أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - حانة في السماء!!















المزيد.....

حانة في السماء!!


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 7213 - 2022 / 4 / 8 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


لكي نكتشف أننا عاشقون، ولكي نصبح عاشقين، يجب أن نقع يوماً بالهجران - مارسيل بروست

****
"من رواية ليلة الفلفل في لوغانو"

"لا تصدق حبيب، كم كنت محظوظاً بهذه الساعة التي ملكتني السماء وحدي، شعرت بهذه الفكرة تغزل رأسي وأنا أتأمَّل السماء بالخارج وأشعر أني مفقود في الكون"
قهقه وأشار بيده لاقترب منه، نزع للحظة سدادة الأوكسجين وسط ذعري لكنه أعادها بسرعة وقال بنبرة لم أتبين مغزى حركته تلك.
"الحياة برمتها في زفرة واحدة فاحرص عليها"
"لا تفعل ذلك مرة أخرى لقد أرعبتني"
ابتسم وقال.
"هل ترى المطر من السماء الآن؟"
"لا"
"ما رأيك أن السماء تمطر الآن والدليل خارطة غوغل إرث، الكون سره كلّما تصعد مسافة للسماء وفيما تتأمله من علوٍ، فكلّما صعدت للأعلى كلّما تراءى جزء من الحقيقة حتى إذا بلغت الثقب الأسود بالكون أدركت لغزه الذي لا يفهمه أولئك الذين يقبعون بالكهوف"
توقفت عند فكرته تلك وسرحت فيها، إذا كان المطر يعزف الآن وجه الأرض أسفلنا فأن سماء صافية تحضننا فأين المفارقة بوجود المطر وعدم وجوده فالحقيقة موجود وغير موجود، هذا ما يريد أن يقوله حبيب.
"لا تتخيل سعادتي بوجودي هنا فوق السماء بل واحتسائي الويسكي في حانة أشبه ما تكون بحانة في فندق خمس نجوم"
"أنت بحانة السماء وهي تتسع لكلّ النجوم"
قضينا ساعة بالحديث حتى حان موعد تقديم وجبة طبية خفيفة، استأذنت منه فيما احتد بجدلٍ مع المضيف المسئول عن مراقبته فقد أصرّ على انتزاع نفسه من الفراش والتوجه للجلوس بمقعد قرب النافذة ورؤية الخارج، كان مصراً على رؤية السماء من النافذة وبعد جدلٍ وإصرار منه مع مساعد الطيار، أقنعه بأنه طبيعي وكان قبل أن يأتي المطار يتحرك بكرسي وبدون أجهزة وغادر الفندق وركب الطائرة فما المانع من دقائق قرب النافذة؟ أبلغه مساعد الطيار أنه بالطائرة تحت عهدتهم وهم مسئولين عن سلامته وبعد رجاء وإصرار رضخ مساعد الطيار لرغبته لدقائق عدة ولكن إحدى المضيفات وهي فيما يبدو إيطالية وعدت بتجهيز مقعد قرب النافذة بالكامل ليقضي وقته المتبقي بالرحلة شرط تناول وجبته ودوائه وهنا انتهت مسرحيته بأن الكلّ بدا سعيداً فيما قهقه منتصراً وقال مخاطباً المضيفة التي ظلّت ابتسامتها تملأ فضاء الطائرة وسط سعادة بقية الركاب.
"أَنْتِ ملاكي الطائر"
أصر على تقبيلها بخدها فانحنت له واحتضنها وقبّلها وقال بنبرةٍ بدت كما لو فاز بجائزة عالمية.
"أنتِ بطلتي"
استلقى بسعادة جنب النافذة ورفع رأسه للأعلى يتنفس ويطلق التنهيدة تلو الأخرى أشبه بمن كسب حرباً عالمية، جَلَسْت على بعدٍ منه أتأمله إلى أن قطعت عَليّ راكبة أجنبية أخذت تخطو بالممر وتحرك ساقيها، اقتربت مني وتأملته مبتسمة ثم التفتت نحوي وهمست وقد تراءى ليّ فضولها يخترق جدار صمت الجميع وانغماسهم بشئونهم. أدركت أن النساء أينما كن وُجِد معهن الفضول، سألتني عن ما يعاني فلم أبح لها واكتفيت بهز رأسي وابتعدت خطوتين، انكفأت تسير وعدت أحدق فيه وقد سرح ببصره كما يبدو لأبعد فضاء، أشار بيده أن أقترب منه، ثم أوعز ليّ الجلوس بالمقعد الذي يجاوره بالممر وقال متحسراً.
"تعرف بودي الجلوس بحانة الطائرة وعند النافذة وتأمل جناحها الهائل وهو يرفرف"
قهقهت وأنا أردد كلّمة يرفرف، رمقني مستنكراً وأردف بثقة المتأكد.
"نعم يرفرف لا تضحك، أذهب وتأمله بدقة فسترى تحركه الطفيف، يبدو ليّ أنك لم تحدّق بجناح طائرة من قبل وإلا رأيته يهتز"
"بلى حبيب رأيته يهتز لا يرفرف، أرجوك لا تذكر ذلك لغيري من الناس فسوف يشككون بكتابتك"
هجر النافذة والتفت نحوي وتفرغ ليَ، رأيت وجهه يشع حيوية وتبدد منه الهزال وبدا متورداً أشبه بمن استعاد صحته الطبيعية، كان مبتهجاً بغريزة وبرزت عيناه متأججتين بوهجٍ أزاح عن صوته الوهن.
"لا يمكن أن يرى كلّ منا ما يراه الآخر وإلا أضحينا قوالب مصبوبة، حتى التماثيل لا تتشابه، حين أرى جناح طائرة يرفرف أنت بدورك تراه يهتز وغيرك يراه يتحرك وفي الأصل هي مرادفات لغوية"
صمت برهة واستطرد
"لغتنا مختلفة عن لغات العالم"
عاد يحدق بالطائرة واستمر بالحديث عن المطر الذي ينهمر الآن ولا نراه وعن الوقت المختلف بديار عن ديار ولكن الزمن هو ذاته وحده الجامع بين الأمكنة، لم أعد أفهم اللغة التي راح يتفوه بها، كانت شبكة معقدة من الأفكار والعبارات والكلّمات المتشابكة الغامضة حتى أدركت أنه يتحدث عن عالم آخر غير الذي نحن فيه إلى أن انتبه لوجودي قربه حينها أشار ليّ بالاقتراب منهُ وجهاً لوجه وكاد يلصق فمه بأذني اليمنى وهمس بصوتٍ غاية بالسرية.
"إذ كانت تشفع ليّ السماء عتيق ولدي منزلة خاصة عندك أستغيث بك بل أتوسل بالذي بيننا تحقق أمنية واحدة لا غير"
أدركت بنظرته وهمسه واستغاثته ما الذي يتوسل؟ نبيذ أو ويسكي أُهرِبهُ له، وهذه جريمة لن تغتفر لو استجبت له، جلست على السطح عند قدميه وما كدت أنطق باسمه حتى بادرني بحنق.
"لا تسمعني محاضرة بالإلتزام وأنا أقضي ساعتي الأخيرة أرجوك جرعة ويسكي بل أكثر من جرعة فهذه رحلتي الأخيرة بالسماء وقطرتي الأخيرة مع تذكرتي الأخيرة التي قطعتها، لذا لا ترشدني فأنا لست طفل ولا مريض ولا مصلي، لن تقتلني هذه الجرعة أرجوك عتيق أكاد أفقد رشدي وأنا أحدق للغيوم تحتي ولا أتذوق كأسي الأخيرة"
"لو كنت مكاني حبيب هل ترتكب هذه الفعلة؟"
"بلى، أحقق أمنية أخيرة لصاحبي وهي أنبل هبة بالكون"
خيم بيننا صمت مطبق دفعني أشك بنظرات المضيفين والركاب حتى قبل أن أرتكب الجريمة كما لو كشفتني نظراتي وسماتي التي لوّنت وجهي كما تخيلت وفضحت ما يدور بيننا، أوشكت على الانسحاب فأمسك بيدي وقال بنبرةٍ استرحام.
"لو هربت الآن فلن يغفر لك موتي وأنا أستجدي آخر أمنية بحياتي"
"لن تموت حبيب سنعود للديار وسترى عائلتك وسوف تعيش، فالكثير ممن أصيبوا بالمرض في السنوات الأخيرة عادوا للحياة"
"أَنْتَ لا تفهم، أنا وحدي من يقرر"
"أَنتَ لست الله"
"عدنا للوراء قرون عتيق لقد كسبت معركتي مع الله منذ عقود ولا جدوى لتذكيري، أما أن تلبي رغبتي أو تغادر عن وجهي الآن"



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روائيون لا يقرؤون روايات!!!
- نسخه بوتين مجرم الحرب...
- سرقة القرن!! -الفوط الصحيَّة مش هي العيب؛ هني العيب-
- نحن وأينشتاين وماركس وابن تيمية!! والحيوانات!
- الخروج من جنة العرب!!!
- وزارة في مهب الريح!!
- الجميع يضحك على الجميع...لقد ضلّلنا!!!
- خريف الحريات!!
- عندما تشابهت علينا الصحف!!!
- الكتاب العرب والكورونا المؤدلجة
- جوكر الإسلام السياسي!!
- روائيين من الأنديز!!!
- بالحبّ لا بالدكتاتورية!!
- العيب مش في الفوط الصحيّة!!!
- 70 سنة ماذا تغيَّر؟؟!!
- حساسيّة الكتابة والمنطقة المظلمة!
- تعرف على المستور بوضوح!
- القطار الخليجي وتعدّد السكك؟
- رواية الطبعة 30!
- متى ترتدي طالبان الجينز؟!


المزيد.....




- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - حانة في السماء!!