أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عويلُ ثعلبة














المزيد.....

عويلُ ثعلبة


ضيا اسكندر
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6951 - 2021 / 7 / 7 - 18:42
المحور: الادب والفن
    


كنت وصديقي منذ أيام نقضي وقتاً ممتعاً في بيته الجبلي على ضفاف بُحيرة سدّ نهر الكبير الشمالي. وعند أول المساء، ونحن جالسان على الشرفة نراقب سحر الغروب، تناهى إلينا صوت حيوانٍ حزين يعوي على مقربة منّا في الغابة الحراجية المحاذية للبحيرة. تطلّعنا ببعض وأدَّينا دقيقة صمت تلقائية، نصغي إلى هذا الصوت الذي أسمعه لأول مرة في حياتي، رغم اهتمامي بعالم الحيوانات والطيور. وتكرّر صوت هذا الحيوان بمعدّل مرّة كل عشر ثواني. وقد فسّرته على أنه تعبير عن حالة وجع شديد يعاني منه. سألت صديقي المعروف عنه بمعلوماته الموسوعية بهذا الصدد؛ كونه أمضى شطراً مديداً من حياته في الريف الساحلي، عن سرّ هذا الصوت. فأجاب:
- إنه صوت أنثى الثعلب والتي تسمّى (ثعلبة). ويبدو أنها في مرحلة الدّورة النزوية، تستدعي الذكور من خلال هذه الأصوات.
قلتُ له وأنا في حالٍ من الدهشة والارتياب:
- لكن صوتها حزينٌ جداً وكأنها في مرحلة خطر! ألا يوجد احتمال آخر؟!
- نعم. هناك احتمالان: إمّا أنها تتوجّع من آلام الولادة. أو أنها تُصدِرُ هذه الأصوات دفاعاً عن جرائها من خطرٍ محدقٍ يحيق بهم.
أصغينا مجدداً إلى الثعلبة التي بدأ عويلها يبتعد تدريجياً، ما يدلّ على نفي الاحتمال الأول (الولادة). إذ من المعروف أن الثعلبة تلتزم وكرها ولا تغادره قبل إتمام عملية الولادة. وفي هذه الأثناء يزوّدها الذكر بالطعام. وطالما أن صوتها يبتعد، فهذا يعني أنها تنتقل من مكان إلى آخر. إذن هي في حالة الخصوبة وتستدعي الذكور. ولكن هذا العويل الحزين لا يمكن تفسيره إلّا أنها في حالة دفاع عن نفسها وعن صغارها. ما جعلها تنتقل بهم من مكان إلى آخر أكثر أمناً.
اشتعلت لديّ مشاعر التضامن مع هذه الأنثى التي تدافع بضراوة عن صغارها ضدّ الوحوش الكاسرة كما خمَّنت. وتخيّلتُ كيف يحتمي صغارها بها مذعورين غير قادرين على الدفاع عن حقهم في الحياة بسبب قِواهم الهزيلة. وكم ستكون فجيعة أمّهم فظيعة وهي تشاهد مصرعهم وتمزّق أجسادهم الدامية.
فجأةً اندلعت فكرة في نفسي فقلت لصديقي بنخوةٍ بدويّة:
- ما رأيك أن نهرع لنجدتها ومن معها؟ لم أعدْ أحتمل هذا الصوت المعذّب رغم ابتعاده.
رسم صديقي ابتسامة وديعة على وجهه وهو ينظر باتجاه مصدر الصوت. وتريَّثَ قليلاً قبل أن يُجيب. وهو المشهود له بعقلانيته وابتعاده عن ردود الأفعال الارتجالية، وقال:
- أقدّر أحاسيسك المرهفة، وشعورك المتعاطف مع المظلومين، واستعدادك الدائم للوقوف معهم ضدّ ظالميهم. ولكن يا صديقي ما ينطبق على البشر، لا ينطبق على عالم الحيوان.
ألححْتُ عليه بلهجة المستغيث:
- أرجوك! دعنا نتوجه إلى مكان الثعلبة. فلْيحملْ كلٌّ منّا عصا طويلة، لنقف إلى جانبها وندافع عنها..
رمقني بنظرة طويلة، ثم ابتسم مجدّداً وأشعل سيجارة، ورفع كأس العرق بيده مقرّباً كأسه بكأسي ليدقّا ببعضهما وقال:
- بصحّتك يا صديقي الثوري.
وارتشف من كأسه رشفةً وأجاب بهدوء الحكماء:
- طيب، لنفترض أننا قمنا بمهمة الدفاع عن الثعلبة وأزلْنا الخطر عنها. هل يعني ذلك، أنها لن تتعرّض مستقبلاً إلى ذات المخاطر؟ وهل نحن جاهزون للدفاع عن كل الحيوانات والطيور التي تتعرّض للهلاك يومياً بسبب قانون الطبيعة الذي نظّم عالم الحياة البرية؟! يا صديقي، دعنا نفكّر بكيفية رفع الظلم والقهر والعذاب من حياة البشر. ولْنترك الحيوانات تبتدع وسائلها في الدفاع عن نفسها وفي صراعها من أجل البقاء.. وهي ليست قاصرة عن ذلك.
ابتعد صوت الثعلبة ولم أعد أسمع عويلها الذي تلاشى أثناء جواب صديقي.
جلْتُ بناظري إلى القرى المتناثرة على سفوح الجبال، لاحظتُ جميع بيوتها تفتقر إلى الإنارة النظامية بسبب التقنين الكهربائي الطويل. وتذكّرتُ أن هذه القرى منكوبة كشقيقاتها المدن. فهي محرومة من كلّ ما يمتُّ للحياة اللائقة بصلة؛ إلى الماء، إلى رغيف الخبز، إلى الحرية، وإلى الكثير الكثير من الكرامة الإنسانية التي تُهدر كلّ يوم، بفعل السياسات الظالمة للحكومات المتعاقبة التي تفتكُ بنا وبشراسة منذ عقود.
تردّد صدى جواب صديقي في سماء تفكيري: «دعنا نفكّر بكيفية رفع الظلم والقهر والعذاب من حياة البشر». وطَفِقْتُ أكرّرُ هذا القول كلمةً كلمة في داخلي، وأنا أتأمّل سكونَ البُحيرة، وصمتَ الطيور، والهدوء الكثيف الذي يلفُّ المكان. وتساءلتُ في سرّي: هل كل ذلك، يُنذِرُ باقتراب العاصفة؟



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما حدا أحسن من حدا..
- إنك تبالغُ يا عزيزي!
- أنا مريضة يا أبي!
- «شُبّيك لُبّيك!»
- قوس قزح
- البؤس في كل مكان!
- تفوَّقتْ عليَّ طفلة!
- إلّا المذلّة!
- شهيدُ الغرام
- آه يا بيروشْكا!
- جريمة ولا عقاب!
- حسناءُ الرصيف
- لستُ جميلة يا ربّي، طيّب ما ذنبي؟!
- ابني حبيبي، سنلتقي يوماً!
- فقرةٌ من حوارٍ يوميّ
- جعلوها مُومِساً
- مُتْ قاعداً!
- بانتظار الفجر
- الغلاسنوست والبيروسترويكا
- إنّا نُحِبُّ الوردَ، لكنّا..


المزيد.....




- -تاريخ العطش- لزهير أبو شايب.. عزلة الكائن والظمأ الكوني
- 66 فنا وحرفة تتنافس على قوائم التراث الثقافي باليونسكو
- فنان من غزة يوثق معاناة النازحين بريشته داخل الخيام
- إلغاء حفلات مالك جندلي في ذكرى الثورة السورية: تساؤلات حول د ...
- أصوات من غزة.. يوميات الحرب وتجارب النار بأقلام كتابها
- ناج من الإبادة.. فنان فلسطيني يحكي بلوحاته مكابدة الألم في غ ...
- سليم النفّار.. الشاعر الذي رحل وما زال ينشد للوطن
- التحديات التي تواجه التعليم والثقافة في القدس تحت الاحتلال
- كيف تحمي مؤسسات المجتمع المدني قطاعَي التعليم والثقافة بالقد ...
- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضيا اسكندر - عويلُ ثعلبة