أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - أنا مريضة يا أبي!















المزيد.....

أنا مريضة يا أبي!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6941 - 2021 / 6 / 27 - 00:21
المحور: الادب والفن
    


نهضَتْ من فراشها متثاقلةً. ومشَتْ بِضعَ خطوات. أحسّت بدوارٍ مفاجئ وصداعٍ في الرأس. عادت مرةً أخرى إلى سريرها وجلسَتْ. وضعَتْ راحتها على جبينها تجسُّه، شعرَتْ بحرارتها مرتفعة. حاولت بلع ريقها، وجدت صعوبةً بسبب آلامٍ في حلْقها. تلمّسَتْ أعلى عنقها موضع اللوزتين، ألْفَتْهُما متضخمّتين. نهضَتْ مجدّداً واتجهَتْ إلى الصالون. كان والدها يستمع بضجرٍ إلى نشرة الأخبار عن القمّة الروسية الأمريكية وآراء المحلّلين السياسيين، وتركيزهم على عدم تطرّق القمّة للملفﱢ السوري بتوسّع، كما كانوا يأملون. وابتدرتْه قائلةً بنبرةٍ حزينة وصوتٍ مبحوح:
- بابا، حرارتي مرتفعة. يبدو أنني مصابة بالتهاب اللوزتين!
خفَّض والدها صوت التلفزيون، وقد تملّكته أحاسيس من يتنبَّأ بسوء الطالع. قال في سرّه: «هذا الذي كان ينقصنا!». قام باتجاهها باهتمام لامساً جبينها وموضع لوزتيها، وتأكّد من صحّة تشخيصها.
ابنته سمر في الصف العاشر. وقد فضَّلتِ العيشَ مع والدها بعد انفصاله عن أمّها التي أخذت معها شقيقها سامر، كونه صغيراً لم يتجاوز السابعة من العمر. بعد أن اقتنع الزوجان بأن استمرارهما قي العيش المشترك، بات جحيماً لا يُطاق؛ بسبب تفاقم المشاكل بينهما يومياً، نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية في البلاد. وعجزهما عن تلبية متطلّبات الحدّ الأدنى من العيش الكريم. علاوةً على اصطفافه إلى جانب القوى السياسية المناهضة لنظام الحكم، ما قد يؤدّي في كل لحظة إلى اعتقاله مجدّداً. وهذا سببٌ إضافيٌّ لنفور زوجته منه. لا سيما بعد تذوّقها الويلات أثناء اعتقاله في المرة الأخيرة، عقب ولادة سمر بسنة واحدة، وبقائه مغيّباً عنها سنواتٍ طويلة. إلى أن تم الإفراج عنه بمرسومِ عفوٍ رئاسي.
حاول الكلام للتخفيف عنها، إلّا أن حنجرته خانته. تريَّثَ قليلاً وهو ينظر إليها يفكّر مهموماً، كيف سيشرحُ لها بأنه لا يملك ثمن الدواء. وخاصةً بعد ارتفاع أثمانه. قال لها بعد برهةٍ من الصمت، متظاهراً بأن الأمرَ هيّن ولا يدعو إلى القلق:
- سلامتك يا بابا! بسيطة إنشاء الله. يمكنك الغرغرة بالماء المالح الدافئ عدة مرات في اليوم. بالإضافة إلى مضغ الثوم.. صدّقيني خلال ثلاثة أيام سترتاحين تماماً. فأنا دائماً أجرّبُ هذه الوصفة الفعّالة. ونتائجها أكثر من عظيمة.
بصوتٍ أقرب إلى البكاء أجابت سمر:
- ولكني يا بابا لا أُطيق الثوم نيّئاً! كما أن الغرغرة تجعلني أتشردق وأسعل..
- يا حياتي، أنتِ ما زلتِ في مقتبلِ العمر، ولا أنصحك باللجوء إلى الأدوية كُلَّما دقَّ الكوز بالجرّة. دعي جسمك يعتاد على مناعته الذاتية في مقاومة الأمراض. هناك الكثير من الشعوب المتقدمة، بدأت بالتخلّي التدريجي عن الأدوية الكيميائية نظراً لأضرارها الجسيمة، والاستعاضة عنها بالتداوي بالأعشاب والذي يُسمّونه "الطبّ البديل".
أحسَّت سمر بعدم رغبتها في الجدل مع والدها. طأطأت رأسها ملتزمةً الصمت، وانكفأت عائدةً إلى غرفتها مكسورة الخاطر.
وقف والدها والحيرة والكآبة تلتهمان كيانه. عاجزاً عن أدنى فعل يمكّنُهُ من استعادة رجولته وكرامته، التي تُهدَر كل يوم بمتوالية «هندسية» مرعبة. وبدأ يتصاعد دخان الغضب في داخله. احمرَّت عيناه من شدّة الغيظ والقهر. واستحال وجهه في مثل لمح البصر، إلى الامتقاع والاحتدام والتوعّد. تذكَّرَ أن البلاد لا تحتمل المزيد من التظاهرات المندّدة بأوضاعها المزرية. فالبطش والتنكيل والاعتقال، وربما القتل.. في انتظار كلّ من تسوّل له نفسه التعبير ولو بشكلٍ سلمي عن معاناته في الشارع. لا أمل ولا ثقة له بالأحزاب المعارِضة الضعيفة، التي لا تختلف في معظمها عن الحزب الحاكم. ولا سند إقليمي أو دولي يمكن الاعتماد عليه في أية انتفاضة شعبية قادمة.
شعر بأنه سيختنق، سيتمزَّق، سيُصاب بالجلطة ما لم يتصرَّف.
أغمضَ عينيه وأخذ نفساً عميقاً وأمال برأسه إلى الوراء، مغلّلاً أصابعه في شعر رأسه بتوتّر. وسرعان ما اندفع خارجاً من بيته كالسهم. غير مكترثٍ بقدميه الحافيتين وشعره المنكوش، الذي يبدو وكأنَّ أُصْبُعَ ديناميت انفجر فيه. وقفَ في منتصف الشارع يتقادح الشررُ في عينيه. وجسده يرتعش بأكمله من شدّة الغضب. وانطلق يصرخ بأعلى صوته ويشوّح بكلتا يديه، وقد نزح من قلبه كل خوف:
- يا ناس، يا بشر، ولك يا قطييييع! لماذا لا تتحرّكون مطالبين بحقوقكم؟ علامَ الخوف؟ حياتكم كلها جوع وقهر وحرمان وعذاب وإذلال وعفس كرامات.. ماذا تنتظرون أكثر؟! ولك حتى الكلاب تنبح عندما تجوع منبّهةً مالكيها بحقوقها. استيقِظوا من سُباتِكم يا تنابل، ولك انهضوا يا، يا بجم..! ألا تخجلون من أولادكم وأحفادكم؟! عار صمتكم هو الذي سيُطيل من عُمْرِ مأساتنا.. ولك تفوووه على شرف كل واحد يرضى بالظلم، ولا يدافع عن حقه في الحياة بكرامة وعِزَّة وإباء!
توقّفت حركة السير في الشارع. وتجمَّعَ بعض الناس بدافع الفضول يراقبون. واقترب منه بعض الجوار مِمَّن يعرفونه مذهولين، وقد ظنّوا بأنه فقَدَ عقلَه تماماً. وعكست الأعين جفولاً سرعان ما تُرجِمَ إلى انفضاضهم من حوله كأنهم يهربون من وباء. هرع صوبه صاحب الدكّان الذي يقترض منه أبو سامر عند الحاجة، وضمَّه إلى صدره بمودّة وهو يهمس بإذنه:
- تعال معي يا جار. سأُغلِقُ دكّاني ونذهب سويةً إلى بيتك لنشرب القهوة معاً.
انتفض أبو سامر وعيناه تشعّان لهيباً، مخلّصاً نفسه بصعوبة من ذراعَي الدكّنجي وهو يهتف بضراوة:
- ولك أصلاً ما عندي قهوة لنتزقَّمها منذ أكثر من أسبوع.. افهمْ بقى!
ردَّ بإشفاق:
- ولا يهمّك يا جار، سأجلب معي ظرف قهوة من دكّانتي.. لحظة وأعود إليك.
مسح أبو سامر عينيه بظاهر كفّه. وسط جعير السيارات احتجاجاً على عرقلته للسير. تأمَّلَ بناظريه الشارع الطويل المزدحم، والذي تحكي فيه كل بنايةٍ على جانبيه، الكثيرَ من الآلام والمعاناة المزمنة. وقذف سيلاً من الشتائم بصوتٍ جَهْوَريّ، أراد أن يصلَ إلى كافة أرجاء البلاد. على كلﱢ من هو جبان وخانع فيها. وقفل عائداً إلى بيته يُبربرُ شاحباً ذابلاً. تتناهى إلى أسماعه تعليقات المارّة المتفاوتة في تضامنها معه، وشجْبِها للظروف التي أدّت به إلى هذه الحالة الحقيرة من الضيق والاضطراب.. والجنون!



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «شُبّيك لُبّيك!»
- قوس قزح
- البؤس في كل مكان!
- تفوَّقتْ عليَّ طفلة!
- إلّا المذلّة!
- شهيدُ الغرام
- آه يا بيروشْكا!
- جريمة ولا عقاب!
- حسناءُ الرصيف
- لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
- ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
- فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
- جعلوها مُومِساً
- مُتْ قاعداً!
- بانتظار الفجر
- الغلاسنوست والبيروسترويكا
- إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..
- شهامة طفل
- كراج مستعمل، ممنوع الوقوف!
- هل الشيوعيّون قِلّة في مجتمعاتهم؟


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - أنا مريضة يا أبي!