أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - -النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق














المزيد.....

-النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 11:31
المحور: حقوق الانسان
    


خيطٌ رفيعٌ يفصلُ بين المجاملة والنفاق. المجاملةُ مجازٌ يبالغُ في المشاعر قليلا ليبني جسورًا من الودّ بين الناس. أما النفاقُ فكذبٌ وتزوير في المشاعر؛ هدفُه التضليلُ لنيل المصالح وسرقة حقوق الغير. المجازاتُ عمادُ حديثنا اليومي، ولذا فالعقل البشري قادرٌ على التعامل معها بتسامح وفهم، دون أن يضعها في خانة الكذب والتضليل. كأن تقول لصديقك: “قطعتُ الطريق في ساعتين"، فلن يقول لك إنك كاذبٌ لأنك لم "تقطع" الطريق. أو حين تقول لحبيبتك: “بموت فيك"، أو "مزّقت صاحبي في المباراة، وطرحتُه أرضًا في النقاش". فلا أنت مِتَّ، ولا أنتَ مزّقتَ ولا طرحت أحدًا أرضًا. لكن المنصتَ إليك يفهم تلقائيًّا أن كلامك مجازٌمسموحٌ به. ناقش تلك الغزيرة في الدماغ البشري كتابٌ صدر عام 1980 عنوانه "Metaphors We Live By للكاتبين "جورج لاكوف"، و"مارك جونسون"، وترجمتُ منه شطرًا للعربية. ويؤكد الكتابُ أن العقل البشري مبنيٌّ على قبول المجاز وإدراك المعنى بيسرٍ على النحو الكِنائي لا الحَرفيّ. فى فيلم "اسمى خان" يقول البطلُ المتوحّدُ "شاروخان خان”: "لا أفهم لماذا يكذب الناس! يقول لك شخصٌ: تعال إلى بيتي أيّ وقت، البيت بيتك، وحين تزوره في أي وقت، ينزعج! الناس يقولون ما لا يعنون!” هنا أزمة المتوحّد الذي يصدق الكلامَ بحَرفيته، ولا يعترفُ بالمجاز أو المبالغة أو المجاملة.
لكن "الكذب والنفاق" يقعان في منطقة أخرى مخيفة تُضلِّلُ وتغشُّ وقد تُفجّرُ الحروب، وتدمر المجتمعات. عام 1949 أصدر "يوسف السباعي" رواية "أرض النفاق" ليناقش تلك الآفة المجتمعية القاتلة، متصوّرًا أن الأخلاق ونقائضها من نفاق وكذب ورياء الخ، يمكنُ غرسُها في الإنسان عن طريق أكاسير تُلقى في مياه النهر ليشربها الناسُ فيتحلّون بتاج الصدق أو يتدثرون بعباءة الكذب.
من زاوية أخرى تناول المؤلفُ والسيناريست "عمرو محمود ياسين"، ظاهرة النفاق والكذب عبرَ دراما "النظارة البيضاء"، حيث اخترع عالِمٌ شابٌّ نظارةً يضعها المرءُ ثم ينظرُ في عيني مُحدّثه لتقوم النظارة بتحليل ضغط الدم وحساب نبضات القلب، وبتحليل الداتا تحدِّدُ تفاعلات المتحدث وتُدرك إن كان متوترًا أو خائفًا أو كاذبًا. ولم ينجُ أحدٌ من الكذب، من محيط المخترع العائد لتوّه إلى وطنه من أمريكا. الجميعُ وقعوا في فخّ الكذب والتضليل، بعضهم فعل هذا بخبثٍ بغرض النفعية الانتهازية، وقليلون فعلوا هذا بحسن نيّة مثل الأمّ الطيبة التي كذبت على ابنها لحمايته من نِصال التنمّر والاستغلال. الدراما الجميلة تأليف وسيناريو وحوار "عمرو" نجل الفنان الكبير "محمود ياسين" والفنانة الجميلة "شهيرة"، وإخراج "عصام نصّار"، وبطولة الفنان الجميل "أمير المصري" الذي أدى الدورَ بأستاذية. ولعلّ في عبارة "النظارة البيضاء" يكمنُ المعنى الذي أراد المؤلفُ تكريسَه. حيث يطمحُ العملُ في تنقية العالم من "سواد" الكذب، لتصفو العيونُ وتُنقّى الدنيا من أدرانها خلال نظارة "بيضاء" تهفو إلى النظافة. وتُحيلنا "النظارةُ البيضاء" إلى نقيضها الدرامي " النظارة السوداء" إحدى قصص "إحسان عبد القدوس" حيثُ ألبسَ بطلتَه الجميلةَ "نادية لطفي" نظارةً سوداء تختفي وراءها من عالم لا ترى فيه إلا الفساد واللهو الرخيص، فتهربُ منه بالانخراط فيه حدَّ الغرق، حتى ينقذَها الحبُّ في الأخير؛ وتخلع نظارتها السوداء لتبدأ حياة الجِدِّ الناصعَ المتحضّر. لكن، على النقيض من هذا، لم ينقذِ الحبُّ بطلَنا "الدكتور فخر" مخترع النظارة البيضاء، بل أكّد له للأسف أن حبيبته الجميلة، "كارولين عزمي"، التي أشرق الحبُّ من عينيها وفتح أمامه بابَ الأمل الموصدَ، هي الأخرى كانت كاذبة ولصّة استغلّت مشاعرَه لسرقة اختراعه وجني بعض المال. غادرت دراما "النظارة البيضاء" عيونَنا بعد خمس حلقات دون أن تضع لنا حلاًّ تبشيريًّا ولا نهاية سعيدة. بل أكدتْ لنا أن الصدق التام ضربٌ من المحال في عالم المصالح والنفعية الراهن. غادر المخترعُ وطنَه بعدما عطّل عمل النظارة البيضاء المسروقة، وعاد إلى أمريكا. هو بالقطع لا يطمح أن يرى الصدق في بلاد العمّ سام، فالكذبُ فيما يبدو صنوُ الإنسان أينما كان، لكنه قرر الهربَ من مطاردة الكذب في عيون الأهل والأصدقاء في الوطن. فكذبُ الغرباء أقلُّ وطأةٍ من كذب الأحباء والأهل. تركتْ لنا الدراما البابَ الأخير مفتوحًا على جميع الاحتمالات. ليكتبَ كلُّ مُشاهِد النهاية والخاتمة بقلمه الخاص وفقَ تجاربه وخبراته ومكوّنه النفسي.
شكرًا لصنّاع العمل الجميل "النظارة البيضاء" التي كانت بمثابة "مِرآة ميدوزا" التي نشاهدُ على صفحتها أدرانَنا الأخلاقية وخطايانا في حق أنفسنا وحق الآخرين، لعلّنا ننجحُ في الاغتسال منها، أو من بعضها.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أنت عُكازٌ … أم مِرآة؟
- ڤان ليو … قنّاصُ الجميلات
- مجدي يعقوب… له خفقةٌ في كلِّ قلب
- ماذا قالت -مايا آنجلو- في السبعين؟
- لعنَ اللهُ من أيقظها!
- الرجلُ الشريرُ الذي أفسدَ الكوكب
- مكافحةُ الغلاء … بالاستغناءِ وعدم الهدر
- مبادرة لمكافحة الإدمان والبلطجة
- المبادرة الرئاسية لمكافحة الإدمان والبلطجة
- أبصرتْ العمياءُ فجأةً … ولم تجد كتابًا!
- توم الخزين … يا توم
- ريش ... دميانة نصار
- لماذا تكرهون هذا الرجل؟
- حتى لا يظلَّ التنويريون بين أنياب الظلاميين!
- المحتسبون … ولعبةُ الخروجِ من الكوكب
- هنا البحرين… على شرف الشِّعر واللؤلؤ
- أنا أتبرّعُ بأعضائي بعد الوفاة
- سيد حجاب … عِشْ ألفَ عام!
- النصبُ على الناس بالحُسنى
- اختطاف … متلازمة عشق الطريدة للقناص


المزيد.....




- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - -النظارةُ البيضاء- … تفضحُ دنيا النفاق