|
تحت سقف الوطن!
ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 17:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أيام، كنا في جلسة نقاش، مجموعة من الأصدقاء والضيوف في بيت أحدهم نتناول الشأن العام. وقد قدّمتُ مداخلتي كغيري وفق الزمن الممنوح لكلٍّ منا. تحدّثتُ فيها عن أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها غالبية السوريين، مردّها إلى البنية السياسية الحاكمة التي أثبتت فشلها في حلّ أية مشكلة مهما صغُرَ شأنها. وأن الحلَّ يقتضي تغيير هذه البنية تغييراً جذرياً شاملاً وعميقاً بكل رموزها ومرتكزاتها. واستبدالها بمنظومة جديدة تكون جادّة حقاً في معالجة الأزمات الاقتصادية، وفي الإفراج عن المعتقلين، ومعرفة مصير المفقودين، وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، وغير ذلك. وأن مفتاح الدخول إلى سورية الجديدة هو البدء الفوري بتنفيذ القرار (2254) الحائز على رضى المجتمع الدولي. فما كان من أحد الحاضرين، والذي أراه بالمناسبة للمرة الأولى، إلّا وانبرى مستوضحاً: - عفواً أستاذ، من خلال مداخلتك، يبدو أنك معارض تحت سقف الوطن، إن لم أكن مخطئاً؟
سؤاله هيَّج كوامن دفينة من الشجون والغضب في أعماقي. على الرغم من تهذيبه في طرح السؤال. فتذكّرت قناة "الدنيا" و "سما" و "الإخبارية السورية" وغيرها من وسائل الإعلام الرسمية المحلية. والتي لطالما صفعتنا بتلك العبارات الاستفزازية: «نحن نقبل الحوار مع المعارضة الوطنية الشريفة، والتي تعمل تحت سقف الوطن». والمقصود بالمعارضة الشريفة طبعاً في نظر تلك الوسائل، هي تلك التي تكون من صناعة أجهزة الدولة، والتي لا يمكن أن ترتقي بمطالبها إلى التغيير الحقيقي الذي ينشده معظم السوريون. والتي تقبل السلطة الحوار معها، ولكن بشرط عدم الوصول إلى نتيجة. وتذكّرتُ أن عبارة (معارضة سياسية) لم يكن مسموحاً تداولها في كافة وسائل الإعلام الرسمية، بذريعة منافقة مفادها أنه لا يوجد أحزاب معارضة في سورية. وكأن هذا التصحر في الحياة السياسية مدعاة فخرٍ واعتزاز. التفتُّ إلى محدّثي وقلت له بشيءٍ من السخط: - ماذا تقصد بعبارة "تحت سقف الوطن"؟ - يعني المعارضة التي لا تؤتمر بأوامر الخارج، وليست تابعة لأجندة أجنبية.. ولا تعتمد في أنشطتها على تمويل دول النفط، وقرارها من رأسها.. وهيك شغلات. - جميل هذا التوصيف. طيب، وإذا كانت قوة سياسية موجودة في البلاد تتصف بكل ما ذكرت، وتطالب بالتغيير الجذري للنظام سلمياً، وبمحاكمة كل من تسبَّبَ في إهراق الدم السوري، وفي تدمير بنيته التحتية، وتشريد نصف الشعب، وتسبَّبَ بقتل مئات الآلاف.. إلخ. ماذا تقول عنها؟ - المهم أن تلتزم بما ذكرت، بالإضافة إلى التزامها بالثوابت الوطنية الأخرى: مقام الرئاسة، العلم الوطني، قدسية الجيش العربي السوري. - طيب، وإذا كان لتلك القوة السياسية المنوَّه عنها، ملاحظات على تلك الثوابت، فبماذا تصفها؟ - هه، هذا يعني أنها خرقت الثوابت الوطنية وباتت معارضة لا تعمل تحت سقف الوطن. - تقصد أنها تعمل على جوانب حيطان الوطن مثلاً؟ أم فوق سقفه؟ أم في حديقته الخلفية؟! - أرجوك، لا أسمح لك بالسخرية. هذه مصطلحات غدت معانيها معروفة للقاصي والداني. شعرتُ باشمئزازٍ لا سبيل إلى مغالبته، لكنني آثرتُ كظم غيظي محاولاً تلطيف حدّة الحوار فقلتُ: - أعتذر منك إذا ما سببتُ لك استياءً. ولكن يا عزيزي، أتمنى عليك عدم الانسياق وراء عبارات أو مصطلحات مهما شاع تداولها وراج، دون أن نفكر فيها وفي مدى مطابقتها للواقع. فعبارة «تحت سقف الوطن» تغطّي أيضاً كل ما يُرتكب من انتهاك لحقوق الإنسان، ومن قهرٍ وإذلالٍ وإهانة للكرامات. أما بخصوص المعارضات، فيمكننا التفريق بينها بالقول مثلاً: هناك معارضات متشدّدة مرتهنة للخارج، تطرح مواقفها بقصد تعطيل الحلّ السياسي. أو في أحسن الأحوال، لتحلَّ محلَّ السلطة الحالية في النهب، دون أيّ تغيير يُذكر في النهج الاقتصادي المُتّبع، ولا في طريقة توزيع الثروة. وهناك معارضات وطنية تسعى صادقةً إلى إنقاذ البلاد، عبر برنامج طموح يشمل تغيير كافة البُنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. والتوجّه نحو دولة علمانية ديمقراطية قوية وعادلة. وفي كل الأحوال، فإن هذه التقسيمات ستتلاشى مع الحل السياسي، وستصبح المعادلة الثنائية كالتالي: ناهب ومنهوب، ظالم ومظلوم.. وقد تكون لكلتا الصفتين وجوداً في صفوف المعارضة وفي صفوف النظام كما هو الوضع حالياً. وعلينا أن نسارع بعملية الفرز وفضح الناهبين والظالمين أنّى كان تواجدهم. وبغضّ النظر عن موقع اصطفافنا. فهذه هي سمات المعركة القادمة في سورية الجديدة. وبعد أن أنهيتُ جوابي، وقف المضيف صاحب البيت متحمّساً وهتف: بالروح، بالدم، نفديكِ سورية.. وطبعاً ردّد بعض الحضور معه هذا الهتاف بأصواتٍ متفاوتة الشدّة وهم يبتسمون. بينما عقّبتُ قائلاً: - حتى هذا الهتاف الحضاري والجميل، فإنه يحمل في طيّاته – على الأقلّ لديّ – ذكريات أليمة ومُرّة. وأتمنى عليكم اجتراح هتافاتٍ جديدة تليق بسورية العظيمة.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عويلُ ثعلبة
-
ما حدا أحسن من حدا..
-
إنك تبالغُ يا عزيزي!
-
أنا مريضة يا أبي!
-
«شُبّيك لُبّيك!»
-
قوس قزح
-
البؤس في كل مكان!
-
تفوَّقتْ عليَّ طفلة!
-
إلّا المذلّة!
-
شهيدُ الغرام
-
آه يا بيروشْكا!
-
جريمة ولا عقاب!
-
حسناءُ الرصيف
-
لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
-
ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
-
فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
-
جعلوها مُومِساً
-
مُتْ قاعداً!
-
بانتظار الفجر
-
الغلاسنوست والبيروسترويكا
المزيد.....
-
مصرع 7 أشخاص وإصابة 25 آخرين جراء انقلاب حافلة في مصر
-
رحلة الـ5 سنوات.. ناسا تطلق مهمة البحث عن حياة على -قمر المش
...
-
غارة إسرائيلية على الشمال اللبناني تخلّف عشرات القتلى، وواشن
...
-
ما هي الشروط الإسرائيلية لوقف الحرب على لبنان؟
-
المملكة المتحدة: الشرطة في بوتون تعثر على مطلوب مختبئ في مكا
...
-
هولندا تحاكم -داعشية- بتهمة استعباد امرأتين إيزيديتين
-
وزير خارجية الصين يدعو لتجنب تصعيد التوتر بين إسرائيل وإيران
...
-
هجمات حزب الله تربك حسابات إسرائيل
-
مسؤول أمني إسرائيلي: الهجوم على إيران سيكون قويا ويجب الاستع
...
-
إسرائيل تستهدف اليونيفيل بلبنان ومغردون: خطوة للتوسع والسيطر
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|