أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالله عطية شناوة - بغداد .. نظرة تأريخية















المزيد.....

بغداد .. نظرة تأريخية


عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي


الحوار المتمدن-العدد: 7039 - 2021 / 10 / 6 - 21:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بغداد مدينة عباسية، والدولة العباسية قامت على أكتاف أرستقراطيي ومقاتلي الشعوب التي فتحت على عهد عمر بن الخطاب وخلفاء بني أمية، وإن كانت قيادتها مرتبطة بالهاشميين.

وأختار الخليفة أبو جعفر المنصور موقع عاصمة ملكه ((بغداد)) بالقرب من موقع عاصمة الدولة الساسانية ـ الفارسية ـ ((طيسفون)) والتي يطلق العرب عليها أسم ((المدائن)). لكن المنصور أختار أن تكون المدينة في الجانب الغربي من نهر دجلة والذي سمي بـ ((الكرخ))، وأن تعسكر قواته في الجانب الشرقي الذي تقع ((المدائن)) الى الجنوب منه، والذي أطلق عليه أسم الرصافة،. ويبدو أن البساتين كانت تكثر في المنطقة، والى هذا تستند مقولة أن أسم بغداد كان يعني بستان داد، إذ أن باغ في الفارسية تعني بستان، وداد هو مالك البستان المفترض.

ورغم أن المنصور قتل القائد الميداني للثورة العباسية الفارسي أبو مسلم الخراساني إلا أن نفوذ الفرس في الدولة العباسية لم ينحسر بمقتله، بل تواصل وبلغ ذروته ونهايته في عهد حفيد المنصور، الخليفة هارون الرشيد وهو من أم فارسية، والذي أعتمد على أسرة البرامكة الفارسية، حيث أوكل عند وصولة الى الخلافة، بعد صراع مع شقيقه الهادي، أوكل منصب، الوزارة الى مربيه خالد البرمكي، ثم الى أبن خالد، جعفر البرمكي، لكن الرشيد ولا أسباب غير واضحة أنقلب، بعد سنوات طويلة، على البرامكة وقتل جعفرا وصادر أمواله وممتلكاته.

أنحسار نفود البرامكة السياسي لم يؤد الى القضاء على نفوذ الفرس الثقافي ـ الأقتصادي في بغداد وعموم أرجاء الدولة العباسية، لكنه شهد مزاحمة من أثنيات أخرى، خاصة وأن تجارة العبيد والجواري قد ازدهرت في عديد من المدن وعلى نحو خاص في يغداد والبصرة، وصارت بحد ذاتها مصدرا أقتصاديا مهما، وبلغ تداول الجواري والعبيد من مختلف الأصقاع والأعراق قمة نشاطه في أسواق النخاسة المجازة شرعا وقانونا آنذاك.

الوجه الآحر لهذا الجانب المخزي في تأريخ الخلافة وبغداد، هو أن تجارة الأماء والعبيد أفضت ألى تلاقح أثني واسع النطاق، فالعبيد أستخدموا على نطاق واسع في التشكيلات العسكرية، وبمرور الوقت أمتلكوا سلطة أستمدوها من سلطة أسيادهم، ثم كونوا مراكز قوة صارت تتحكم بالأسياد، وصار بأمكانهم التزاوج مع غيرهم من سكان المدن العراقية، والعاصمة بغداد على نحو خاص.

كما أن الجواري الحسان المستقدمات من البلقان وأسيا الوسطى وإيران خطفن ألباب أسيادهن الذين أنجبوا منهن أبناء وصل بعضهم الى عرش الخلافة، فوالدة الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد، فارسية تدعى الخيزران، مع أن بعض المصادر تنسبها الى اليمن، وأخر تنسبها الى المغرب، وقد أنجبت للخليفه المهدي ولداه الهادي والرشيد، في الري عاصمة خراسان، التي كان واليا عليها، وهذا ما يرجح أنها من تلك النواحي. ووالدة أبنه، الخليفة المأمون فارسية هي الأخرى، تدعى مراجل. أما والدة ابنه الآخر الخليفة المعتصم فتركية تدعا ماردة، وكذلك أم الخليفة الواثق تركية تدعى قراطيس، ومعروف أن الجواري يفقدن أسمائهن الحقيقية، وتطلق عليهن أسماء عربية. وعند أنجابهن من أسيادهم ينتقلن من صفة جارية الى صفة أم ولد، وهي أعلى من صفة الجارية، وبالنسية لأمهات الولد في قصور الخلافة، فأنهم يمارسن تأثيرهن ونفوذهن على الخلفاء بهذا القدر أو ذاك، ليس من الجانب السياسي فحسب، بل من الجانب الثقافي والحضاري، ويصبح نفوذهن أكبر على أبنائهم الذين يرثون لاحقا كرسي الخلافة.

وهناك ما يشير إلى أن الخيزران أم الخليفة موسى الهادي حاولت أن توسع نفوذها لتبسطه على رجال دار الخلافة والقادة العسكريين، وأنه نهرها وهددها بقتل أي شخص من رجاله يحاول الأتصال بها. ولا يبدو أن خلفاء الهادي الرشيد والمأمون او المعتصم، وأبني الأخير الواثق والمتوكل، لا يبدوا انهم كانوا يمتلكون قوة شخصية الهادي أمام أمهاتهم التركيات. أمر أدى إلى أعتمادهم بالكامل على الجند الترك، وهم في الأصل من العبيد، فقام هؤلاء بتجريف سلطة الخلفاء وصاروا، في وقت لاحق، هم الحكام الفعليون لدولة الخلافة، دون حاجة إلى إزاحة الخلفاء عن كرسي الحكم. أي أنهم كانوا يأخذون الحكم ويتركون الكرسي للخليفة.

التمازج الأثني قديم أذن، قدم بغداد، ولم يكن في أي وقت طارئا عليها، فسكانها عند التأسيس ينحدرون من مناطق الجوار العراقي، عربا من نجد والحجاز، وبعض من سليلي الأثنيات الرافدينية القديمة سومريون وأشوريون وكلدان، وسريانيون ـ أراميون من بلاد الشام، وفرسا وكردا وتركا وصقالبة، ولاحقا من مناطق أسيا الوسطى والبلقان، وأضافة لكل هؤلاء كان اليهود الذين لم يغادروا العراق بعد ما يسمى تأريخيا بالسبي البابلي، أي اليهود الذين أسروا بعد أن أسقط الملك البابلي نبوخذ نصر مملكتهم ونقلهم الى عاصمته بابل لتبنى على أكتافهم الجنائن المعلقة. ومع التزاوج بالجواري أختلطت دماء البغداديين بما لا يحصى من الدماء التي تمتد أصولها الى ما لا يحصى من مناطق العالم. حيث خضعت بغداد في أوقات مختلفة لحكم السلاجقة الترك، ثم البويهيين الفرس، والجميع تزاوجو مع سكان بغداد.

ثم جاء الغزو المغولي لبغداد وسقوطها تحت سنابك خيول المغول بقيادة هولاكو في شباط ـ فبراير من عام 1258 ميلادية. ولم يغادر المغول جميعا بغداد، بعد سيطرتهم عليها، بل واصل قسم كبير منهم العيش فيها، وأعتنقوا الأسلام وتزاوجوا من البغداديين وذابوا فيهم. وتحللت سلطتهم لاحقا أمام تزايد قوة قبائل تركمانية فرضت سلطتها على بغداد مثل ((قره قويونلو)) و ((آق قويونلو)). وترك الجميع بصماتهم في الجينات البغدادية. تلى ذلك الحكم العثماني المديد الذي تواصل قرابة الخمسة قرون. ومعه أستقرت قبائل تركية تمازجت إسرها بالأسر البغدادية.

صحيح أن الأوبئة والفيضانات، التي إزدادت طاقتها التدميرية بعد أنهيار مرافق الري في البلاد أرتباطا بانهيار الدولة العباسية، صحيح أن الكوارث المترتبة على الأوبئة والفيضانات كانت تحصد أرواح نسب كبيرة جدا من البغداديين، وكانوا يعوضون جزئيا من قبائل البدو الرحل العربية المتجولة في البادية الممتدة بين العراق والشام والتي تسمى ببادية الشام وهي في الغالب من أصول حجازية نجدية، إلا أن هذه القبائل سرعان ما كانت تذوب هي الأخرى في البوتقة البغدادية، وتكتسب الثقافة المدينية السائدة وهي ثقافة ذات ملامح عثمانية غالبة.

وحتى نهاية خمسينات القرن الماضي، ورغم محاولات الدولة العراقية الحديثة تنقية اللغة العربية وأشاعة اللغة البيضاء الأقرب الى الفصحى، ظلت اللهجة البغدادية مليئة بمفردات أغلبها تركي موغل في القدم ربما سقط بعضه من التداول في تركيا الحديثة، وبدرجة أقل مفردات فارسية وكردية وسريانية، كما طعمت بمفردات إنغليزية محورة قليلا.

بغداد على مدى تأريخها كانت مدينة كوزموبوليتيكية إثنيا وثقافيا، تشاركها في ذلك مدن عراقية أخرى، خاصة المدن الشيعية المقدسة كربلاء والنجف. أما القسم الكردي من العراق فله بحث آخر.



#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاطعة الأنتخابات نشاط سياسي متقدم
- في المسألة القومية
- تقدميون يعيقون حركة التقدم
- عن أحفاد نبوخذ نصر ومينا وهانيبعل
- البكاء على ((الهوية))
- (( أزهى )) عصور الخلافة الإسلامية
- ((ربيعنا العربي)) .. هل سرق حقا؟
- بعد الانتخابات المقبلة .. السويد إلى أين؟
- ((معالجة)) الهوان بتزوير النسب
- معضلة القراءة
- علمانيون يدعمون قوى الظلام والإرهاب
- المقولة الذرائعية: (( لهم ما لهم وعليهم ما عليهم )) !!!
- الچراوية أكثر أصالة من العقال
- نحن وعقائدنا
- محاولة لإنصاف صدام حسين
- نحو دراسة علمية لتأثير الفكر الديني على الأنسان
- عين واحدة لا تكفي لرؤية التأريخ على حقيقته 2
- عين واحدة لا تكفي لرؤية التأريخ على حقيقته
- هل فات الأوان؟
- مكمن الضعف في الفكر القومي العربي


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالله عطية شناوة - بغداد .. نظرة تأريخية