أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - كورونا وأخواتها .. (25) عينا الشرطيّة الزرقاوان!















المزيد.....

كورونا وأخواتها .. (25) عينا الشرطيّة الزرقاوان!


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 7113 - 2021 / 12 / 21 - 17:41
المحور: الادب والفن
    


#كورونا_وأخواتها
(يوميات لاجىء عراقي في النرويج)
(25)
عينا الشرطيّة الزرقاوان!
عيناكِ من شدة غوريهما فقدتُ فيهما ذاكرتي
إلزا وعيون إلزا
لويس أراغون
بعد 562 يوماً من الحظر والقيود الصارمة والعزل والحجز الفندقي والمنزلي، قررت الحكومة النرويجية إعادة فتح المملكة بالكامل بتاريخ 25 سبتمبر 2021 . أُلغيَ نظام التباعد لمتر واحد وكان له أبلغ الأثر في الأعمال والثقافة والعلاقات الاجتماعية.
فكَّ رفع القيود حبال سفن الشحن والبواخر من مراسيها وأطلقها من موانئها ومرافئها في طول المملكة وعرضها، وحجزتُ لي مقعداً في أول رحلة على ظهر الباخرة (Fjordline) المبحرة إلى مدينة سترومستاد (Strømstad) السويدية وتبعد عن مدينتنا مدة ساعتين ونصف، في رحلة نزهة وتسوق بعد أشهر طويلة من إغلاق الحدود بين البلدين.
قالت قاطعة التذاكر الحسناء
- حجز 30 راكباً مقاعد لهم في هذه الرحلة، وسوف يُسمحُ نظراً لظروف الجائحة الحالية بوصول العدد إلى 200 خلال الفترة القادمة.
لكن العدد لم يتضاعف حتى بعد حوالي شهرين، مع أن الجهات الصحية أعلنت أن 60% من سكان المملكة تم تلقيحهم وما تزال الحملة مستمرة! أخبرني صديق واظب على السفر بالباخرة خلال السنوات الماضية قائلاً
- قبل انتشار الفيروس في النرويج غالباً ما تكون الباخرة مزدحمة بالركاب، ولا يجد العشرات منهم مقاعد شاغرة ما يضطرهم إلى الجلوس في السلالم والممرات!
في ذلك الصباح التموزي الرائق والسماء الموشاة بغيوم بيضاء مسافرة شرقاً، في الأجزاء السفلية من غلاف جوي جعلتْ منه الغازات الدفيئة خردة، لم تصلحه مؤتمرات المناخ للدول الصناعية الكبرى بخفض انبعاث الغازات من مصانعها العملاقة، شغل المسافرون مقاعد قليلة في الطابقين الثالث والخامس متباعدين أمتاراً، وتوجد في أسواق الخامس ما لذَ وطاب من المأكولات والمشروبات والثياب والتحفيات ومستحضرات التجميل والعطور، فإضافة إلى أن ثمن المفرد منها لا يتعدى في أحسن الأحوال نصف ثمنه في الأسواق النرويجية، فإن فرق العملة بين البلدين كان سبباً آخر، حمل الكثيرين من النرويجيين والأجانب في رحلات تسوق إلى المدن السويدية على طول الحدود مع النرويج. تقيد المسافرون الثلاثون المتفرقون هنا وهناك بالتعليمات الصحية، فتراهم أينما جلسوا في مقاعد الطابقين المخصصين للجلوس والمطاعم والبار والأسواق بوضع الكمامات، ولم يجرؤ على إزالتها حتى أهل الدار، أي الموظفين القائمين على خدمة الركّاب إلّا في حالتي شرب الماء أو تناول الطعام! وشعَّ من وراء الكمامة في وسط الطابق الثالث جمال موظفة الإستعلامات ذات العينين اللوزيتين العسليتين الباسمتين. وبعد حوالي عشر دقائق شقَّتِ الباخرةُ طريقها بين أرخبيلات وجزر صخرية خلابة، كم تمنيتُ لو أني ألوذ بها أياماً من دون تلفزيون أو راديو أو هاتف محمول، هرباً من أخبار العراق المتراجعة في كل الميادين بعد أكثر من نصف قرن من حكم الطغيان والحروب والاحتلال والظلم والفساد، كذلك أخبار العالم الكارثية وخاصة منجل الجائحة الذي حصد حتى كتابة هذه السطور أرواح أكثر من خمسة ملايين إنساناً في كوكبنا المترنح وما يزال! جزر صخرية بين من تَسَعُ مساحتُها بيتاً واحداً أو بيتين أو عشرين وربما أكثر من هذا العدد، ومن خلال زجاج نافذة في الطابق الثالث لفتَ نظري بيت أحمر اللون شغل مساحة جزيرة صغيرة منعزلة بأكملها، رُبط إلى جانبها زورق أبيض اللون لم تتوقف الأمواج عن العبث به فبدا تائهاً يبحث في البحر الفسيح عن فنار! وصعد في الأثناء إلى سطح الباخرة أي فوق الطابق التاسع، أزيد من عشرين موظفاً وموظفة مرتدين البدلات الكحلية الأنيقة طرزتْ على أردانها علامة البحّارة، وطفقوا يُلوِّحونَ للركّاب بالأعلام الصغيرة بحجم الكف نرويجية وسويدية، وانتشرتْ بقع من الماء هنا وهناك من بقايا غسل السطح في الليلة الماضية، وانتشرتْ على طول حافته اليمنى ملاعب للأطفال ومقاعد للجلوس حول طاولات الطعام المتفرقة، وأخرى لمن يرغب في الإنفراد مع نفسه أو مع من تحب نفسه، فقد انتبذتْ سحاقيتان مكاناً قصياً وأمطرتْ ذات الشعر المصبوغ باللون الأزرق حبيبتها المستسلمة بين يديها بأحرِّ القُبلِ وأكثرها شهوانية! وتوزع مجموعة من كبار السنِّ على طول الجهة اليسرى، من يفضل تأمل البحر والجزر والأرخبيلات أو رمي تحديقة عوليسية! رفرفتِ الأعلامُ في أيدي الموظفات والموظفين في الطقس المشمس اللطيف والهواء المنعش المشبع بالرطوبة، مرحبين بالضيوف الذين شعروا بالرضا والسعادة بعد فتح الحدود، وعلى إيقاع الموسيقى والأغاني حيّوا يوم عودة إبحار الباخرة من جديد.
كان عليَّ قبل شراء الطعام والعسل والمكسرات وغيرها من أسواق الباخرة، أن اشتري زجاجة ويسكي وهو المسموح به قانونياً، وثمنها في الباخرة يساوي أقل من نصف ثمنهما في متاجر بيع الخمور (Vinmonopolet) في عموم النرويج. لكن لفت نظري نوع جديد من شراب (الكونياك) فابتعته في الحال، وكان صنعه الفرنسيون خصيصاً للسوق النرويجية، إحياءً لذكرى العالِم والمغامر والأثنوغرافي والرحّالة النرويجي الأشهر (تور هيردال) (1) ولعله أعظم نرويجي في كل العصور. وكذا يكرم أهل اسكندنافيا علماءهم وشعراءهم وكتّابهم ومسرحيّيهم وموسيقيّيهم، بوضع صورهم الملونة على ذيول الطائرات المدنية ومقدمة القطارات وفي الشوارع والميادين الكبرى في العواصم وغيرها.
أدركنا السواحل السويدية بعد ساعتين ونصف الساعة متجاوزين الجزر الخلابة، التي تتكسر عليها الأمواج وأحياناً تغمرها المياه بأكملها ولها نفس طبيعة الجزر النرويجية وتكون امتداداً لها، وقف عدد من نساء ورجال الكمارك السويديين وقد غطوا أنوفهم بالكمامات في الممر الطويل الموصل بين الباخرة والأرض، أمسك أحدهم بوثاق كلب أسود اللون راح يتشمم حقائب المسافرين بحثاً عن المخدرات! وذكرتُ غير مرة أن النرويجيين من كل الطبقات تقريباً يتسوقون من المدن الحدودية مع السويد بمبلغ 25 مليار كرون سنويا. وكان هناك العشرات من الزوارق الراسية في ساحل مدينة (Strømstad) تحمل الأعلام النرويجية، قادمة من مدينتنا ومدن أخرى حدودية أو جزر نرويجية متفرقة، وكما ينيخُ البدويُّ راحلته في الشارع ويذهب إلى السوق للتبضع، غادر النرويجيون زوارقهم وهبّوا إلى الأسواق السويدية القريبة أفراداً وعوائل، ليعودوا بعد ساعة أو ساعتين سعداء بما ملأوا به عرباتهم ذوات الأربع دواليب، ولفت انتباهي كمية البضائع التي يشترونها مثل السكائر والتبغ والبيرة والويسكي والفودكا والدجاج المجمد والجبس وأنواع الجبن والكجب ومواد التنظيف وغيرها. يتعاون أفراد العائلة في جر العربات الثقيلة إلى الزواق قبل أن يقفلوا عائدين إلى النرويج. لكن منهم من يمضي النهار لتناول طعام الغداء على ظهر زورقه، ومن يتشمس نصف عارٍ، أو يشرب صنف البيرة الممتاز صنف (هينكن) الهولندي اللذيذ.
كان على المسافر إلى النرويج الالتزام بالشروط الصحية، وعليه بعد اجتياز الممر الطويل بين الباخرة واليابسة عرض جواز سفره ووثائق تثبتُ تطعيمه باللقاح، ومن لم يتم تطعيمه فعليه أن يدلف إلى خيمة تقع إلى جوار الباخرة لإجراء الفحص وإثبات خلوه من العدوى. وقف بين الخيمة والممر مجموعة من الشرطيات الجميلات والشرطيين وبينهم من أصول أجنبية عربية وآسيوية يفتشون القادمين من السويد. قالت لي الشرطية النرويجية في الرحلة الأولى مادمتَ مُطعَّماً بالجرعة الأولى من اللقاح فعليك الذهاب إلى البيت ولا داعي لإجراء الفحص، كانت عينا الشابة الشقراء التي وضعتِ الكمامة على أنفها، زرقاوينِ ساحرتينِ مبتسمتينِ تهتُ في غوريهما وفقدت ذاكرتي لوهلة!
في رحلة الباخرة الثانية أسبوعين قال لي الشرطي في نفس المكان بأن عليَّ واجب الفحص طالما أني لم أتلقى الجرعتين فقلتُ له
- لكن زميلتك ذات العينين الزرقاوين الجميلتين قالت لي في المرة السابقة اذهب إلى البيت فكل شيء على ما يرام!
ابتسم الشرطي الشاب قائلا
- نعم لكن تدابير الوقاية تغيرتْ خلال الفترة الماضية.
10 كانون الأول 2021
Sandefjord
_____________
(1) صنع العراقيون لتور هيردال وبعثته الاستكشافية زورق دجلة بين عامي 1977-1978 . كان الغرض من الرحلة هو لإلقاء الضوء على التجارة البحرية والمجتمع الثقافي منذ حوالي 3000 قبل الميلاد، بين الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين ومراكز ثقافية أخرى على طول الخليج العربي وخليج عُمان. بالإضافة إلى المجتمعات العمرانية المعاصرة في وادي السند في الوقت الحاضر وهي باكستان. أبحر هيردال وزملاؤه البحارة بالزورق من البصرة إلى البحرين وكانت من أهم المراكز التجارية للسومريين، ثم إلى مسقط في عُمان فكراتشي فجيبوتي عبر بحر العرب للوصول إلى مصوع في إريتريا ، لكن حالة الحرب في المنطقة جعلت جيبوتي الميناء الوحيد المفتوح. واحتجاجاً ضد الحرب قام هيردال بإضرام النار في القارب خارج ميناء جيبوتي في 3 أبريل / نيسان 1978.



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لمناسبة صدور كتاب (في سجن الأحكام الخاصة) لأحمد عبد الستار
- جوع
- فيلم (قتلوا أبي أولا) إخراج إنجيلا جولي أطفال المعسكرات في ك ...
- فيلم (رينو في القارة السوداء) جمال المغامرات في الصحراء وصعو ...
- تخفيف القيود وعودة المتسوّلين!
- فيلم الجحيم -El Infierno- كوميديا سوداء عن صراع عصابات المخد ...
- دلتا ولامبادا ونعيق النوارس!
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! (الجزء الثالث)
- لمناسبة جريمة احراقه وقتل المرضى الأبرياء فيه .. مستشفى الحس ...
- ناصرية مكسيك (الجزء الأول)
- الإنسان ليس سعيداً في الناصرية! - المرأة نموذجاً
- عن جيمس بوند وشاه إيران ومنزل بائعات الهوى!
- مقبرة جماعية*
- أسلمة أفلام ناسا الفضائية لا يضرُّ العلمَ شيئا!
- * كوالالامبور .. الفساد وبرجا بتروناوس وقصة السفارة العراقية ...
- السيّاح الرُّوسُ في بتايا وأخصُّ بالذكر منهم الحسناوات!
- طلعت الشميسه!
- بتايا .. من قرية صيد الأسماك إلى مدينة الدعارة الأولى في الع ...
- مدينة أشباح!
- مشاكل اللُّقاح البريطاني في النرويج


المزيد.....




- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...
- دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
- شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع ...
- مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي ...
- وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - كورونا وأخواتها .. (25) عينا الشرطيّة الزرقاوان!