أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسن مدن - في العلاقة بين الثّقافة والدّيمقراطيّة















المزيد.....

في العلاقة بين الثّقافة والدّيمقراطيّة


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 7041 - 2021 / 10 / 8 - 10:55
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


كي نحدد ـ ونضع بعض الأطروحات حول علاقة المثقفين بالدّيمقراطيّة يتعين علينا، بدءاً، أن نمسك بتعريف لكليهما، منه ننطلق. والحق يقال إنه لايمكن النظر إلى مسألة التحوّل الديمقراطي مفصولاً أو معزولاً عن دور الثقافة بوصفها عامل تمهيد لهذا التحول على مدار تاريخ طويل، وبوصفها كذلك متأثرة بالمردود الايجابي والكبير لهذا التحوّل، لأن فضاء الدّيمقراطيّة هو الفضاء الذي تحتاجه الثقافة كيما تعطي وتتطور.

يبين إدمًار موران في كتاب "الخروج من القرن العشرين" أن تعريف المثقف تعريف إشكالي. ومع ذلك يمكن إعتبار المثقف هو من يعمد إلى دراسة الأفكار ذات القيمة الاجتماعيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة التي تعني أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع. إذن يقترن المثقف في أذهاننا بالاشتغال بالفكر. ولكن كل الأعمال اليدويّة، مهما كانت بسيطة تستوجب تحفيز الفكر، فهل الاشتغال بالفكر وحده كافِ لتعريف المثقف؟

إن الاشتغال بالفكر وحده لا يجعل من مواطنٍ ما كائناً مثقفاً، فمستوى الشهادات لا يجعل من المتعلم مثقفاً، اذ أنّ المثقف هو من يوظف رأسماله الرمزي: الفكر، لصالح المجتمع. ومن هنا لا بد من التمييز بين المثقف وتقني المعرفة، فتقنى المعرفة هو من يملك رأسمالاً رمزياً معرفياً لا يتجاوز في توظيفه له وضعه المهني، ويظل أسيراً لهذا الوضع دون أن يخرج عنه، ودون أن يوظف مهنته لصالح المجموعة. وبالتالي بوسعنا أن نفرق بين أستاذ للفلسفة وآخر، فيمكن للأول أن يكون مجرد وسيطاً بين الفلاسفة والطلبة ولايتخطى إطاره المهني، ويمكن للثاني أن يوظف ما قرأه لتشخيص أسباب العطالة مثلاً في مجتمعه، لذلك يمكن للفلاسفة ألا يكونوا مثقفين عندما لا تتعرض معرفتهم للهواء الطلق وتدب على رجليها في الحياة.

والمثقف هو بالضرورة ذو حاسة نقدية. ثقافة النقد هي نقيض ثقافة الإمتثال، هناك ثقافة تستمد وجودها من المغلق، من النهائي ولا تسعى إلى التجديد إلا إنتكاساً إلى الوراء وتمجيداً وتأثيماً للمتحول، فتقدًس وتؤثم وفق ما تهوى.

يفرق الدكتور الطاهر لبيب من تونس بين المثقف وبين الانتلجنسيا . برأيه "ان المثقف أميل إلى مجاملة العامة، إلى مجاملة الشعب" ، ويدعو إلى إعادة تأسيس العلاقة بين المثقف والشعب. يقول : "إن المعادلة التي يجهد المثقف نفسه في حلها بين المثقف والسلطة قد تكون تجسيراً للفجوة بينهما، ولكنها – في الوقت نفسه – إعتراف بانقطاع الجسور مع الشعب. كثيراً ما يُقارن المثقف الجديد بالعَالِم الفقيه في علاقتهما بالسلطة. ولو تمّ النظر إلى علاقتهما بعامة الناس لاتضح – من هذه الوجهة – أن المثقف فقيه فاشل".

الإنتلجنسي، برأي الطاهر لبيب، هو ذو المعرفة أولاً، والقادر على صياغتها علمياً في رؤية للعالم والإنسان، تحمل بديلاً لوضع قائم هو بالضرورة وبسبب من هذه القدرة، هو من الأقلية في كل مجتمع وفي كل مرحلة من مراحله، والإنتماء إلى الأقلية ليس أيسر من الانتماء للشعب أو الأمة. ذلك ان ظروف تكوّن الأقلية صعبة في المسار المعرفي أولاً وكذلك إجتماعياً وسياسياً. الانتلجنسي مؤهل بحكم قبوله لوضع الأقلية ولعمله فيها من أجل إشعاعها لأن يتخلص من شعبوية عموم المثقفين، وهو لذلك "نخبوي" أو لايكون. إن إنحيازه للقيم الدّيمقراطيّة ولمصالح الناس لا يعني أنه مستعد للتنازل عن رقي معرفته العلميّة. وحتى إذا إستخدمنا العبارة القائلة بأن "الحقيقة وحدها ثوريّة"، فان هذه الحقيقة ليست بالضرورة ما تراه الجماهير ، لذلك حكم على الانتلجنيسي بألا يكون شعبياً حتى يحافظ على فعالية الفكر.

ان نشوء الانتلجنسيا العربيّة الحديثة وتطورها مرتبطان بالقدرة على إحداث قطيعة معرفيّة أساساً. ولن يمر المثقف إلى مرحلة الانتلجنيس دون مروره بصرامة المعرفة. وليس هذا الفهم لدور الثّقافة والمثقف بجديد . أنطونيو غرامشي، المفكر الإيطالي المعروف أول من صاغ مفهوم المثقف العضوي لم يقتصر – في أطروحته – على الربط العضوي للمثقف بطبقة معيّنة، بل أنه أكد كذلك على وظيفة المثقفين الخاصة المتمثلة في تقديم التصور المتكامل والمتجانس للعالم، وشدَّد على إستقلاليتهم، ولو النسبية إلى الحد الذي يتعارض فيه المثقف مع الطبقات التي ينتمي إليها.

المثقفون، عند غرامشي، يرتبطون اصلاً بالطبقات الاجتماعيّة كافة، ولكنهم يحققون وجودهم في إرتباطهم العضوي بالطبقة عن طريق تنظيمها السياسي، الذي يطلق عليه غرامشي مصطلح المثقف الجماعي. ويلح غرامشي على أن يظل المثقف دائماً بمثابة الوعي الذاتي النقدي للطبقة التي إرتبط بها. هذه الوظيفة النّقديّة هي بوصلته في الاتجاه الصحيح ولإنجاز مهمته.

والاهتمام بغرامشي حديث لدى المثقفين العرب لو قورن باهتمامهم بمنظر غربي آخر في الثّقافة هو سارتر، رغم أن الأول مات في ثلاثينيات القرن الماضي ولكن ترجمة سارتر إلى العربيّة جعلته أكثر رواجاً عندنا، وهو القائل بأن المثقف هو الضمير الشقي، وصاحب التعريف الآخر بأن المثقف هو ذاك الذي يؤدي مهاماً لم يكلفه بها أحد. يرى سارتر بان المثقف هامشي على صعيد الانتاج، فهو ليس عاملاً يدوياً ولا راسمالياً، دائرة نفوذه هي "الوعي" الذي لا يعترف بأهميته أحد. والحق أن الاهتمام بسارتر عربياً أنتج لفترة ميولاً متطرفة وحتى فوضويّة في النظر إلى دور المثقف، رغم أن أطروحاته وضعت تحت تأثير تفاعله مع الانتفاضة الطّلابيّة الفرنسيّة عام 1968 التي عرفت بربيع باريس، ويرى الدكتور غالي شكري أن هذا التفاعل استدرج سارتر إلى مواقع ردايكاليّة ليست بالضرورة تطوراً طبيعياً لفكره وسلوكه.

أردنا من هذا العرض الاشارة إلى مدى التعقيد الذي ينطوي عليه مفهوم المثقف من حيث هو تجديد لمهمة الشخص، رجلاً كان أو إمرأة، الذي يعمل في حقل الثقافة، منتجاً ومبدعاً وأظن ان مصدر هذا التعقيد عائد وفي درجة كبيرة إلى إلتباس مفهوم الثقافة نفسه، الذي قدمت له العشرات من التعريفات والتحديدات، ونحن أميل إلى اعتبار الثقافة مفهوم واسع، بحيث لا تقتصر على التعابير والمنجزات والمفاهيم والقيم الأدبيّة والفنيّة والعلميّة فحسب، وانما تمتد لتشمل كل المضامين الفكريّة والعمليّة والوجدانيّة والقيميّة في مختلف مجالات وظواهر السلوك، لذا فإنها بنية شاملة ومتسقة داخلياً بشكلٍ أو بآخر، دون أن يمنع هذا وجود تناقضات وثغرات وتعريفات في الإطار البنيوي العام. وهذا الميل يجعلنا ننظر لمفهوم المثقف في إطار أوسع من التحديدات التي تخضعه لصرامة أيديولوجيّة، ليس لأنها خاطئة أو صحيحة، وإنما لأن هذا التحديد أعجز من أن يلبي حاجتنا في النظر إلى الموضوع الذي نحن بصدده، أي موضوع المثقفين والدّيمقراطيّة، هو بطبيعته واسع وشائك.

وتعدد التعريفات عن الثّقافة والمثقفين ينطبق أيضاً على مفهوم الدّيمقراطيةّ، وهنا أيضاً يمكننا بسط عشرات التعريفات حين نسعى للرد على سؤال: ماهي الديمقراطيّة...أو ما المقصود بالديمقراطيّة. بدءاً من التعريف الدارج الذي يردها إلى أصلها الاغريقي القديم، أي حكم الشعب للشعب ، أو حكم الشعب لنفسه، وانتهاء بالتعريفات الحديثة التي تقيم تفريعات عدة لمفهوم الديمقراطيّة. ولكننا سنأخذ بشيء من التصرف تعريفاً لجورج طرابيشي، يرى فيه بأن الدّيمقراطيّة "هي شكل الحياة السياسيّة الذي يعطي أكبر الحرية لأكبر عدد، مع حمايته وإنتاجه في الوقت نفسه لأكبر تنوع ممكن. وليس كافياً القول إن الدّيمقراطيّة هي سيادة الأغلبيّة ومن دون التنكر لهذه السياسة، فإن الدّيمقراطيّة هي بالأحرى سياسة الإعتراف بالآخر، فلا ديمقراطيّة خارج نطاق الإعتراف بتنوع الأصول والاعتقادات والآراء والمشاريع ".

وقوام الدّيمقراطيّة إنما هو إحترام المشاريع الفرديّة والجماعيّة التي تجمع بين تأكيد الحريّة الشخصيّة وحق الإنتماء إلى جماعة قوميّة أو دينيّة أو سياسيّة. والدّيمقراطيّة لا تقوم على قوانين فقط، وانما على الأخص على ثقافة سياسيّة، والثّقافة الدّيمقراطيّة هي في منطلقها الأول ثقافة مساواة. يكون المجتمع ديمقراطياً بقدر ما يؤلف بين حرية الأفراد واحترام الاختلافات والتنظيم العقلاني للحياة الجماعية عن طريق القوانين والآليات التي تحقق ذلك. والثّقافة الدّيمقراطيّة هي بدورها نتاج مجهود للتركيب بين الوحدة والتنوع، بين الحرية والاندماج بين قواعد مؤسسيّة مشتركة ومصالح وثقافات خاصة.

تستدعي هذه المفاهيم اختبارها في واقع ملموس، كواقعنا في بلدان الخليج مثلاً، لرؤية تجليات العلاقة بين الثّقافة والمثقف من جهة وبين واقع متحول، يكاد يكون فريداً من نوعه، كالواقع الخليجي، والدور المناط بالمثقف في هذه المنطقة، ليس فقط في انتاج المعرفة والإبداع، وإنما توظيف العدّة المعرفيّة في فهم تحوّلات هذا الواقع المتحرك، وتشخيص أوجه التشوه العديدة المرافقة لهذا التحول، لا بل والمعيقة له، وهي إعاقة تتبدى تمظهراتها في حقل الثّقافة بالذات، كونه أشدّ الحقول تعقيداً وخصوصيّة.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمييز ثقافي ضد المُلونين والنساء
- التقشّف ليس الإدخار
- الثّقافة كمضادٍ ل(السوبر ماركت)
- البلاهة تفكّر
- الحكّ بالخبز اليابس
- لا التاريخ انتهى ولا الجغرافيا
- تعطيل العقل العربيّ
- خانات فكريّة ثلاث
- حركيّو الجزائر
- الحياة لا الغرف المغلقة
- محنة الحريّة في تاريخنا
- عبوديّة الآلة
- محنة الحرية في تاريخنا
- تآكلت الفئات الوسطى فتراجعت ثقافة التنوير
- من وحي انتخابات المغرب
- المهمشون
- شقاء الوعي
- ميكيس ثيودراكيس
- رسائل انفجاري مطار كابول
- تسييس الدين


المزيد.....




- لقاء وحوار بين ترامب ورئيس بولندا حول حلف الناتو.. ماذا دار ...
- ملخص سريع لآخر تطورات الشرق الأوسط صباح الخميس
- الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخرج التدريس من -العصر الفيكتو ...
- دراسة تكشف تجاوز حصيلة قتلى الروس في معارك -مفرمة اللحم- في ...
- تدمير عدد من الصواريخ والقذائف الصاروخية والمسيرات والمناطيد ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.04.2024/ ...
- -كنت أفكر بالمفاتيح-.. مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة ...
- تعرف على الخريطة الانتخابية للهند ذات المكونات المتشعبة
- ?-إم إس آي- تطلق شاشة جديدة لعشاق الألعاب


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسن مدن - في العلاقة بين الثّقافة والدّيمقراطيّة