أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - كييركجارد ومفهوم القلق















المزيد.....

كييركجارد ومفهوم القلق


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6983 - 2021 / 8 / 9 - 02:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٦١ - كييركجارد والقلق

للقلق كمفهوم فلسفي، مكانة مهمة لدى كيركيغارد، هايدغر، سارتر وبوفوار وغيرهم من المفكرين، كمحرك لمعالجة الإشكاليات الوجودية للإنسان والكون وعلاقتهما. في كتابه «مفهوم القلق - Begrebet Angest» الذي صدر سنة ١٨٤٤ والذي ترجم بالعربية بـ "مفهوم الفزع " ووقعه بإسم فيجيليوس هاوفنيينسيس Vigilius Haufniensis، الذي يعني بالدانماركية "الكوبنهاجي اليقظ"، أراد كيركيغارد أن يجعل من إحساس ذاتي مِثل القلق - ولم أقم سوى برحلة داخلية داخل وعيي - موضوعاً لمفهوم فلسفي شامل ومدخل لفلسفة جديدة تنظر داخل الإنسان الفرد وتستكشف أغوار النفس البشرية، ولهذا يرى الكثيرون أنه أسّس لنظريات هايدغر وسارتر وفرويد وأثر بطريقة أو بأخرى في توجيه إهتمامهم لظاهرة القلق الوجودي. وفي هذا المقام نرى أن هذه النظرة التي تجعل من كييركجارد مؤسسا للفلسفة الوجودية، هي مبالغة رومانسية لا ضرورة لها، فالشخصيات القلقة في تاريخ الفكر البشري لا تعد ولا تحصى.
لدى كيركيغارد، أن الروح هي التوفيق بين النهائي واللانهائي، وهذا التوليف أو التركيب يتم فقط عبر ظاهرة القلق. القلق هو وسيلة الروح للتوفيق بين النهائي واللانهائي، بين محدودية الإنسان ولامحدودية الممكن. الروح هي «قوة ملتبسة»، والقلق هو الرابط بين الإنسان وبين هذه القوة، وهو «واقع الروح» الذي يظهر كـ «عدم غامض»، لكنه يختفي عندما نحاول الإمساك به، هو «لا شيء» لكنه قادر على إقلاقنا. القلق هو دوار أنطولوجي مرتبط بالكينونة في وجه المطلق الذي تولّده الحرية. ويبدو أن الأنظمة الفلسفية السابقة، مثل أنظمة ديكارت وسبينوزا وليبنتز وهيجل وكانط وغيرهم، كانت أنظمة مقفلة على إشكاليات نظرية وعقلية مجردة ولم تهتم بالقضايا - النفسية - المعاشة من قبل الفرد الواقعي، وكأنها كانت تقيم سدودا في وجه المستقبل وإمكانياته اللامتناهية، وذلك لنسيان القلق وإلغاءه. في المقابل، جاءت الفلسفة الوجودية لتوقظ الكائن من غيبوبته وتضع على كاهله مسؤولية الكينونة، حتى لا «نغفو في عالم من الأوغاد»، كما يقول سارتر.
بالنسبة لكيركجارد، فإن التقاليد الدينية المسيحية، وبالذات ما يتعلق بالخطيئة والتضحية واالثواب والعقاب هي التي جعلت العالم محزنًا وغريبا ويبعث على القلق. ويسهب بشكل أكثر دقة في تفسير الخطيئة الأصلية من أجل تفسير هذا التطور. رافضًا كل الخطابات العقائدية التي تدعي حل الغموض الأساسي لفعل آدم من خلال العقلانية والتفكير المنطقي، كردة فعل لهيجل الذي يريد تفسير كل شيء كبروفيسور دون أن يبلل قميصه بعرق الحياة الحقيقية والآلام النفسية التي يعانيها الناس في الواقع اليومي. لذلك لجأ إلى تحليل البشرية النفس ليجد فيها الحقيقة الذاتية للحياة البشرية. الخطأ الشائع هو اعتبار الحياة البشرية كلها كتكرار لتجربة فرد بعينه غير عادي، في الحقيقة، لم يجلب آدم الخطية إلى العالم لأنها كانت متجذرة في الطبيعة البشرية منذ البداية، ليس بمعنى أن الخطيئة سابقة زمنيا على وجود آدم، للإستحالة المنطقية لمثل هذا التأكيد، ولكن لأن "تصميم" آدم يستدعي وجود الخطيئة والشر. وهكذا يؤكد كيركجارد أن كل إنسان ليس مرتبطًا بالإنسان الأول من خلال الشعور بالخطيئة، ولكن بالفكر وقدرته على الإختيار، وبفضله يختبر نفسه في نفس الوقت كفرد معين وكعضو في قبيلة الجنس البشري.
القلق هو دليل على عظمة الإنسان حسب نظرية كييركجارد Kierkegaard، أنه مرتبط بالروح التي تحدد الإنسان وتميزه فتفصله جذريًا عن الحيوان. استنادًا إلى رواية سفر التكوين la Genèse، يوضح أن القلق يتدخل في الطفرة الأصلية للإنسان. في البداية، الروح لم تكن موجودة في الإنسان البريء إلا في حالة القوة أو كإمكانية، كإمكانيات يمكن إطلاقها وتحريرها. وبشكل أكثر تحديدًا، في حالة "الحلم" هذه حيث لا يتم التمييز بين الجسد والعقل، حيث يجد الإنسان نفسه في حالة من عدم المعرفة تبعث على الحيرة والقلق، جهل مزعج لأنه يجهل ما لا يعرفه. عندها يظهر القلق، بدون أصل أو مصدر وبدون غاية أو هدف. ويصف كيركيغارد هذه الحالة : " في تلك المرحلة ، تبلغ البراءة ذروتها. إنه الجهل، ولكن ليس الروح الحيوانية الغاشمة؛ إنه الجهل الذي يحدد الروح، ولكنه بالضبط هو القلق لأن جهله يتعلق بالعدم. لا يوجد هنا معرفة الخير والشر، إلخ. ؛ إن واقع المعرفة برمته يُسقط في صورة قلق كعدم هائل للجهل "- كتاب مفهوم القلق. وهكذا ، ينشأ القلق من الغموض والإلتباس الأساسي للبراءة المرتبطة بآدم، على الرغم من أنه لا يزال في مرحلة ليس قادرا فيها على التمييز بين الخير والشر ويعطيه إمكانية مذهلة للحرية. فحتى لو توفرت له جميع الشروط الضرورية لارتكاب الخطيئة، فإنه كإنسان ما زال بإمكانه تجنبها. بالنسبة لكيركجارد، الإنسان وحده قادر على تحمل مسؤولية إتخاذ القرار وممارسة الفعل، لذلك فهو الكائن الوحيد القادر على إرتكاب الشر.
ينطوي القلق عند كيركيغارد على معنى مزدوج : نفسي وأنطولوجي، فعلى الصعيد النفسي، يرتبط القلق بالإحساس بالذنب، أي الخطيئة بمعناها الروحي كما عاناها آدم أو إبراهيم حينما أراد ذبح إبنه، هنا تظهر التوجهات المسيحية لكيركيغارد. أما على الصعيد الأنطولوجي فإن القلق مرتبط بالخلط بين الذعر والدهشة التي يثيرها الوعي بالعدم والموت لدى الإنسان. والحرية هي الجسر الذي يربط بين الإحساس بالخطيئة والدهشة أمام الموت. والحرية تتجسد في الإختيار لإمكانية تجاوز القلق، فبرغم كل آلام الإنسان ومآسيه، فهو يمتلك دائما في نهاية الأمر أن يختار بين سلوك وآخر. لكنّ هذا «الحلّ» لم يصمد طويلاً لديه، إذ إنه اقتصر على المرحلة الأخلاقية من مراحل الوجود الثلاث في فكره - إلى جانب المرحلتين الجمالية والدينية. ومثلما آمن إبراهيم بمشيئة الله حين كاد أن يضحّي بابنه، ووضع القوانين الإجتماعية والأخلاقية بين قوسين، يرى كيركيغارد أن "قفزة الإيمان" هذه هي الحلّ الأخير للإنسان لمواجهة القلق. والله كـ "جوكر- joker"، وورقة أخيرة، أخرجها من قبله العديد من المفكرين لقفل ملف الإشكاليات المطروحة مثل ديكارت وكانط .



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرة هي قهوة الصباح
- كييركجارد .. القسيس الكئيب
- الكلمات فقدت سطورها
- الشرخ في ذات الله
- السفر مع أليس
- الكلمات الغائبة
- عن الفن والدولار والرأسمالية
- تمتمة الشفاه المعقمة
- الله والقلق
- فلتحترق الملائكة
- شيلنج وقلق الله
- ونجرجر هزيمتنا
- ذوبان الملل
- القلق الفردي
- الحروف المسطولة
- الوقت من ذهب
- السقوط الحضاري
- الله والفراغ والذرة
- عيون الكلاب
- ظاهرة الوحي والهلوسة


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - كييركجارد ومفهوم القلق