أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - جريمة ولا عقاب!














المزيد.....

جريمة ولا عقاب!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 11:17
المحور: كتابات ساخرة
    


كلما صدر مرسوم عفو عن الجرائم المرتكبة، أعيش حالة من الغبطة والسرور وأقول في نفسي: «ها قد نفدتُ من المساءلة القانونية عن جرمٍ لا شكّ أنني ارتكبته بـ(نظرهم!)». ربما لأنني أعمل بالحقل السياسي المعارض منذ حوالي خمسين عاماً. ودائماً يحوم شبح الاعتقال في أجوائي النفسية بسبب الضعف الشديد لمنسوب الحرّيات. فليس أسهل على السلطات المختصة من تلفيق تهمة ما، تودي بي وبأمثالي إلى غياهب الظلمات. هذا إذا اضطرّت إلى التلفيق. فما بالكم وأنني لا أشك مطلقاً من أنني بالتأكيد مرتكب سرّاً ما يخالف القانون؟
أذكر أنني حضرتُ سهرة تلفزيونية بالأبيض والأسود منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكنني للأسف لم أعد أذكر اسمها أو أسماء الممثلين والمخرج والكاتب.. إلّا أنها أثّرت بي كثيراً، وما زلتُ أذكر ملخّص قصتها المشوّقة والمثيرة على الوجه الآتي:
رجلٌ يقود سيارته في ليلةٍ عاصفةٍ ممطرة. تتعطّل السيارة على الطريق قرب إحدى البلدات. فيلجأ إلى أقرب بيت يصادفه مستنجداً، عساهُ يستدلّ على ميكانيكي. يستقبله صاحب البيت ويوضّح له أنه أن البلدة صغيرة وتخلو من مصلّحي السيارات. ويقترح عليه المبيت لديه حتى الصباح. ولمّا كانت الخيارات الأخرى معدومة لدى السائق، فقد وافق شاكراً على استضافته.
وحيث أن الكهرباء مقطوعة بسبب العاصفة، فقد كانت سهرتهم على ضوء الشموع. اقترح صاحب البيت على ضيفه أن يلعبوا لعبة غريبة لتمضية الوقت في هذا الليل الطويل. خلاصتُها، أن كل إنسان في هذه الدنيا سبق وارتكب جريمة ما، لم يطلْها القانون بسبب سرّيتها. وطبعاً كلمة جريمة تعني مخالفة القانون (من مخالفة السير إلى ارتكاب جريمة قتل). على أن يمثّل الضيف دور المتهم، والمُضيف دور المحقق. فوجئ الضيف بهذه اللعبة المدهشة واستوضح عنها، فأجابه المُضيف:
- دعنا نقول أنك أنت الآن في قسم تحقيق للشرطة، أو في قفص الاتهام في محكمة. وأنك تبرّر ارتكابك للجريمة التي اقترفتها. مبيّناً مجموعة الأسباب التي دعتك لارتكابها. وأنا سأكون المحقق، أو ممثل النيابة العامة لا فرق. وسنمضي السهرة نتسلّى معاً؛ أنت تضع مبرراتك مدافعاً، وأنا أحاصرك بالقوانين وبشناعة تصرّفك، المخالف للعادات والتقاليد والأعراف ومنظومة القيم الإنسانية والأخلاقية.. هيّا، تفضّلْ واذكرْ لنا ما هي الجريمة التي ارتكبْتها، وما هي الأسباب؟
ذُهِل الضيف من هذه اللعبة الشرّيرة، وشعر أنه في ورطة حقيقية. فهو دون أدنى شك، مرتكب في حياته كغيره من البشر، الكثير من الجرائم دون أن يسمع بها أحد. حاولَ التملُّصَ من هذه اللعبة المقيتة التي ستفضحه، متذرّعاً بأنه متعب من السفر، ويرغب بأخْذِ قسطٍ من الراحة والنوم. لكن، وأمام ضغط وإصرار المُضيف على خطّته الجهنّمية في تزجية الوقت، أذعن الضيف أخيراً وطَفِقَ يفكّر بأيّة جريمة سيفتتح..
وتبدأ اللعبة بين الطرفين، ويعترف الضيف في سياق التحقيق بإحدى جرائمه. ليتبيّن للمشاهد أنه ما من إنسانٍ على وجه الأرض، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، إلّا وارتكب جريمة ما، وبقيت في منأى عن أعين السلطات المعنية. ولو أن مرتَكِبوها ضُبِطوا، لاحتجْنا إلى مئات آلاف السجون الإضافية في العالم.
قصة السهرة ممتعة ومعبّرة، ولها دلالات وأبعاد سيكولوجية. من أن الإنسان خطّاء بطبعه، نتيجة جُملة من العوامل والظروف. وهيهات أن نصل إلى مرحلة من الرُّقيّ والتحضُّر والإحساس العالي بالمسؤولية، بحيث يسلّم المرء نفسه خلالها للسلطات المختصّة ومن تلقاء ذاته، معترفاً بجريمة ارتكبها، ولا يعلم بها أحدٌ غيره.
تُرى، هل سأعيشُ وأُعاصِرُ نظامَ حكمٍ أُسلّم فيه نفسي لسلطاته، لأنني بلحظةِ غضبٍ وقهر، شتمتُ في سرّي، رموزه القيادية المسؤولة عن انقطاع الكهرباء عن بيتي خمس دقائق، دون أن يعتذر أيّ مسؤول عن هذا الخطأ الجسيم، الذي سبّب لي الاستياء الشديد، ما جعلني أخرجُ عن طوري؟!



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسناءُ الرصيف
- لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
- ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
- فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
- جعلوها مُومِساً
- مُتْ قاعداً!
- بانتظار الفجر
- الغلاسنوست والبيروسترويكا
- إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..
- شهامة طفل
- كراج مستعمل، ممنوع الوقوف!
- هل الشيوعيّون قِلّة في مجتمعاتهم؟
- أين أختبئ يا ناس؟!
- ما أمرّ قهوة الجنرال!
- حاضر معالي الوزير!
- طائر البلشون
- كاسة قهوة ومحرمة وطابور..
- هل يكمن الحلّ بقتْلِ كِبار الفاسدين؟
- أرجوك لا تقاطعني!
- «ماذا وراء هذه الجدران؟»


المزيد.....




- المكتبات المستقلة في فرنسا قلقة على مستقبلها في ظل هيمنة الم ...
- نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيس ...
- -ذا سينرز-.. درس في تحويل فيلم رعب إلى صرخة سياسية
- عاجل | وزير الثقافة العراقي: سلمنا الرئيس السوري أحمد الشرع ...
- معرض أبو ظبي للكتاب ينطلق تحت شعار -مجتمع المعرفة.. معرفة ال ...
- الدورة الـ30 من معرض الكتاب الدولي بالرباط تحتفي بالشاعر الم ...
- إحالة نجل الفنان محمد رمضان لمحكمة الطفل.. التفاصيل كاملة
- -ليلة الموسيقار طلال-.. محمد عبده يستكمل استعداداته لحفله ال ...
- ترميم خرائط نادرة يحيي الأمل في الحفاظ على تاريخ ليبيا
- بدء الدورة الـ39 لمعرض تونس الدولي للكتاب


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - جريمة ولا عقاب!