أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السقوط الحضاري














المزيد.....

السقوط الحضاري


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6961 - 2021 / 7 / 17 - 14:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٥٥ - السقوط

يقول إيميل سيوران Emil Cioran، المتشائم الروماني الكبير بأنه "ثمة قلق فطري يقوم لدينا مقام العلم والحدس في الوقت نفسه"، هذا القلق الفطري أو الأنطولوجي ناتج عن وعي الإنسان المعاصر بكونه مهدد بالفناء في أي لحظة، ووعيه بأن الكون بأسره، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الحيوان والنبات، الطيور والحشرات وكل ما هب ودب .. جميعا مهددون بالفناء ونقف جميعا على مسافة واحدة من القبر، ومستقبل البشرية مهدد بالإندثار والسقوط في العدم المطلق، معلق بإرادة مجموعة من المجانين الذين يتحكمون في مصير الكرة الأرضية. مسيرة البشرية الطويلة، وإن كانت شديدة القصر مقارنة بالزمان الجيولوجي، إلا أنها كانت حافلة بالإبداع والخلق منذ المحاولات الأولية للتعايش مع البيئة وصنع الأدوات الأولية لزيادة قدراته وطاقاته الطبيعية، ليرفع نسبة إحتمال مواصلة الحياة وعدم الموت جوعا أو إفتراسه من قبل بعض الحيوانات الجائعة مثله. مبدئيا، الإكتشاف والإختراع والصناعة والتكنولوجيا، أشياء لاتدخل فيها الأحكام الأخلاقية، فهي ليست حسنة وليست سيئة في ذاتها. النار إكتشاف رائع عندما تستعمل للتدفئة أو لشواء الأرانب، ولكنها سيئة عندما نستعملها لحرق بيوت المواطنين. غير أن تقدم الإنسان السريع وتحول الصناعة البدائية من أجل الحياة إلى صناعة تكنولوجية عبثية من أجل القوة والسيطرة والإستغلال والإستعمار، أدى ذلك إلى دخول الإنسانية مرحلة اللاعودة في سيرورة التدمير الذاتي وتدمير كوكب الأرض وجعله غير قابل للحياة. هذه المسيرة الدامية، رافقتها بطبيعة الحال محاولات عقلية وفنية للتعبير عن فداحة الكارثة ووصف الحياة المعاصرة التي أصبحت كابوسا. ومن هنا نشأت المدارس الفنية والفكرية والفلسفية كترياق لمرض الحضارة الغربية والتي تنبأ شبنجلر Oswald Spengler بأفولها وسقوطها. إن مسار التاريخ ليس مسارا في خط مستقيم للعقل البشري الى ما لانهاية، بل مساره دوري أو لولبي، والتي يسري عليها ما يسري على الكائنات، حيث تنبت وتنمو ثم تنضج وتموت فتفنى وتندثر وتبقى مجرد أحجار يزورها السواح في الصيف. فالحضارة كالكائن الحي، لها كينونة بيولوجية حسب نظرية شبنجلر، كائن حي يجتاز مراحل نموه الى إن يصل الى المرحلة التي لم يعد قادرا فيها على العطاء، فلكل حضارة مراحل متعددة، وان شئنا قلنا إنها مثل فصول السنة، إذ لكل حضارة ربيعها وصيفها، وخريفها وشتاءها. إن الحضارة هي مرحلة من مراحل التطور والنمو والحيوية، فإذا ما وصل بها الأمر الى هذه المرحلة من صيرورتها فهي النهاية وبداية التدهور، فالحضارة هي قمة النمو وذروة تقدم المجتمعات الفكري والروحي والمادي، ثم يأتي دور المدنية وهي تعني استنزاف الإمكانيات الحضارية كلها حتى لا يبقى منها شيئا، ثم تأتي مرحلة الانحطاط الذي يؤذن بأفول الحضارة وتلاشيها نهائيا. وقد ميز شبنجلر بين ثمانية حضارات كبرى وهي : البابلية Babylonian، المصرية Egyptian، الصينية Chinese، الهندية Indian، حضارات أمريكا Mesoamerican - Mayan/Aztec، الحضارات اكلاسيكية، اليونانية والرومانية Classical - Greek/Roman، الحضارة العربية Arabian، وأخيرا الحضارة الأوروبية أو الغربية Western´-or-European، بإعتبارها آخر الحضارات ومن هنا جاء حكم شبنجلر على هذه الحضارة، بأنها في طريق الأفول أو الغروب، فهي في منظوره قد قطعت جميع أشواطها ولم يبق لها إلا مرحلة واحدة وهي الانحدار والأفول والموت، وهذا هو جوهر كتابه” تدهور الغرب - The Downfall of the Occident”. والذي نشر سنة ١٩١٨ في ألمانيا. غير أن الحركة الفنية والأدبية قد سبقت شبنجلر في تشخيص أزمة الحضارة الغربية، فكانت الحركة التعبيرية « expressionnisme » في شمال أوروبا أول علامات هذه الثورة، ثم أعقب ذلك الحركة الدادائية سنة ١٩١٥ في برلين وزيوريخ، ثم الحركة السريالية ثم الوجودية كحركة فنية وفكرية وسياسية، تضع الإنسان أمام مسؤوليته الكاملة عما يحدث في العالم من كوارث ومصائب. وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت أعمال فنية عديدة تعبر عن أزمة الإنسان المحاصر عن طريق اللغة والصورة والموسيقى، فظهر مسرح العبث مع بيكيت ويونيسكو وظهرت الموسيقى الإلكترونية La musique électroacoustique كثورة هائلة في مجال الصوت وتحليله وتوزيعه في الفضاء مع بيير شيفر Pierre Schaeffer وبيير هنري Pierre Henry في فرنسا ثم ستوكهاوزن Karlheinz Stockhausen في ألمانيا.
إن الذي يهمنا في هذا المجال هو محاولة إيجاد مصادر أو مصدر فكرة أو مقولة أو ظاهرة العدم وتحديد المجال والمجالات التي تتحرك فيها وتتفاعل مع المواضيع البشرية، في الفلسفة والأدب والفن والميثولوجيا .. إلخ. ولا شك أن ما يسمى بأدب العبث أو اللامعقول، وما يسمى بفلسفة العبث والوجودية كلها تيارات فكرية ظهرت نتيجة لظروف إجتماعية وتاريخية وإقتصادية بالغة التعقيد، وهي في الأساس تعبير ووصف ونتيجة حتمية للقلق الذي اجتاح المجتمعات الغربية في هذه الفترة من تاريخها الحافل بالأحداث والحروب والمجازر والكوارث، غير أن القلق يختلف جذريا عن العدمية التي تختلف بدورها عن العبثية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله والفراغ والذرة
- عيون الكلاب
- ظاهرة الوحي والهلوسة
- الفكر بين العقل والإيمان
- إشكالية الحرية والموت
- نيوتن والجاذبية الغائبة
- مجون وإنحلال
- زندقة
- القاطعة
- الحكم بإسم الله
- ديالكتيك السيد والعبد
- الصندوق الزجاجي
- صناعة الإنسان الفاني
- ثورة الآلهة
- كلمات للنشر
- مغارة الخواء
- فن صناعة الآلهة
- بداية التكوين
- سوليبسيزم
- مجتمع آلهة سومر


المزيد.....




- بعد أيام من التوتر.. شيوخ السويداء وقادة الفصائل يصدرون بيان ...
- مصدر لـCNN: تأجيل الجولة الجديدة من المفاوضات النووية بين أم ...
- إيلون ماسك باق على رأس تسلا: مجلس إدارة الشركة ينفي بحثه عن ...
- إرجاء المحادثات النووية بين طهران وواشنطن... هل تنعقد الأسبو ...
- تهديد جديد شديد اللهجة من وزير الدفاع الإسرائيلي للشرع دعما ...
- هيئة البث الإسرائيلية: مئات الجنود الدروز يستعدون لتقديم مبا ...
- -كتائب القسام- تعلن تنفيذ عملية مركبة في شارع الطيران بحي تل ...
- مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن
- مخاوف عراقية من حرب إيرانية أمريكية
- ترامب يهدد كل من يشتري نفطا من إيران بفرض عقوبات ثانوية


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السقوط الحضاري