أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن ميّ النوراني - رواية: هدى والتينة (9)















المزيد.....

رواية: هدى والتينة (9)


حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)


الحوار المتمدن-العدد: 6990 - 2021 / 8 / 16 - 18:56
المحور: الادب والفن
    


لماذا يشعر ببرود عاطفته نحو "الحبيبة"؟ سؤال لم يبرح عقله: "هل انطفأت جذوة حبي لها، وصارت حلقة من مسلسل قصص حب سابقة عديدة، خمدت نارها؟! أم إني أقلص مساحتها في نفسي، لأمنح رجاء مساحة ترضيها، وتقر بها عينها؟! هل ما زالت هنا؟! لماذا لم تعاود الإطلال من الشرفة كما فعلت صباح يوم العيد؟! هل تنتهي العلاقة بينها وبين زوجها؛ فتخلو طريقها أمامي من جديد؟! هل تقبل الزواج مني بعد أن تكون قد اكتشفت أنها لم تجد سعادتها، التي بحثت عنها مع زوج ثري شاب، بل وجدت سرابا وعذابا؛ ستجدها معي أنا المعْوَز الذي يكبرها بعقود كثيرة؟! أجل؛ ستجد سعادتها معي أنا الذي نبَض قلبي بحبها كما لم ينبض بحب امرأة من قبل؟! أحببتها لذات الأنثى التي فيها لا لشيء سوى ذلك؟!"..
وتابع يسأل نفسه: "هل ما زلت أجرى وراء أوهامي؟! قضيت عمري كله في متاهات الصحارى ألهث وراء أوهام.. رجاء امرأة واقعية.. هل أتعلم منها كيف أصبح واقعيا؟ هل أقوم وأتحدث إليها وأعلن لها أنني قررت أن أختار منهجها، وأقسم لها أن منهجها سيصير منذ اللحظة منهجي؛ وأطلب منها تحديد موعد لزيارة بيت أهلها، والتقدم لخطبتها، وبالطريقة التقليدية المتعارف عليها بين الناس هنا؟! لكن، ماذا ستقول عني؟! هل تراني مهزوما يتخلى عن مبادئه بدل أن يدافع عما يؤمن به ويطلب الشهادة في سبيله؟! رجاء تريد رجلا قويا؛ هذا مهر المرأة الحقيقي. "الحبيبة" طلبت من ديب مهرا قويا، طلبت شبابه وماله؛ أنا لا أملك القوة التي طلبتها. يبدو أن رجاء لا تطلب ما طلبته "الحبيبة"!!".
كانت هدى لا تزال تغرس رأسها في صدره.. بينما تنبعث موسيقى هادئة من المذياع: "أعشق الموسيقى؛ فهل تعشقها رجاء أيضا؟! وهدى حلمي.. هل تشاركني رجاء في هذي الهدى.. هذا الحلم؟! هل يحلم الواقعيون أيها الرأس المثقل بدوامة الأسئلة؟! أفنيت عمري وراء الأسئلة، فمتى تستقر روحي في مرفأ لا تقلقه الأسئلة؟!.. تُرى؛ هل أنت يا رجاء مدينتي التي ستستقر في أحضانها، سفينتي التائهة المتعبة؟!"..
عندما هاتف صديقته، تحدث معها عن رجاء: "تناسبني؛ لكنها أقصر مني.. طولي يخلق لي مشكلة!".
- "أمامك خياران: إما أن تقص ساقيك؛ أو أن تقص رأسك.. هكذا تحل مشكلتك!!".
- "قص رأسي المثقل بما لا ينفع صاحبه، هو حل جذري لمشاكلي كلها أيتها الصديقة!! أقص رأسي وأحتفظ بساقيّ الطويلتين فأنا بحاجة إليهما ليساعداني على الحركة السريعة، حين يتحتم عليّ الهروب من جديد؛ أنا أدمنت الهروب يا صديقتي!".
قال في صدره: "أتخلص من رأسي وأكتفي برأس رجاء.. إذا تزوجنا فمن الأصلح لنا أن نكون برأس واحدة هي رأسها.. رأسها واقعي ورأسي فاسد بالأحلام والأوهام.. سيكون من النافع لي أن أنتهج طريق رأس بريء من بؤسي، كرأس رجاء!!".
قفزت هدى مفزوعة!! وقفت جامدة، صرخت: "أنا خائفة!! أنا خائفة!! غول يندفع نحوي.. الغول يهاجمني.. أنقذني.. أنقذني.. قلبي يفرّ من صدري!!".. قفز فوق عتبة باب البيت، يداها فوق عينيها متيبسات وترتجفان.. اصطدمتْ كتفها بحافة البيت، سقطت على الأرض.. ارتطم رأسها بالبلاط. قفز نحوها والفزع يزلزل قلبه.. صرخ في توسل: "هدى!! يا نور القلب.. أحبك.. أحبك يا حلمي.. أحبك!!".. أنهضها، ضمها بين ذراعيه.. حملها إلى سرير عيادته.. تمدد جنبها، تدثرا معا تحت لحاف ورثه عن أمه.. التصقا معا وهما في رجفة تهز السرير.. أحاطتها ذراعاه.. أنفاسها تعلو وتهبط في صخب.. والحزن يفتك بقلبه.. كم مضى من الوقت وهو يحضنها ويلثم وجهها بشفتيه ويذرف الدموع.. لا يدري.. حملهما نوم عميق.. استيقظ والمذياع لم يزل ينثر الموسيقى الناعمة تحت سقف يحمل حجرة "الحبيبة" فوقه.. النافذة التي تطل على التينة مشرعة.. قفزت عيناه إلى حافة الشرفة التي أطلت منها "الحبيبة" يوم العيد.. سرح في المدى الطليق وقال بصوت خفيض: "وحيد أنا أُجدّف في الخيالات وحالم.. وسأبقى كذلك يا هدى إلى الأبد!!.. نهض من جوار هدى، قاس ضغط دمه؛ "رباه! مرتفع كثيرا"، أعدّ كوبا من القرفة الساخنة، لعلها تساعده على خفض ضغط الدم.. في الواقع، هو يعاني من ضغوط أخرى كثيرة، يرجع إليها، ارتفاع ضغط الدم عنده..
ثورة أسئلة تغزوه وتجتاح رأسه. يحتسي القرفة على مقعد تحت التينة والشرفة.. ما سرّ وقوعه في حبٍ ملَك عقله وقلبه، لامرأة بسيطة وشبه عامية لا تبالي باهتمامات عقلية وروحية تشغله حتى النخاع؟! عندما قال لها في زيارة ليلة العيد إنه اختار السكن تحت حجرتها القديمة في بيت أهلها، من أجل أن يكتب روايتها؛ قالت له: "حدَّثْتُ نفسي عندما وقعت عيناي على اللوحة التي تحمل اسمك معلقة على باب شقتك هنا في بيت أبي أنك لا بد أنك (تلخبط) شيئا ما عني!!".. ثم تابعت الكلام عن تعاستها مع زوج وصفته كما تصف العاميات أزواجهن"! أجل، هي امرأة من عامة النساء.. وهو لا تشده إلا امرأة فيها تمايز.. فما تمايز هذه المرأة التي تحمل شهادة إتمام الدراسة الثانوية التي حازت عليها في ظروف الانتفاضة الفلسطينية الأولى (من عام 1978 إلى عام 1993م)، حينما كان بإمكان أي فرد، يرغب في الحصول على شهادة مثلها، أن يحصل عليها ودون أن يستحقها.. دخلت الجامعة، لكنها توقفت عن متابعة الدراسة فيها بعد وقت قصير، لعدم الرغبة في متابعتها.. كيف سقط في حب امرأة تقع خارج دائرته الفكرية والأدبية، وخارج معاييره النفسية، وبعيدة عن معاييره الجمالية؟!.. كيف سقط في بحر غرام جامح لامرأة كل غايتها أن تتزوج من رجل يُمتعها بفحولته ويزرع الأجنة في رحمها ويملأ بطنها بالطعام وخزانتها بالثياب ويوفر لها الأمن وراحة البال والمسكن!! قالت كثيرات ممن عرفهن من قبل، وطلب منهن أن يتزوجنه: "لا نثق أنك ستكون زوجا صالحا وملتزما بواجبات الزوج كما تريد النساء. أنت غير مؤهل لأن تقوم بدور الزوج، وتظلم كل من تتزوجك!!".. كان يرفض الارتباط بامرأة تقليدية لا تتفهم مشروعه وتؤمن بفكره.. وأين "الحبيبة" من مشروع حياته ومن فكره؟!! لكنه أحبها كما لم يحب امرأة من قبل.. "ومن بعد أيضا" كما قال لها!! "أنت أول امرأة أحبها.. أنا أعلم أنك من عالم ليس عالمي، لكني وقعت أسير حبك، وغدوت مملوكك، وكتبت على نفسي، أن لا أخرج من عبوديتي لك، إني أرغب في الزواج منك كما أنت، ولن أبالي بنأيك عما رهنت له نفسي، في سابق عهدي"!.. أحب فيها الأنثى مجردة في ذاتها، من غير تبديل في الجينات الموروثة من أول الزمان. نزع من نفسه، وهو في محرابها الموروث من حواء، كل ما عدا ما ورثه من آدم.. استعادت الحياة بكارتها وبراءتها: "سأكون آدم في محراب حواء خاشعا يتبتل!".. "الحبيبة" بهجته الأولى.. قال: "يحب الطفل أمه، لأنها حواء الأولى، وهو آدم الأول! حمل إليها الحلوى التي تحبها.. قطع مسافات طويلة، ومستعجلا أمره، ليصل إليها قبل أن تفقد الكنافة النابلسية حرارتها، فتفقد مذاقها اللذيذ؛ غدت حلواها المفضلة، حلواه المفضلة أيضا.. أطعمها بيده وأطعمته بيدها.. حينئذ؛ لم تسع الدنيا فرحته! وبعد الحلوى، اصحبته، مشيا على الأقدام، في نزهة مرّا فيها، بمسكنها.. اشترى هدايا لها؛ لم يفعل ذلك من قبل، لم يكن قد أهدى شيئا لأي امرأة ممن عرف.. هي أول امرأة كان يحب أن يشتري لها الهدايا.. أحبها منذ اللحظة الأولى: "ها قد وجدت إكسير حياتي!" ..كان يعرف أن علاقتهما لن تتقدم في اتجاه الزواج.. كان يحلم أن تعدل عن رأيها وتقبل الزواج منه: "امرأة عميقة الأنوثة.. أحبها لا لسبب ظاهر؛ هل يحتاج الحب لمسوغات؟!": "أحِبها كما هي؛ أنثى خالصة!"..
رجاء ليست كـ"الحبيبة".. هل سيحب رجاء كما هي أيضا.. "أنا وسطية في كل أمر" قالت له..
- "أنا لست كذلك، هذا ينقصني: أودّ أن أكون وسطيا أيضا!".
"لماذا لم تتصل رجاء بي كما وعدتني؟! عربية؟!" من عادة العربي أن لا يفي بوعد يقطعه على نفسه.. "أم عاودها المرض الذي كان يلم بها في أول يوم بدأ الحديث معها؟!".. "أنا مريضة بنزلة برد، أدّت بي إلى التلعثم"؛ قالت له في بداية المكالمة الأولى بينهما، لكنها، في وقت لاحق، قدمت تفسيرا مختلفا : "تلعثمت إزاءك، فغدوت لا أجيد الحديث كما كنت أجيده مع كل الذين تقدموا لخطبتي من قبلك!! تَحدَّثْ أنت!!"..
أقلقه عدم اتصالها، كما وعدت. أوغل الليل وأطبق ظلامه على الناس، فناموا ولا تزال لم تتصل! نفد صبره، وضاق صدره واضطربت أعصابه وأنفاسه؛ هاتفه يوغل في الصمت. هرب إلى جهاز الكمبيوتر، شغّله، دخل شبكة الإنترنت، جال في العالم الافتراضي، أغلقه بعد ساعة أو يزيد، وبعد لحظة قصيرة كان جرس هاتفها يرن في بيته..
- "ظللت ما يزيد عن ساعة وأنا أحاول الاتصال بك. أنا وعدتكَ بذلك، أحب الوفاء بما أعد، اعذرني؛ تأخرت عنكَ بعض الوقت، كان هاتفك مشغولا؟!"
- "كان مشغولا بدخولي منه إلى شبكة الإنترنت؛ لا عليك، كيف حالك؟".
- "عاودني المرض.. هذه المرة سعال".
في يوم العيد، ألمحت إلى أنها ليست موافقة على الارتباط به.. "اليوم عيد، ولا أريد إزعاجك"؛ قالت في عرض حديثها.. العيد يجمع الناس إلا عنده؛ العيد يجمع همومه في رأسه جملة واحدة: غياب الأبناء والأهل جميعهم.. دفء مفقود.. ضياع في الضياع.. ورحلة عمر لم تستقر بعد. ومكانة غير تلك التي كان يطمح إليها.. كان منذ باكورة عمره، مسكونا بقلق يجلبه تخيل حياته، وقد مضت كما تمضي حياة عامة الناس.. لا يزال يذكر منذ صباه، ما قاله رجل لأبيه: "رأس ابنك هذا يتطلع إلى فوق!"؛ رد الأب: " من يتطلع إلى فوق، تنكسر رقبته!".. لم يكسره ردّ أبيه، وظل يطمح إلى الصعود إلى مكانة مرموقة، كان يستشعر التمايز في نفسه عن الآخرين، ويحلم بأن يؤدي دورا تاريخيا متميزا كبيرا وفريدا؛ لكنه في الواقع، لا يزال يراوح في دائرة الصفرية؛ هل لهذا، وفي وقت مضى، قال إن "الوجود كله، أصفار صغيرة، يجمعها صفر واحد؟!" ذكر في غير مناسبة، أن أحد المهتمين بقراءة المصير، واستنادا إلى قراءة ملامح الجسد، قال له، إن أحد ملامحه الجسدية تكشف أنه "سيبقى طول حياته يراوح في دائرة الصفرية!! ؛ ردّ بقلق:"ربّاه، هل هذا قدر لا مفرّ لي منه؟!"؛ وهل من قدره أيضا، أن تفشل علاقاته مع النساء كلهن أيضا؟! رجاء لا توافق على الزواج منه!! لن تكون تجربته معها غير إحدى تجارب اللهاث في طلب سراب: "رجاء امرأة وسطى؛ هذا ما أحتاجه؛ ورجاء امرأة تستطيع الاعتماد على نفسها، وتتمتع بقدرة على الاستقلالية"؛ قال لنفسه.. وهو لا يريد زوجة تكون عالة على حياته الشخصية: "الاستقلالية مطلب مقدس عندي؛ هل تحترم رجاء حقي في ممارسته؟!".. يعرف أن مطلب الاستقلالية، سبب رئيس وأول، يكمن خلف فشل كل تجاربه الزوجية وعلاقاته النسائية، الصعبة على العدّ، التي غطت وجه الأرض على اتساعه، وترامت في سني عمره المديد: "التملك المتضخم مبدأ رئيس من مبادئ عامة النساء!!".. الحرية في عقيدته حق طبيعي مطلق، له كما للخلق أجمعين. ويؤمن بأن "العدوان على حرية الآخرين، ومصادرتها، هي أرذل الرذائل"..
وكان يعي دائما ، أن تشبثه بحق الحرية، قد يفتح أمامه باب الفشل، ويذكر أن هذا وقع كثيرا؛ لكنه يعود ليغامر. من جديد. يعتقد أن كل من عرف من النساء متواطئات على سلب الحرية منه، وأنهن كلهن متواطئات على قمعه ونزعه من روحه!: "لكني أبيّ على القمع"!!
يحلم بالحرية، والحياة في النور!
قالت امرأة له، فيما كان لم يزل في أول شبابه: "لو معك عشرة يتبعونك، لقمت بتغيير وجه الحياة كلها!!"..
تعددت محاولاته النسائية، بحثا عن مرأة تكون معه، كما كانت خديجة مع النبي محمد!
في وقت متأخر جدا، وبعد أن فشلت محاولاته النسائية جميعها، انقلب على نفسه: "أنا ذكر يريد أنثى!".. هل وقفت شوق، وراء تحوله الجذري؟!
أحبها لذاتها، لا لشيء سوى ذاتها: "الزواج منها لن يكون شيئا سوى الزواج ذاته!"..
في كل عيد، يكشِّر ماضيه عن مآسيه، فتنهش المآسي قلبه، وتُفاقم تراكمات الفشل عذاباته! "الحبيبة شوق" وهْم تبدّد، و "رجاء" وهْم سيتبدّد:
- "أبحث عن زواج مستقر، من رجل تقليدي، متدين، أنت مختلف، ثم إن الحياة معك غير آمنة؛ أنا، ككل مرأة، نبحث عن حياة آمنة!"..
- "هذه رسالة واضحة: إذن؛ أنتِ اتخذت قرارا!!". ردت خلال مكالمة جديدة بادرت هي إليها: "أجل؛ أنتَ جئت متأخرا.. سأتزوج رجلا تقدم لخطبتي، قبل ظهورك في حياتي.. إنه متزوج من امرأتين قبل ذلك، لا تزالان عنده؛ سيقسم نفسه بيني وبينهما"..
قال: "طعنة جديدة في قلب ما زال يدمي منذ تاه الطفل عن أمه وأبيه وكل أهله يا رجاء.. أنا ضعتُ منذ انطلقت أنا ابن الثالثة أجرى وراء طفلة في مثل عمري.. عادت هي لأحضان أهلها، أما أنا، فلم أزل ضائعا في بحور أوهامي.. أُحِبك يا "رجاء".. كنت أدخر هذا الاعتراف إلى أن نلتقي.. لكن اللقاء وهْم جديد يضاف إلى سجل أوهامي!!"..
صمت وتأوَّه وقال في صدر خبا فيه الرجاء: "أينك يا هدى!!"..
عندما انتقل للإقامة في البلد الذي يقيم فيه الآن، قال لصديق له: "هنا هواي وقلبي!!".. هذان، هواه وقلبه، يتمددان في الماضي وفي الحاضر معا: حبه للـ"حبيبة" تاريخ حاضر؛ ولوقت قصير، شعر أن حبه للـ"حبيبة" ينزاح ليخلي قلبه لحب رجاء.. فلماذا إذن لا تزال عيناه مشدودتين إلى حافة الشرفة وإلى ذروة التينة المحاذية لها: "هل عادت إلى بيت ديب، أم أنها ما زالت هنا؟!"؛ سؤال لم يبرحه منذ اختفت، بعد أن أطلت عليه صباح العيد.. ويعصره الحزن على رجاء التي رفضته ووافقت على الزواج من رجل قال عنه لها بعدما وصفته له إنه لا يصلح لها؛ ويعصره الحزن على "الحبيبة" التي تكابد في حياة من التعاسة مع ديب "الثور المتوحش".. ويعصره الحزن الأكبر على أحبة بعيدين، يشتاق إليهم، أشد مما يشتاقون إليه: "أنا نبي البهجة تحاصرني الأحزان من الجهات الست، ومن داخلي المشروخ أيضا!!"؛ قال لنفسه.. وقال لـ"رجاء": "طويت كتاب النسوان بعد أن علمت بزواج "الحبيبة"؛ ثم فتحته معك.. ولكني سأطويه مرة أخرى بعدك.. وإلى الأبد!!"..
- "أين تفاؤلك الذي تدعو إليه وصاياك، التي بعثت بنسخة منها لي؟! سيمنحك الله امرأة خيرا مني!!".
- "قبل أيام قليلة، سعيت للزواج من امرأة أمريكية تقيم هنا؛ طارت قبل أن أفعل ذلك بوقت قصير؛ أنا أجيء متأخرا دائما؟! رجوت أن أتزوج من أمريكية لتفتح أمامي فرصة لأُطلق أجنحتي في عالم حرّ وأوسع.. أما أنت فإني كنت أرجو منك أن تبقيني مربوطا فيما نحسبه الوطن!!".
- "قد يغلبك شوقك لأبنائك وتغادر الوطن في أي وقت!!".
- "قدْ! فأنا أب وفي صدري ينبض قلب أمّ"..
قبل أن يبدأ اتصالاته مع رجاء، راودته فكرة مغادرة أرض تُسمى "الوطن": "في غزة، أعيش في اغترابا أقسى مما عشته خارج حدود ما ظننته وطني؛ لكنك مرير أنت يا وطني.. غزة سجن قاتم وضيق لروحي!"..
الحرية عشقه.. وغزة مكبلة بالقيود، الحب فيها قاتل؛ رفضتْ فتاة، الزواج من شاب تقدم لخطبها، كانت تحبه ويحبها، حبا عرفه أهلها:
- "لماذا فعلت ذلك؟!".
- "حين سألوني عما إذا كنت أوافق على طلبه، رأيت في عيون أبي وإخوتي نارا كانت تتسابق نحوي؛ خشيت أن يذبحوني لو قلت: نعم!!"..
"وطني يقتل الحب يا هدى"!
"وأنا نسر تحبسني ظلمات قومي"..
"والزواج كما تريده عامة النساء والرجال في مجتمعاتنا، هو مصيدة للفئران، وأنا أسد؛ ولا يدخل أسد، ولا نسر، في مصيدة الفئران!!"..
****



#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية: هدى والتينة (8)
- غَزَلِيّاتٌ نُوراحَسَنِيَّة
- من رواية: هدى والتينة
- رواية: هدى والتينة (7)
- رواية: هدى والتينة (6)
- رواية: هدى والتينة (5)
- رواية: هدى والتينة (4)
- رواية: هدى والتينة (3)
- رواية: هدى والتينة (2)
- رواية: هدى والتينة (1)
- الحب حق فانصروه ينصركم!
- الملحد أفسد عقليا من المتدين، وكلاهما يؤمنان بإلاه!
- لليهود حق تاريخي ديني في فلسطين، ولا يحق لهم إقامة دولة لهم ...
- ما هو السر وراء تديُّن النساء رغم امتهان الأديان لهن؟!
- المرأة بفطرتها: إباحية انتقائية
- نحو إلاه رحمي منفتح.. من دين ذكري قاتل إلى إيمان أمومي روحي ...
- هل الله والنبي يفعلان ما يريده الشيطان؟!
- نداء - مبادرة النوراني الخيرية تطلق -الحملة الوطنية لتكريم ا ...
- لماذا تنام -عناية الله- وتغطُّ في نومها، حتى توقظها أهواء ال ...
- هل وقع النبي محمد في خطأ ديني تسع سنوات إلى أن صححه له أحد أ ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن ميّ النوراني - رواية: هدى والتينة (9)