أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن ميّ النوراني - رواية: هدى والتينة (1)














المزيد.....

رواية: هدى والتينة (1)


حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)


الحوار المتمدن-العدد: 6985 - 2021 / 8 / 11 - 18:18
المحور: الادب والفن
    


أشعلت هدى عود ثقاب عند عتبة باب الظلام الكثيف؛ هدى طفلة بقلب ساطع مخلوق من بهجتنا الأزلية، كان رأسها بريئا لكنه مسكون بتساؤل ثائر قلِق: "تُرى؛ ماذا يخفي صندوقها القديم الموروث عن أمها". بحدس لم يخطئ، عرفت هدى أن جدها دسَّ المفتاح بين بقايا كتاب بهتت حروفه، وتآكلت أوراقه، ملقى في حجرة مهجورة.
ريح مُعصف تزمجر. الباب ضيق واط والحجرة زريّة متعفنة في بحر رطوبة خانقة تغرق في برد قاس ممتد. انطفأت شعلة العود الصغيرة قبل أن تصل يد الطفلة المرتجفة إلى المفتاح الصدئ.
تعثرت قدم ابنة الأحد عشر عاما بكتلة حجرية ضخمة مسننة، فكادت أن تهوي على وجهها، لكنها استردت ثباتها، وحفظت توازن جسدها اللدن الممتلئ بشهوة طفولة مشوشة.
مدّت ذراعاها وتحسست أناملها المكان لعلها تصل إلى المفتاح المدفون في الكتاب المهترئ القديم. جالت أصابعها بين الأشياء المبعثرة في فوضى تختبئ فيها أمواس حلاقة أخ لها، كانت ذكورته قد شرعت تعلن عن نفسها. خنقت صرخة ألم لكي لا تفضح جرأتها المبكرة. أدمى الموس الذكري العريان، أصبع التشهد في يد هدى اليمنى. سال دم غزير منها، أحست بدفئه يغطي راحة يدها.
حاولت أن تشعل عود ثقاب جديد، أخرجت علبة عيدان الثقاب من جيب ثوبها المشدود على صدربدأ يو شي، وقبل الأوان، بأنوثة واعدة. لم تعد عيدان الثقاب صالحة للاستعمال بعد أن تخضبت بدم لا زال ينزف من إصبعها ويزحف إلى الكف الناعمة. ضمت كفها الغريق في دمه إلى بطنها فتخضبت بدم زاد فانساب فمرّ بزاويتها المختومة المحجوبة بغلالة من قماش أبيض شفاف، فتلطَّخ البياض الأزلي بموس أدمى البراءة الربانية في بحر الظلامة الذكرية.
لم يتوقف نزيف الدم الأنثوي البكر. أما هدى، فحملتها ملاك الرحمة إلى نوم عميق شفاف، فوق الأرضية العارية الخشنة للحجرة التي يصلها بالسماء المطلقة نافذة تعودت هدى أن تنام دون أن تغلقها.
قبل بزوغ فجر يوم جديد، عقدت هيئة ذكور أسرة الطفلة جلسة محاكمة عاجلة قررت حرمان هدى من متابعة دراستها، وحبسها في ركن من الحجرة التي كانت لا تزال راقدة فيها، مع إغلاق للنافذة بالطوب الأسود وإغلاق الباب من الخارج بالمفتاح الذي دسه الجد في جيب سرواله، وبعد تلاوة القرار المنسوخ عن أصل مكتوب منذ أزمان، بدأ الشروع الفوري في تنفيذه.
وفي دقائق قليلة كان الطوب غير المنسق قد بدأ يحجب هدى وراء كثافة مظلمة تمتد جذورها إلى قاع عصور الغاب البشري.
تململت الطفلة في مرقدها ولكنها واصلت النوم: "لم يبدأ النهار بعد"؛ قالت لنفسها. والحلم الذي رأته بهيج وتمنت لو عاودها؛ فلم تكن قد شاهدت غزلانا تمرح في البرية من قبل. لديها ولع بهذا الحيوان الجميل النافر الذي ينطلق في الأفق المكاني المفتوح، كما تعرف من مطالعاتها الواسعة. هدى شغوفة أيضا بزوجين من الحمام يعشعشان في ثغرة في أعلى الجدار الشرقي لغرفتها، ينحشران فيها مع زغلولين لم يكسوهما ريش بعد؛ وهي شغوفة بجروة صغيرة تكاد لا تفارقها. هدى وجروتها عضوتان في أسرة تجمع معهما شجرة من الورد الجوري البلدي ذات أغصان تتزين بورود متعددة الألوان وقوية الرائحة؛ وثعبانا أبيض لامع الجلد يسكن الحجرة التي صارت منذ اليوم سجنا جسديا للفتاة الصغيرة.
أطلقت الجروة صوت عواء حزين وخافِت بدرجة لم تقلق نوم هدى. وأخذت الحمامتان تهدلان، وفي الوقت ذاته، علا فحيح الثعبان وأحكم التفافه على بيضه.
وفي وقت الفجر قبل الصباح الأول للسجينة هدى، أبرزت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الموالية لسلاطين العالم، خبرا قال إن أجهزة أمن الكرة الأرضية، وفي تنسيق غير مسبوق بينها؛ أجهضت أخطر مؤامرة كان هدفها الإطاحة بعروش الملوك جميعهم، الوطيدة والقديمة، وذلك قبل لحظات فقط من تنفيذها. وقالت بيانات رسمية صدرت في كل العواصم إن "عناية الله وحده هي التي أنقذت الشعوب من كارثة، كادت أن تسحق الكيان البشري برمته، وأن تهدم إنجازاته الحضارية كلها".
داعبت غزلان المنام هدى مرة أخرى.. الغزلان تنطلق ببهجة في واد أخضر مزهر ظليل تشقه أنهارا تنساب برقة على أنغام موسيقى كونية تحت سماء مفتوحة مشرقة مضيئة صافية.
****



#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحب حق فانصروه ينصركم!
- الملحد أفسد عقليا من المتدين، وكلاهما يؤمنان بإلاه!
- لليهود حق تاريخي ديني في فلسطين، ولا يحق لهم إقامة دولة لهم ...
- ما هو السر وراء تديُّن النساء رغم امتهان الأديان لهن؟!
- المرأة بفطرتها: إباحية انتقائية
- نحو إلاه رحمي منفتح.. من دين ذكري قاتل إلى إيمان أمومي روحي ...
- هل الله والنبي يفعلان ما يريده الشيطان؟!
- نداء - مبادرة النوراني الخيرية تطلق -الحملة الوطنية لتكريم ا ...
- لماذا تنام -عناية الله- وتغطُّ في نومها، حتى توقظها أهواء ال ...
- هل وقع النبي محمد في خطأ ديني تسع سنوات إلى أن صححه له أحد أ ...
- الله ومحمد، هل هما يهوديان؟!
- -داعش- تؤمن بالنبي محمد، وتلتزم بدعوته. ويحق لها، أن تقول إن ...
- -داعش- صورة أصولية مخلصة لإسلام النبي محمد المديني وأصحابه
- نساء غزة سعيدات بترشحه للرئاسة ويؤيدنه | النوراني: نائب الرئ ...
- النوراني يعلن ترشحه لرئاسة فلسطين لمقاومة نكبتين: نكبة اغتصا ...
- رئيس منتدى الحرية يدعو عائلة الرئيس عباس لتوجيه المال المخصص ...
- منتدى الحرية الفلسطيني يطلق مبادرة الحوار الشعبي لتقييم وتطو ...
- لماذا يصيب -العلع الصادم- حركة فتح لاتهام عرفات ب-الخيانة-؟!
- انفتح الباب أمام النساء لتعدد الأزواج - بالحب العقلي المنفتح ...
- زواج المتعة وغرور الذكورة ودونية المرأة


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن ميّ النوراني - رواية: هدى والتينة (1)