أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر














المزيد.....

مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7073 - 2021 / 11 / 10 - 12:07
المحور: حقوق الانسان
    


(عاوزين تسيطروا على الأسعار؟ الحاجة اللي تِغلا متشتروهاش. الموضوع بسيط. ) هكذا أعلن الرئيس/ عبد الفتاح السيسي في معرض حديثه عن غلاء الأسعار، موضحًا أن انخفاض الحركة الشرائية لسلعة ما، يستوجب بالضرورة انخفاض سعرها، وهو الحل الأمثل لمواجهة جشَع بعض التجار. وهذا حقٌّ لأن وراء كلّ تاجر جشِع، مُستهلكًا متواطئًا معه، مستعدًا لإشباع جشع التاجر بالشراء والاستهلاك والهدر. حقيقةٌ اقتصادية تاريخية وعالمية معروفة.
وذكرتني هذه الحكمةُ بحكاية واقعية حدثت في الأرجنتين. في أحد الأيام ذهب مواطنٌ أرجنتيني إلى السوبر ماركت ليشتري بعض احتياجاته، فلاحظ أن سعر طبق البيض مرتفعٌ عن الأمس. سأل البائع؛ فأجابه بأن شركات الدواجن رفعت سعر البيض بمقدار واحد بيزو! أخذ المواطن الأرجنتيني علبة البيض وأعادها إلى مكانها، قائلا إن هناك ما يعوضه عن البيض. حذا حذوَه جميعُ المواطنين وقاطعوا البيضَ في ذلك اليوم. ماذا كانت النتائج؟ في اليوم التالي: جاء مندوبو الشركات لتعبئة محلات السوبر ماركت كالعادة بإنتاج اليوم الجديد من البيض؛ فرفض بعضُ الباعة أن يأخذوا أي جديد لأن إنتاج الأمس لم يُبَع، والبعضُ الآخر طلب تبديل إنتاج اليوم بإنتاج الأمس الراكد. حدثت خسائرُ هائلة لشركات البيض في ذلك اليوم، لكنها تحملت ظنًّا منها أن المقاطعة ستنتهي خلال أسبوع، وبعدها سيعود الناسُ للشراء الاعتيادي بالسعر الجديد، فتُعوَّض الخسائر. لكن الأمر لم يختلف. مازال الشعبُ الأرجنتيني مُجمعًا على موقفه الحاسم من مقاطعة سلعة البيض. ومرّ أسبوعان دون بيع، والشركاتُ تخسر. شركاتُ إنتاج البيض تدفع الأموال لإطعام الدجاج الذي يُنتج البيض، والإنتاجُ لا يتوقف ويتراكم المخزونُ لأن الدجاج مازال ينتج البيض، والاستهلاك "صفر" لأن حركة الشراء متوقفة. وتراكمت الخسائرُ على تلك الشركات وتضاعفت. فاجتمع أصحابُ شركات الدواجن اجتماعًا طارئًا لدراسة المشكلة، وقرروا إعادة البيض إلى سعره السابق. لكن الشعب الأرجنتيني استمر على موقفه من مقاطعة شراء البيض. وجُنَّ جنون مسؤولو تلك الشركات التي كادت تعلن إفلاسها. فاجتمع التجار مرة أخرى وقرروا ما يلي: 1- تقديم اعتذار رسمي للشعب الأرجنتيني يُبثُّ عبر جميع وسائل الإعلام. 2- تخفيض سعر البيض عن سعره السابق إلى ربع القيمة السابقة.
إنها ثقافة شعوب تقرر حل المشاكل من جذورها، دون شكوى ودون تبّرم. إنها ثقافة "الاستغناء" حين يعمُّ الغلاءُ، وثقافة "عدم الهَدر" حين تضيقُ ذاتُ اليد.
دائمًا ما أتأملُ حباتِ القمح وأنا أنثرُها في شرفتي للطيور الطليقة في سماء الله وأقول لنفسي: ما أعظمَ هذه الحبة الذهبية الأنيقة! كلُّ حبة قمح أو أرز أو ثمرة مما خلق الله، هي ثروةٌ وقطعةٌ فنية فريدة من الألماس السماوي المدهش، لا يجوز التعامل معها باستهانة، أو هدرها في صناديق القمامة.
وهذا ما أراد أن يثبته فنانٌ صينيٌّ اسمه "يانج يكسين" حين قرّر لفتَ الانتباه إلى "آفة هدر الطعام”. قام الفنان بنحت نصف كليو جرام من الذهب الخالص، (ثمنه يربو على الثلاثين ألف دولار أمريكي)، على شكل 1000 حبّة من الأرز. ثم بثّ لنفسه على منصة التواصل الاجتماعي مقطعَ فيديو وهو يُلقي بالحبوب الذهبية في مصارف المجاري في مدينة شنغهاي، ونهر هوانجبو الصيني، وصناديق القمامة. واندهش الناسُ من جنون الرجل. ثم جاء تصريح الفنان لصحيفة South China Morning قائلا إن إهدار الأشياء العادية لا يثير اهتمام الناس، لهذا لجأ إلى إهدار الذهب المنحوت على هيئة حبوب الأرز، حتى يلمسَ الناسُ مدى خطورة الهدر الاستهلاكي، عسى تلك التجربة المكلفة أن تُغيّر في أسلوب تفكير الشعب الصيني وسلوكه. خاتمًا قوله بأن "الأرز أغلى وأنفس من الذهب”. وأتفقُ معه في الرأي. لأن الإنسان بوسعه صناعة عقد من الذهب المرصّع بالجواهر، ولكنه غير قادر على خلق حبّة واحدة من القمح النفيس.

تقول الإحصاءاتُ الدولية وتقاريرُ المراقبين الاقتصاديين إن الدول الأكثر فقرًا هي ذاتُها الدولُ الأكثرُ هدرًا! بينما الدول الغنية ذات متوسط الدخل المرتفع للمواطنين، لا تعرفُ الهدر. وتلك حقيقة يعرفها كلُّ مَن سافر إلى دول الغرب، حيث يذهب المواطنُ هناك إلى السوبر ماركت فيشتري ثمرة برتقال واحدة، أو عنقود عنب وشريحة بطيخ دون خجل من نظرة الناس، أو سخرية الكاشير وهو يرى الفاتورة شحيحةً تضم ثمرة أو وثمرتين. لأن الجميع مثله ينهجون السلوك المحترم نفسه، ولا يشترون إلا ما يحتاجون إليه، وفقط. قاوموا الغلاء بالاستغناء. وقاتلوا الجشع بالوعي الرفيع بقيمة المنح السماوية المُهداة لنا، وعدم إهانتها بالهدر. “الدينُ لله والوطن لمن يحافظ على الوطن".
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبادرة لمكافحة الإدمان والبلطجة
- المبادرة الرئاسية لمكافحة الإدمان والبلطجة
- أبصرتْ العمياءُ فجأةً … ولم تجد كتابًا!
- توم الخزين … يا توم
- ريش ... دميانة نصار
- لماذا تكرهون هذا الرجل؟
- حتى لا يظلَّ التنويريون بين أنياب الظلاميين!
- المحتسبون … ولعبةُ الخروجِ من الكوكب
- هنا البحرين… على شرف الشِّعر واللؤلؤ
- أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة
- سيد حجاب … عِشْ ألفَ عام!
- النصبُ على الناس بالحُسنى
- اختطاف … متلازمة عشق الطريدة للقناص
- حتى لا نكون مرايا عمياء!
- قَسَمُ أبقراط … هديةُ عيد ميلادي!
- مرضٌ اسمُه التطرُّف!
- 200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!
- كيف تصيرُ مشهورًا وجماهيريًّا؟
- أمّي ... التي تموتُ كلَّ عام!
- سألتُ نجيب محفوظ: هل تعرفُ اسمَ طاعنك؟


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر