أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رواية الغريب














المزيد.....

رواية الغريب


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7018 - 2021 / 9 / 13 - 13:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٨٧ - رواية الغريب

رواية الغريب L Étranger، والتي نال عنها ألبير كامو جائزة نوبل للأدب سنة ١٩٥٧ تعتبر من الروايات الأكثر قراءة والأكثر تحليلا منذ صدورها سنة ١٩٤٢، والتي أضحت من كلاسيكيات الأدب الأوروبي الحديث والأكثر إثارة لإشكالية العلاقة المضطربة بين كامو والجزائر وبالإستعمار الفرنسي. وترجمت إلى أغلب اللغات العالمية، بالإنجليزية ترجمت بالغريب The Stranger وفي ترجمة أخرى في أمريكا باللامنتمي The Outsider. "الغريب"، عنوان الرواية صفة يطلقها الكاتب على ميرسو القاتل وليس على الضحية، التي تظل بلا إسم وتبقى مجهولة الهوية. يصف كامو الأحداث من خلال وجهة نظر الجاني، إن هذه الشخصية ستحظى باهتمام نقاد الأدب وأجيال من الطلبة والمحللين والنقاد الأوروبيين.
البناء الروائي للقصة يعتمد على السرد المباشر للأحداث التي تمر بها الشخصية الأساسية ميرسو Meursault بلغة جافة وبسيطة ومحايدة، يقصها لنفسه وللقاريء. وهو نفس البناء الذي اعتاد إستعماله في رواية السقوط La Chute وكذلك الطاعون La Peste - وبذلك نعيش نفسية شخصيات الرواية من الداخل كما يعيشها هو دون الحاجة إلى وصفها أو تحليلها نفسيا بواسطة صوت خارجي، وهذا ما يعطي للأحداث - لأول وهلة ـ نوعا من الغرابة وعدم المعنى. غير أنه مع مواصلة القراءة تنتظم الأحداث بطريقة غامضة لتنتج نكهة خاصة ومعنى أكثر عمقا من الدلالة المباشرة للنص. وقد فضل كامو تسمية هذا العمل بـ "السرد" Recit وليس بالرواية.
ميرسو، مواطن فرنسي حكمت عليه المحكمة بالإعدام، لأنه ذات يوم على شاطئ البحر في مدينة الجزائر أطلق النار على عربي وأرداه قتيلا. لن يدافع عن نفسه ولم يندم أو يتأسف على جريمته، سيقول بأن الحادثة كانت بسبب الشمس القوية والتي كانت ساخنة لدرجة لا تطاق. لا شيء سيجعله يتزحزح عن لا مبالاته المرعبة : لا إعلان إدانته والحكم عليه بالموت، ولا مرافعات المحامي وقضاة التحقيق ولا الشهود ولا موت أمه ولا كلام الكاهن قبل تنفيذ الإعدام. كما لو كان، على هذا الشاطئ في هذا الأحد القائض، قد اكتشف فجأة التكافؤ المطلق لكل الأشياء والأحداث وعبثية التواجد على الأرض. كأنه اكتشف ضرورة الموت وحتميته، مهما حدث ومهما كانت مسيرة الإنسان وتاريخه وجغرافيته وثقافته، بدون أمل في الخلاص. هذا الإكتشاف، الذي ربما يرجع إلى وفاة أمه ودفنها قبل أيام، ربما يكون مصدر هذا الإحساس بالعبث وبأنه لا شيء يهم في هذا العالم، أن تقتل أو تموت .. لا فرق بين الموقفين. غريب على المجتمع، غريب عن نفسه وعن أصدقاءه وجيرانه، الغربة ستصبح فكرة سائدة في عمل ألبير كامو، من السقوط La Chute إلى الطاعون La Peste، ولكن أيضًا في مسرحياته ومقالاته، فألبير كامو لن يتوقف أبدًا عن التشكيك في وجود معنى للوجود. وقد ساهم موته العنيف والعبثي يوم الإثنين ٤ يناير في عام ١٩٦٠ بحادث سيارة إلى تضخيم أسطورة الكاتب والمبالغة في تقديسه.
يعرض الجزء الأول من الرواية الأحداث التي يرويها مورسو يومًا بعد يوم، وهو راو دقيق ومخلص في سرده، ولكن "بدون ضمير واضح" أي بدون قدرة على الحكم على الأحداث والأفعال التي يقوم بها، ويتحدث عن نفسه كما لو كان شخصًا آخر. الجزء الثاني، الأكثر قسوة، والذي لا يزال مورسو هو الراوي له، يُظهر في سرد مستمر كيف يفرض قضاة "سوء النية" معنى تعسفيًا على هذه الحقائق والأحداث. أكثر الإيماءات أوالإشارات تفاهة مثل تدخين سيجارة أو شرب قهوة بالحليب، أوشهادات أصدقائه التي انقلبت ضده، تحول تصرف مورسو اللامبالي إلى مظهر من مظاهر الوحشية. ويكفي "للغريب" أن لا يبدي عاطفة من العواطف المتعارف عليها تجاه أمه ليوفر دافعًا مقبولًا لإدانته. الجميع ينتظر منه علامة من علامات التوبة، مهما كانت ضئيلة للحصول على الظروف المخففة، لكنه لم يفكر في ذلك ولم يقبل ولم يوافق على ممارسة لعبة التقاليد الاجتماعية لكي ينقذ رأسه من المقصلة. لكنه يقاوم، يصر على سرد الأحداث كما هي، لن ينجح القاضي ولا المحكمة في جعله يقول ما لا يفكر فيه. طوال الرواية يسعى مورسو إلى ذكر ما يعرفه أو يشعر به، لا أكثر ولا أقل. عندما لا يكون لديه ما يقوله، فإنه يصمت. إن حديثه الحقيقي، الذي هو هوس شبه جنوني بالكلمة الصحيحة والدقيقة في المكان الصحيح يبعده عن القضاء والمجتمع. رفضه "الكذب" أو التظاهر بالحزن أو الندم، يجعله بطلا تراجيديا و"شهيدًا" حسب وجهة نظر بعض النقاد الذين يدافعون عن مفهومه عن الحقيقة حتى النهاية. طوال القصة، تحافظ شخصية مورسو على عتامة حزينة، حيث لا يعرف مقدار غرابته ولا المسافة التي تفصله عن الواقع. يتم دفع القارئ إلى إعطائها معنى أخلاقيًا واجتماعيًا وليس إثنولوجيًا أو سياسيًا. مورسو غريب وليس غريبا في نفس الوقت، إنه هامشي أكثر من كونه غير اجتماعي. ينبع اختلافه من عدم اكتراثه بالمعايير التي يلتزم بها المجتمع، من الواضح أنه يقود الحياة الدنيوية لبرجوازي صغير، ليس لديه عائلة ولا مسؤوليات ولا مشاكل، يتجاهل الطموح والكراهية والغيرة ولكنه في نفس الوقت يجهل الحب والصداقة والتكافل الإجتماعي، إنه يكاد يكون صورة طبق الأصل للمواطن الأوروبي المعاصر المكتفي بذاته والذي يعيش في عالمه الخاص، بين شاشة الكمبيوتر والتلفزيون والآيباد ولا يكترث لما يحدث خارج الشاشة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كامو الغريب المنتمي
- شكوى مواطن سيء الحظ
- سعادة سيزيف
- ألبير كامو
- حبوب منع الملل
- كيفية الحياة في عالم يحتضر
- الحياة، حادثة مميتة
- الشاهد
- مسقط الرأس
- بيكيت ونفي العدم
- الزنزانة رقم ٢٢
- ثلاثية بيكيت
- ويتقشر الليل
- بيكيت والنازية
- لماذا كل هذه التفاهة
- صامويل بيكيت
- عقم التفكير السليم
- العدم أفق البشرية وليس نهايتها
- القلق عند سارتر
- جنية البحر


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - رواية الغريب