حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7243 - 2022 / 5 / 9 - 09:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لتاريخ من حيث هو أحداث ومعارك وصراعات وانتصارات وهزائم أمر تمَّ في الماضي.
التاريخ لا يعيد نفسه، وإن فعل فإن ذلك يكون على شكل حال من حالين: المأساة أو السخرية، حسب المقولة الشهيرة.
الحدث الجديد، وإن تشابه مع واقعة تاريخية مماثلة، حتى لو جرت في المكان نفسه، هو حاضر، وليس تاريخاً، أو للدقة فإنه يصبح تاريخاً بعد أن يصبح خلفنا، فالحدث الجديد مرّ عبر ملابسات وتفاصيل أخرى غير تلك التي جرى بها نظيره في الماضي، حتى وإن كان من بين هذه الملابسات العظة من الدرس التاريخي، بمعنى تحاشي تكرار الأخطاء التي حدثت فيما سبق، أو تكرارها ببلاهة.
لكن نظرة على واقعنا العربي الراهن تحملنا على الإحساس بأننا لا نعيش في الحاضر، في القرن الحادي والعشرين، إنما في قرون غابرة يفترض أنها انقضت بما لها وما عليها، لكنها تعود إلينا بقوة حين نمعن النظر في الشعارات والبرامج وطرق التعبئة والنفير للحروب والاقتتال.
حتى أنماط العيش التي انقرضت منذ قرون تعود بقوة غير معهودة، حتى لتخال أن الزمن استدار دورة كاملة نحو الوراء، أو أن ما عشناه نحن والأجيال الأسبق منا من ولوج في التحديث لم يكن سوى برهة أشبه بالحلم، سرعان ما انقضت أو تلاشت، لنصحو مجدداً على الواقع المرير، كأن الزمن كفّ عن الحركة، وآثر البقاء حيث هو، في الماضي.
رغم ذلك يجب تبديد هذا الشعور، فلا نصدق أننا في الماضي وإنما في الحاضر، ما يتطلب الإيمان بمقولة إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا في صورتين: المأساة أو السخرية، فالمعارك الدائرة رحاها اليوم هي معارك بين أبناء اليوم، تحركها مصالح ومنافع دول وجماعات بعضها بيننا، وبعضها تفصله عنا فراسخ، ولكن لها في هذه المنطقة المنكوبة حسابات تجعلها محرك خيوط اللعبة، من وراء الستار تارة، وعلانية تارات أخرى، ما دام وقود هذه المعارك الطاحنة هو أجساد بني جلدتنا بصرف النظر عن أي مذهب أو عقيدة آمنوا بهما.
في حال مثل هذه يلعب التاريخ دور خزان الخرافات الذي لا ينضب في تغذيته للأوهام اللازمة كي يبقى أوار هذه المعارك ملتهباً.
كأن التاريخ هنا يلعب معركة الحاضر، لأهداف غير تلك التي جرت في الماضي، مهما تشابهت التفاصيل.
مخاطباً مواطنيه الألمان، الذين كانوا يرون أنفسهم أعلى شأناً من الفرنسيين والإنجليز، كتب كارل ماركس في مؤلفه الشهير «رأس المال» في لهجة تقريع: «تاريخكم خرافة». وليس تاريخ الألمان وحده ما يعج بالخرافات، وإنما تاريخ كل الأمم، ولعلنا نمثل حالاً نموذجية لذلك.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟