أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن مدن - الثّقافة كمضادٍ ل(السوبر ماركت)














المزيد.....

الثّقافة كمضادٍ ل(السوبر ماركت)


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 1 - 17:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعطي سمير أمين تعريفاً محدداً لما يقصده بالمثقف، الذي هو حسب تقديره من يشترك في إنتاج المشروع المجتمعي في مجال معين من مجالات احتياجات إقامة هذا المشروع، ويشير إلى أن مجالات هذا الإنتاج متنوعة ومتعددة لتشمل، فيما تشمل، طرح نظم القيم وأهم الأفكار والتصورات المنسجمة مع المشروع المعتبر، وإنتاج الصور الفنية التي تلعب دوراً فعالاً في تقديم هذا المشروع.

لا يمكن، والحال كذلك، اعتماد النموذج الأوروبي نموذجاً مثالياً أوحد، على شعوب العالم الأخرى الاقتداء به، وفي هذا المجال يصبح واجباً على المثقفين أن يكونوا قاطعين في رفض النظرة أو المشروع العالمي الذي يدعو لتجانس الإنسانيّة من خلال تعميم النمط الغربي، والتخلص من الخصوصيات الثّقافيّة باعتبارها مسؤولة عن تخلف هذه الشعوب، حسب أصحاب هذا المشروع، ليصلوا إلى أهميّة تأكيد هذه الخصوصيات واحترامها، منطلقاً لمشروع التحديث الذي يدفع بمجتمعاتنا نحو استحقاقات العصر.

نستحضر هذا حين التّفكير في الدّور الذي يتعين على الثّقافة والمثقفين في بلدان الخليج العربي الاضطلاع به، ونحن نتتبع مسار التّحوّلات الاجتماعيّة السريعة في بلداننا خلال العقود الماضية، ليس من خلال منظور الاقتصاد السياسي وحده، خاصة لجهة التركيز على الآثار الحاسمة لاستخراج وصناعة وتسويق النفط في تلك التحوّلات، وإنما من خلال حقل برهن على خصوبته أيضاً في رصد وتحليل ما تشهده المجتمعات من تغيّرات، وهو حقل علم اجتماع الثّقافة الذي لا يُعنى برصد مصادر تكوين ثقافة المجتمع والنّخبة الثّقافية فيه فحسب، بل يشمل التفاعل المتبادل بين الثّقافة وهذه التحولات، وتأثير كل منهما في الآخر.

ثمة وفرة في الدّراسات النّقدية التّطبيقيّة على النصوص الإبداعيّة الجديدة في مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية قام بها نقاد من أبناء المنطقة، وفي أغلب الأحيان نقاد من البلدان العربيّة الشّقيقة، وليس أدل على ذلك من حجم الدراسات النّقديّة المكتوبة عن الأدب الجديد في دولة الإمارات وسلطنة عمان، على سبيل المثال، لكن يلاحظ أن أغلبيّة الدراسات النقديّة إما أنها اهتمت بالجوانب التقنيّة في هذه الأعمال الأدبيّة، أي دراستها كعوالم إبداعيّة مستقلة عن دلالاتها الاجتماعيّة والتّاريخيّة، وإما أنها بالغت في الإسقاط السياسي الاجتماعي لهذه النصوص، من دون أن تتنبه كفاية إلى النظر إليها بصفتها إبداعاً .

لكن الحقل الغائب أو المُغيّب في هذا المجال هو ذاك الذي نعتناه ب"علم اجتماع الثّقافة" التي تذكرنا بها بعض الدّراسات الجادة التي صدرت في بلدان المغرب العربي، حين يصبح المطلوب رؤية الحركة الثقافيّة رؤية شاملة في تجلياتها المختلفة، بوصفها مظهراً من مظاهر المجتمع المدني في تعبيراته الرمزيّة، وعاكساً لأشكال ومظاهر الوعي الاجتماعي والاتجاهات الفكريّة والسّياسيّة في المجتمع في سيرورته ولحظات تحوّله من حال إلى حال، وليس من مدخل مؤثر وعميق كدراسة مصادر تكوين المثقف المحلي وسيلة لولوج هذا الحقل .

والواقع أن ثمة دراسات خليجيّة مهمة في هذا السياق، ويمكن الإشارة، على سبيل المثال، إلى بعض مؤلفات الراحل خلدون النقيب ومحمد الرميحي وخليفة الوقيّان من الكويت، وإبراهيم غلوم وباقر النجار من البحرين، ومثلهم دارسين مثابرين من بلدان أخرى، ولكن يظل أنّ هذا الموضوع ما زال بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتعمق والتفصيل، باستخدام المناهج الحديثة في البحث، خاصة منها تلك التي تُعنى بدراسة ثقافة ما بعد الكولونياليّة، للوقوف على التّعبيرات والرّموز الثّقافية في دولنا التي عُزلت عن محيطها العربي على مدار عقود طويلة بحكم الهيمنة الأجنبيّة عليها، والتي كرّست عزلة هذه المنطقة، وأمعنت في تمزيق أوصالها، منعاً لتبلور هويّة وطنيّة جامعة . لذا ليس غريباً أن يشكل الانشغال بموضوع الهويّة مرتكزاً جديداً في اهتمامات الجيل المثقف في مرحلة ما بعد الاستقلال في دول الخليج العربي، حيث كان على الهويّة الوطنيّة أن تفصح عن نفسها، في مجتمع وجد نفسه، فجأة، يتحول دفعة واحدة في كل شيء: في الاقتصاد وفي التّعليم وفي الثّقافة وفي أنماط السّلوك، ولفهم ذلك يتطلب الانصراف نحو دراسات جادة بغيّة التحليل العميق للتحولات الثقافيّة التي على ما لها من استقلاليّة، تظل غير منقطعة الجذور والتفاعل مع مجمل الحراك السياسي والاجتماعي .

ثمة قضايا مفصليّة تتصل بالدور المنشود من المثقفين الاضطلاع به في هذا المقطع الزمني الحاسم في تطوره، حيث نلحظ إعادة الاعتبار لأدوار المثقفين بعد أن سادت لفترة اطروحات سلبيّة ويائسة تجاه قدرة الطاقات التغييريّة للأفكار، وهو أمر يطرح تحديّات عدة، للثّقافة دور محوري في التصدي لها، ليس فقط عبر اقتراح الأسئلة عن المستجدات، وإنما أيضاً بالسعي إلى اجتراح أجوبة ملائمة عن هذه الأسئلة، ويأتي الإلحاح على محوريّة التّاريخ، أو الوعي بهذا التّاريخ من بابٍ أدق، لأن الإنسان في هذا العصر، والمحروم من تاريخه، صار طريدة سهلة لكل أشكال القهر، وأخذ يتخلّى عن ثقافته ببطء، فيغدو استحضار التاريخ مهماً، بديلاً لضغط الإرهاصات المختلفة التي يتعرض لها الإنسان في عالم ينزع فيه كل شيء ليكون مادياً واستهلاكياً.

وهذا الاستحضار وثيق الصلة بالثّقافة بذاتها ولأجل ذاتها بوصفها قوة ضروريّة للوقوف في وجه تنميط الإنسان وتجريده من عالمه الروحي، وإعادة شروط تطوّره الحرّ إليه، حين يصبح لكل فرد مجال إبداع خاص به، ومصدر ثقة في المستقبل، كردٍ على النزوع الرهيب الذي به يتحول العالم إلى "سوبرماركت" كبير، لن يكون الرد عليه إلا بإنماء قدرات فكريّة فعّالة، نحن في حاجة إليها من أجل رسم بديل فعال، ويبدو في محله تماماً الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون، كفئة اجتماعيّة حاملة لمشروع النّهضة والتّغيير، إذا ما انطلقنا من التّصور المشار إليه أعلاه على لسان سمير أمين عن المثقف ودوره، وهو تصوّر يتقاطع، في بعض أوجهه، مع مفهوم المثقف العضوي الذي كان غرامشي أول من تحدث عنه بدقة ووضوح.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاهة تفكّر
- الحكّ بالخبز اليابس
- لا التاريخ انتهى ولا الجغرافيا
- تعطيل العقل العربيّ
- خانات فكريّة ثلاث
- حركيّو الجزائر
- الحياة لا الغرف المغلقة
- محنة الحريّة في تاريخنا
- عبوديّة الآلة
- محنة الحرية في تاريخنا
- تآكلت الفئات الوسطى فتراجعت ثقافة التنوير
- من وحي انتخابات المغرب
- المهمشون
- شقاء الوعي
- ميكيس ثيودراكيس
- رسائل انفجاري مطار كابول
- تسييس الدين
- عن الدولة الوطنيّة
- ثوابت المثقّف وتحوّلاته
- محنة التنوير


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن مدن - الثّقافة كمضادٍ ل(السوبر ماركت)