محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 7112 - 2021 / 12 / 20 - 19:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد قالها كل من يناصر القضية الفلسطينية ان غضب المملكة السعودية على لبنان هو ليس تصريح السيد جورج قرداحي بخصوص مشروعية المقاومة اليمنية ضد المحتلين , وانما هو سلاح " حزب الله". السيد قرداحي استقال منذ أكثر من شهر , ولكن الغضب السعوي مازال يتأجج والأمور داخل لبنان تنتقل من سوء الى اسوء , فلا حكومة كاملة النصاب ولا اقتصاد يستطع اشباع شعبه , حيث انحدرت الليرة اللبنانية الى اقل مستوى لها حتى أصبحت تساوي 25,000 الى 30,000 للدولار الواحد. هذا الواقع المؤلم الذي أصاب 95% من الشعب اللبناني يذكرنا بموقف الدول العربية من المواطن العراقي في زمن المقاطعة العالمية ضد العراق بعد احتلال صدام حسين دولة الكويت الشقيقة. لقد كان أطفال العراق يموتون بالجملة بسبب نقص الأغذية والدواء , وكان رب العائلة يضطر ببيع شبابيك وابواب غرف بيته من اجل شراء ما يستطع شراءه من دواء وغذاء لعائلته تحت صمت مطبق من الدول العربية القريبة والبعيدة , حتى وصل الامر ان بعض الفضائيات العربية توقفت عن إذاعة النشرة الجوية في العراق وكان موسم الشتاء والصيف لا يمران به. في لبنان أيضا , يجوع المواطن اللبناني الان , والذهب من عيار 24 أصبح مادة تدخل في اعداد طعام اغنياء دول الخليج , وبدلا من ان يحث ائمتها على حرمة التبذير , ينشغلون هذه الايام للعثور عن فتوى تحلل بدعة الاسراف.
الغريب ان محاولة ذل المواطن اللبناني وتجويعه لم تأت بفتوى من الأمم المتحدة مثل قانون المقاطعة الدولية ضد العراق , ولم تقم دولة لبنان بمهاجمة دولة أخرى ضد رغبة الأمم , ولا هي متهمة بخرق حقوق مواطنيها , وكل ما في الامر ان لبنان خرج عن الطاعة الخليجية او إرادة ورغبة المملكة العربية السعودية. السعودية تريد من لبنان ان يكون ذيل لها لا دولة مستقلة ذات سيادة. انها تريد من لبنان ان لا تكون حرة بقرارتها , وتريدها وكأنها محافظة من محافظات المملكة. انه تدخل خارجي فاضح في شؤونها الداخلية وهو امر ترفضه جميع شرائع الأمم المتحدة. لبنان دولة ذات سيادة ودولة عريقة في ممارسة الديمقراطية , ومنبر حر لكل احرار العرب , وقيادتها هي الاعرف برغبات مواطنيها , وان التنمر عليها والاستفراد بها وهي في اشد محنتها السياسية والاقتصادية انما يستهجنه كل احرار العالم. لا يجوز للعرب القضاء على شعب ودولة من اجل كسب ود دولة إهانة العرب والمسلمين منذ أكثر من سبعين عام. لقد صدق رئيس الدولة السيد ميشيل عون من انه لا يجوز معاقبة شعب بأكمله بسبب تصريح فرد , والحقيقة تجويع شعب كامل من اجل إرضاء دول أخرى غير عربية.
لبنان ليس دولة طارئة بلا تاريخ وبلا نظام. لبنان الى عهد قريب , كانت تسمى دولة " سويسرا العرب" , ولو كان العرب يحملون ذرة من العروبة لما سمحوا لهذا البلد الانحدار ليصل شعبه ضمن قائمة الشعوب الفقرة. الولايات المتحدة دخلت الحرب مع اليابان ودمرت الكثير من المرافق الاقتصادية فيه , ولكن الإدارة الامريكية آنذاك ابت الا ان ترجع شعب اليابان الى مستواه المعاشي الذي يليق به , والان اقتصاد هذه الدولة يعد الثالث في العالم. القصة عادة من جديد مع دولة المانيا التي دمر جيوش الحلفاء كل قائم اعلى من مترين , ولكن دول الحلفاء تعاونوا لان ترجع المانيا الى سابق عهدها وتنجح وأصبحت المانيا من الدول الاقتصادية التي يحسب لها إلف حساب. لقد ابى الغرب ان يخلق من المانيا واليابان دولا فاشلة , فلماذا يصر العرب على فشل لبنان؟
صحيح ان منطقة الشرق الأوسط يعيش في فراغ سياسي , بعد خروج العراق ومصر وسوريا منكسرين , وصعود إيران والسعودية ليكونوا المنافسين لهذا المنصب , الا ان هذه المنافسة جلبت على المنطقة الدماء والدمار. المنافسة بين الدولتين جاءت بداعش الى العراق , دمرت سوريا ارضا وشعبا , هتكت سيادة اليمن , وجوعت لبنان. لو صرفت السعودية ودول الخليج على تعمير وتطوير منطقة الشرق الأوسط نصف ما صرفت على الفوضى في العراق وسوريا ولبنان واليمن , لكانت جميع دول المنطقة مدينة لهم , ولكان الحب والاحترام يسود العالم العربي , ولما شبعت كواسج البحر الأبيض المتوسط من أجساد العرب الهاربين من الجوع والحرمان . انه من العيب ان يشبع شعب ويصبح الذهب الخالص جزء من وجباتهم من اجل ان تجوع شعوب اخرى.
لبنان سوف تبقى عصية بوجه كل من يريد التدخل بشأنها الداخلي بحجة نزع سلاح حزب الله , او القضاء على توجهاتها الديمقراطية العريقة , او فرض سياسة خارجية معينة عليها. الديمقراطية لا يفهمها الا الديمقراطيون. الديمقراطية تسمح المواطن التعبير عن رغباته سواء قبل المقابل ام لا. الديمقراطية تسمح ان يصعد حزب ويسقط اخر , وان للحزب الفائز الحق في تحقيق أهدافه ولا قوة تستطع حرمانه من هذا الحق الا شعبه , لا من حكومات أخرى. ان اتهام السعودية لحزب الله على انه أصبح " دولة داخل دولة" , وان الحزب هو من يقود " السياسة الخارجية للبنان" , وان لبنان أصبح جزء من إيران او " محتل من إيران " , ماهي الا اتهامات تحمل العراقيون اوزارها وكلفته مئات الالاف من الأبرياء الذين سقطوا بالسيارات المفخخة والانتحاريون الذين يرجون الزواج ب 72 حورية من حوريات الجنة. هذا هو جبران باسيل , وزير الخارجية اللبناني الأسبق يصرح " لا يوجد احتلال إيراني للبنان" ويسترسل بالقول " لا أحد يستطع يحتل لا ثقافتنا ولا ديانتنا ولا ايماننا وهذه الأرض بالذات وهذه الجبال لا أحد يستطع ان يحتلها او يدوسها ". ويقول عن المشكلة الحقيقية في لبنان بالقول " من يحاول تركيعنا اقتصاديا وماليا يهدف الى وضع يده على قرارنا وهذا هو التحدي الكبير لان الناس امام الوضع المعاشي والمالي والاقتصادي من الطبيعي ان يتعبوا ويضعفوا.. “. ان تجويع الشعب اللبناني بحجة وجود سلاح خارج الدولة ما هو الا سياسة جديد للسعودية بعد سياسة الانفتاح على الكيان الصهيوني , حيث ان السعودية كانت تعرف عن هذا السلاح والم تصرح برفضه من قبل .
تهمة تمدد إيران مررت على العراقيين , مع الأسف , وقبل بها بعضهم , حتى أصبحنا نقرء ان أسماء المحلات التجارية في محافظة البصرة أصبحت تكتب باللغة الفارسية ولغيت العربية في العراق وعن قريب يلغى دين محمد فيه. ولكن بعد ان انكشفت حقيقتها أصبح العراقيين يتحذرون ويتحسسون من أي اقتراب عراقي خليجي , وأصبحت المشاريع السعودية المقترحة في العراق محل مناقشات في دواوين الأحزاب السياسية.
المملكة السعودية ودول الخليج عليهم ان يغيروا سياستهم الخارجية , خاصة مع أبناء جلدتهم. فرض مقاطعة اقتصادية ضد لبنان وتجويع شعبه سياسة سلبية سوف يتحملها الشعب العربي في كل مكان وبضمنها السعودية, وتهديد العرب بان جميع الدول الخليجية تقف خلف القرارات السعودية كما جاء في زيارة ولي العهد محمد بن سلمان في جولته الخليجية الأخيرة سوف تزيد التعقيدات السياسية التي يمر بها العرب. هناك انقسام عربي حاد حول قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني وان هناك خلافات حادة مع الدول التي تدعم التطبيع والدول التي لا تدعمه , وان استخدام المال الخليجي لعقاب الرافضين ومكافئة المطبلين لا تزيد من منطقة الشرق الأوسط الا احتقننا , وربما الى الانفجار ويخسر الجميع.
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟