أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب














المزيد.....

جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7127 - 2022 / 1 / 5 - 11:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العصافيرُ تفرحُ بالطيران ... وتضحكُ... حين تمَسُّ وجوهَها زخّاتُ الغَيْمِ البارد، وقطراتُ المطرْ. تفردُ الأجنحةَ وتصعدُ صوبَ العُلا... لتخترقَ السماءَ... ثم تحُطُّ رِحالَها عند موطئِ العَرْشِ العظيم. تنتظرُ حتى تأتي الملائكةُ بالخيوطِ واللؤلؤ لتطرّزَ الثوبَ أبيضَ من غير سوءْ. العصافيرُ تحلُمُ... لأن في الحلمِ حياةً.
أبَى عامُ 2021 أن يرحل دون أن يخطفَ من حديقتنا زهرةً عزَّ نظيرُها. رحل الأستاذُ والمُعلّمُ والناقدُ التنويريُّ والوزيرُ المثقف الذي علّمنا أن نقولَ "لا" صادحةً في وجه الظلام والتغييب واللاإنسانية دون أن نخشى عواقب "لائنا" وأن ندفع الفاتورة الصعبة راضين مرضيين. رحل د. "جابر عصفور" الذي لا يجودُ الزمانُ بمثله إلا بشقِّ الأنفس. في جنازه المهيب، صدحَ جرسُ جامعة القاهرة بنغماته الشهيرة المأخوذة عن جرس ساعة "بيج بن" اللندنية: “مي دو ري صووول/ دو ري مي دووو/ مي ري دو صوول/ دو ري مي دووو/ صووول". كانت الساعة الواحدة ظهرًا، ولم تكن مصادفةً أن تدقَّ ساعةُ الجامعة في حضرة جثمان الأستاذ الذي علّم أجيالا من أبنائها. فالجوامدُ لديها ذاكرةٌ وتدين بالولاء للعظماء.
حينما كلّلت هامةَ الدكتور "جابر عصفور" جائزةُ النيل" الرفيعة، ابتهج الشارعُ الثقافيّ؛ لأن في هذا رباطًا أبديًا بين اسمٍ عظيم في حقل الفكر والأدب والتنوير، وقيمةٍ مصرية وتاريخية عظيمة هي النهر الخالد، حابي. "جابر عصفور" أستاذنا الذي علمنا لامحدودية التفكير وحرية التعبير دون الخضوع لطاغوت الدوجمائيين. الفارسُ الذي ساند كل صاحب رأي، في مصر والعالم، طاردته سياط التكفيريين بقضايا الحسبة وتنويعاتها. ولأنه عصفورٌ، فقد كان يكره الظلام الذي يظلل المجتمعات بكدر الرجعية ويعوّق عجلاتها على درب التقدم. ولأنه عصفورٌ، فهو يكره الأقنعةَ التي يتخفّى وراءها القنّاصون يطاردون الفلاسفة والمبدعين والعلماء؛ فنذر عمره، إلى جوار مشروعه النقدي والأدبي المحترم، لإسقاط أقنعتهم وكشف وجوههم حتى يرى العامةُ دمامتَهم فيكفّوا عن اتباعهم. ولأنه عصفور، فهو يكره القيود والأغلال؛ لهذا كسر السوار الذهبيَّ الذي زيّن معصمه بعد عشرة أيام، فقط، وغادر منصبَ الوزير، وعاد ليحلّقَ طليقًا في رحب السماء يُغنّي، في نهاية يناير 2011، إذ لم يكن المناخ صالحًا للعصافير الحرّة، لهذا طار بعيدًا، بعد أيام، تاركًا لهم الرغد والجاه؛ مكتفيًّا بسنبلة قمح نحيلة ينثر حبّاتِها على أولاد حارتنا المُتعبين. وبعد ثورتنا الشريفة في 2013، وسقوط إخوان الظلام، انتظم الشدوُ الطيب، وطرد زعيقَ النشاز، فقبِل العصفورُ مقعدَ المسؤول من جديد في 2014، بشروطه الحرّة، لا بشروط القيد الذهبي، حاملا مشعل التنوير في مواجهة الإظلام.
قبل سنوات كان الإعياءُ وسيفُ الثَّكل قد نال من "جابر عصفور" فبدا ذابلَ الجسد عليلاً، لكن عقلَه الوضّاء ظلَّ وضّاءً منيرًا. فهذا العصفورُ لا يهرُم. تمرُّ عليه السنواتُ والعقودُ، مرورَ شعاع ضوء على حجرٍ من الألماس، فلا تنالُ منه، بل تُزيده وهجًا فوق وهج. كنتُ أقولُ لأبنائي: "نحن في زمن جابر عصفور". فالمعاصرةُ حجابٌ! فلا يدري امرؤٌ أنه يعاصر هرمًا، لأن للهرم ظلالاً كثيفةً قد تحجبُ الرؤية النجلاءَ، فلا ندري مَن عاصرنا إلا بعد مُضّي الوقت. فمَن عاصروا "الوليد بن رشد"، لم يدروا أيَّ كنز شهِدوا في حينها. ومن صافحوا "فولتير"، ما علموا أيَّ جبلٍ صافحوا لحظتها. ومَن عاينوا "طه حسين"، لم يدركوا هَولَ مَن لامسوا وقدر مَن حادثوا، إلا حين خبا الوهجُ وانطفأ النَجمُ، إن كانت النجومُ تُطفأ. لكنها لا تُطفأ، لأنها عصيةٌ على الأفول. مراوغةٌ تُبدّل أماكنَها. علّمنا "جابر عصفور" أن نقلب الطاولةَ على الموروث الرثِّ، ولا نستبقي منه إلا الإرثَ الطيبَ والتراث النقيّ، حتى يصفو لنا وجه الحياة ووجه الوطن. هكذا علّمنا ما تعلّمه من أستاذه، عميد الأدب العربي "طه حسين"، الذي انعكست وجوهُه العديدةُ على عديد "المرايا المتجاورة"؛ شيّدها مرآةً جوار مرآةٍ.
حين حمل "جابر عصفور" حقيبة وزارة الثقافة قال لنا: (اِحلموا، فإن الحُلمَ.... حياةٌ. ) وأقول له اليومَ وهو في فردوس الله: "لن نتخلى عن الريشة التي سنرسم بها أحلامنا، ونحن قادرون على تحقيقها، مادام في مصر مستنيرون يحملون مشاعل التنوير. حلمتَ وحلمنا، ونحلمُ أن تغدو مصرُ كما يليق باسمها العريق الذي كتبتْ به السطرَ الأول في كتاب التاريخ. أن تعود مصرُ كما كانت قبل نصف قرن. هنيئًا لك بتاريخك المشرق، وهنيئًا لنا وقوفنا على بابِك لنتعلّم، ونفخر بأننا عشنا زمن جابر عصفور. وأشكرك على كلمةٍ قلتَها على الهواء وأنا على أبواب السجن: “متخافيش يا فاطمة!”. نَمْ ملءَ جفونِك عن شواردها، فأنتَ خالدٌ عصيٌّ على النسيان.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة العائلة المقدسة… وجائزة فخرُ العرب
- السِّحرُ الذي ... معقودٌ بناصيتها
- شجراتُ الصنوبر تُضيءُ جنباتِ مصر
- ميري كريسماس بالمصري... أيها العالم!
- شحاذون
- “إحنا- … ضدّ التحرّش!
- كيف تنمو الموهبة؟
- -النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق
- هل أنت عُكازٌ … أم مِرآة؟
- ڤان ليو … قنّاصُ الجميلات
- مجدي يعقوب… له خفقةٌ في كلِّ قلب
- ماذا قالت -مايا آنجلو- في السبعين؟
- لعنَ اللهُ من أيقظها!
- الرجلُ الشريرُ الذي أفسدَ الكوكب
- مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر
- مبادرة لمكافحة الإدمان والبلطجة
- المبادرة الرئاسية لمكافحة الإدمان والبلطجة
- أبصرتْ العمياءُ فجأةً … ولم تجد كتابًا!
- توم الخزين … يا توم
- ريش ... دميانة نصار


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا هدفا حيويا في إيلات ...
- متى موعد عيد الأضحى 2024/1445؟ وكم عدد أيام الإجازة في الدول ...
- تصريحات جديدة لقائد حرس الثورة الاسلامية حول عملية -الوعد ال ...
- أبرز سيناتور يهودي بالكونغرس يطالب بمعاقبة طلاب جامعة كولومب ...
- هجوم -حارق- على أقدم معبد يهودي في بولندا
- مع بدء الانتخابات.. المسلمون في المدينة المقدسة بالهند قلقون ...
- “سلى أطفالك واتخلص من زنهم” استقبل دلوقتي تردد قناة طيور الج ...
- جونسون يتعهد بـ-حماية الطلاب اليهود- ويتهم بايدن بالتهرب من ...
- كيف أصبحت شوارع الولايات المتحدة مليئة بكارهي اليهود؟
- عملية -الوعد الصادق- رسالة اقتدار وردع من الجمهورية الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - جرسُ الجامعة يُودِّعُ عصفورَ الأدب