هل تقلد الولايات المتحدة وغيرها الصين ؟

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا
(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

الحوار المتمدن-العدد: 6962 - 2021 / 7 / 18 - 14:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

بعض الكتاب والمحللين يرون أن الولايات المتحدة -ومعها أوروبا- تحاول الآن تقليد الصين بعد أن أصبحت الصين رائدة الإبداع ، فالصين بدأت نهضة البنية التحتية الأسمنتية والتكنولوجية بصورة غير مسبوقة منذ عام 2008 ثم وضعت خطة عام 2015 لبناء بنية تحتية علمية لعشر مجالات حتى عام 2025 وبتكلفة تقارب تريليونى دولار فامتلكت بالفعل تقنيات الاتصالات 5G والطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والبطاريات ونقل الكهرباء ووصلت إلى مرحلة متقدمة فى البيوتكنولوجى والجينات والأقمار الصناعية والطائرات المسيرة ، والآن ستفعل إدارة بايدن نفس الشئ عام 2021 بمسارات متشابهة لتطوير البنية التحتية الأمريكية التى يريد الرئيس بايدن تطويرها بأكثر من تريلونى دولار بعد أن ضعف التطوير منذ حروب الولايات المتحدة على الإرهاب عام 2003 . وكذلك أنفقت الصين حوالى تريلونى دولار لمساعدة دول آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية منذ عام 2013 سواءً فى صورة مبادرة الطريق والحزام أو مساعدات فى البنية التحتية لدول العالم الثالث دون التدخل فى الشئون الداخلية لتلك البلدان ، والآن ستفعل الولايات المتحدة والدول الأوروبية نفس الشئ وستتجه إلى الحلفاء فى آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وستساهم فى البنية التحتية لتلك الدول مع وصول الرئيس بايدن للحكم كمحاولة أخيرة لإضعاف نفوذ الصين المتنامى فى دول العالم الثالث . لقد وصل الأمر إلى حرب التطعيمات ، حيث منحت الصين 350 مليون لقاح لدول العالم وستصل إلى مليار لقاح بنهاية العام الحالى ، والآن ستفعل الولايات المتحدة وأوروبا نفس الشئ لكسب ود العالم بمنح نفس الدول مليار لقاح أيضا .
الغريب فى عالم ما بعد كورونا أن الصين أصبحت تسبق العالم كله بخطوات إبداعية وابتكارية مبهرة وأصبح الناتج المحلى الإجمالى لها يفوق الدول الأوروبية مجتمعة ، بل إنها أصبح لديها ثمانية أضعاف العلماء والمهندسين والخبراء عما يوجد بالولايات المتحدة بعد أن كانت الولايات المتحدة تعتقد حتى عام 2013 أنها صاحبة كل إبداع عالمى وأن الصين مجرد ناقل للإبداع وصدقت معظم وسائل الإعلام الأمريكية ذلك ولم تفق من الغفوة إلا منذ أشهر قليلة حين وجدت أن الصين يزيد الناتج المحلى الإجمالى لها بنسبة تصل إلى 12% سنويا فى السنوات الأخيرة وبالتالى يمكنها أن تتجاوز الولايات المتحدة عام 2028 نتيجة تسارع وتيرة الإبداع وتلبية الطلبات العالمية والتحكم فى سلاسل التوريد ليس فى الصين وحدها بل على مستوى العالم .
الشئ الملفت للنظر أن التقليد لم يقتصر على الولايات المتحدة فقط بل امتد إلى دول العالم الثالث ولكن بطريقة ليست على طريق المنافسة مع الولايات المتحدة ولكن تقليد الطريقة الصينية نفسها والتى يعتقد بعض حكام دول العالم الثالث أنها يمكن أن تطور بلدانهم والمتمثلة فى التالى :
- تتجه الصين منذ فبراير الماضى مع مطلع العام الصينى الجديد إلى تنمية الريف وتوفير حياة كريمة للمهمشين فى القرى من خلال خطط حتى عام 2028 وعام 2035 لإزالة الفقر نهائيا من الصين الجديدة ، وحاولت بعض دول العالم تقليد ذلك التوجه خاصة فى دول العالم الثالث الشبيهة بالصين بالوصول إلى القرى والمناطق النائية .
- يملك الحزب الشيوعى الصينى زمام الأمور السياسية والعسكرية والثقافية والتجارية والصناعية والزراعية والتعليمية والصحية وحتى الاجتماعية ، وقد حاولت الكثير من دول العالم الثالث نسخ النظام الصينى حسب كل دولة بحيث يتحكم الحزب السياسى الواحد أو المؤسسة الواحدة (عسكرية أو مدنية) فى النظم غير السياسية أيضا مثل التجارة والصناعة والزراعة والتعليم والصحة البحث العلمى .
- تتجه الصين إلى تقوية البنية التحتية فى الطرق والكبارى ونقل الطاقة وفى التكنولوجيا الرقمية أيضا وقد حاولت بعض الدول تقليد ذلك .
- بدأت الصين فى تصميم مدينة وعاصمة جديدة تكون مميكنة بالكامل وليس ذلك لتخفيف العبء عن العاصمة ولكن لمحاولة تطوير الفكر العالمى فى البناء والتطور التكنولوجى كطريقين متوازيين ، وقد بدأت بعض الدول فى تقليد ذلك بالاستعانة حتى بالصين نفسها فى البناء والتشييد كما فعلت أثيوبيا فى نقل الطاقة التى ستنتج من سد النهضة وكما فعلت مصر فى العاصمة الإدارية الجديدة .
- للصين خطط استراتيجية امتدت وتمتد عبر خمسين عاما منذ عام 1978 وحتى عام 2028 ثم تطورت لتصل إلى عام 2049 وهو ما جعل العالم يهتم بالفكر الاستراتيجى طويل الأمد عبر أجيال وليس عبر خمس أو عشر سنوات فقط مما جعلها صاحبة أول تنمية مستدامة طويلة الأجل ، وقد حاولت بعض دول العالم بما فيهم الولايات المتحدة العودة إلى الخطط الاستراتيجية طويلة الأجل والتى فقدت أيضا منذ وصول الولايات المتحدة كقطب عالمى وحيد مطلع التسعينيات .
- بما أن الصين شيوعية فقد وجدت أن بعض الأقليات الدينية والعرقيات المتزمتة لا تستجيب للتطوير العلمانى والتغيير الصينى فقد ضغطت بشدة على تلك الأقليات متجاهلة أبسط قواعد حقوق الإنسان معتبرة أن العالم لا يعترف إلا بالقوى ، والغريب أن العديد من دول العالم الثالث بدأت أيضا تقلدها فى ذلك بصدور قوانين مناهضة للحريات واعتقال المعارضين وقتلهم دون الخوف من عقوبات دولية لإن العالم لا يعاقب القوى كما تعتقد الصين .
- تحاول الصين إبعاد الشعب عن أى مهاترات اجتماعية أو سياسية يمكن أن تلهى الشعب عن العلم والعمل والانتاج ، وتحاول معظم دول العالم نهج الطريق الصينى فى مراقبة مواقع التواصل الاجتماعى وتطبيق سياسة " بلاش هرى " أو على الأقل تسييرها لصالحها .
- تطبق الصين سياسة " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " بوجود قوة حقيقية فى الاقتصاد وقوة عسكرية أيضا لا تعتمد على الاستيراد من دولة واحدة فقط بل على تعدد الموردين وعلى الانتاج أو الانتاج المشترك فأصبحت أكبر قوة بحرية ومالكة تقنيات الحروب غير التقليدية والطائرات بدون طيار والصواريخ القصيرة والطويلة المدى ومزجت بين قوة الاتحاد السوفيتى السابق التى تتسم بالتقليدية وبين قوة الولايات المتحدة التى تتسم بالذكاء ، وقد قلدتها بعض دول العالم الثالث بتنويع مصادر السلاح ومحاولة عقد صفقات عسكرية بالمشاركة حتى مع الصين نفسها لإنتاج أسلحة .
- اعتمدت الصين طريق الرئيس مدى الحياة أو الرئيس طويل الأمد مما شجع بعض دول العالم الثالث على انتهاج نفس المنهج بتطويل فترة الرؤساء أو حتى إلغاء فترات الحكم أو فتح تعدد الفترات للرؤساء.
إن الصين بنظامها الغريب المركب ما بين الشيوعية واقتصاد السوق والحزب الواحد قد سبقت العالم بالفعل فى الانتاج والتصدير والعلم والتكنولوجيا ولكننا يجب أن نعترف بأن الأيام تدور والعجلة تتحرك إلى الأمام بقطبين ثنائيين منذ عام 2021 وربما ينقسم العالم بينهما خلال العقد الحالى والقادم ولكن مصلحة العالم الآن تكمن فى التوافق بين القطبين وهو ما تتطلع إليه الصين المتقدمة وترفضه الولايات المتحدة التى تحاول عرقلتها لتبقى على القمة.

#مجدى_عبد_الحميد_السيد (هاشتاغ)       Magdy_Abdel_Hamid_Elsayed#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات