القسم الثاني _ كتاب السعادة

حسين عجيب

الحوار المتمدن-العدد: 7088 - 2021 / 11 / 26 - 14:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

كتاب السعادة _ القسم الثاني

الشقاء الإنساني بأشكاله ، أو بمستوياته ، الثلاثة
( التعاسة ، الكآبة ، الاكتئاب )

من الضروري التمييز في بحث السعادة بين نمط العيش ، وبين الموقف العقلي للإنسان . تحقيق السعادة بالحياة اليومية يتطلب كما أعتقد ، تحقيق أحد الشرطين بالفعل .
نمط العيش يتضمن العادات والانتماء والسلوك الشخصي ، بينما يتضمن الموقف العقلي المعتقد والقيم والمعايير والفكر .
1
ما هو نقيض السعادة ؟!
الألم نقيض اللذة ، والفرح نقيض الحزن ، والنجاح نقيض الفشل ، ... هذه _ وغيرها كثير _ جدليات عكسية مثل وجهي العملة الواحدة . لا وجود لأحدها بمفرده . والأهم بينها جدلية الحياة والزمن العكسية بطبيعتها .
لكن ( نقيض السعادة ) موضوع خلافي ، ربما يتعذر تحديده . وهو بصورة عامة خارج الاهتمام الثقافي ، ليس في العربية وحدها على حد علمي .
بالمحصلة موقف أريك فروم من الفكرة بسيط وواضح ، فهو يعتبر أن نقيض السعادة الاكتئاب ، ويعرف الاكتئاب ليس بفقدان الاهتمام فقط ، بل بفقدان الشعور الكلي أيضا ، بالألم أو الفرح وغيره . وفي أكثر من كتاب ، يتوسع في مناقشة نقيض السعادة ، وبالمجمل يعتبر أريك فروم أن السعادة تمثل نمط العيش السليم والمناسب ، بينما نقيضها يشمل بقية أنماط العيش غير السوية ( أو المرضية ) .
موقف الدلاي لاما يختلف ، ومعه الثقافة البوذية بصورة عامة ، فهو يعتبر أن السعادة غاية الحياة . وتتمثل بتحقيق الرضا وراحة البال ، في موقف يشبه _ إلى درجة تقارب التطابق _ موقف الفلسفة الرواقية والأبيقورية ، حيث يتكثف بالعبارة البوذية الجميلة والمتكاملة :
" الشقاء في العقل ، والسعادة في العقل أيضا "
....
ربما تكون حالة السعادة ، أو غبطة الوجود ، ليس لها نقيض واحد ومفرد ويمكن تحديده بدقة ووضوح ، بشكل موضوعي . مثلما هو الألم نقيض اللذة ، والحزن الفرح ، وغيرها .
بكلمات أخرى ،
أعتقد أن السعادة تمثل نمط عيش فردي ومحدد ، بشكل ابداعي ومتكامل . بصرف النظر عن أشكال العيش الفردي المتنوعة . يمكن تحقيق السعادة كما أعتقد ، بدلالة القيم الإنسانية المشتركة ، تختلف القيم عن الأخلاق بشكل جذري ، حيث الأخلاق تشبه الدين أو اللغة نظام اجتماعي مغلق . بينما القيم ، تتمثل بنظام تراتبي ، دقيق وواضح وموضعي ، وهي تتمثل بالوصايا العشر والمبادئ الأساسية لحقوق الانسان . ( تتوافق السعادة مع القيم ، لا مع الأخلاق البوذية أو المسيحية أو الإسلامية ، ناقشت هذه الفكرة سابقا ، وبشكل موسع ) .
كمثال ، اعتقد طه حسين ونجيب محفوظ عاشا حياة سعيدة بالفعل ، على خلاف حسني مبارك مثلا الذي رأى نهايته البائسة العالم بأسره . والغالبية المطلقة لزعماء العرب والمسلمين _ صورة طبق الأصل .
مثال آخر يوضح فهمي لحالة السعادة أكثر ، تجسده حياة نيتشه وفرناندو بيسوا . أعتقد أنهما عاشا حياة سعيدة ، برغم مشاقها والتي تثير رعب الآخرين عادة . ويمكن مقارنتها كمثال مع موسوليني وهتلر وستالين .
وأستميح القارئ عذرا ، لأختم الأمثلة بحياتي الشخصية
عمري 61 سنة ...أعيش لا بيت ولا وطن ولا ولد ولا تلد .
في التسعينات وبعدها ، منعت الرقابة نشر ديوان " نحن لا نتبادل الكلام " .
وهذه السنة يرفض الرقيب ، الموافقة على مخطوط النظرية الجديدة للزمن . والمحاولة متجددة للحصول على موافقة ، فيما لو قدم الرقيب ملاحظات معقولة ، ولا تؤثر على طبيعة الكتاب .
( في كتاب علمي وفلسفي مثل النظرية الجديدة ، أقبل المساومة مع الرقيب والناشر ، لكن في الشعر والأدب بصورة عامة ، لا اقبل بحذف أو تغيير فاصلة وليس كلمة فقط ) .
وهذه الفقرة ستقدم إلى الرقيب كما هي ، ربما يفهم أحدهم قيمة الكتاب !؟
أعتبر حياتي الشخصية مثالا للحياة السعيدة ، والمثمرة بالفعل .
يمكنني العيش لبقية حياتي هنا أو هناك ، وضمن أية شرط . بنفس الوقت سوف أقبل مع الامتنان ، أي دعوة لزيارة أو هجرة بلا استثناء .
أعتذر عن هذه الشطحة العاطفية ، في الأخير أنا مجرد كاتب ، هامشي .
2
فكرة أساسية تمثل خلاصة بحث السعادة السابق سنة 2014 _ 2016 ، وهو منشور أيضا على صفحتي في الحوار المتمدن :
السعادة والذكاء متلازمة والتعاسة والغباء متلازمة أيضا .
وما يزال هذا الموقف ، بالرغم من مخالفته للسائد الثقافي .
حيث الوعي الشقي عند هيجل وفرويد وغيرهم .
والمتنبي ( ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم )
أعتقد أن :
الأذكياء سعداء والأغبياء تعساء .
هذا القانون العام ، والاستثناء واسع وعميق أيضا .
لنتذكر أن آخر كلمة وجدت في دفاتر فرناندو بيسوا :
الحياة وهم ، الحياة خراء . وقد مات في منتصف الثلاثينات من عمره نتيجة الافراط في شرب الكحول .
....
في هذا القسم سوف أناقش نقيض السعادة ، كفكرة وأنماط عيش . وفي الموضوع الحالي أدين بالشكر ل الدلاي لاما ، وللبوذية بصورة عامة .
3
الجهل مصدر ثابت للشقاء .
....
هوامش
ملحق 1
الحب السلبي ، التعلق والعجز عن الحب والشقاء ، مترادفان .
....
لا يعني غياب الألم السعادة ، ولا العكس صحيح أيضا .
السعادة مجال لانهائي ، يشبه المجال الإيجابي .
بالمقابل ، الكآبة مجال لا نهائي من السلبية وبلا حد أيضا .
ليسا متعاكسين ، ولا نقيضين ، بل يختلفان بشكل كامل .
ملحق 2
مثال نموذجي على المشكلة اللغوية
العمر الحالي حياة ، وبقية العمر زمن .
العمر الحالي + بقية العمر = الصفر .
العمر الحالي موجب وبقية العمر سالب ( أو العكس ) .
تجمع بين الحياة والزمن معادلة صفرية من الدرجة الأولى .
....
ساعة الزمن وساعة الحياة نقيضان .
الفاعل يجسد ساعة الحياة : من الحاضر إلى المستقبل .
الفعل يجسد ساعة الزمن : من الحاضر إلى الماضي .
هذه الحقيقة المزدوجة ، ظاهرة ، وهي تقبل الملاحظة والاختبار والتعميم بلا استثناء . ( ويمكنك اختبارها في كل لحظة ، وبلا شرط أو استثناء ) .
في لحظة الولادة ، تكون بقية العمر كاملة ، والعمر الحقيقي أو الحالي يساوي الصفر . ويكون العمر الكامل مجهولا .
في لحظة الموت ، تكون بقية العمر تساوي الصفر ، والعمر الحقيقي هو نفسه العمر الحالي وهو نفسه العمر الكامل .
تفسير ذلك بشكل منطقي وتجريبي ، يتم بسهولة بعد معرفة العلاقة بين الحياة والزمن : جدلية عكسية ومتطابقة مثل وجهي العملة الواحدة .
مثال مباشر ( ويقبل التعميم أيضا بلا استثناء ) :
هذه الساعة ( 60 دقيقة القادمة ) تتحرك في الاتجاهين ، بالنسبة لك وبالنسبة لجميع الأحياء بالتزامن :
1 _ الحياة أو العمر الحالي أو الفاعل : حركة بسرعة ثابتة هي التي تقيسها الساعة ، واتجاهها من الحاضر إلى الغد ( مصدرها من الأمس بالطبع ) .
2 _ الزمن أو بقية العمر أو الفعل : حركة ثابتة تساوي حركة الحياة وتعاكسها ، واتجاهها من الحاضر إلى الأمس ( أتت من الغد بالطبع ) .
ملحق 3
والختام
عمرك الشخصي ، كل لحظة يتزايد بدلالة الحياة ، ويتناقص بدلالة الزمن .
يوم ميلادك ، يبتعد بنفس السرعة التي تقيسها الساعة ( عن الحاضر طبعا ) في اتجاه الماضي الأبعد فالأبعد .
وسوف تستمر هذه الحركة الثابتة ، والمنتظمة ، بين جميع الأحياء حتى لحظة الموت .
مع الموت تتوقف حركة ابتعاد الميلاد الشخصي عن الحاضر ، وتتوقف بقية العمر عن النقصان ، بالتزامن ، مع توقف العمر الحالي ( الحقيقي ) عن الزيادة .
ملحق 4
أعتقد أن الفقرة السابقة ، تصلح كبرهان علمي منطقي وتجريبي بالتزامن ، على الجدلية العكسية بين حركتي الحياة والزمن . وهو بسيط وسهل ، ويمكن فهمه لشخصية متوسطة درجة الحساسية والذكاء .
....
يؤسفني ويدفعني إلى اليأس ، الموقف الثقافي الشاذ من النظرية الجديدة .
وبعد أكثر من ألف يوم ، يستمر موقف الإهمال والمنع .
....
....

علاقة الحياة والزمن بدلالة السعادة والعمر الفردي

أفضل الأشياء في الوجود مجانية ،
الهواء والماء والجمال
متى تذكرت أهمية الأوكسجين آخر مرة ؟!
1
علاقة الحياة والزمن تشبه وإلى درجة التطابق العلاقة بين اليمين واليسار ، حيث الفرضية الاعتباطية ( القديمة جدا ) تحولت مع مرور الزمن إلى حقيقة راسخة . ومعتقد إنساني مشترك ، يشبه اللغة .
لا وجود ليمين بدون يسار ، ولا لحياة بلا زمن ، هي متلازمة مطلقة . وبصرف النظر عن طبيعة الزمن ووجوده الموضوعي ، أو اللغوي والمنطقي فقط ، لا يختلف الأمر .
2
( الواقع كما هو عليه )
يصعب تصديق أن العلاقة بين الحياة والزمن ، حتى اليوم 24 / 11 / 2021 ما تزال في مجال غير المفكر فيه ، لا في الثقافة العربية وحدها بل العالمية ، وخاصة في العلم والفلسفة !
....
الموقف الثقافي العالمي من الحياة والزمن ، تكرار لموقف نيوتن ، أو موقف اينشتاين ( هو تحريف لموقف نيوتن لا أكثر ) من الزمن ، أو الموقف الذي يمثله القديس أوغستين :
الزمن ؟ طبعا أعرفه مثل الجميع .
ولكن ، لو طلب مني أن أعرفه ، وأحدد جوابي أكثر ، لقلت لا أعرف .
....
موقف القارئ _ة الحالي والسابق من الزمن ، أحد تنويعات المواقف الثلاثة . حيث يعتبر نيوتن يعتبر أن حركة الحياة والزمن واحدة وبنفس الاتجاه ، من الماضي إلى المستقبل ، مرورا بالحاضر .
ومغالطة اينشتاين أنه يعتبر العلاقة الفعلية بين الزمن والمكان ، وليست بين الزمن والحياة .
وهنا تتحول هفوة نيوتن ، وتسرعه ، أو عدم انتباهه إلى غلطة آينشتاين الكبيرة وهي مصدر عداء المثقفين للنظرية الجديدة للزمن ، العرب خاصة .
الموقف الثالث أو اللامبالاة تجاه الزمن ، عام وشائع أيضا .
3
" كل يوم ينقص من بقية العمر ، عدا اليوم الأخير "
هذه العبارة مقدمة فيلم شهير " جمال أمريكي " .
بالإضافة إلى العديد من الأفكار ، المتناثرة ، بين الشعر والأقوال المأثورة والعبارات التي قرأتها أو سمعتها ....وخاصة شكسبير بترجمة أدونيس :
أنت التقيت بما يموت
وأنا التقيت بما يولد
وعبارات أنسي الحاج ( ماضي الأيام الآتية )
و :
أيها الأعزاء عودوا
لقد وصل الغد .
وأكثر من الجميع ، قصيدة رياض الصالح الحسين :
الغد يتحول إلى اليوم
واليوم يصير الأمس
وانا بلهفة
أنتظر الغد الجديد .
....
بالإضافة إلى كل ما سبق ، كانت سنة 1998 سنة اهتمامي بالزمن ، الماضي والمستقبل وعلاقتهما بالتحديد .
وقد ناقشت الفكرة ألوف الساعات ، مع صديقات وأصدقاء من مختلف المشارب والثقافات . ثم نسيتها بالكامل .
بعد عشرين سنة
سنة 2018 ، رأيت بوضوح تام الحركة المزدوجة بين الحياة والزمن .
ومأ أزال أحاول شرحها بصياغات متعددة ، ومتنوعة .
عسى ،
ولعل
....
ساعة الحياة وساعة الزمن ، مثل وجهي العملة ، تتحركان في اتجاهين متعاكسين دوما . أيضا مضاعفاتهما كاليوم والسنة والعصر أو أجزائهما مثل الدقيقة والثانية واللحظة .
4
الانسان تشابه ، والفرد اختلاف .
الانسان موقع ، خالد وثابت .
الفرد شخصية ، ولادة وموت .
الحب وحده يحقق التكامل الانساني على المستويين ، الفردي والاجتماعي بالتزامن .
صباح الخير أيها الحب .
صباح الخير أيها الشعر .
5
يعمل التحليل النفسي على إثارة الذكريات القديمة والمنسية خاصة ، وإعادة ربطها بأحداث اليوم الحالي ومجرياته . بالمقابل تركز السلوكية على التعزيز بنوعيه الإيجابي أو السلبي للسلوك المرغوب فيه عبر المكافأة ، بالتزامن مع إطفاء السلوك غير المرغوب فيه بواسطة العقاب . وتعمل مختلف أشكال المعالجة النفسية والعقلية على زيادة التكيف لدى الفرد الإنساني ، من خلال المساعدة على توحيد الشخصية الفردية ، بالتزامن مع اكتساب المرونة بين المواقف المختلفة . وتشترك جميعها في مساعدة الانسان على اكتساب مهارة الحب والاحترام المتبادلين للنفس وللآخر _ين ، والهدف المشترك والنهائي هو العيش بسعادة .
بالحب دفعة واحدة يقوم الشعر والفلسفة والفنون والموسيقا والآداب بالدور نفسه .
....

#حسين_عجيب (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل