّان يقلقون على مستقبلهم. ثم برزَ مشعوذون آخرون وهم يَعِدون الناسَ بقدرتهم على إكتشاف من قام بذاك العمل الشنيع، وأنهم قادرون على عملِ رقى ناجعة تجعل الرجالَ في منأى عن ذلك الفعل الخطير، فالتفَّ الناسُ حولَهم. وذاعَ صيتُ أربعة من السحرة، كان كلُّ واحدٍ منهم يسكنُ جانبا من المدينة، غرباً، وشرقاً، وشمالاً، وجنوباً. ثم تداول الناسُ أخباراً مفادها أن كلَّ ساحرٍ منهم قام بأعمال سحر ضد سكان الجوانب الثلاثة الأخرى. وهكذا سادتْ الكراهيةُ.
يقال أن السحرة الاربعة هم الذين تآمروا على أعضاء اللجنة وقتلوهم داخل جدران السخام، ويقال أنهم هم أنفسهم آخر أربعة من أعضاء اللجنة تلك تسلّلوا خفية، وتوزعوا على جهات المدينة الأربعة قبل ظهورهم التاريخي. بينما ذهب آخرون الى أن ظهور السحرة هو حتمية تاريخية لابد منها!
اتخذ الساحر صفة كبير. وبدأ أفراد كل جماعة ينفّذون أوامر كبيرهم بتفانٍ واخلاص. ثم صاروا يحبون كبيرهم بشكل مفرط. وظهرت بين الناس طقوس التكفير عن خطاياهم التي ارتكبوها حين رأوا في منامهم ما يسيء الى كبيرهم. وهكذا هيمنت صور الكبير على عقول الناس فصاروا يرونه في كل مكان حتى في أطباق الطعام. يحب الأطفال أيضا الكبير الذي يبجّله آباؤهم وأمهاتهم. وتحلم الفتيات بالتقاط صورة معه. وفي مقابل الحب الخالص للكبير على الانسان أن يعوّد نفسه على كراهية الكبار الآخرين، وعليه أن يراهم في المنام بالشكل الذي يليق به! ولكون الناس كانوا غير قادرين على الخيال باستمرار بشكل إيجابي بسبب سوء التغذية والقلق والخوف وقلة النوم التي يعانون منها، نشأت مراكز تساعد الناس على الحلم الأيجابي. فسارع الناس رجالاً ونساءً شيباً وشباباً للالتحاق بدورات مكثّفة مهمة من قبيل ( كيف تحلم حلماً صحيحاً)، و ( الطريق الأمثل للحلم)، فضلا عن دورة (طرق التفكير الآمنة) وغيرها. أما أشكال الحب التقليدية الأخرى فقد تم نسيانها!
عند سماع المجنونين هذا التفسير الشبيه بالهرطقة الذي قدّمه الرجل الغامض للتو عن أسباب تمزّق مدينته المجنونة. جلس حسن وعماد يفكران بما قال في محاولة لفهمه. بينما عاود الرجل النوم كما لو أن الكلام قد أعياه.
تفقد عماد جهاز هاتفه ليرى ما اذا كان قد تم تسجيل الكلام بوضوح كاف. جلسا ليسمعا الكلام مرة أخرى، فأذهلهما ما سمعا وكأنهما يستمعان الى الكلام لأول مرة. ثم بعث عماد المقاطع لأصدقائه.

للحكاية تتمة



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثالث
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الثاني
- هو الذي رأى كل شيء _الجزء الأول
- سالم ابن دَهَش -ج4 والأخير
- سالم ابن دَهَش -ج3
- سالم ابن دَهَش -ج2
- سالم ابن دَهَش- ج1
- دوامة الأوراق
- حلم بورجوازي سخيف
- جريمة قتل
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثالثة
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثانية
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الأولى
- سلسلة فنارات- الجزء الثالث- جاسم جليل
- البصرة عام 2075
- بوادر الفساد في البصرة
- حتى الهواء يا أمي
- صديقي صالح
- سلسلة فنارات - ج2 - الحاج سعود الفالح
- الحَمَر


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - هو الذي رأى كل شيء _الجزء الرابع