حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6982 - 2021 / 8 / 8 - 21:53
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لا دليل على أن الغرب يقف مع القوى الوطنية العصرية العربية التي تريد محاكاة نموذجه الديمقراطي وتناضل من أجل قيام المجتمع المدني، إنه يقف فقط مع مصالحه، ولا يجد ضيراً في التعامل مع التيارات الأصولية إذا رأى أن مصالحه يمكن ضمانها بترتيب العلاقات مع تلك التيارات .
فمن واقع تجارب عربية نجد أن الغرب لم يقم بما يستحق الذكر في مجال تشجيع القوى الوطنية ذات النزوع الحداثي لبناء هياكل قادرة على تحقيق متطلبات التطوير السياسي للمجتمعات في اتجاه بناء دول مدنية تستوفي شروط البناء الديمقراطي، بل إنه وضع في مقدمة أولوياته مناصبة العداء لهذه التجارب بغية خنقها، ومنعها من أن ترسخ جذورها، ولا ينطبق هذا على موقف الغرب من التجربة الناصرية على سبيل المثال وحدها، وإنما أيضاً من تجربة التحديث التي قادها محمد علي باشا، والتي كان يمكن أن ترسي قواعد للتطور في اتجاه بناء دولة عصرية قوية، يمكن لتأثيراتها أن تعم على المحيط العربي كله .
ستتكشف في المستقبل وقائع، وبصورة أكثر وضوحاً مما بات واضحاً اليوم، عن الجهد الذي بذلته دوائر سياسية واستخباراتية وأكاديمية في الغرب في إيجاد مواقع داخل بعض التيارات الإسلاموية منذ سنوات، وربما منذ عقود، فاللحظة السياسية العربية الراهنة التي عرفت صعود التيارات الإسلاموية في بلدان مفصلية جرى ليس فقط توقعها من قبل الغرب، وإنما التهيؤ لها منذ زمن، ونكاد نقول المساهمة في إنضاج الظروف لأزوفها بعد أن اندلعت هبات الربيع العربي التي حكمتها العفوية في لحظات انطلاقها الأولى، ليُصار فيما بعد الى التحكم فيها وتوجيه مساراتها فيما يعتبره الغرب مسارات آمنة له ولمصالحه في المنطقة .
إن كان من استنتاجات تترتب على هذا القول، ففي مقدمتها أن التعويل على الغرب كداعم لفكرة البناء الديمقراطي في العالم العربي هي وهم مُدَمر، غالي الكلفة على مستقبلنا، فالتحول نحو الديمقراطية هو مسؤولية القوى التي ناضلت وضحت أجيال منها من أجل الديمقراطية ذاتها كقيمة إنسانية مطلقة عابرة للإيديولوجيات، وكمنظم للعلاقات بين قوى المجتمع وأفراده، وإدارة الخلافات بينها بطريقة متحضرة .
ثمة خطاب منافق للغرب، حكومات ومؤسسات، يتظاهر فيه أنه يدعم التحولات نحو الديمقراطية، ولكنه خطاب لا يعول عليه، لأن مجمل السلوك الفعلي للغرب لا يشي بصدق هذا الدعم، وإنما يظهر نقيضه في أشد الصور وضوحاً .
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟