البيت الابيض لا ينفع في اليوم الاسود

محمد رضا عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7175 - 2022 / 2 / 27 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

العنوان لا يعود لي وانما اقتبسته من احدى البوسترات التي استلمتها هذا اليوم من أحد معارفي , ولكن وجده يوافق الحالة الأكرانية بالتمام والاكمال. من المفروض ان ينفع اقرش الأبيض في اليوم الأسود، ولكن في الحالة الأوكرانية البيت الأبيض لم ينفعها. لقد وضع الرئيس الأكراني فلاديمير زيليسنكي جميع بيض بلاده في سلة واحدة , وهو تقريب القوى القومية المتعصبة والانحياز التام الى الولايات المتحدة الامريكية واروبا الغربية , ضاربا بعرض الحائط توجسات جيرانه الدب الروسي من هذا الميلان. القيادة الروسية حذرته من توجهاته القومية وسياسته العدائية لها منذ عام 2018 , الا ان الرئيس زيليسنكي لم يعر لها اهتماما وواصل عدم الالتفات وراء ظهره معتقدا ان الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها في اروبا يكفون لصد أي اعتراض من الروس. لقد كان من الخاطئين. بل ان الولايات المتحدة الامريكية واروبا كانوا على خطا عندما استهانتا بالصبر الروسي وهو ينظر الى حلف شمال الأطلسي يتوسع ليصل الى حدوده الغربية. لقد أجمل رئيس وزراء إيطاليا الأسبق ماسيمو داليما حالة الغرب في هذه القضية بالقول " كان يجب على الغرب ان يكبح القوميين المتعصبين في أوكرانيا , وليس تشجيعهم , لأنهم يتحملون المسؤولية عن الانتهاكات بحق الأقلية الروسية هناك..", ونوه بان " هؤلاء القوميين عطلوا اتفاقيات مينسك , التي تصب على الإصلاح الدستوري لأكرانيا ومنح الحكم الذاتي لبعض المناطق ". وحذر رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق بالقول بان تأثير ذلك (الحرب) على الولايات المتحدة والصين اقل بكثير لبعد هاتين الدولتين عن مسرح الاحداث ," هذه مأساة اروبية وعلى الروبيين ان يجدوا مخرجا".
تحذير رئيس الوزراء إيطاليا الأسبق , كان متأخرا جدا ,حيث ان القوات الروسية والتي ظلت تتنظر الحل السلمي للمشكلة حوالي ست أشهر زحفت في الأخير الى الداخل الأكراني امام عجز كامل من الولايات المتحدة الامريكية واروبا. وجوابا على الزحف الروسي نحو اكرانيا قامت الإدارة الامريكية بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا. الرئيس الأمريكي بايدن في اخر تصريح له قال بانه لم يكن امامه خيار بديل عن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا الا الحرب العالمية الثالثة. فيما ان محللون يذكرون ان هناك خمسة أسباب بعدم قدوم الولايات المتحدة الامريكية بالاصطدام مع الروس: عدم وجود مصالح أمريكية في اوكرانيا , سياسة بايدن التي ترفض التدخل العسكري خارج الولايات المتحدة الاريكية, رفض الأمريكيون الحروب خارج بلادهم , عدم وجود معاهدة دفاع مشترك بين الغرب واكرانيا, وخطر المواجهة بين القوى العظمى , حيث ان روسيا وحدها تملك 6400 قنبلة نووية وهي كافية للقضاء على البشرية.
بالحقيقة , ان تصريحات الإدارة الامريكية وقادة القارة الاوربية بدأت تتراجع وهي تشاهد القوات الروسية تواصل بسهولة زحفها نحو أهدافها داخل اكرانيا. من هذه التصريحات التنازلية , هو تصريح البيت الأبيض بان العقوبات لا تهدف الى قطع امدادات الطاقة من روسيا, فشل تعليق عضوية روسيا في مجلس الامن , امتناع تركيا التصويت على قرار وقف عضوية روسيا بمجلس أوروبا , بقاء مضيق البوسفور مفتوح امام السفن الروسية , برلين تفرض " قيود محددة" على روسيا في استخدام " سويفت", الصين تعتبر مخاوف روسيا الأمنية مشروعة , دعوة رئيس بيلاروس الى حل الازمة دبلوماسيا اليوم قبل غدا, بلومبرغ كشفت ان فصل روسيا عن سوفت ليس مدرجا على قائمة العقوبات الامريكية , كوريا الجنوبية لا تفكر فرض عقوبات أحادية الجانب على روسيا , , اليابان تستثني الطاقة من العقوبات المفروضة على روسيا واخرها اعفاء بريطانيا , الاتحاد الأوربي , وامريكا بعض البنوك الروسية من سوفت . وهذا بالضبط ما صرح به رئيس الاكراني بالقول , ان " أوكرانيا تركت وحدها في حماية دولتها , والغرب يتحدث فقط عن دعمها" , مؤكدا , انه " لم يغادر كييف وانه مع ممثلين اخرين للسلطة في الحي الحكومي في كييف". وفي نفس الوقت تعلن بريطانية على لسان رئيس وزرائها باستعداد بريطانيا منح الإقامة لقادة اكرانيا وهو كذلك ما كشفت صحف واشنطن باستعداد واشنطن اجلاء زيليسنكي من كييف.
امام هذا الخذلان الأوربي والامريكي لزميلهم زيليسنكي , لم يبق له خيار الا التوسل بإسرائيل بأقناع بوتين بالتفاوض. فحسب صحيفة جيروزليم بوست , فان سفير أوكرانيا يافغين كورنيشيوك قال " نتطلع أكثر للجهود الدبلوماسية الإسرائيلية كوسيط.. نحن ننظر دائما الى إسرائيل على انها أحد أبرز الوسطاء المحتملين للسيد بوتين".
الحرب الروسية الاكرانية كشفت دروس مفيدة الى جميع دول العالم , وخاصة دول الشرق الأوسط , ومن هذه الدروس:
1. ان السياسة مصالح , ولا شيء يعلوا عليها. الدول الكبرى تتملص من التزاماتها بسرعة البرق عندما تتعرض مصالحها الى الخطر.
2. يجب ان يفكر قادة الدول بمصالح دولهم القريبة والبعيدة الأمد. الرئيس الاكراني لم يفكر بمستقبل بلاده معتقدا ان دول كبيرة وراء ظهره.
3. الدول الكبيرة لا يمكنها الدخول في حروب لحساب دولة أخرى , لان كلفة الحرب عليها وعلى مستقبل ابناءها ستكون باهظة.
4. حل الخلافات مهما كانت عميقة بالطرق السلمية , وإذا لم يمكن حلها اليوم يمكن حلها غدا. الحروب مؤلمة ومكلفة.
5. لقد وقف الغرب مكتوف الايدي امام الزحف الروسي في اكرانيا , ولكن الغرب سوف لن يجد مشكلة بالزحف تحو بلد لا تدعمه دولة كبيرة. صدام سقط وبغداد سقطت بدبابتين أميركتين , ولو ان روسيا كانت تدعم نظام صدام لكانت النتائج الكارثية للغزو الأمريكي للعراق مختلفة.
6. ولبلدان دول الشرق الأوسط , ومنطقة الخليج نقول ان فتح علاقات صداقة مع دول الجوار وما بعد الجوار ضرورية جدا , وان الاستقواء بالقوى الأجنبية لا ينفع , وان نفع اليوم سيكون له حساب غدا. الاحسن فتح علاقات صداقة مع جميع الجيران عرب وغير عرب لان الأجنبي سوف يرحل والجيران باقي ما بقية الحياة على هذا الكوكب.

#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل