أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - عيشةٌ لا منديل فيها.. جدولٌ لا ماء فيه














المزيد.....

عيشةٌ لا منديل فيها.. جدولٌ لا ماء فيه


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6979 - 2021 / 8 / 5 - 14:42
المحور: كتابات ساخرة
    


ما إن يفتح أبو وليد دُكَّانه صباحاً وينقل بعض السلع منه إلى الرصيف بغية عرضها، ويقوم ببعض الترتيبات داخل المحلّ، حتى يهرع إليه جاره أبو سمير صاحب المحلّ المجاور لبيع الدخان، ويلقي عليه تحية الصباح، ويمدُّ يده فوراً إلى علبة المحارم المركونة على طرف طاولة البيع، ويسحب منها عدة مناديل وهو يبربر ساخطاً من شدّة الحرّ والرطوبة، يمخّط بإحداها، ثم يمسح عرقه بالأخرى ويطوي الثالثة وأحياناً الرابعة، ويودعها في جيبه قبل أن يعود إلى محلّه. وسط تذمّر وتأفّف أبي وليد، الذي بات منظر أبي سمير لوحده يسبّب له الكمد والغيظ. حتى أن عبارة «يا فتّاح يا عليم، على هالصبحية المقيتة» بات يردّدها أبو وليد كاللازمة، لدى قدوم جاره وهو في غاية الاشمئزاز والتوتر.
وحيث إن هذا السيناريو يتكرّر كل صباح، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم. فقد يأتي أبو سمير عند الظهيرة بذريعة إخباره بحدثٍ جديد؛ كأنْ يقول له وهو يسحب المناديل من العلبة: «سمعت آخر خبر؟ يا سيدي قال رح تنتهي أزمة الكهربا خلال عام، بعد السماح باستيراد الألواح الشمسية» أو «نسيت ما قلتلّك، مْبارح دعوني جماعة من المعارضة، لاعتصام بساحة المحافظة للتنديد بأزمة المياه المستفحلة. بصراحة أنا متردّد بالموافقة.. يا أخي ما متنا، بس شفنا اللي ماتوا.. لا حول ولا قوة..» وغيرها من الأخبار والذرائع.
ومع مرور الأيام، فقد لاحظ أبو وليد أن علبة المحارم لا تكفيه أكثر من أسبوع. حتى إن حصة جاره أبي سمير منها تعادل ثلاثة أضعاف حصته وباقي المستخدمين من الزبائن. ما جعله يعتزم تغيير موضع علبة المحارم، لا سيّما وأن سعرها بات مرتفعاً جداً، فقام ونقلها إلى رفٍّ عالٍ خلفه وهو يدمدم مغتاظاً: «شو فاتحلك سبيل أنا هون؟ أي والله الشغلة بدها شوية ذوق، العمى!». التفت مرتين إلى العلبة، واطمأنَّ على موقعها الجديد، من أن الراغب في استخدامها، لا يمكنه أن يطالها دون أن يطلب من أبي وليد الإذن بذلك.
في صباح اليوم التالي، ما إن فتح أبو وليد دكانه حتى سارع أبو سمير جرياً على عادته إلى تحيته، وهو يجول ببصره باحثاً عن علبة المحارم. ردَّ عليه أبو وليد بفتورٍ ونفور وهو يقوم بترتيباته المعهودة. تشاغل أبو سمير وهو يمسح براحة كفّه صلعته وقَذاله من العرق، وهو يبحث بعجالة عن علبة المحارم دون أن يجدها. فما كان منه إلّا وتنحنح متهيّئاً للكلام وهو يهوّي براحته على وجهه، متسلّحاً بأكثر ابتساماته رياءً وقال:
- سبحان الله! شو هالشوب يا رجل!
- هاد أوانه يا جاري. لا تنسى نحنا بآب.
- يا لطيف تلطف! الله يعينّا على هالشهر.
- بسيطة، كلها أسبوعين ثلاثة ومنخلص من سماه. الله يهوّن بقى ويجي الخريف.
غمز له أبو سمير بعينٍ متآمرة وهو يبتسم بمكر:
- شو بدّي قلّك أبو وليد، وين علبة المحارم، ما شايفها بمحلّها، شو خلصت يعني؟
وثَبَتْ على أبي وليد نظرات الحرج والامتعاض والاحتقار، وأجابه وهو يتمالك نفسه بعناء حتى لا ينفجر:
- والله يا جاري، ما عم لحّق محارم. بلا مؤاخذة، الرايح والجايي بِمدّ إيده وبيسحب منها، ويا ريت لو يكتفي بمحرمة وحدة. ما بتشوفو غير سحبلك كذا محرمة وكأنه في بيته. لا يا سيدي، أنا متأكّد أنه ببيته ما بيستهلك هالكمية. أي شو هالدّناوة النفس والطمع ياه!
استلَّ أبو سمير ابتسامةً تعني كل شيء عدا أنها ودّية وقال:
- والله معك حق، عيب الواحد ياخد أكثر من محرمة.
- صدقاً يا جار، سابقاً عمري ما كنت اطّلّع على هيك شغلات. بس مثل ما بتعرف، كل شي صار غالي بسبب هالأزمة اللعينة اللي عم تمرّ فيها البلاد. يا أخي وين الغلط نرجع نستخدم المحارم القماشية مثل أيام زمان؟ كان كل واحد يحطّ بجيبته قطعة قماشية مربّعة الشكل، ومطرّزة على حوافها، ويغسلها كل يوم. والله هيك أرخص وأنضف.
أجاب محاولاً تصنّعِ نبرةٍ ممازحةٍ لا يسعها حجب ظلال الانزعاج في عينيه:
- بشرفي عم تحكي عين العقل. خيّو! اعتباراً من الغد أنا شخصياً رح ارجع أستخدم المحارم القماشية. بس يرضى عليك هاتلك كم محرمة من هون لبكرا..
تملْملَ أبو وليد متضايقاً وهو يحوقل بهمس، واستدار صوب علبة المحارم المتوضّعة على الرفّ، وسحب منها عدة محارم وهو يتّقدُ بالحقد والضغينة. قائلاً في سرّه وهو يمدُّ المحارم بيده لغريمه: «انشالله هالمحارم تكون خاتمة ندالتك يا جار الزفت!».
اختطف أبو سمير المحارم برشاقة لصّ محترف وهو يهتف مداعباً:
- أي ما تبلى هالطلّة أبو وليد الحبيب، صحتك بالدّنيا يا رجل! ليش هيك عابس ومبوّز ولوو، والله كأنك ساحب قرض من أحد المصارف وما قادر تسدّده!؟ افردْها يا رجل افردْها.. الله وكيلك ما حدا رح ياخد معه شي!
وخرج مبتسماً يدندن بأغنية لصباح فخري وهو يدسّ في جيبه عدّة مناديل: «خمرة الحب اسقنيها.. همّ قلبي تنسني.. عيشةٌ لا منديل فيها.. جدولٌ لا ماء فيه..».



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحت سقف الوطن!
- عويلُ ثعلبة
- ما حدا أحسن من حدا..
- إنك تبالغُ يا عزيزي!
- أنا مريضة يا أبي!
- «شُبّيك لُبّيك!»
- قوس قزح
- البؤس في كل مكان!
- تفوَّقتْ عليَّ طفلة!
- إلّا المذلّة!
- شهيدُ الغرام
- آه يا بيروشْكا!
- جريمة ولا عقاب!
- حسناءُ الرصيف
- لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
- ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
- فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
- جعلوها مُومِساً
- مُتْ قاعداً!
- بانتظار الفجر


المزيد.....




- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - عيشةٌ لا منديل فيها.. جدولٌ لا ماء فيه