أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - زاهر رفاعية - العلاقة بين الإدمان وصدمة الطفولة















المزيد.....

العلاقة بين الإدمان وصدمة الطفولة


زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)


الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 18:16
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


من الملاحظ للأسف أنّ هناك بعض التحليلات النفسيّة لموضوع الإدمان ترتكز على تبسيط المسألة واختصارها بأنّ الإدمان هو اختيار المدمن لعدم الإقلاع عن تناول المواد المذهبة للعقل بهدف الحصول على المتعة اللحظية أو الهروب من المشاكل اليوميّة أو حتى بدافع عدم الرغبة في تحمّل المسؤوليّة الذاتيّة والمجتمعيّة. بالرّغم من أنّ كلمة إدمان هي أشمل بكثير من تناول العقاقير المخدرة والكحول أو التبغ وما شابه, بل تشمل كل سلوك يشكّل مهرباً نفسيّاً للمرء ولا يستطيع الإنسان الاستغناء عنه, كالشراهة مثلاً أو المقامرة أو استهلاك الوقت في مشاهدة البرامج والعروض في التلفاز وغيره.
أكثر من ذلك إذا ما ذهبنا إلى التفسير البوليسي نجد كلمة جنحة وجناية وجريمة حاضرة على الدوام وبلا منازع للإجابة عن سؤال: لماذا يلجأ البعض للسلوك الإدماني؟ بالتالي وإذا كانت هذه هي التفسيرات التي نضرب بها وجه المبتلى بالإدمان من بيننا ونقدمها على أنها رأي أهل الاختصاص، فلا شكّ أنّ النظرة المجتمعيّة ستتناسب مع هذه التحليلات. أي انطلاقاً من التقريع مروراً بوصمة العار عطفاً على التجريم وانتهاء بالنبذ والإقصاء.
ليس فقط النظرة المجتمعيّة هي التي ستزيد عذابات المدمن طبقاً لهذه التفسيرات المغلوطة لدوافع الإدمان، بل أيضاً لن يتسنّ للمدمن بهذا الشكل الحصول على العلاج الحقيقي الناجع الذي يستهدف المشكلة لا الأعراض. وأقصد بالآليّات المغلوطة أي انطلاقاً من الإيداع في السجون مروراً بالمصحّات العقليّة وانتهاء بالقبر حين يعجز المدمن أن يجد بين الناس من هو على استعداد أن يتعامل مع المدمن على أنّه صاحب مشكلة لا أنّه هو بذاته المشكلة. وإذا ما كان المدمن محظوظاً بامتلاك المال اللازم فإنّه سيتسنّى له آنذاك أن يلجأ لأحد مراكز العلاج المعتبرة، مع أننا نلاحظ أحياناً أنّ بعض تلك المراكز ليست سوى مركز متاجرة بمشكلة المدمن لجني الأرباح.
هنا تبرز أهميّة التثقيف النفسي والعلمي في المجتمع، من أجل الوصول لنقطة تجعل المدمن ومن حوله يتوصّلون إلى أنّ فهم مسألة الإدمان يجب أن ينطلق من فهم الأسباب النفسيّة التي تدفع الإنسان بالأصل للجوء للسلوك الإدماني.
عندما أتحدّث عن فهم الدوافع النفسيّة والتثقيف بدلاً من التجريم والتوبيخ في فهم وعلاج مسألة الإدمان فيسعدني أن أقدّم لكم وجهة نظر عالم النفس المجري الكندي د.غابور ماتى "Dr. Gabor Maté " الذي يعتبر أنّ الإدمان هو سلوك قسري يتشكّل من خلال عوامل اضطرابات الصدمة في مرحلة الطفولة والتي تترسّخ في الإنسان وتدفع به نحو السلوك الإدماني القسري. فما هي اضطرابات الصدمة وكيف تلعب دوراً في تشكيل الإدمان وكيف يمكن التعامل مع المسألة من وجهة نظر د. غابور ماتى؟

أولاً ما هو الإدمان:
يستخدم الدكتور ماتي ثلاثة معايير في تعريف الإدمان. 1: توق المرء للمادة أو السلوك موضوع الإدمان. 2: ارتباط الفرد بهذه المادة أو هذا السلوك بهدف الحصول على التجربة الممتعة أو بغية التخفيف من أحد أشكال الألم. 3: العجز عن التخلّي عن هذه المادّة أو هذا السلوك.
فالإدمان هو محاولة لحلّ مشكلة ما. إنّه مؤشّر لاضطراب عميق، وفي معظم الأحايين يشير إلى اضطراب الصدمة في مرحلة الطفولة. أي عندما تحدث للطفل أمور سيئة، أو حتى ببساطة عندما لا تحصل الأمور الجيدة التي من كان من المتوقع أن تحصل، على سبيل المثال عندما لا يحصل الأطفال على احتياجاتهم أو عندما تتم معاملتهم بإهمال، هذا ما قد يقود إلى الإدمان. لذلك فالسؤال الأهم ليس "لماذا الإدمان؟" بل "لماذا الألم؟" لأنّه وفي سبيل معالجة الإدمان يجب علينا أن نتتبّع الصدمة النفسيّة الكامنة أساساً.

ثانياً: دور اضطراب الصدمات في تشكيل الإدمان:
كل إدمان له جذور على شكل من أشكال الصدمة, لكن ليس كل صدمة ستقود حتماً إلى الإدمان. وإنّ العار المحيق بالإدمان هو العار من الصدمة النفسيّة, لذا فالمجتمع يميل لرفض وتجاهل الصدمة.
إنّ دراسة التجارب السلبيّة في مرحلة الطفولة هي واحدة من أهم الدراسات على الإطلاق, لأنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين تجارب الطفولة السلبيّة وبين الإدمان. ويأتي في مقدمة تجارب الطفولة السيئة: (الاعتداءات الجنسيّة والعنف الجسدي والنفسي, العنف المنزلي, إدمان أحد أفراد الأسرة على تعاطي العقاقير, تاريخ مرض عقلي لدى أحد أفراد الأسرة, انفصال الوالدين, وجود تاريخ للإجرام عند أحد أفراد الأسرة, وأيضاً الإهمال النفسي والجسدي في مرحلة الطفولة) بالتالي, يجب معالجة صدمة الطفولة الأساسيّة كي نتمكن من علاج الإدمان.
تلعب صدمة الطفولة الدور الأكبر في تشكيل عادات الإدمان في الدماغ، لأننا عندما لا نستطيع المقاومة أو الهرب فإنّ دماغنا يعمد للتجاهل في محاولة منه للتأقلم مع ضغط البيئة المحيطة. التجاهل هو السلوك المهدئ لنا, وهو الطريقة التي يتعامل بها الدماغ مع الضغوط الهائلة. سلوكيات التهدئة تلك هي التي يمكن أن تقود لاحقاً للإدمان. أي أنّ التهدئة الذاتيّة قد تتطور لتصبح مشكلة وتتسبب في التركيز الدائم على موقف التحفيز الدائم حتى لو لم يكن هناك خطر واضح محدق بنا.
وأيضاً يلاحظ د. غابور أننا نميل للدخول في علاقات مع أولئك الذين لديهم نفس المستوى من الصدمة الكامنة بقدر ما لدينا نحن أنفسنا. وأخيراً: فالصدمة ليست ما يحصل لنا في الواقع, بل ما يحدث لنا فيزيولوجياً من الداخل.

ثالثاً: الكيمياء الحيوية للإدمان:
دماغنا يحتوي على مستقبلات الأفيون بالإضافة للأفيونيّات الداخليّة التي تساعدنا في التأقلم مع الألم, والتي يمكن أيضاً أن تستثار بواسطة العلاج الوهمي "البلاسيبو". هذا يعني أنّه قد تكون مجرّد فكرة في الرأس يمكنها أن تطلق مسكنات الألم الداخليّة فينا. امّا المواد الإدمانيّة الأفيونيّة فإنها تتناسب تماماً مع هذه المستقبلات.
إنّ أي مادة أو سلوك ندمنه ليساعدنا على تخفيف الألم أو الحب أو التواصل وحتى لمجرد الحصول على المتعة يرتبط بالنظام الأفيوني. ونحن بطبيعة الحال سننزع للحصول على هذه المادة, لأنّه ليس منّا من لا يريد أن يتحصّل على مثل ذلك الشعور. علاوة على ذلك فإنّ الناقل العصبي في الدماغ "الدوبامين" ينشط عندما نبحث عن الطعام أو الشراكة الجنسيّة, أي اننا نشعر بكامل الحياة و الحيويّة عندما يكون دماغنا غارقاً بالدوبامين. وإذا شعرنا بأننا لا نحظى بالحبّ فإنّ غريزة الصيد والمطاردة ستدفعنا لنغرق أنفسنا بالدوبامين مما يجعلنا نشعر بالتحسّن. وبقدر ما نتحصّل على الدوبامين من الخارج بقدر ما نريد المزيد منه.
والخلاصة هنا في أنّ الإدمان هو إدمان الشعور الجيد الذي يتم تحفيزه كيميائيّاً في الدماغ بواسطة مادة أو سلوك معيّن كالدوبامين أو الأفيون او المقامرة وإدمان مواقع التواصل الإجتماعي, وهو ليس إدمان المادة نفسها, ولهذا السبب لا يعير الدكتور "غابور ماتي" اهتماماً كبيراً للعقاقير أو السلوكيات التي يدمنها المرء بحد ذاتها.
الإنسان المدمن يفتقر لتنظيم الإجهاد و التحكم في الانفعالات - كما الأطفال الرضّع- وذلك يعود في الأساس إلى دوائر الدماغ لديه التي لم تتطوّر بشكل صحيح في مرحلة الطفولة. لذلك فالتوتر غالباً ما يتسبب في انتكاسة المدمن لأنّه يستحوذ عليه بالكامل.

رابعاً: دور الظروف الاجتماعية في تشكّل الإدمان:
في مجتمعاتنا الحاليّة تنهار العلاقات وتعمّ الوحدة والعزلة والعلاقات الضعيفة بين الأطفال و ذويهم.
لا عجب أنّنا نشاهد ازدياداً مطرداً في الأمراض العقليّة كالإدمان واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بالتوازي مع قلّة الدعم المجتمعي والتواصل. نحن بحاجة للقبول والرعاية الرحيمة اللامشروطين من أجل أن نتمتّع بالسكينة في جهازنا العصبي.

خامساً: نصائح لعلاج الإدمان:
أهم معيار لتحسّن حالة المدمن هو تعميق العلاقة مع المعالج الذي يمكنه ان يؤمّن التعاطف الرحيم وبيئة الرعاية المناسبة. إنّ الاعتراف بعجزنا وضعفنا ويا للمفارقة يعيننا على استرجاع قوتنا, فنحن لدينا القوّة للاعتراف بالعجز. وأخيراً فإنّ الدفع بالمدمن للإقلاع عن الإدمان غالباً ما يأتي بنتائج عكسيّة. ذلك أنّ الرغبة في التغيير يجب أن تنبع من المدمن ذاته, وذلك من أجل الحصول على أكبر فرصة للنجاح.
خلاصة: يرى عالم النفس المجري الكندي "د.غابور ماتى" أنّه ولفهم مسببات الإدمان يجب البحث في صدمات الطفولة عند المدمن و العمل على مساعدة الفرد للتصالح معها. ويرى د. ماتى أنّ الإدمان ليس إدمان السلوك أو العقاقير بحد ذاتها بل هو إدمان الشعور بالراحة التي يحتاجها المدمن للهرب من صدمة الطفولة. لذلك يقرر د.ماتى أنّ السؤال الذي يجب أن يطرح ليس هو "لماذا الإدمان" بل لماذا الألم" ذلك انّ الإدمان ليس هو المشكلة بل هو الصرخة التي تعبّر بها المشكلة عن ذاتها, أي المشكلة النابعة عن الصدمة في الطفولة. أمّا الصدمة فليست ما يحصل لنا في الواقع بل ما يحصل في دواخلنا جرّاء الواقع.

خلاصة: يرى عالم النفس المجري الكندي "د.غابور ماتى" أنّه ولفهم مسببات الإدمان يجب البحث في صدمات الطفولة عند المدمن و العمل على مساعدة الفرد للتصالح معها. ويرى د. ماتى أنّ الإدمان ليس إدمان السلوك أو العقاقير بحد ذاتها بل هو إدمان الشعور بالراحة التي يحتاجها المدمن للهرب من صدمة الطفولة. لذلك يقرر د.ماتى أنّ السؤال الذي يجب أن يطرح ليس هو "لماذا الإدمان" بل لماذا الألم" ذلك انّ الإدمان ليس هو المشكلة بل هو الصرخة التي تعبّر بها المشكلة عن ذاتها, أي المشكلة النابعة عن الصدمة في الطفولة. أمّا الصدمة فهي ليست ما يحصل لنا في الواقع بل ما يحصل في دواخلنا جرّاء ما جرى لنا في الواقع.

المصدر:
محاضرة ألقاها د.غابور ماتى Dr. Gabor Maté في أكاديمية "HOW TO" بتاريخ الأول من تشرين الثاني, نوفمبر عام 2018 بعنوان: "كيف نفهم السلوك الإدماني" عالج فيها المسائل التي تناولها في كتابه: "في عالم الأشباح الجائعة, لقاءات عن قرب مع الإدمان".



#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)       Zaher_Refai#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحساسيّة من ريش البط
- كان صديقي فاضلاً ولكنّهم أخونوه.
- قواعد التقبّل الثلاثون
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة العاشرة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة التاسعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثامنة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة السابعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة السادسة.
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الخامسة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الرابعة
- رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثالثة
- إعجاز سورة الويسكي
- رواية: سالم من الجنوب (الحلقة الثانية)
- رواية: سالم من الجنوب (2)
- رواية: سالم من الجنوب (1)
- هل سنشهد قريباً انطلاقة -سَلَفي بوك- و-ملالي تيوب-؟
- هل تعاني سويسرا من البرقعوفوبيا
- حول لقاء -رغد صدّام حسين- على قناة العربيّة.
- بين الشيخ الإخواني -علي قره داغي- وكبير أساقفة اليونان
- هل تجوز رحمة رب المسلمين على غيرهم؟


المزيد.....




- إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسر ...
- -نيويورك تايمز-: التحصينات الأوكرانية المتهالكة في خاركوف لم ...
- احتجاجات في تل أبيب تطالب بإسقاط نتنياهو
- أوكرانيا .. صافرات الإنذار تدوي في 6 مقاطعات
- زاخاروفا: زيارة بوتين للصين ستحدد مستقبل العالم
- تظاهرات في تونس دعما لفلسطين
- هدد بسحب حزبه من الحكومة.. غانتس يطالب نتنياهو بالالتزام برؤ ...
- -حبيبة الشماع طلقتها-.. سيدة مصرية تعبر عن رأيها لزوجها في - ...
- البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو ...
- روسيا تحذر .. المواجهة المفتوحة مع الغرب في أوجها


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - زاهر رفاعية - العلاقة بين الإدمان وصدمة الطفولة