أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - دوامة الأوراق














المزيد.....

دوامة الأوراق


حامد تركي هيكل

الحوار المتمدن-العدد: 6717 - 2020 / 10 / 28 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


قال له صديقه "مهم جدا أن تكون بحوزتك شهاداتك كلها، حاول أن تحصل عليها، تترجمها، تصدّقها حسب الأصول قبل أن تخرج من البلاد". هو ينوي الهجرة من هذه البلاد التي ما عاد يحتمل وجوده فيها. عليه أن يراجع الكثير من الدوائر الرسمية اذن. وأن يحصل على الكثير من الأوراق. تباً!
يشاهدهم غالباً وهم يقفون واجمين في طوابير، كل منهم يمسك كيساً يحتوي العديد من الأوراق، ينتظرون دورهم ويتمنون الا يطلب أحدٌ منهم ورقةً ليست بحوزتهم. هذه قديمة إذهب واستخرج واحدة جديدة. قال الموظف المتجهم الوجه الجالس خلف الزجاج لأحدهم. يصير العالم حالك الظلمة بعينيّ الرجل. فقد فُتح للتوّ أمامه بابٌ من عذاب جديد، ممرٌ آخر من ممرات المتاهة.
الجالسون وراء الزجاج هناك غالباً ما يفصلنا عنهم لوح زجاجي فيه فتحة صغيرة. فتحة تربط الداخل المكيف الهواء حيث هم، والخارج الحار الجاف صيفأ والبارد الممطر شتاءً كما قيل لك في درس الجغرافية، حيث أنت. فتحة واطئة عليك أن تنحنى، بل تتكور لتجعل وجهك قربها من أجل أن تسمع ما يقول لك رجل الدولة المتجهم. هو لا ينحني ولا يقترب من الفتحة، بل أنت عليك فعل ذلك. لماذا لم يجعلوها بمستوى رأسك؟
رجل الدولة يدقق أوراقك، وهو الذي يقرر ما إذا كانت صحيحة، كافية، نافذة الصلاحية أم لا. وهو الذي يضع على أوراقك توقيعه، وختمه الأثير، و يمنحك مباركته. أما أنت فعليك أن تحمل تلك الأوراق وتسعى. تماما مثل ما كان يسعى أسلافك وهم يحملون نذورهم الى المعبد. عليك أن تصعد درجات الزقورة حتى تتقطع أنفاسك، ويجفُّ حلقك، وتوشك على البكاء من الإعياء، ولا تصل الى المعبد. فالمعبد لا يصل اليه مثلُك. ربما يوجد هناك مردوخ، أنليل، أنانا، أدد. غاية مُناك أن تضع نذورك بيد صغار الكهان. وتتمنى أن يتم قبولها.
كم ورقة رسمية عليك أن تحمل؟ كم تميمة؟ كم نذر؟ كم ورقة يمكنها أن تثبت أنك سليم؟ وموالي، ومن الرعية الذين دفعوا ما عليهم من نذور. هوية أحوال مدنية، شهادة الجنسية، بطاقة السكن، البطاقة التموينية، تأييد المختار، تصريح أمني، شهادة صحية تؤيد خلوك من الأمراض السارية والمتوطنة والانتقالية والأيدز والكورونا. بطاقة توصية من أحدهم، شهادات تثبت أنك قد اشتركت بكل الأيام والمهرجانات والأعياد، وحضرت عيد جزّ الصوف. وكل تلك الأوراق عليك أن تقف بالطابور صاغراً للحصول عليها. وستكون ضرورية لاستخراج أوراق أخرى. هي دوامة من الأوراق.
تشعر بضآلتك وصغر شأنك. وجودك يزعج كهنة المعبد. ماذا تريد؟ استخراج نسخة من شهادة تخرجك من المرحلة الابتدائية قبل أربعين سنة؟ يا لك من وقح! أين نجد لك ذلك؟ أتعلم كم مرة تم إحراق السجلات في الاحداث التاريخية التي جرت من أجلك والتي غيَّرت وجه العالم؟ أنت نائم.
تبدو الأبنية كئيبة، والممرات ضيقة، والهواء فاسد. وريقك مرّ. ترغب بالعودة الى البيت. تريد أن تنسى هذا الطلب. انتظر هناك. تنحَّ جانباً. اذهب اليوم وتعال غداً. الموظفون ذوو الوجوه المعدنية، هل يكرهونك؟ هل أنت مزعج الى هذا الحد؟ هل أن طلبك سخيف ومستحيل الى هذا الحد؟ اذهب الى بيتك، اخرج من بيت مردوخ الطاهر أيها الموبوء والا حل عليك غضبه.
في الليل تفكر بطرقة تطفيء فيها غضب الكهنة. وفي اليوم الثاني تأتي بصديق يعرف المدير، كاهن متقاعد كان عضواً في مجلس الكهنة. لا تحتاج لارتقاء درجات الزقورة وصولا الى المعبد الذي يتربع على القمة هناك في السماء الدنيا. بامكانك أن تستخدم مصعد المدير العام، ذلك المصعد المعدني الصقيل والسريع ذا الحركة السلسة. تبدو الوجوه محبّة، والبنايات جميلة، والممرات مهوّاة ومشمسة وذات رائحة عبقة. تفضل استريح استاذ، أهلاً وسهلاً. صار، نحن بخدمتك. تشعر وكأنك دخلت في الملكوت، مطمئناً، راضياً، مرضياً. هذا المعبد لك. هذا المبنى تم تشييده من أجلك. تكتشف أنك لا تستطيع أن تتوقف عن الابتسام. ما حاجتك لأوراق تساعدك في رحلة الهجرة؟ تفكر في نفسك، لماذا تريد أن تهاجر من وطنك أصلاً؟



#حامد_تركي_هيكل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم بورجوازي سخيف
- جريمة قتل
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثالثة
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الثانية
- سلسلة فنارات -ج4- الرائد والمقدم-الحلقة الأولى
- سلسلة فنارات- الجزء الثالث- جاسم جليل
- البصرة عام 2075
- بوادر الفساد في البصرة
- حتى الهواء يا أمي
- صديقي صالح
- سلسلة فنارات - ج2 - الحاج سعود الفالح
- الحَمَر
- لوحة گلگامش التي ستهزّ العالم
- صورتان وأربعة وجوه
- كائنات غريبة
- سلسلة فنارات - ج1 - علي قاسم
- القسم رقم 8 - الحلقة الثالثة - همس الفتيان
- أم سالم
- الانتصار على الألم
- السيرة الذاتية لعراقي- قصيدة


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حامد تركي هيكل - دوامة الأوراق