أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي غريب - ثقافة انعزالية جديدة متجددة















المزيد.....

ثقافة انعزالية جديدة متجددة


قصي غريب

الحوار المتمدن-العدد: 7267 - 2022 / 6 / 2 - 00:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كتب أحد الأكاديميين السوريين كتاباً بعنوان: (المعرفة والأيديولوجيا في الفكر السوري المعاصر)، وتناوله آخر باسم (قراءة نقدية مرحباً بتسمية الفكر السوري المعاصر بدلاً عن الفكر العربي أو الإسلامي من منطلق أن هذا التوجه يفسح المجال وعلى قدم المساواة، لحضور الكردي والعربي والآشوري والإسلامي والمسيحي، دون تفاضل أو ترتيب ولا ينفي تقاطعاته المتنوعة مع الفكر العراقي أو المصري أو سواهما).
وهذه بدعة جديدة لم تكن موجودة من قبل، ودعوة مستحدثة للانعزال والانسلاخ عن جسد الأمة فكراً وأرضاً وتاريخاً وحضارة وانتماء.
هذا الابتداع الانعزالي يفسح المجال للآخرين الذين يحملون الأفكار الانعزالية نفسها، للسير على النهج نفسه، وتعميق الخلاف والانقسام والشرخ في نسيج المجتمع الواحد، فيظهر عندنا مصطلح الفكر الكردي والفكر الآشوري والفكر الأرمني، وقد يظهر عندنا مستقبلاً الفكر الدمشقي والفكر الحلبي والفكر الحموي والفكر الحسكي والفكر الديري والفكر الدرعاوي، وقد يتطور أكثر فيصبح عندنا الفكر العلوي والفكر الدرزي والفكر السني والفكر السمعولي والفكر المرشدي، وقد يبتعد أكثر ويغوص في التناقضات فيصل إلى الفكر القبلي، فيظهر عندنا مصطلح الفكر الشمري والفكر العنزي والفكر العكيدي وفكر الجبور وفكر البكارة، وفكر الموالي وفكر الظفير وفكر أبناء الولدة، وقد يصل في بعض الحواضر والمدن إلى فكر العوائل والحارات.
إن هذا المصطلح يدخلنا في معمعة من الخلافات والتناقضات الحادة التي برزت وتبرز بين أبناء الوطن الواحد، وتجد من يغذيها ويعمقها، فتتباين الرؤى والمواقف من الجيش، ومن الأمن، ومن الانتماء، وفي تحديد مفهوم الوطن والوطنية، ويتعمق الخلاف في مسألة الهوية وغيرها، لاسيما إذا قارنا الحالة السورية المجتمعية بالحالة العراقية وما جرى ويجري فيه على سبيل المثال.
وتعقيباً على ذلك: في زمن سيطرة عقلية وسلوكية ما قبل الدولة على المجالات السياسية والثقافية والإعلامية في الجمهورية العربية السورية، ولاسيما من قبل الذين يزعمون أنهم معارضون للسلطة التي تحكم الشعب السوري بالتمييز والفساد، واستخدام القوة الغاشمة المحلية والمجتلبة بموافقة ورضا الولايات المتحدة، وبدعم حلفائها الغربيين، والأنظمة العربية الخدمية.
في هذه البيئة الملوثة التي يسيطر على توجيهها العُصب السياسية والثقافية والإعلامية التي تلقت ثقافتها الرديئة في الحارات المغلقة، وفي الكيانات السياسية ذات الأيديولوجيات المستوردة، الكارهون لكل ما له صلة بالعرب والإسلام، فمن الطبيعي أن ينعدم لديهم بعد النظر، وثقافة العيش المشترك، وتسيطر عليهم روحية الانقسام والانعزال، ومن ثم تنتشر بينهم ثقافة التطرف والانتقام، من خلال قيامهم بصناعة ما يسمى ثقافة سورية انعزالية مستقلة؛ لا علاقة لها بالعالم العربي، ولا ترتبط بالثقافة العربية الاسلامية.
إنهم بهذا التوجه غير المسؤول يتماهون مع دعوة أنطون سعادة منظر القومية السورية؛ المتأثر بالأفكار النازية؛ حيث كان يدعو إلى أمة سورية خيالية، ويزعم أنها تتمتع بخصائص ومزايا تختلف عن بقية الشعوب العربية الأقل حيوية كما يعتقد، وأحط حضارة - كما يزعم - وتبين أيضا أنهم يسيرون على خطى النظام في الشعوبية والطائفية والأقلوية، ويتبعون نهج مؤيدي النظام الأسدي في الطرح والسلوك، فيدعون في الجانب الفكري والثقافي إلى إحياء الآرامية والفينيقية والسريانية نكاية بالعرب والإسلام، وهي من العربية القديمة، وهم عرب في أصلهم، ولذلك فإن محاولة خلق فكر سوري مستقل مختلف عن الفكر العربي، وثقافة سورية خاصة مختلفة عن الثقافة العربية الجامعة الواحدة، ومن ثم الدعوة إلى هوية سورية غير مرتبطة بأمتها، ومنسلخة عن عمقها العربي والإسلامي، ولا علاقة لها بالعرب والمسلمين، هذا الخطاب هو خطاب انعزالي فاشي متطرف إرهابي بامتياز.
إن محاولة سلخ الجهورية العربية السورية عن محيطها العربي، وعمقها الإسلامي هي محاولة بائسة مشبوهة، ولا يمكن أن تكون بريئة مهما كانت المبررات والتزويقات والفبركات، لاسيما أن الكيانات والمراكز البحثية والدراسية والمواقع الإعلامية التي ينضوون تحتها، ويعملون فيها، إنما تتلقى الدعم والمساندة من قبل الدائرة التي تقود النظام الدولي الجديد الذي لا يخفي عداءه وعمله على طمس الهوية العربية الإسلامية، وإبراز الكيانات المصطنعة، وترسيخ هذه النزعة في نفوس مواطنيها، وأدواتهم في ذلك هذه الأقلام المشبوهة المأجورة الرخيصة، التي تتلقى دعمها المادي والمعنوي من الأنظمة العربية الخدمية، من أجل تسيدهم على الفضاء السياسي والثقافي والإعلامي في بلدنا ووطننا العربي الإسلامي الكبير.
إن أولئك الذين يطرحون هذا الطرح الانعزالي هم ربما لا يعرفون، أو يعرفون ويغضون النظر عن الحقيقة التي تقول: إن الدولة السورية الحالية التي يروجون لها، هي ليست بلاد الشام؛ أو ما يسمى بسورية الكبرى التي دعا إليها أنطون سعادة؛ تلك التي كانت تجمع سورية الحالية وفلسطين وشرق الأردن ولبنان وغرب العراق، وإنما يتحدثون عن سورية الصغرى التي ولدت من بنات أفكار سايكس بريطانيا، وبيكو فرنسا؛ في ما عملوه بتمزيق الوطن العربي والعالم العربي، والحيلولة دون وحدته الذي طالما كان دولة واحدة، وحتى في تبعيته كان دولة واحدة موحدة عبر التاريخ، وكان آخرها الدولة العثمانية التي ثار عليها الشريف حسين بتشجيع منهم؛ مقابل تأسيس دولة عربية واحدة، ولكنهم تحايلوا عليه وخدعوه وخذلوه ولم يوفوا بوعودهم له، ومزقوا الوطن الواحد، والأمة الواحدة، والشعب الواحد.
ومع كل ذلك، وكل ما حصل، ودليلاً على وقتية وجود الدولة القطرية كحالة طارئة، فإن دساتير الأنظمة العربية ما انفكت تؤكد على الانتماء للأمة العربية، وأن هذه الأقطار جزء من الوطن العربي الأم، وما حدث في الربيع العربي من ثورات يؤكد هذه المقولة، ويسقط هذه الدعوات الانعزالية المشبوهة كلها.
إن الدولة القطرية الحديثة هي التي صنعها الاستعمار الأجنبي؛ للحيلولة دون الوحدة العربية، وجعل لكل واحدة منها حدوداً وعلماً ونشيداً وطنياً وعملة خاصة بها، وحاكماً عميلاً له؛ حارساً على تلك الحدود .. لكن على الرغم من كل هذه الخصوصيات التي زرعها، ورعتها وعمقتها الأنظمة بسياساتها الممنهجة، على الرغم من كل ذلك فإنها لم تستطع أن تصنع ثقافة وفكراً خاصاً بها، لأن اللغة العربية هي الركن الأساس من أركان الثقافة، والعامل الأبرز في تشكيل الهوية، فضلاً عن ركن الدين الإسلامي الحنيف، ولهذا فإنها لا تنقطع تلك الهجمات الشرسة المتعاقبة، من قبل أفراد تلك العُصب، وتبتدع الجديد؛ بغلاف منمق جذاب، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب .. ومع هذا لم تستطع النيل والحط من اللغة العربية، ومن الإسلام، ولن تستطيع.
وإزالة لهذا اللبس عندما يكون المرء من رعايا الجهورية العربية السورية، أو من رعايا أي دولة عربية أو إسلامية أخرى في أي دولة من العالم، ويكتب مقالة أو دراسة أو بحثاً أو كتاباً أو قصيدة أو نثراً أو قصة أو رواية باللغة العربية، فهذا يحسب على الثقافة العربية مهما كانت انتماءات الكاتب؛ سواء أكان عربياً أم باكستانياً أم كردياً أم شركسيا أم أرمنياً أم سورياً أم عراقياً أم مغربياً.
وعلى سبيل المثال الأديب سليم بركات هو سوري من أصل كردي يكتب روايته باللغة العربية, فهذه الرواية تحسب على الثقافة العربية، وليس على الثقافة الكردية؛ لأنه لم يكتبها باللغة الكردية، كما أن الأديب الجزائري كاتب ياسين كانت كتاباته كلها باللغة الفرنسية، ولذلك فإنها لا تحسب على الثقافة العربية، وإنما تحسب على الثقافة الفرنسية، حتى وان ترجمت ونقلت إلى العربية، وكذلك فإن الأديب الألماني من أصل سوري رفيق شامي لا يحسب على الثقافة العربية، وإنما يحسب على الثقافة الألمانية؛ لأنه يكتب روايته باللغة الألمانية، حتى وإن ترجمت إلى اللغة العربية.. أما الدكتور المغربي محمد عابد الجابري فلا يمكن أن تحسب كتاباته إلا على الثقافة العربية والفكر العربي؛ لأنه يكتب باللغة العربية، وموجهة كتاباته للشعوب العربية، أضف إلى ذلك أنه لا يوجد فكر مغربي، إنما فكر عربي منبته المغرب العربي، وعليه فإن ما يسمى بالفكر السوري، طالما أنه كتب ويكتب باللغة العربية، وهو موجه إلى جمهور سوري غالبيته العظمى عربي؛ فهو فكر عربي، وكاتبه من سورية سواء أكان كردياً أم آشورياً أم أرمنياً أم عربياً أم إسلامياً أم ماركسياً أم ليبرالياً.
إن ما يجمع الشعب السوري ثلاثة مشتركات هي: الانتماء العربي، والعقيدة الإسلامية، والعيش المشترك، ومع ذلك ما انفكت تحاول تلك العُصب المتطرفة القفز فوق هذه المشتركات؛ لصناعة ثقافة وهوية رغبوية فئوية انعزالية للشعب السوري؛ لا أساس لها ولا وجود؛ إلا رغبة حمقاء لدى من يقدم لهم الدعم والمساندة، وفي خيالاتهم المريضة، وأوهامهم وأحلامهم التي لن تتحقق.
ولذلك فإن قيمة الكتاب والكاتب كانت تبدو أفضل على المستويين السوري والعربي لو كان عنوانه: (المعرفة والأيديولوجيا في الفكر العربي المعاصر: دراسة في الحالة السورية)، وهذا ما أراه وأنصح به؛ من منطلق أن هذا العنوان يجعله أكثر تداولاً ورواجاً وقبولاً في العالم العربي، في حين أن محلية أو قطرية العنوان تجعله محدود التداول داخل المجال السوري الضيق، وما يشجعني على ذلك أن الكاتب في طيات الكتاب هاجم بعضهم ووصفهم بالفئوية، وهذه تحسب له؛ موقفاً إيجابياً يشكر عليه، على أن يتحول إلى واقع ملموس من خلال تدارك الخطأ وتصحيحه.



#قصي_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفسابكة الجدد
- الدولة المدنية
- كواليس لقاء صلاح البيطار مع حافظ الأسد!
- أدعياء العلمانية !
- الذريعة والأجير في السياسة الأميركية !
- تهافت الحل السياسي في سورية بناء على جنيف 1
- محامي الشيطان
- الدولة ذات شعب واحد
- جنسية وهوية الدولة اسمها وليس الانتماء لقومية الأكثرية
- أهداف الضربة العسكرية الأميركية المرتقبة للنظام الطائفي في س ...
- هوية سورية
- شكل الدولة في سورية الغد
- دفاع عن العروبة : ملاحظات على مراجعة عبد الإله بلقزيز لمفهوم ...
- الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة ومهامها الخارجية والداخلي ...
- اتفاق أميركي روسي على إعادة إنتاج الطغاة
- حل الربيع العربي في العراق
- مواصفات المفكر
- سورية دولة غير قابلة للقسمة وهي لكل السوريين
- الثقافة السائدة في سورية هي عربية إسلامية
- الشعب السوري في ظل الحماية الدولية بموجب القرارين الأممين 20 ...


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي غريب - ثقافة انعزالية جديدة متجددة