محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7123 - 2021 / 12 / 31 - 01:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سئم العراقيون من النظام التوافقي الذي لم يجنوا منه الا التخلف , الفساد المالي والإداري, تسلط العشيرة على الشارع العراقي , انتشار الجريمة , انتشار المخدرات بين الشباب , موت سريري للقطاع الزراعي والصناعي , ازدهار تجارة البشر , مع غياب فرص العمل للشباب المتعلمين وغير المتعلمين. العراقيون يقولون لقد جربنا التوافقية لفترة 13 سنة وما زالت بغداد تعد من اسوء عواصم العالم ولا يسبق العراق في درجة الفساد الا خمسة دول من مجموع 200 دولة , فلنجرب نظام الأكثرية عسى ان ينقذ هذا النظام البلاد والعباد من التراجع , ورجوع العراق الى مكانته الطبيعية بين العالم المتحضر. فقد جاء في صحيفة "الصباح العراقية " يوم 28 كانون الثاني 2021 , لقد " جربنا الحكومات التوافقية التي جوهرها المحاصصة وكانت ثمارها سامة قاتلة , وجربنا انعدام المعارضة السياسية وهرولة الجميع الى وليمة السلطة وكانوا يأكلون وتمتلئ البطون فيشتمونها مع الجوعى الشاتمين". العراقيون يردون نظام فيه فائز يدير الدولة العراقية وفيه خاسر يكون خصم له , بكلام اخر يريدون نظام الأكثرية , وأصبح هذا الهدف أكثر تداولا بعد إصرار السيد مقتدى الصدر , زعيم التيار الصدري على هذا النظام , حيث جاء في اخر تصريح له انه يريد تشكيل "حكومة اغلبية لا شرقية ولا غربية".
السيد مقتدى الصدر ومن معه من المطالبين بنظام الأغلبية سوف لن يتحقق لهم هذا الهدف وللأسباب التالية:
1. لقد اتفقت المعارضة العراقية قبل التغيير على ان يكون النظام القادم نظام توافقي لا يسمح لقومية او حزب قيادة البلاد بدون مشاركة بقية المكونات العراقية الأخرى.
2. كثرة الأحزاب التي دخلت العملية السياسية بعد التغيير جعلت من الاستحالة حصاد حزب او كتلة أغلبية الأصوات. لقد وصل الامر في العراق ان حتى الكتل الأكبر لا تستطع تشكيل الحكومة بدون دعم من أحزاب وكتل أخرى.
3. وعلى هذا الأساس سارت الحكومات المتعاقبة في العراق , وأصبح منصب رئيس مجلس الوزراء الذي هو من حصة المكون الشيعي غير ممكن بدون موافقة زعماء المكونات الأخرى. اي لا يمكن تعيين رئيس مجلس للوزراء بدون توافق مع أحزاب وكتل أخرى.
4. هذا النظام سحب حتى على الأحزاب والمكونات الأخرى. اختيار رئيس مجلس البرلمان العراق , وهو من حصة المكون السني, لا يتم الا عن طريق التوافق مع بقية الأحزاب والكتل السنية. وهذا ينطبق على منصب رئيس الجمهورية , وهو من نصيب المكون الكردي , والذي يتطلب التوافق بين السيد مسعود بارزاني وبافل طالباني.
5. بعد كل هذه الاتفاقات ضمن زعماء المكون الواحد , يحتاج كل منصب رئاسي توافق بقية زعماء المكونات الأخرى. أي حتى وان اتفق السيد بافل طالباني والسيد مسعود بارزاني على ترشيح شخصية كردية لمنصب رئيس الجمهورية , فان هذا الاتفاق سوف يبقى معلق بدون موافقة زعماء السنة والشيعة.
6. هذا النظام سمح للخاسر والرابح المشاركة في الحكم لأنه لا يمكن تشكيل حكومة دون الحصول على النصف زائد واحد. تشكيل الحكومة يتطلب أصوات 165 , ولا تستطع أي كتلة الحصول على هذا الرقم بدون توافق أحزاب وكتل أخرى. منصب رئيس الجمهورية يحتاج حتى أكثر من 165 صوت داخل البرلمان , انه يحتاج الى 210 (ثلثين عدد النواب البالغ 329 مقعد).
7. كان من نتائج الانتخابات الأخيرة هو حصول التيار الصدري على 73 مقعد في البرلمان والذي أعطاه اسم الكتلة الأكبر بين الفائزين , ومن اجل استثمار هذا الفوز الكبير , دعا السيد مقتدى الصدر الى تغيير نظام الحكم من التوافقية الى الأغلبية , وهذا ما رفضه بشدة قوى الاطار التنسيقي (جميع الأحزاب والكتل الشيعية عدى الكتلة الصدرية) إضافة الى زعماء المكونات العراقية الأخرى: الكرد والسنة العرب , وللأسباب مختلفة منها:
أ. كما ذكرنا سابقا , ليس بمقدور أي حزب او كتلة سياسية جمع 165 صوتا بدون توافق مع أحزاب وكتل أخرى , بما فيها الفوز الأخير للسيد مقتدى الصدر , وعليه فان السيد مقتدى لا يستطع تشكيل حكومة اغلبية بدون توافقات مع كتل وأحزاب أخرى من داخل البيت الشيعي وخارجه.
ب . باستطاعة الشيعة مجتمعين تشكيل حكومة , ولكنهم يميلون الى التوافق مع كتل أخرى من خارج البيت الشيعي ارضاءا لمكوناتهم وإنجاز ما تعاقدوا عليه قبل التغيير.
ت . وبالمقابل , فان السنة والاكراد يرفضون نظام الأغلبية وسوف لن " يباركوا تسمية لرئيس الوزراء لا يمثل توافق المكون الشيعي". انهم يريدون التعامل مع مكون وليس مع حزب او كتلة من مكون.
ث. وان أصر السيد مقتدى الصدر على تشكيل حكومة اغلبية بمساعدة الكرد والسنة فان على الصدر ان يحقق لهم شروط قد تكون باهظة , وهو يعد " خروج من منطقة الاطمئنان الى المغامرة" كما صرح به السيد عباس كاظم, مدير برنامج العراق في " المجلس الأطلسي" في واشنطن.
ج. الكرد والسنة سوف لن يتحالفا مع السيد الصدر بتشكيل الحكومة القادمة من دون مشاركة بقية الأحزاب والكتل السياسية الشيعية. ثقة الأحزاب الكردية والسنية أكبر مع الائتلاف الشيعي لا مع حزب او كتلة واحدة. انهم لا يريدون التعامل مع تيار له منافسين وغاضبين عليه مما ينعكس سلبا على انجازاتهم داخل الحكومة.
ح . قوى الإطار التنسيقي , في حالة عدم قدرتها على تشكيل الحكومة القادمة واختيار رئيس للوزراء من الكتلة الصدرية , سوف لن تتخلى عن مشاركتها في إدارة الدولة العراقية , فقد رشح عن لقاء قوى الإطار بالسيد مقتدى الصدر انهم ان قبلوا بنتائج الانتخابات فانهم يطالبون ب " معالجة اختلال التوازن لبرلماني الناتج من خلال إيجاد معالجات دقيقة لضمان عدم التفرد بسن القوانين والتشريعات والتغيير المقر منها او ابطاله". أي لا حكومة قادمة بلا توافق سواء ان شكله هذه الحكومة بمشاركة قوى الإطار او بدونه. جميع الأحزاب التقليدية العراقية تريد التوافق , عدى الكتلة الصدرية.
خ . في الأخير سيكون مستقبل الحكومة القادمة بيد ست شخصيات وهم السيد مقتدى الصدر والسيد نوري كامل المالكي عن المكون الشيعي , السيد بافل الطالباني والسيد مسعود بارزاني عن المكون الكردي , والسيد خميس الخنجر والسيد محمد الحلبوسي عن المكون السني.
د. التظاهرات التي خرجت لإعلان رفضها لنتائج الانتخابات حققت هدف كبير لم يعط الاعلام العراقي المساحة الكافية لها وهو رفض أي طرف سياسي من محاولة التفرد بالحكومة ليمارس القمع ضد خصومه , وان لا أحد يستطع إدارة العراق الا عن طريق الشراكة وحماية العملية الديمقراطية من تسلط حزب او كتلة واحدة.
ذ. لو تم تعداد المشاكل التي تواجهها الإدارة العراقية لاحتجنا الى كتاب من الحجم الكبير , ولا يمكن إنجاز جزء منها الا عن طريق تشكيل حكومة وطنية تشعر بمعاناة المواطن , وطالما وان اغلب السياسيين قد شعروا بمرارة تظاهرات تشرين سنة 2019 , فان من المؤمل تشكيل حكومة قوية قادرة على توفير متطلبات المواطن وتحكم بقوة القانون وارجاع هيبة الدولة
ر. حتى يوم 29 كانون الأول لم يتوصل ممثلو الإطار التنسيقي في اجتماع النجف الى صيغة يقرها التيار الصدري. بعض المراقبون ذكروا ان الاجتماع قد فشل على الرغم من تأكيد السيد هادي العامري على نجاحه. ولكن في الأخير سيتوصل البيت الشيعي الى توافق معين مع فرض شخصية يرغب بها السيد الصدر لقيادة دفة الحكومة العراقية.
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟