أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - توم الخزين … يا توم














المزيد.....

توم الخزين … يا توم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


إنه "الإلهام". الإلهامُ الذي بسببه كان كل ما في العالم من إبداع موسيقيّ وأدبيّ وتشكيليّ وكذلك علميّ. جميعُ ما ابتكر الإنسانُ وما اخترع، كان وراءه إلهامٌ ما. الإلهامُ في اللغة هو "ما يُلقى في الروح" كما قال "ابن منظور”. ومنذُ الأزل يحاول الإنسانُ تفسيرَ ظاهرة "الإلهام" الملغزة ليعرف كيف يقوم مؤثرٌ خارجي، بإلهام مبدعٍ ما فيكتب قصيدة أو قطعة موسيقية أو ينحت تمثالا أو يرسم لوحة أو يخترع جهازًا عبقريًا، وقد يكون المؤثرُ ذاته طفيفًا مرّ على العاديين من البشر مرور الكرام. آمن الإغريقُ بأنه تأثيرُ "ربّات الإلهام" Muses ومنها اشتقت كلمتا: Music الموسيقى، Museum متحف الفنون. ومازال علماءُ العالم يحاولون فكّ ذلك الطلسم لفهم كيف يتعامل المخُّ البشري مع المعلومات الواردة إليه، فيُبدع المبدعون، ولا يفعل غيرهم.
من أطرف قصص الإلهام حكايةُ "التوم". جلس شاعرٌ مُطرقًا يفكّر في مطلعٍ آسر لأغنية جديدة يكتبها لأحد الأفلام. ولكنْ، هيهات أن يُلبّي شيطانُ الشِّعر نداءنا وقتَ ننادي. حين نلاحقُ الشِّعرَ؛ يروغُ ويراوغُ ويزوغ ويتأبّي ويتدلّل ويفرّ، ثم يتبخر ويختفي. وحين ننساه ونعرضُ عنه، يلاحقُنا ويطاردُ أفكارنا، ويرسلُ إلينا مراسيلَ إلهام تُلهمنا، حتى نتمكنَ منه ونقنصَه، فتصيرُ القصيدةُ. وبينما الشاعرُ مستغرقٌ في غمرة إطراقه ويأسه، ترفّق به شيطانُ الشعر فأرسل مُلهمَه في ثوب أحد السابلة. مرّ تحت شرفة الشاعر بائعٌ جائلٌ كان يهتف: “توم الخزين يا تووووم". فوثب الشاعرُ الغنائي الكبير "مرسي جميل عزيز" من مقعد مكتبه وهتف، كما هتف أرخميدس قبل ثلاثة وعشرين قرنًا: “وجدتُها!!!”
قنصَ الشاعرُ عصفورةَ الشِّعر الحرونَ من مناجاة البائع المتجوّل لبضاعته. عصفورةُ الشعر العصيّة لا تسقط في شِباكنا بيُسر، شأنُها شأنَ النفائس العزيزة. وكانت مناجاةُ بائع الثوم على بضاعته: (توم الخزين يا تووووم)، إلهامًا لمفتتح، ولازمة، إحدى أجمل أغنيات المطربة المصرية "أحلام" ذات الصوت الدافئ، على نغم الموسيقار "محمود الشريف"، وبزغت للوجود أغنية الأفراح الأشهر: (توب الفرح يا توب). وأصبحت كلُّ عروس تُزفُّ على نغمات تلك الأغنية مدينةً لبائع الثوم الذي تصادف ومرّ جوار شرفة الشاعر في لحظة الانصهار والكتابة.
أخبرني بتلك القصة الطريفة خالي "محمد أبو بكر"، الرجل المحاسبيّ، في معرض حديثه عن فكرة "الدائن والمدين"، لا في البنوك والمؤسسات المالية وحسب، بل بوصفها القاعدة التي يقوم عليها العالم بأسره. وبالقطع أتفقُ مع هذا الطرح، فالجميعُ طوال الوقت في حال من الأخذ والعطاء. وحركات الدائن والمدين لا تتوقف فوق الأرض على مدار الثانية. ليس بين البشر وحسب، بل حتى بين البشر والكائنات الأخرى. فأبونا "قابيل" مَدينٌ للغراب بفكرة مواراة الموتى التراب. والعصفورُ دائنٌ لـ "لأخوين رايت" بفكرة الجناحين والطيران. و"الفراهيدي" مَدين لطارقي النُّحاس والخيل في استخلاص منظومة العَروض والوزن في الشعر العربي. وتدينُ البشريةُ لجرس الكنيسة في ابتكار السلّم الموسيقي.
جميعُنا دائنٌ وجميعُنا مَدينٌ. جميعنا خادمٌ ومخدومٌ. فأنا حين أجلسُ إلى طاولة الرسم الهندسي، وأصممُ أحد المباني، بوصفي "مهندسةً" بالدراسة، أكون "خادمةً" لمن سيقطنون البناية بعد تشييدها. وظيفتي معرفة احتياجاتهم اليومية وتلبيتها على لوحة التصميم من أجل صالح حياتهم ورفاهيتها. وبعدما تقطن البنايةَ مجموعةٌ من البشر، سيكون الطبيبُ منهم "خادمًا" لي حين أمرض وأرتاد عيادته. والقبطانُ منهم سيكون "خادمًا" لي حين أركب سفينته لأسافر. وهكذا.
وبعد، فإنك حين تذهبُ إلى المسرح في المساء من أجل بعض المتعة والترفيه، بعد انتهاء عملك كـ"خادم" لمهنتك، عليك أن تنتبه أنك تزور الممثلين في ذروة وقت عملهم وخدمتهم. الممثلُ فوق خشبة المسرح "خادمٌ" للجمهور طوال فترة العرض، مثلما كلّ واحد من الجمهور سيغدو "خادمًا" له ولغيره حين يذهب إلى عمله في الصباح.
إنها فكرةُ الدولة والتكامل المجتمعي بين الوظائف والأعمال. كلٌّ منّا يكون في لحظة ما إما خادمًا أو مخدومًا. وسبقت هذه الفكرةُ مفهومَ الدولة. بدأ الإنسانُ في تطبيقها منذ وطأت قدماه الأرض. خاصةً في المجتمعات النهرية الزراعية. على طول ضفاف النهر، أنا أزرعُ أرضي في الجنوب، وتأتي أنت لتساعدني من الشمال، وحين تهبطُ المياه لأرضك في الشمال مع حركة المياه، آتي إليك وأساعدك في زراعة أرضك وجني المحصول، وهكذا. أنت خادمٌ عندي في لحظة، وأنا خادمٌ عندك في أخرى.
وأنا أكتبٌ هذا المقال الآن، أقوم بعملي كـ"خادمة" للقارئ، وإلى جواري العظيم "محمد عبد الوهاب" يقوم بدوره في "خدمة" روحي وهو يشدو: "عندما يأتي المساء". كلُّنا خادمٌ، وكلُّنا مسؤولٌ عن مخدوميه. “الدينُ لله والوطنُ لخدّام الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ريش ... دميانة نصار
- لماذا تكرهون هذا الرجل؟
- حتى لا يظلَّ التنويريون بين أنياب الظلاميين!
- المحتسبون … ولعبةُ الخروجِ من الكوكب
- هنا البحرين… على شرف الشِّعر واللؤلؤ
- أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة
- سيد حجاب … عِشْ ألفَ عام!
- النصبُ على الناس بالحُسنى
- اختطاف … متلازمة عشق الطريدة للقناص
- حتى لا نكون مرايا عمياء!
- قَسَمُ أبقراط … هديةُ عيد ميلادي!
- مرضٌ اسمُه التطرُّف!
- 200 جنيه … تتلصَّصُ على المجتمع!
- كيف تصيرُ مشهورًا وجماهيريًّا؟
- أمّي ... التي تموتُ كلَّ عام!
- سألتُ نجيب محفوظ: هل تعرفُ اسمَ طاعنك؟
- الرئيس السيسي … فارسُ التنوير الجسور
- أعلنها الرئيسُ: مسألة وعي!
- السيسي … قائدٌ يُنجِزُ … ثم يُعلن
- سمير الاسكندراني … وأبي!


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - توم الخزين … يا توم