أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثالثة














المزيد.....

رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثالثة


زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)


الحوار المتمدن-العدد: 6953 - 2021 / 7 / 9 - 13:04
المحور: الادب والفن
    


إنّ ما ينعكس منّا في الأجيال الّتي تلحق بنا, أننا نرى في عيونهم تلك السّعادة الصّافية بحقّ, بأمور لم تعد تعني لنا من شيء, بل وأشياء لا نفهم بأي وجه قد تعني لأحد, ولكنها بكل حال تعني لجيلاً لم يعد جيلنا كلّ شيء, و هذا بالضبط ما نعنى به من كل ذلك, هكذا كانت تدور رؤى سالم في اغماءه القصير.
كان "سالم" على يقين, أنّ أهل قرى الجنوب يخشون من الّذي لا يخش ما يخشوه, ويحترمون من لا غلبة لهم عليه, وفي جميع الأحوال كان البعد عنهم يتناسب طرداً مع حرّية المرء ونقمتهم عليه, إلّا أنّ سالم برغم ذلك ارتضى لابنته ذاك الزواج, أمّا هي فقد تبدّت لأبيها في غمضه الغائم مفاخرة بفارسها الّذي أحبّته دون أن تجهد نفسها باعتياده, تهتك بذلك الفخر ستر جدّتها بل وكلّ انثى في الجنوب, تجاهر بكونها لا تنتمي إلى تلكنّ المنتميات إلى غير ذواتهنّ, تلكنّ اللواتي يتتبعن من ابنته رائحة إخلاص لأنوثتها, يبعث في نفوسهنّ قلقاً محموداً.
رآها "سالم" في إغمائه وقد التقت من كانت تصوّر طلعته بصمتها الباسم, ذلك الذي سيحول بينها و بين قلقها على كينونتها, ذلك الذي سيحفظ لها وجودها على ما هي تحبّ أن تكون, رآها أباها وقد استسلمت بفخر لفارسها أجمل استسلام, والعجيب أنّ هذا قد تمثّل لـ"سالم" ولأول مرّة, حلّاً لا مشكلة ! وهو الذي عاش ما خلا له أن عاش, موقناً أن لا مشكل في الوجود يجاوز مشكل الكلب ورائحة سيّده, وبدلاً من ان تغادر الابنة بيت أبيها نحو بيت عنكبوت, رأى "سالم" في صفاء اغماءه أسداً تائهاً في البيداء يركع بين قدمي ابنته, وأنّ عشرون عاماً من عيش "سالم" قبل ميلاد طفلته, كان عيش دمية من دمى مسرح رجال القرية, أضحكوا كلّ من سمع حواريّاتهم, حتى غدا مسرحهم باعثاً للملل, وقد كان الوجود الباعث للملل آنذاك يحتسب من جملة الخطايا الوجوديّة اللامتناهية, الّتي ترمي بعبء وجودها على كاهل المرء دون يقين من عنده, كيف و متى تسببت بها لنفسه, أي ما كان يدعى في زمن آخر "القدر" إلّا أن أحداً لم يعد يؤمن به, فتمّ الغاء الاعتراف بالوجود الباعث للملل كخطيئة, و أصبحت قائمة الخطايا الوجودية مذ ذاك الحين لامتناهية إلّا واحدة, وقرر "سالم" المغمى, أن يطلق على مولوده من بين الخطايا اسم "فضيلة" وكانت فضيلةُ تلك جميلة و أيّما جمال, لكأنّها سرقت كلّ ما اشتملت عليه رفيقات وجودها الأزليّ من رونق العصيان, وتجمّلت به عند اشراقها الأوّل, فظنّها رجال المسرح "خطيئة" ووأد "سالم" حبّها في قلبه, كي لا يقول الرّجال أن سالماً قد أذعن لقلبه, كي لا يقولوا أنّ سالماً "أحبّها".

لطالما كان الحبّ في قلب المرأة, مُلكاً غير قابل للإيداع في غير موضعه, لذا فالمأخذ على المغتصب كبير, لأنه احتلال ما لا سبيل لسرقته, وهذا ما أدركه "سالم" في غمضه, حينما رأى نفسه ينتزع حبّ "الشّاب الثريّ" من قلب ابنته انتزاعاً. وليت رؤى اغماءه انتهت هاهنا, لأفاق "سالم" عن طيب خاطر, ولما تجاهل رائحة الشيخوخة التي تنضح بها كفّ أمّه, (أفق يا ولدي, حين ستعتاد ابنتك عليه ستحبّه.. أفق يا ولدي يا سالم).
إلّا أن "سالم" الأب فضّل الاغماء و رؤية أسدِ "فضيلة" قد استحال بين يديها فارساً, يحمل بيده عظمة كلب نافق, هوى بها على رأس المصرفيّ الشّاب, فأسقطه مضرّجاً بالخوف, وما أشبه لون الخوف بلون دماء "سالم" التي كانت تسيل منه على حصيّات ساحة الزّفاف, ومن علٍ ألقت "فضيلة" نظرة باردة على رأس المسجّى أمامها, حينما حطّ بقرب محاربها نسرٌ يمسك حمامة مضرّجة بدمها, راح يدفن جسدها في بطنه لقمة فلقمة, بينما راح الخوف الأحمر يتقطّر من عظمة الكلب في يد فارسها, فاندفعت "فضيلة" بين ذراعي محاربها تضمّه ضمّة مشتاقٍ لم يلق حبيبه من قبل, ضمّة أفاقت منها غير عاجل, حين كانت الشّمس تختال في غروبها بين خضرة الجبال وشموخها, وهناك التفتت "فضيلة" لتنظر في المرآة فرأت أنّها كانت تحتضن وليّ انعكاس صورتها.

كان لـ"فضيلة" طوال ما جرى, ميزة الحفاظ على يديها خلواً من علائم التورّط في مسألة رضا الفارس عن فعلته, وهذا ما قررت أن تتنازل عنه كرمى لإراحة المحارب, فتناولت من يده عظمة الكلب ورمتها بعيداً, ورأى "سالم" أمّه تنتشلها من براثن الضياع, وتدسّها خفية بين العباءة الحنون و القلب العجوز, بينما راحت الابنة تحدّق في عيني فارسها الحائرتين حيرة الأطفال, أشاح الفارس بنظره عن العيون المغيّبة لوخز الوجدان, ولم يدرِ أنّ في خاطر "فضيلة" راحت تجول صور كل مثيلات جنسها, ممن قد يمتلكن نسخاً مزيّفة لمفاتح قلب المحارب, وصوّرت لها مخيلتها كلباً نافقاً مكتمل العظام, راحت تمدّ منه يد حبيبها المختار العظمة إثر الأخرى, ليهوي بها على ماضيه, وأقسمت بيده التي اهتدت لها يداها, أن تصلب من الآن فصاعداً كل دمى المسارح.
أخذ ضوء القمر المنهمر فوق ساحة الرّقص يتسلل ببطء عابراً جفني سالم النّصف مغمضتين, وأخذ صوت أمّه القادم من مسافات الزّمن يزداد وضوحاً و غموضاً, مرددة ما أقسم أجدادها الأيمان على صدقه (أفِق يا ولدي, أفِق يا سالم, ستعتاد ابنتك عليه, وستحبّه) وامتزجت عند أنف "سالم" رائحة السّادة بعادة الكلاب, فامتدّت يداه تتحسسان الشجّ في رأسه, وغدا أنين آلام رأسه عواءً, فيا لحيرة سالم, و يا لألم رأسه.

.
رابط الحلقة الأولى:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712551
.
رابط الحلقة الثانية:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=713091



#زاهر_رفاعية (هاشتاغ)       Zaher_Refai#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعجاز سورة الويسكي
- رواية: سالم من الجنوب (الحلقة الثانية)
- رواية: سالم من الجنوب (2)
- رواية: سالم من الجنوب (1)
- هل سنشهد قريباً انطلاقة -سَلَفي بوك- و-ملالي تيوب-؟
- هل تعاني سويسرا من البرقعوفوبيا
- حول لقاء -رغد صدّام حسين- على قناة العربيّة.
- بين الشيخ الإخواني -علي قره داغي- وكبير أساقفة اليونان
- هل تجوز رحمة رب المسلمين على غيرهم؟
- ردّاً على إيّاد الشامي
- هو الدّين بيقول ايه؟
- عفواً سيّد مكرون! الإسلام لا يعيش أزمة
- كيف تخلق الحريّةُ أعداءَها؟
- البيدوفيليا المقدّسة في الإسلام
- حريّة التعبير تشمل حرق الكتب أيضاً
- وفاة النّاشطة التركيّة -ايبرو تيمتيك- بعد 238 يوم من الإضراب ...
- دعوة لقراءة كتاب (قلق السعي إلى المكانة)
- دولة الإمارات العربيّة البراغماتيّة المتّحدة
- دعوة لقراءة العدميّة في زمن الكورونا
- تعليق الكاتب التركي (أورهان باموق) على قرار تحويل متحف (آيا ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زاهر رفاعية - رواية (سالم من الجنوب) الحلقة الثالثة