أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عقم التفكير السليم














المزيد.....

عقم التفكير السليم


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7001 - 2021 / 8 / 27 - 00:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٦٨ - عقم التفكير السليم

بطبيعة الحال هذا الإحساس بالذنب ليس جديداعلى الثقافة الغربية، لأنها ثقافة قامت على القوة والعنف، عكس ما يدعيه نيتشة بأنها ثقافة تجسد "روح العبيد" بإعتبار المسيحية هي ديانة الضعفاء الذين يقابلون العنف بالتسامح والصفح والغفران. تاريخ الحضارة الغربية تاريخ دموي حافل بالمجازر والمشانق والحرائق والإبادة الجماعية لبقية الشعوب، أحتل كل بقاع الدنيا، كل القارات، أباد الهنود وأستعبد شعوب أفريقيا وأرتكب المجازر في فييتنام وألقى القنابل الذرية على المدنيين المسالمين في هيروشيما وناجازاكي. هذا الإنسان القلق، لابد له من أن يشعر بالقلق جماعيا، والفن والأدب هي أحدى الوسائل للتحكم في هذا القلق وترويضه. ومسرح العبث هو آخر هذه المحاولات الفنية لطرد شبح القلق وتسميته والإحاطة به، والتعبير عن الأزمة الروحية والفكرية والأخلاقية التي تعاني منها هذه المجتمعات التي تتسابق وتتحرك بسرعة جنونية كصخرة سيزيف المنحدرة من أعلى الجبل ..
هذا الإنسان المنفصم وذو البعد الواحد، عبر عنه هذا التيار الفني بطريقة متناقضة وغير عقلية، بمعنى أن شكل هذا التعبير أتخذ شكل الموضوع ذاته وهو لا معقولية العالم والكينونة. إعتبار الحياة تفتقد المعنى والهدف والضرورة ما هي إلا النظرة العقلية الشديدة البساطة والتي لا يستطيع الإنسان العادي تقبلها، إنها نظرة مستحيلة وتبعث القشعريرة. الإنسان العادي، إن صح هذا التعبير، تعود على أن لكل حدث محدث وتوجد علة وغاية لكل كبيرة وصغيرة في هذا العالم. الفنان الأوروبي أكتشف فجأة هذا الفراغ الذي يحيط بالبشرية، فانتابه نوع من الدوار والغثيان، لأنه اكتشف حياته وذاته ومشروعه الوجودي، فراغ وعبث ولا ضرورة، أكتشف حقيقة "السقوط" الذي تنبأ به هايدجر. إنه يرى ذلك كل صباح عندما ينظر إلى وجهه في المرآة وهو يحلق أو يغسل أسنانه، الشعور بالذنب لمجرد كونه ما يزال حيا. هذا الفنان والمبدع، ضمير المجتمع، والذي يعيش في لندن، براغ، نيويورك، باريس أو فرانكفورت .. أدرك وهو يتطلع من نافذة شقته إلى الشارع، بأن الحرب قد وصلت إلى مدينته، بل هي هنا في الشارع تحت قدميه، وأن المثل القديم ما يزال ساري المفعول " من حفر حفرة .. وقع فيها " ومن صنع قنبلة لابد أن تسقط على رأسه عاجلا أو آجلا، ويصيبه الهلع ويهرع إلى زجاجة الويسكي أو ويقفز من النافذة.
أما المواطن العادي فقلقه من نوع آخر، وهو ليس قلقا ميتافيزيقيا أو مجردا، قلقه قلق نابع من ظروفه المعيشية كإنسان ليس له سوى العمل وبيع طاقته العقلية والجسدية أو تأجيرها لرأس المال، ويعيش على الأوهام التي يقدمها له النظام الذي يمتص عرقه. وهذه الأوهام في البداية كانت تتعلق بالله والجنة في العالم الآخر، أما في العصر الراهن فهذه المقدسات قد تغيرت إلى مفاهيم أخرى مجردة مثل الحرية والوطنية والديموقراطية وحقوق الإنسان، والتي تتجسد في البلوجينز والكوكاكولا، السيارة والآيباد وإمتلاك الشقة أو البيت الريفي وأسابيع الإجازة السنوية على الشواطيء المكتظة إلخ. وهذه القيم الجديدة تعد الوصفة السحرية ضد القلق، تجهز في معامل الصحافة والجامعات والمكاتب السياسية للسيطرة على القطيع وجعله يتوجه للمجزرة تلقائيا وبإرادته الحرة. وهناك بطبيعة الحال بعض العقول النيرة، من الفنانين والمثقفين والمفكرين الذين يعانون من وعيهم الشقي بحقيقة هذه الأوهام، ويعانون في نفس الوقت من عدم قدرتهم على الإتصال بالجماهير العريضة التي تفصلهم عنها طبقة عازلة من مثقفي الدولة والنظام وجيش من الصحفيين ومتخصصي غسل الدماغ ونشر الأكاذيب والأوهام لتنويم القطيع. وهذا الفنان أو المثقف يتمنى، كما يقول إيميل سيوران، " لو في إمكانه أن يتعذب مثل سائر البشر من أجل الأوهام التي تمنح القدرة على الحياة. لكنه لا يفلح في ذلك. إنه شهيد التفكير السليم "



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدم أفق البشرية وليس نهايتها
- القلق عند سارتر
- جنية البحر
- عن الخوف والقلق وما بينهما
- تشنجات الحبل المتأرجح
- الكلمات المفترسة
- هايدغر والسقوط في تفاهة العالم
- بين الأسود والأبيض
- بين فكي القلق
- صلاة لهُبل
- مقدمة لمفهوم القلق عند هايدغر
- بين الفلسفة والعلم
- الرسم بالحروف المنتحرة
- كييركجارد ومفهوم القلق
- مرة هي قهوة الصباح
- كييركجارد .. القسيس الكئيب
- الكلمات فقدت سطورها
- الشرخ في ذات الله
- السفر مع أليس
- الكلمات الغائبة


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عقم التفكير السليم