أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - ما نطلع من بلدنا وفينا روح ..قال الشيخ للضابط















المزيد.....


ما نطلع من بلدنا وفينا روح ..قال الشيخ للضابط


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 7021 - 2021 / 9 / 16 - 11:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


ما نطلع من بلدنا وفينا روح –قال الشيخ للضابط
أهداني الفاضل أحمد صالح جربوني نسخة من كتابه " الذاكرة الحية" ، ذات لقا. أبو صالح من سكان عرابة البطوف، وانتخب من قبل رئيسا لبلديتها ، وحاليا يبعث ذكريات الماضي حلوها ومرها تجارب ودروس، كما يسعى في وأد الفتن وإصلاح ذات البين، وهي مهمة اجتماعية جوهرية حين تتخلى عن وظيفتها الأ جهزة الحكومية لحفظ الأمن وتثبيت القانون.تعثر في الكتاب على مجتمعات تختلف عن المألوف في المجتمع المرتبط بالعصر الوسيط وثقافته المتخلفة المشبعة بالقهر والهدر. اهل منطقة البطوف بالجليل الشمالي، حسب النماذج الواردة في الكتاب، تنطوي على شهامة ومروءة ونخوة: "راعي الأوّلى" ، يبادرون المعروف وتقديم القرى وزرع المحبة لتغرس جناها في الوجدان الجمعي ؛ أحيانا تدهمهم المصائب فيهبون بنفس الحمية والنخوة للنضال الثوري المناهض للانتداب البريطاني ، او يتصدون بصدورهم دفاعا عن أراضهم وحقهم في البقاء في ديارهم وبيوتهم التي عمروها وسكنوها واجدادهم عبر آلاف السنين.
يبدو ان سهل البطوف، بخصبه وتنوع وتعدد الخضرة فوق ربوعه، قد أثر في ذهنيات البشر الملتصقين به . السهول بثراء محاصيلها وتنوعها ، وكذلك تنوع ألوانها وتمازجها في لوحات طبيعية جذابة ، وكذلك التجدد فى الحياة .. كل هذه الوفرة انعكست وفرة في العطاء والجود وطبعت سلوك البشر وتفكيرهم بالرفق واللين والإبداع والتحضر لينتج عن ذلك كله ثقافة تفاعل ووئام وثقافة مقاومة وتحدي .
,في الكتاب نماذج تجسد بؤس مقاومة ارتجالية لغزو اقتلاعي أعد لعدوانه جيشا منظما تقوده هيئة أركان مدربة وخبيرة في معارك الحروب الدولية ، تحسب وتخطط وتنظم وتعبئ حسب مقتضيات التفوق الكاسح على مقاومة عدتها إيمان بحق يستلب أو يهدر، تنفذ ذخيرتها بعد دقائق من مواجهة وتقطع الفيافي بأقدام عارية بلا تموين ولا خدمات ميدانية، شانها في ارتجال المقاومة، شان جميع مناطق فلسطين. وخلافا لبقية المناطق الفلسطينية التي تعرضت للعدوان استطاعت الجموع البقاء على أرضها ضمن مدن وقرى وتحتفظ بمساحات من أراضيها.
على الصفحة الأخيرة من الكتاب ما يشير الى ان المؤلف منخرط في الشأن العام، ودخل السجن بسبب نشاطه الوطني. فقد صدر له المؤلفات التفوق الكاسح : صراع على الأرض (1996)، فهود الروابي (2005)، عميد الأسرى (2006)، عبد الناصر (2010)، غبار الأيام (2013) ، الصلح سيد الأحكام (2014))، عرابة البطوف (2018). ولا يزال يتمتع بعزيمة الشباب ، ما يؤمل فيه ان يتحف المكتبة بالمزيد.
أما الكتاب فهو سردية حكايات منطوياتها القيم الإنسانية والسجايا الرفيعة التي تجعل من الحياة بهجة الروح رغم قساوتها وتتابع قوى القهر الوافدة من خلف البحار. يصلح الكتاب مادة لباحثي الأنثروبولوجيا في فلسطين لما فيه من تعمق في استكناه خصال وسجايا إنسانية راسخة الجذور ، مغايرة لترسبات القهر والهدر المزمنين المتحدرين من استبداد العصر الوسيط . العهد قديم نسبيا بهذه الخصال ، تربى عليها أجيال الشباب عبر قرون فغدت تقاليد راسخة ملهمة لتصرفات الجموع والأفراد، كان لها إسهام في صمود الأهالي بوجه رياح النكبة، وما زالت تبعث فيهم دفء العلاقات الحميمة ونخوة الدفاع عن الأرض ووأد الفتن.
تلحظ في السرد غياب العائلات الإقطاعية تضطهد وتستغل، تحني الظهور والرقاب. الإقطاع ونظامه الأبوي لا يقبل المشاركة ، يزدري القاعدة الاجتماعية ولا يشعر بآلامهم وهمومهم. تنتقل عدوى قيمه المنحطة من فردية انانية وازدراء للجمهور الى أفراد المجتمع وتلوث الحياة الاجتماعية . اما علاقات الندية وتبادل الجمائل بتكافؤ حيث "عيشة الأجواد على الأجواد قرض"، وحيث تنزل المشورة وكلمة الإصلاح على أرض خصبة معطاء فتغرس في النفوس ألفة الجوار .. اما جماعية الرؤية والتضامن والتكافل الاجتماعي فحصيلة نظام اجتماعي لم يعرف النظام الأبوي ، كما يبدو..
تتناثر في الكتاب سيرة عشيرة الزيدانية شمل حكمها فلسطين بأجمعها تقريبا؛ نال الفلاحون الرخاء على أيديها. كتب الكثيرون عن دويلة ظاهر العمر الزيداني ، حاكم عكا، في ظل حكمه نشأت اول دولة فلسطينية نشرت الرخاء وانعشت الاقتصاد. أذكر ممن اطلعت على كتاباتهم المؤرخ الفلسطيني الدكتور إميل توما: [العرب والتطور التاريخي في الشرق الأوسط ـ معهد إميل توما للأبحاث الاجتماعية والسياسية ، حيفا 1995 ، 477].
وكتب عنها الأكاديمي والشاعر ، الدكتور عز الدين المناصرة في كتابه "مملكة فلسطين الأدومية دولة الزيادنة الفلسطينية" [الصايل للنشر والتوزيع2013].، كما أبدع الروائي ابراهيم نصرالله عمله الروائي "قناديل ملك الجليل".
وفي كتاب "ذكريات حية" حكاية عن عمر الزيداني ، ارتبط بعلاقات مع أهالي عرابة؛ كان ذلك بدايات القرن الثامن عشر . وكرد فعل على كرم شيوخ عرابة تكفل بنجدتهم ومنع زواج اجمل بنات القرية من مقاول جمع الضريبة عرف بظلمه وتجبره، زواج غير مرغوب فيه.
يشير المناصرة الى أن ظاهر العمر ولد في عرابة البطوف، وكان والده عمر متعهد جمع ضرائب بالمنطقة الى جانب منطقة طبريا . اتخذ ظاهر من عرابة منطلقا لتوسيع نفوذه في منطقة الجليل حتى احتل عكا وحولها مدينة مزدهرة. كما يورد في الكتاب (ص89) " منع الولاة من ان يأخذوا من الرعية أية زيادة على المال (الميري) المقرر عليهم" ، و" وطد ظاهر الأمن في الجليل ومنع البلص والنهب والرشوة والاغتصاب" و" شجع الهجرة الى بلاده وأطلق الحريات الدينية ، وعامل المسلمين والمسيحيين واليهود على قدم المساواة"، و" اجرى تحسينات على الموانئ وشجع التبادل التجاري مع اوروبا بحرا".
وعن مؤلف اميل توما نقلت فقرة في مقالة منشورة على الرابط ادناه:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=656248
وجاء بالمقالة :
"في عهد العمر ازداد الطلب الأوروبي على قطن الجليل ، وترسخت العلاقة بين التجار الفرنسيين والسلطة العمرية(الزيدانية). تشير المعطيات ان فلسطين شهدت في ذلك العهد ازدهار زراعة القطن وتركزت هذه الزراعة في اللد والرملة والجليل ، ولكن أفضل القطن من الجليل او قطن شفا عمرو وعبلين وطمرة والمكر وجولس وأبوسنان وكفرياسيف وعمقه... أشرفت دويلة العمر على توطيد العلاقة المباشرة بين التجار الأوروبيين والمنتجين المحليين، وفي الوقت نفسه دفعت هذه العلاقات الاقتصادية المشايخ المحليين وفي نهاية المطاف السلطة الزيدانية الى تشجيع الزراعة وتخمينها لزيادة مداخيلهم . ولم يضعف هذا الاهتمام أن التجار الأوروبيين كانوا يكدسون الأرباح الطائلة من هذه العلاقات. وأثر هذا البناء الاقتصادي على حياة الفلاحين المنتجين، بحيث أصبح المخاتي والمشايخ يهتمون بمصدر مكاسبهم’ فلا يهينون الفلاحين او يرهقونهم الى درجة الإركاع وبالتالي إهمال الأراضي الزراعية."( صفحة 385 ).
يلاحظ أيضا ان حركة ظاهر العمر الزيداني تزامنت مع حركة محمد بن عبد الوهاب بالجزيرة العربية . تم سحق الزيدانية وشطب مكتسباتها الاجتماعية وتجربتها الرائدة من الذاكرة الجمعية ، بينما تم تعهد ورعاية الوهابية وترويجها بالمال النفطي، ثقافة تصحر خارج صحراء الجزيرة.
أرى ان هذا الاستنتاج يعوزه ما يسنده من حكايات الكتاب . لذلك أورد عينة معبرة ، مختصرة بطبيعة الحال ، تاركا لمن تستهويه حكايات الكتاب الرجوع الى راس النبع.
* * *
يستذكر الكاتب عهد ظاهر العمر نشر العدل وراجت في زمنه الزراعة والتجارة واستتب الأمن. ينقل الكاتب عن دليل سياحي، ان "العمر الزيداني أرسل يستدعي من تركيا الراب أبي العافية ، ليعيش مع أهله وإخوانه اليهود في طبريا. ما ان وصلها واستقر فيها حتى بنى ظاهر العمر لهم مصنعا لإنتاج الطحينة ، وآخر لإنتاج الحلاوة .كما أقام لكل عائلة بيتا لتسكن فيه".
هذا ما قاله المرشد السياحي الطبري امام الرؤساء السابقين، خلال مؤتمرهم الذي عقد في أيار 2016. ما أبعد الفارق بين اليوم والأمس بين حكم الزيادنة وحكم الصهاينة؛ الصهاينة هدموا ويهدمون ، اغتصبوا ويغتصبون ،هدموا المساكن والمساجد ومنعوا الآذان فيها .فلا حرمة للمقدسات ولا للإنسان عندهم. -133 .
بعد هذا نقدم بعض الحكايات التي شكلت وعي الناس وبلورت قيمهم الحياتية، لتخلد مع الأجيال.
’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’
في كفر مندا تمرد الشيخ والعكاز والحجر169
ظل القتال بين شباب المقاومة وقوات الهاغاناه حتى تشرين ثاني 1948؛ إذ في ليلة ليلاء انسحبت سرايا جيش الإنقاذ من كفر مندا ومن عرابة وجميع قرى الجليل حتى الحدود اللبنانية...رزحت قرانا وجماهيرنا العربية تحت سلطة الحكم العسكري .
في اوائل الخمسينات من القرن الماضي ، بدأت حكومة اسرائيل العمل على تحويل مياه الأردن الى النقب عبر مجرى قطري من الشمال ويمر بسهل البطوف ، من شانه تحويل السهل الى بحيرة، شرعت العمل فرق المساحة وتصدى لها اهالي كفر مندا ومنعوهم......... بدأت زيارات اعوان السلطة الى كفر مندا لاقناع شيوخها القبول بالامر، فشلوا ولجأوا الى القوة . حينئذ تنادى الشباب للصعود الى مرتفع وراحوا يضربون الشرطة بالحجارة.."أدرك الضتابط شويلي ان عنوان الرفض والمقاومة هو الحاج محمود عبد الحليم ، وهو الذي حرك الشباب للمقاومة ومواجهة الشرطة... جرب الإرهاب ، أطلق الضابط النار من مسدسه ثم صوبه الى صدرالحاج فما كان منه الا ان فتح صدره ثم دق الأرض بعكازه متمردا وهو يقول اضرب اقتل ما نطلع من بلدنا وفينا روح. اضطر شويلي لمغادرة بيت الحاج محمود بعد ان اقتحمه عشرات الرجال والشيوخ للدفاع عنه، خاصة عندما راوا قوات الشرطة تتراجع أمام هجوم الشباب، وقد استبسلوا في الدفاع عن بلدهم وشيخهم."-175
اعتقلوا الشيخ محمود مع عدد من الشباب و" قدموا كل المعتقلين الى القضاء، وسرعان ما صدرت احكام بالسجن اشهرا متفاوتة مع غرامات مالية باهظة على كل المعتقلين ... كان الحكم الأقصى على الحاج محمود"176.
امام إصرار الأهالي على الصمود وتشبثهم بارضهم وبيوتهم اضطرت السلطات الى التراجع عن مخطط الترحيل وتحويل سهل البطوف الى بحيرة".. ارتكبت اسرائيل عشرات المجازر بحق الشعب الفلسطيني وشردت الأكثرية منه الى الشتات. لذلك خططت لإقامة خزانات المشروع القطري على اراضي صفورية المهجرة حيث توجد اليوم باسم ‘برك اشكول’... أما كفر مندا فظلت صامدة وقوية بانتصارها ووحدة اهاليها، فكانت الكف الذي لاطم المخرز"-177
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
عرابة وبيت جن ..اولاد عم
بعد سقوط حكومة ظاهر العمر كثر قطاع الطرق مع انتشار الجوع واختلال الأمن. حدث عراك بين تاجرين جوالين من بني معروف مع قاطع طريق، حاول اغتصاب بضاعتهما، قتل بضربة على رأسه. لجأ التاجران الى عرابة وقصدا ديوان الشيخ مصطفى الياسين. توزع الأهالي بضاعة التاجرين ودفعا أثمانها ، ثم توجه الشيخ مصطفى مع صحبه يستطلعون عشيرة القتيل حتى عثروا عليها. دخلواشق الشيخ وشرع الشيخ مصطفي يسرد حكايات مغزاها " من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته".عرض عطوة رفضت في البداية وحيال الإصرار " اسمعوا يا الربع ... مشايخ عرابة أهل خيروإصلاح وأصحاب نخوة ومروءة . والشيخ مصطفى الياسين ما هو وجه فشل ، أقبلوا جاه شيخهم وأكرموهم!" دفع الشيخ مصطفى من ماله ، وفي اليوم التالي عاد مشايخ عرابة ومعهم العطوة . وطلبوا هدنة لمدة ستة أشهر."32 .
رافق شباب من عرابة الدخيلين حتى منطقة أمان ، حيث طلب منهم الدخيلان العودة : كفيتوا ووفيتوا!
قبل انتهاء مدة الهدنة قدم شيوخ بني معروف من قرى الجليل والكرمل الى عرابة للوفاء بعهد شيوخها ....." عكست في نفوس الضيوف والمضيفين مشاعر الاحترام والتقدير ، مشاعر المودة
والعرفان".33
اقترح الشيخ مصطفى الياسين المشاركة منا صفة بالدية ، واعتبروا ذلك واجبا وجاء الجواب : ما قدمتم كاف وهو فضل لن تنساه الأجيال القادمة في الطائفة المعروفية". اصر المضيفون على موقفهم ، وهكذا تم . ومنذ ذلك التاريخ تربط عرابة وبيت جن روابط صاداقة . تحولت خلال فترة من الزمن الى قدوة ومثل يحتذى به اهالي القرى المجاورة.."34
’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’
نخوة باسلة

ايام ثورة الثلاثينات كانت عرابة منطلقا للثورة، وتكررت غارات الجيش البريطاني على القرية يفتشون ويتلفون المواد التموينية ويعتقلون. ذات غارة جلبت القوة العسكرية البريطانية معها احد العملاء مقنع الرأس والوجه. طلب ضابط القوة جميع الرجال الحضور الى ساحة القرية والانتظام في صف يمرون واحدا واحدا امام العميل ." مر الشباب والشيوخ وانهال العميل عليهم بالضرب، ولم ينج من عصاه أحد حتى وصل الشيخ سعيد المصطفى، مختار القرية وأحد ابرز المثقفين بالمنطقة، والقاضي العشائري الأول في البلاد"؛ هوى عليه العميل بالضرب.
" وما ان راى ذلك الشيخ صالح الأحمد حتى وثب كالأسد من الصف الطويل وتقدم من العميل ونزع الغطاء عن راسه، ثم اشبعه ضربا شديدا، وهو يصرخ‘ يا خائن يا ابن الكلب، تضرب شيخ عرابه وشيخ البلاد كلها، يلعن ابوك وابو الانجليز اللي جابوك على بلدنا ياخاين يا نذل..."46
ذهل القائد واسرع يحاول انقاذ العميل وليهدئ من غضب الشيخ صالح، ثم حاول ان يسترضيه، ولكن الشيخ ظل يصرخ وكانت كلماته كانها طلقات رشاش".
عندها أمر القائد جنوده بسحب العميل الى إحدى المجنزرات، وما هي الا دقائق حتى غادرت قوة الدهم القرية وسط إكبار الناس وإعجابهم"- 46 .
’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’
مجازر
كتب إيلان بابه في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" عن اول دراسة انثروبولوجية قام بها الموساد الإسرائيلي في القرى العربية بأمر من بن غوريون، وذلك في ثلاثينات القرن الماضي تمهيدا "لتشريد وحشي" حسب تعبير بن غوريون ، للشعب الفلسطيني . توجهت فرق الاستطلاع الى القرى العربية بصفات مختلفة ، راحوا يتعرفون على عشائر القرية والعلاقات بين مشايخها وزراعتها ومصادر المياه وامور اخرى ، وبالأخص عن المشاركين بالثورة؛ يقدمون التقارير الى الجهة المختصة. وخلال حرب التطهير العرقي كان الملثمون يجلبون مع الجيش ومع كل منهم قائمة باٍسماء منقولة عن تقارير فرق الاستطلاع، يشير الملثمون ويحجز الشباب لينقلوا الى حيث يتم إعادهم. في رواية باب الشمس ذكر الروائي اللبناني ، الياس خوري، المجازر التي اقترفتها ميليشيات اليهود أعوام 1947-49 . وكتب باحث أميركي ان ما ذكره الياس خوري في روايته لم يكن اكثر من قمة الجبل الجليدي.
عن إحدى المجازر كتب أحمد جربوني، وأختصرُ هنا روايته الى دلالتها:
المواسي عشيرة كبيرة وعريقة انتشرت بيوتها ، بيوت الشعر وبعض بيوت الحجر الى القرب من وادي الحمام القريب من طبريا. عمل رجالها في تربية الماشية ، ومن عاداتهم إكرام الضيف وحماية الدخيل ونصرة المظلوم واحترام الكبير ، خاصة شيخهم ، الأميرعجاج.. بعض عائلاتهم نزحوا الى اللويزية ، شمال عيلبون وظلوا هناك في الأودية وبين الأشجار الكثيفة حتى تشرين ثاني 1948، حين سقط الجليل حتى الحدود اللبنانية. في اليوم التالي ، بعد اجتياح عيلبون ذهب الشيخ عطية الحمود يستطلع الأمر فيها ؛ فوجد القرية خالية من أهاليها . ظن ان السكان لجاوا الى الكنيسة ، وعندما اقترب منها كان الصمت يلف المكان. مع ذلك دخلها فوجد فيها عددا من الشباب قتلوا رميا بالرصاص ودماؤهم ما زالت طرية على أرض الكنيسة.-151 .
عاد الى قومه يحدثهم بما شاهد؛ بعد أيام اقتحمت الجيبات اليهودية منازلهم ؛ رفعوا الأعلام يعلنون الاستسلام . مزق اليهود الأعلام وداسوا عليها . جمعوا الشباب والرجال واعتقلوهم أسرى حرب ، ونقلوهم الى مركز للشرطة . بعد أيام أُخرِج اسرى المواسي من المعتقل لجمع النفايات تحت الحراسة. في غفلة من الحرس أشاروا لبعضهم وهربوا دون أن يبالوا بالرصاص، الذي اطلق غزيرا عليهم. وصلوا الجولان السوري .
أسرى قرية المغار نقلوا في سيارة حتى موقع باب الثنايا . "انزلوهم وامروهم الوقوف صفا واحدا وجوههم الى الشرق والجنود من خلفهم . ما هي سوى دقائق معدودة حتى انطلق رصاص المدفع الرشاش . بين الرجال كان الشيخ عطية الحمود وولداه مقبل ومعجل ، أشجع شباب العشيرة ، كانوا في العشرينات من العمر.
يضيف احمد جربوني نقلا عن محدثه:
"عندما حرك مقبل يده حركة بسيطة لاحظ الجنود ذلك فعاد أحدهم يطلق الرصاص عليهم ثانية ليتأكد من موتهم. هذا ما حدثنيه احد رجال العشيرة على لسان سعد أبي سودي ، أحد شباب المجموعة؛ تظاهر بالموت ولم يحرك يده وظل ساكناعندما تأكد القائد من موتهم جميعا انسحبوا بعد ساعة من العملية.
" ما إن ترك الجنود أرض المجزرة حتى قصد سعد البيوت البدوية في جبل "حزوة" الى الشمال من باب الثنايا. حيث نزلت بعض عائلات المواسي . هناك قدموا له الإسعاف . سخنوا السمن البلدي حتى حرارة عالية ومسحوا جروحه عدة مرات كل يوم. حدثهم عما خبر من أهوال .
" ارخى الليل سدولة وهبط عدد من الشباب الى باب الثنايا ، وعندما تأكدوا من عدم وجود عساكر بالمكان. نقلوهم الى مغارة تبعد 500 متر . انهوا مهمتهم عند الفجر"-153 .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

محن لا تنسى
...كان من بين جرحى المعركة مع الانجليز عبد الله الحجيري، ما إن رفعوه على ظهر جمل لنقله الى مستشفي في سوريا حتى خلع حذاءه وقدمه لصديقه محمد الفاعور ، وقال: خذ حذائي ، يصعب عليك أن تعود الى الظهرة- حيث منازلهم- حافي القدمين ( كثر من بين الثوار من اجتاز الفيافي بدون حذاء في قدمه). أما انا فساتدبر ، أمري بعد العلاج". ظهرة ابو الهيجا كانت مقرا للثورة ، لأن الدوريات البريطانية ابتعدت عنها نظرا لوعورتها وصعوبة التحرك فيها.
توقفت الثورة الفلسطينية بعد ان استشهد قادتها ، وأبرزهم في منطقة الشمال عبد الله الآصبح؛ إذ قضى بعد مواجهة حامية ثم مطاردة طويلة ، حتى تمكنت إحدى طائراتهم من إصابته بقذيفة ، فخرّ شهيدا في نيسان 1938 على سفح جبل الجرمق ... .
في الظهَرة استقر عبدالله الحجيري.-58
ما ان استتب الأمر لحكومة إسرائيل ، وإذا بجهاز مخابراتها يعرف كل شيء عن الثورة. لذلك كان الحجيري أول من فرضت عليه الإقامة الجبرية في الطهرة بامر من حاكم الجليل العسكري.. هكذا ظل الشيخ عبد الله كما صار يدعى، سجينا في الظهرة ، يتجدد أمر حجزه حتى العام 1972.
بعدها انطلق يتجول في البلاد من الشمال حتى مرج بن عامر برفقة أحد اولاده كتجار مواشي. ذات يوم ، مرا بالقرب من منازل عشيرة القديرات التي شردتها رياح النكبة مع أميرها خالد المعجل ، فطلب من ابنه ان يوقف السيارة وينتظره بعض الوقت ، عرض الابن مرافقته ورفض بعناد: " زيارة إخوتي واحبابي النازلين في المنطقة...وراء الرويسة "...‘اود أكون لوحدي عندهم وفي زيارتهم"-59
عاد الشيخ بعد ساعتين، ورأى الابن امارات الأسى والحزن بادية على وجه والده، رغم محاولته إخفاءها. وسأل الابن وألحّ؛ تعالى الشيخ على الحزن والذكريات المؤلمة ، وراح يحدث ولده بصوت متقطع عن معركة خاضها ورفاقه الثوار هناك ، وأشار الى المكان ، وان ثمانية من إخوانه استشهدوا فيها ودفنوا في أرضها .. وأضاف : صار الواجب يا بني – بعد رفع الإقامة الجبرية عني – ان ازورهم ، فهم إخواني وأحبائي. ثم ارتفع صوت الشيخ بالبكاء. بعدها ساد الصمت الى ان استجمع قواه وقال : لن انساهم جميعا ما حييت.
"- يا سلام تتذكرهم ةتبكيهم كانهم سقطوا قبل اسبوع؟!... كل إخوانك الثوار بمثل حنانك ووفائك يا أبي؟
"نعم يا ولدي ، تلك أيام مضت لكنها لا تنسى ، فيها تآخينا ووقعنا عهد الوفاء للوطن وللشعب ، وكذلك لبعضنا بالدم ... نعم أذكرهم جيدا ، واحدا واحدا ، الله يرحمهم".60
يضيف الكاتب أحد صالح جربوني: ثورة غريبة سبقت الزمن، فانطلقت قبل موعدها في ظروف صعبة جدا، لم يكن لمقاتليها ذخائر كافية وسلاحهم بنادق قديمة بلا تموين ولا إسعاف ميداني، كل رجالها كانوا آية في العطاء والوفاء، وفي الصدق والحنان. منهم من لايملك ذخيرة ولا حذاء، بل إيمان لا يتزعزع بعدالة القضية وثقة بالقيادة. لذلك قاتل رجال الثورة الفلسطينية بشجاعة ادهشت المؤرخين، وما زالت تثير إعجاب الباحثين لإيمانهم ان الوطن للجميع وانه الأب الحاني لكل الأبناء-61



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفجيرات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر-4
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول بعد عشرين عاما(3من4)
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر بعد عشرين عاما(2من4)
- تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول (1من 4)
- بناء الثقة في زمن التقويض
- الثورة والثورة المضادة في أفغانستان
- ثماني نقاط مفصلية حول هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان
- الجذور الاجتماعية التاريخية لأزمة اليسار
- الثقافة والهوية( 3من3)
- الثقافة والهوية(2من3)
- الثقافة والهوية في تطور وتبدل دائميين (1من3)
- حاضر يستحضر الماضي .. وأخيرا
- حاضر يستحضر الماضي -6
- حاضر يستحضر الماضي-5
- حاضر يستحضر الماضي-4
- حاضر يستحضر الماضي-3
- حاضر يستحضر الماضي
- الحاضر يبعث الماضي لأداء الشهادة
- الصهيونية تفقد بالتدريج احترام شعوب العالم
- منظمة التحرير متبوع ام تابع؟ -2


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - ما نطلع من بلدنا وفينا روح ..قال الشيخ للضابط