أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة














المزيد.....

أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7043 - 2021 / 10 / 10 - 01:58
المحور: حقوق الانسان
    


مهندس طيران ناجح تسبّب في قتل سبعة أشخاص بسيارته. أظلمتِ الدنيا أمام عينيه وفكّر ماذا يفعلَ، ليخرجَ من خندق الشعور المُّر بالذنب. لو أنهى حياته، قد يستريح من عذاب الضمير، لكنه لن يُعيد للحياة سبعَ أرواح أزهقها في لحظةٍ، غفل فيها عن قواد سيارته. قرّر الشابُّ أن يقتطع من جسده سبعة أعضاء حيّة ليهبَها لسبعة مأزومين ينتظرون الموت. وكأنما يقايضُ الحياةَ: استلَّ منها سبعةَ أرواح، فيمنحها بالمقابل سبعةً أخرى. سبعةُ أعضاء من جسده وزعها على هذا النحو: شقيقُه، المصاب بسرطان الرئة، منحه جزءًا من رئته، ومنح سيدةً فَصًّا من كبده. وبعدما تعافت دلّته على سيدة تقاسي بطشَ رجل يستعبدها مع طفليها، فمنحها منزله الجميل على شاطئ الأطلنطي. ثم منح إحدى كليتيه لرجل مصاب بالفشل الكلويّ، ثم رقد ساكنًا ليمتصَّ الأطباءُ النخاعَ من عظامه بمحقن غليظ، معاينًا ألمًا تنوء عنه الجبال، ليحقنوه في جسد طفل مصابٍ بسرطان النخاع. وفي الأخير وقع في هوى شابة تعيش آخر أيامها، بسبب ضعف وراثيٍّ حادٍّ في عضلة القلب. فكر كيف ينقذها من الموت. رجع بذاكرته إلى طفولته، حينما اصطحبه أبوه إلى الأكواريوم لمشاهدة الأسماك، شاهد قنديل البحر Jellyfish، وافتتن بجماله وليونته الفائقة وجسده الهلامي الشفاف، وقال لأبيه إنه أجمل مخلوق وقعت عليه عيناه، فأخبره أبوه أن هذا الكائن الفاتن يحمل في جسده أشد السموم فتكًا. فقرر أن ينقذ حبيبته بمساعدة قنديل البحر القاتل. أحضر حوضًا ضخمًا من الزجاج، وراح يربّي قنديل بحر في غرفته. زار حبيبته على فراش الموت في المستشفى ثم ودّعها وعاد إلى بيته. ملأ البانيو بجرش الثلج ورقد حتى غمره الماء الثلجيّ. وبعدما تخدّر الجسد، جاء بقنديل البحر ليسبح جواره ويلسع معصمه لسعةً سامّة، بعدما اتصل بالإسعاف ليخبرهم أنه ينوي الانتحار. نُقل إلى المستشفى في محاولة يائسة لإنقاذه. وهناك وجدوا الوصيةَ التي أعلن فيها تبرعه بقلبه إلى حبيبته المحتضرة، لتبدأ حياة جديدةً بقلب سليم، أنهكه الإيثار والشعور بالذنب. بهذا يكون قد منح أشخاصًا ستة، ستَّ قطعٍ من جسده كعطايا لا تُرّد. أما القطعة السابعة، فكانت عينيه، اللتين تبرع بهما لشابٍّ جميل كفيف، موسيقيٍّ موهوب. حدث هذا في الفيلم الأمريكي الموجع: "سبعة أرطال Seven Pounds" بطولة "ويل سميث".
لكن أحداثًا مشابهة حدثت في الواقع كذلك. صبيّةٌ بريطانية صغيرة في الثالثة عشرة من عمرها اسمها "جميما لايزيل" Jemima Layzell، توفيت عام 2012 بسبب تمدد الأوعية الدموية في الدماغ. لكنها أوصت قبل رحيلها بالتبرع بأعضائها لمن يحتاج إليها، فأنقذت بذلك حياة سبعة أشخاص على وشك الموت، من بينهم خمسة أطفال، منحتهم من جسدها النبيل: القلب والرئتين والكليتين والبنكرياس والكبد والأمعاء.
في حفل جميل حضرناه الأسبوع الماضي في "قصر عابدين" العريق، أطلق الكاتب الصديق الطبيب "خالد منتصر" مبادرة تحُثُّ المثقفين على تكريس ثقافة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة لدى المجتمع المصري؛ لأن مصر قد تأخرت كثيرًا في إنشاء بنك للأعضاء البشرية، على غرار معظم دول العالم والعديد من الدول العربية الشقيقة. وقال الشيخ "خالد الجندي" عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن التبرع بالأعضاء ليس حرامًا، بل هو أمرٌ محمود وطيب وتساءل: هل هناك أسمى من إنقاذ حياة إنسان؟ إنها رسالة كبرى وهي تطبيق للآية الكريمة: "ومَن أحياها فكأنما أحيا النَّاسَ جميعا"/ سورة المائدة. وأعلنت الفنانة "إلهام شاهين"، والنائبة "فريدة الشوباشي"، والمخرج “محمد العدل" والفنان "صلاح عبد الله"، وكثيرٌ غيرهم من الشارع الثقافي والفني تبرعهم بالأعضاء بعد الوفاة، لصالح المصابين والمرضى وللدراسة في كليات الطب. لابد أن نُقرَّ أن وجود بنك للأعضاء البشرية وبنوك للقرنية في مصر، سوف يخلق قناة شرعية ونبيلة لتيسير نقل الأعضاء للمرضى والمحتضرين، وهو كذلك السبيل الأوحد للقضاء على جريمة الاتجار بالأعضاء واختطاف الأطفال لسرقة أعضائهم.
أجسامُنا البشرية ثروةٌ ربانية عظمى يمنحُها الُله لنا لنحيا، ثم يكون مثواها التراب. فهل أرقى وأنبل من أن نمحها سنواتٍ إضافيةً مع إنسان كسير يتعذب؟! يقول الجدُّ المصريُّ القديم في اعترافاته الإيجابية: "كنتُ عينًا للكفيف ويدًا للمشلول وساقًا للكسيح.” وهذا المعنى المجازي النبيل، قد يتجسد عمليًّا في إقرار المُشرِّع المصري إنشاء بنك للأعضاء في مصر النبيلة التي علّمت العالم قانون الإنسانية في فجر التاريخ. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يعملُ لصالح الوطن”.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد حجاب … عِشْ ألفَ عام!
- النصبُ على الناس بالحُسنى
- اختطاف … متلازمة عشق الطريدة للقناص
- حتى لا نكون مرايا عمياء!
- قَسَمُ أبقراط … هديةُ عيد ميلادي!
- مرضٌ اسمُه التطرُّف!
- 200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!
- كيف تصيرُ مشهورًا وجماهيريًّا؟
- أمّي ... التي تموتُ كلَّ عام!
- سألتُ نجيب محفوظ: هل تعرفُ اسمَ طاعنك؟
- الرئيس السيسي … فارسُ التنوير الجسور
- أعلنها الرئيسُ: مسألة وعي!
- السيسي … قائدٌ يُنجِزُ … ثم يُعلن
- سمير الاسكندراني … وأبي!
- هاتزعل منّي يا ريس!
- فريال … فارسةُ مصرَ الذهبية
- العذراءُ المُطوّبة … وشمس الدين التبريزي
- العيّل بيجي … من رزقنا!
- صحوةُ الضمير الإنساني
- فنُّ التعليم … عبقريةُ مُعلّمة


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة