|
عاشوراء وميلان كونديرا والبصل
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6989 - 2021 / 8 / 15 - 17:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في واحدة من قصص الروائي العظيم : ميلان كونديرا ، تلجأ مجموعة من النساء الى حيلة تقشير البصل لاستدرار دموعهن ، والانغماس في البكاء الذي هن بأمس الحاجة اليه : لينفسن من خلاله عن كبتهن ، ويطردن ريبة السلطة الحاكمة التي ستنظر الى بكائهن ؛ لو مارسنه بشكل جماعي في حديقة او ساحة عامة : على انه نوع من الاحتجاج السياسي . في مثل هذه الممارسات الجماعية ، تتنفس النساء الصعداء وهن يتبادلن الحديث ، اثناء تقشير البصل ، عن اوضاعهن الكارثية ، والمأساة التي يعيشها رجالهن في معسكرات الاعتقال ، وخلف القضبان ، وفي ساحات الإعدام ، وقد يتحدثن عن أمور خصوصية ، وعن غلاء الأسعار واختفاءالمواد الاساسية ، والاتجار بها من قبل العصابات في السوق السوداء . انه مكان اجتماع مفتوح على الإتيان بجميع الاخبار المحضورة . تذكرت قصة كونديرا هذه التي قرأتها في ثمانينيات القرن المنصرم ، وانا اشاهد حرية المرأة العراقية في البكاء بلا حدود ، وحريتها في لبس السواد وفي رفع الاعلام السود على سطوح منازل المدينة ، بحيث يصبح اللون الأسود الممزوج بالبكاء : هو ايقاع الحياة اليومية للعراقيين في شهر عاشوراء ...
اذا كانت النساء التشيكوسلوفاكيات يخفين رغبتهن بالبكاء على بؤس شروط حياتهن ، في تشيكوسلوفاكيا السابقة : خلف قناع تقشير البصل ، فأن النساء العراقيات لا يخفين الدافع وراء بكاءهن خلف اي قناع ، فمناسبة قتل الحسين اشهر من ان يتم تغطيتها بأي قناع . والعراقيات في عاشوراء يرددن بصوت جهوري : أشعاراً مكتوبة للمناسبة الكبيرة : مناسبة ذبح الإعراب لابن بنت نبيهم الذي أعاد خلقهم اجتماعياً وثقافياً وعسكرياً ، ومنحهم ما لم يمنحه أي قائد في التاريخ لقومه : منحهم الاعتزاز بذاتهم ، وغرز في أعماقهم الشعور بأنهم اصحاب مسؤولية في هداية الشعوب الاخرى ، لكي يهيئهم لمباشرة حروب " فتوح البلدان " التي ستجعل منهم اصحاب اعطيات ( رواتب) ثابتة ...
يزداد عدد العراقيات اللواتي يجتمعن للبكاء في عاشوراء سنوياً . لم يعد البكاء ولبس السواد مقتصراً على نساء الطائفة الشيعية ، لقد تخطى البكاء في عاشوراء دائرة طائفة الشيعة ، واصبح مع الاحتلال والحرب الأهلية والفساد والفقر والبطالة وغياب الكهرباء في عز الصيف ، وانهيار الخدمات العامة خاصة التعليم والكهرباء : عاماً وشاملاً ، وصار عاشوراء مناسبة لا تخص الشيعيات وحدهن ، بل مناسبة لكل المظلومات على اختلاف دياناتهن وقومياتهن : ينتظرن حلوله بلهفة ليرسلن برسائلهن وبادعيتهن الى كربلاء من خلف معسكرات اللجوء خارج وداخل العراق ، او من خلف بيوتهن التي تفتقد لابسط مقومات الحياة ، اذ تتكوم جدرانها على بعضها نتيجة قنابل الحرب الأهلية قبل داعش وأثناء داعش وبعدها ...
كلما طال امد حكم الاحزاب الاسلامية : السنية والشيعية ، وكلما تكاثر عدد الميليشيات ، وكلما تراجعت سيطرة الحكومة على المحافظات ، وانحسرت الى مجرد وجود رمزي : لا يتجاوز الخضراء ، وكلما تبدل شكل الحرب الأهلية من الأقتصار على استخدام الأسلحة النارية الى حرب على شاكلة ، حرب الأعمدة الكهربائية : كلما تزايد البكاء في العراق ، واصبح عابراً للقوميات والمذاهب والأديان ، ولم يعد مقتصراً على الشيعيات بل تخطاهن الى بكاء الايزديات على مأساتهن ، والى بكاء نساء الشبك على ما حل بهن ، وبكاء المسيحيات على سرقة دورهن والاستيلاء عليها من قبل زعامات دينية سياسية وميليشيات معروفة . وقد سبقتهن زمنياً الى البكاء : كرديات ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين ، بما تعرضن له من هجوم بالكيمياوي وهروب جماعي الى خارج العراق ...
هذا البكاء الجماعي للعراقيات اليوم يتواصل مع نحيب العراقيين الجماعي - قبل آلاف السنين - على موت الاله تموزي ومحاولة أنانا في أسطورة " هبوط أنانا الى العالم السفلي " بعثه مجدداً الى الحياة . قديماً كان سببه الطبيعة وتقلب الفصول ، وحديثاً سببه امريكا وايران والمحاصصة ، والاحزاب والميليشيات الدينية ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبنان / بيروت
-
انا اقف الى جانب ايران
-
لو كان الفقر رجلاً لقتلته
-
عن شبهة : الحوار الاستراتيجي
-
تونس : البرلمانية ليست هي الديمقراطية
-
حول الاتفاقية العراقية اللبنانية
-
التفجيرات ثقافة اسلامية أصيلة وغير مجلوبة
-
حكومة الكاظمي : صفر حقيقة
-
عن حلم مقتدى الصدر
-
الجزء الرابع من مقال : موقفي ككوزموبوليتيني من حرب حماس والل
...
-
موقفي ككوزموبوليتي من حرب اليمين الفلسطيني والاسرائيلي / الج
...
-
الجزء الثاني من مقال : موقفي ككوزموبوليتي من حرب الليكود وحم
...
-
موقفي ككوزموبوليتي من حرب : الليكود وحماس ( 1 )
-
6 من 7 من مقالنا : السياسة والحب
-
5 من 7 من مقالنا : السياسة والحب
-
مع من سأعيد ، مع السنة أم مع الشيعة
-
السياسة والحب : 3 و 4 من 7
-
السياسة والحب 1 و 2 من 7
-
شهيد أم قتيل
-
بعد ان تجاوزت الإصابات الملايين
المزيد.....
-
شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا
...
-
تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم
...
-
الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا
...
-
حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
-
3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز
...
-
جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا
...
-
الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم
...
-
الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال
...
-
مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|