الصراعات الدولية من منظور عولمة المواد الخام والعناصر النادرة

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا
(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

الحوار المتمدن-العدد: 6988 - 2021 / 8 / 14 - 00:36
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

حين تتدخل فرنسا فى الأمور الداخلية لبلد مثل كوت دي فوار (ساحل العاج) فلا بد أن نضع فى الاعتبار أن المصدر الأول للكاكاو هو ذلك البلد الأفريقى الصغير وبنفس المنظور يمكن النظر كذلك لصراع البن فى اليمن وصراعات المخدرات فى أفغانستان وصراعات البترول الشديدة فى نيجيريا وليبيا ودول الاتحاد السوفيتى السابق وكلها صراعات معروفة للعالم تشارك فيها الشركات العالمية وليست الدول الكبرى فقط وينتهى بعضها بسقوك حكومات وانتشار الفساد وغير ذلك ، بل وتربح بعض الشركات من تدنى المعروض عالميا من بضائع معينة نتيجة توقف التصدير فى بلد معين لسلع معينة . أما الصراعات الجديدة التى ظهرت على السطح فهى صراعات المعادن التى تدخل فى الصناعات التكنولوجية وعلى رأسها بالطبع الذهب والنحاس والفضة والجاليوم والليثيوم والنيكل والكروم وحتى الألومنيوم والحديد وكان لتلك الصراعات الأثر الكبير فى ارتفاع أسعار معظم المعادن ، أما الصراع الأحدث فهو خاص بمجموعة العناصر التى تسمى العناصر النادرة ، وهى مجموعة عناصر كيميائية (حوالى 17 عنصرا كيميائيا ) لا تتواجد بكثرة على الأرض إلا فى مناطق معينة ، وتواجدها يكون بنسب ضعيفة جدا فى خامات العناصر المعروفة ، ولكن لتلك العناصر النادرة أهمية كبيرة فى صناعات تكنولوجية تدخل فى ألواح الطاقة الشمسية ومولدات طاقة الرياح وفى الصناعات العسكرية المتقدمة والصواريخ العابرة للقارات وحتى فى الصناعات الفضائية والطائرات الحديثة بل وصناعة السيارات الكهربية الآخذة فى النمو وصناعة الهواتف المحمولة وغيرها من الصناعات المتقدمة. إن تلك العناصر النادرة تتواجد فى دول كثيرة حول العالم ولكن تقنيات استخلاصها والحصول عليها بصورة نقية باهظة التكاليف ، ولكن الولايات المتحدة كانت صاحبة أكبر إنتاج لتلك العناصر خاصة مع تقدم تقنيات الاستخلاص فى الولايات المتحدة إلى أن اكتشفت الصين فى منغوليا وجبال الصين المختلفة كميات كبيرة من تلك العناصر النادرة وزاد إنتاجها مع التقدم التكنولوجى الصينى الرهيب فى عمليات استخلاص المعادن فاًصبحت الأولى عالميا ، وهذا ما يفسر سر اهتمام الصين – وروسيا- بالتعدين حتى لو كان لاستخراج الفحم والحديد والنحاس حيث تحتوى تلك المناجم والمحاجر على خيرات صناعية أخرى غير الفحم والحديد والنحاس تتمثل فى وجود العناصر النادرة ولو بكميات قليلة جدا. هناك تقارير تشير إلى وجود بعض العناصر النادرة بكميات معقولة فى دول مثل افغانستان وفيتنام واندونيسيا واستراليا واليمن والكثير من الدول الإفريقية فى الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا وحتى دول جنوب شرق آسيا مما جعل الشركات العالمية - وكذلك الصين - تستثمر فى تلك البلاد لاستخراج الخامات والاستفادة منها ثم استخلاص العناصر النادرة وبيعها لشركات التكنولوجيا ، وبالطبع دخول الشركات العالمية لتلك الدول يكون عبر العولمة التى جعلت الشركات المتعددة الجنسيات أقوى من الدول فى بعض الأحيان ، فشركة بترول بريطانيا BP تحولت إلى دولة وحدها حتى أن هناك تقارير تم نفيها تتحدث عن تدخلها فى نيجيريا وبعض الدول بمساندة حكومات والتسبب فى اضطرابات والدخول فى عمليات رشاوى وفساد وعمولات مع الحكومات ، وما تفعله شركة BP قد تفعله شركات أدوية وشركات تكنولوجيا وشركات سيارات وشركات طائرات وشركات أسلحة وحتى شركات بترول وتعدين أخرى . لقد أوضحت لنا صراعات الخامات البترولية وغير البترولية والعناصر النادرة لماذا تتدخل بعض الدول والشركات فى أماكن لا تعنيها سياسيا ولكنها تحتوى على خامات بترولية وصناعية وتكنولوجية صالحة للاستثمار المربح تعرفها جيدا الشركات الكبرى التى تدفع مبالغ طائلة للشركات المختصة بالاستكشافات وتقييم الثروات البترولية وغير البترولية حول العالم .
إن الصراع الامريكى الصينى امتد الآن إلى العناصر النادرة أيضا فى معظم دول العالم ولم يتوقف على الأرض فقط بل امتد إلى الفضاء ، فالكواكب والأقمار تحتوى على كميات كبيرة من تلك العناصر النادرة مما جعل الولايات المتحدة تصدر عام 2015 قوانين تسمح باستغلال المعادن فى الفضاء للشركات الأمريكية مما جعل العالم ينتبه إلى أهمية غزو الفضاء والوصول إلى مصادر طاقة جديدة تعتمد على العناصر التى يمكن استكشافها على القمر والكواكب القريبة من الأرض ويمكن نقلها للأرض خلال أقل من خمسين عاما ، وبالتالى دخلت الصين ذلك المجال بقوة كبيرة وباستثمارات حكومية وخاصة باهظة وكذلك فعلت الإمارات العربية المتحدة فى برنامجها الفضائى الذى أدهشنا مع وصوله للمريخ .

#مجدى_عبد_الحميد_السيد (هاشتاغ)       Magdy_Abdel_Hamid_Elsayed#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل