أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - شاعر يعيش اللامعقول مسرحا وحياة..















المزيد.....



شاعر يعيش اللامعقول مسرحا وحياة..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6953 - 2021 / 7 / 9 - 13:51
المحور: الادب والفن
    


في رحاب المنتدى العربي الاوروبي: ندوة عن تجربة حكمت الحاج.. شاعر يعيش اللامعقول مسرحا وحياة..
التقديم:
نصوص حكمت الحاج المسرحية والإيغال في اللامعقول، وتحدي اشكاليات الجغرافيا واللهجات.. تجربة مهمة تستحق الاحتفاء والاستكشاف والتدارس، تم تدارسها في ندوة خاصة تحت عنوان "المسرح الشعري بين نص الكتابة ونص العرض" ليلة الثالث من يوليو 2021م وذلك ضمن فعاليات الملتقى الأول للنص المسرحي في رحاب المنتدى العربي الأوربي للسينما والمسرح، المنعقد للفترة من 1 إلى 9 يوليو/ تموز 2021، عبر منصة زووم على الشبكة العنكبوتية.
اللقاء مع الشاعر والكاتب العراقي حكمت الحاج حمل العديد من الأسئلة المفتوحة حول تجربته في المسرح، لاسيما تجربة مسرح اللامعقول، في مُساءلات حول نص الكتابة ونص العرض، وشارك في الأمسية وحضرها ثلة من النقاد والأدباء والفنانين، وهم: الدكتور أصيل الشابي الكاتب والناقد التونسي المعروف، والناقدة والقاصة التونسية الاستاذة عواطف محجوب، والناقدة التونسية والباحثة لامعة العقربي، والناقد التونسي الاستاذ عبد الجليل حمودي، كمتحدثين أساسيين، كما شارك في المناقشات الشاعر العراقي عدنان الصائغ والناقد الأردني الدكتور عاطف الدرابسة، وآخرين.
أدار الجلسة الكاتب اليمني والفنان حميد عقبي، رئيس المنتدى العربي الاوروبي للمسرح والسينما، رفقة الروائي والكاتب السوداني عماد البليك.
وقد تحدث البليك في البدء مستعرضاً سيرة الشاعر والكاتب حكمت الحاج التي كانت ثرية ما بين الشعر والكتابة الأدبية عموما والنقد والعمل في مجالات الصحافة والثقافة والعمل الإعلامي والنشر، الأمر الذي أكسبه تجربة عميقة جعلته مختلفاً في التجارب والإنتاج.
وذكر الناقد التونسي الاستاذ عبد الجليل حمودي بأن شخصية حكمت الحاج كسرت معايير سايكس بيكو في الزمن الجغرافي فهو إنسان تنقل ما بين البلدان من موطنه العراقي إلى العديد من البلدان، وحيث أقام في تونس وهناك حوّلت مسرحياته إلى اللهجة التونسية ومثلت على المسرح، وأشار بأن الحاج مهووس بتحطيم الحدود والإبداع المنفتح على الفنون الجديدة.
وقال بأن مسرح الحاج وإن كان هو من رواد اللامعقول إلا أنه ينتهي بنا إلى المعقول، وقد شكلت مسرحياته إضافة للمسرح التونسي، وخلقت مناخاً حوارياً سواءً للنقاد والمشتغلين في الحقل أو المسرحيين.
أما القاصة التونسية عواطف محجوب فقد تعرضت للملامح العامة لمسرح حكمت الحاج، مستعرضة تاريخ مسرح اللامعقول في أوروبا وتحطيمه للقواعد الأرسطية في المسرح.
وذكرت بأن الوجودية لها حيز خاص في هذه التجربة، وأشارت بأن مسرحيات الحاج تقوم على نظام الفصل الواحد، وهي تؤسس لصراع مع عالم غير مرئي، كما أنها تحمل طابع المونولوج الذي يعكس الصراعات النفسية المختلفة، بحيث يمكن القول بأن النتيجة هي دمى في مهب العبث وتأكيد تام للغياب، حيث تسود لعبة الظهور والتخفي.
وقدمت الناقدة التونسية والباحثة لامعة العقربي، ورقة بعنوان "الخطاب المسرحي بين اللامعقول واللامقول في تجربة حكمت الحاج المسرحية"، حيث أتت على تشريح بعض النصوص ومحاولة تأويلها بأدوات النقد، مفرقة ما بين طبيعة النص المقروء والنص المسموع والمرئي.
وتوصلت إلى أن شخصيات الحاج في مسرحياته قلقة وحيث البحث عن المعلوم من خلال اللامعلوم، مشيرة إلى التكاملية بين الشعرية والمسرح، وأن ثمة تاريخاً مشتركاً في الأساس بين الشعر والمسرح في التجربة الإنسانية، يتجلى في مسرحيات حكمت الحاج، كما توقفت عند فكرة المعنى السطحي والمعنى الثانوي وتعدد المعاني والتأويلات في فهم المسرحيات.
من جهته تعرض الشاعر العراقي عدنان الصائغ إلى شخصية حكمت الحاج الأدبية والثقافية وأثره على أجيال مختلفة في العراق وكيف أن كان يأتي دائماً بالجديد ثم يخرج منه ليكتشف جديداً آخراً، بما يجعله كاتباً وناقداً عابراً للأجيال.
وقال إذا كان الحاج يكتب مسرح اللامعقول فإن جملة تجربته الأدبية والحياتية هي في حد ذاتها، تحمل تجسيداً للامعقول، فهو مبدع عصي على الإمساك، هشّم الحدود.
الناقد الأردني عاطف الدرابسة، أثار قضية مسرح اللامعقول في علاقته مع السلطة، متسائلاً هل هو مسرح خائف من هذه السلطة، وقال بإن مسرح حكمت الحاج كما حكى هو شخصياً لا يقدم إجابات أو يبحث عن منحى رسالي، بل يعرض البعد الفني والغائية الأدبية، وأضاف بأننا نعيش في عصر القمع، والخوف، وأن ذلك ربما كان سبباً في الاتجاه لمسرح اللامعقول.
من جهته فقد أوضح الأستاذ حكمت الحاج إجابة على العديد من التساؤلات وتعقيباً على المداخلات بأن المسرح يتطلب رسالة في تأسيس مجتمع وأنه بعيد عن ذلك في تجربته مع مسرح اللامعقول، فهو ليس مسرحاً كالواقعي الاشتراكي أو أي من المدارس التي تنافح ضد السلطة، بأي شكل كان، حيث أنه مسرح يفتح سلطة المعرفة ويعمل على تهشيم البنية التقليدية ويقوم على لا جدوى الحياة والعالم في رحلة البحث عن المعنى.
كذلك أشار الحاج إلى أن تجربة كتابة المسرح باللغة الدارجة التونسية أو أي لهجة محلية كانت إنما يشير إلى أنه متمرد على قالب اللغة، مؤكداً على ارتباط اللامعقول بالعامية والمحكيات بشكل عام وأن هذه العودة إلى المحكيات إنما هي انعكاس للذات المتشظية.
وأكد حكمت الحاج أنه من خلال الكتابة الإبداعية يعيد اكتشاف نفسه، من خلال النص الذي يكتبه وهو ما يعرف بمفهوم المكاشفة الإبداعية.
الناقدة الدكتورة رائدة العامري قدمت مداخلة حول مسرح حكمت الحاج، ركزت فيها على أن شخصية الشاعر في مسرحية "أصوات" واستنتجت نقدياً ان المقصود في المسرحية هو شكسبير نفسه، واستشهدت بعدة تخريجات نقدية في هذا الإطار.
أيضا شاركت الدكتورة ذكرى صاحب، كذلك الأديب صبري يوسف الذي أكد على أن مسرح اللامعقول يقود إلى المعقول في النهاية.
حفلت الندوة الزاخرة بالأفكار بتشريح لبعض مسرحيات حكمت الحاج وشخوصه، وتساءلت حول بعض الأبطال مثل الشاعر وغيرهم وما الذي يمكن أن يحملونه من رمزيات.
وقد أشار البليك إلى أن الحاج لا يعترف بالسلطة في مسرحه، وإنما يتجاوزها بكتابته للامعقول، وأن لحظة ما بعد الحداثة هي مسار عالمي يتجاوز الأشكال التقليدية ويهشمها، وهو ما يفعله حكمت الحاج في فنونه المسرحية ومشروعه الأدبي عامة.
وأختتم الحاج بالتأكيد على أن ظاهرة الكورونا سوف تعيد ترتيب الكثير من الأشياء، وهي مرحلة اختبار حقيقي للعرب في الخروج إلى فنون جديدة ومفارقة الإرث المثقل، فعالم ما بعد الكورونا لن يكون حتماً كما قبلها في المسرح مثلاً حيث أن المسرح الجديد سوف يكون تباعدياً، وقد تنتهي فيه الكثير من الصور القديمة.
(تقديم بقلم الكاتب الروائي السوداني عماد البليك)
---------------------------

"مسرح اللامعقول عند حكمت الحاج: الخصائص والمميزات"..

* عواطف مـحجوب (ناقدة من تونس)

يبدو العالم مجرد كابوس مشحون بالحروب والصراعات والقطيعة والقلق والعزلة، في خضمه وجد الإنسان نفسه مضطرا للعيش وهو يقاوم من أجل التخلص من وضعه المزري. وللأسف، هذه المقاومة لن تعدو أن تكون سوى صعود جبل شاهق مع حمل ثقيل، يستنفذ قواه دون أن يصل إلى وجهته. في لحظة ضياع قصوى وقد خبا كل أمل بحياة فاضلة، سيتمرد الإنسان على واقعه الأسود، لكنه سيجد نفسه في مواجهة احتمالات عبثية صرفة، تخمد ثورته. فإما موت عن طواعية، وإما تبني مزحة سوداء تعبر عن خوفه ووحدته وهشاشته أمام العالم الذي يدفعه إلى التساؤل عن جدوى وجوده فيه. إنه اللامعقول الذي يسعى أن يعطي معنى جديدا للحياة والإنسان انطلاقا من اللامعنى واللاتواصل. في هذا الإطار، تتنزل نصوص حكمت الحاج المسرحية في محاولة جادة للإجابة على سؤال ملحّ: هل تستحق الحياة أن تعاش؟ مقتفيا آثار رواد مسرح اللامعقول كصمويل بيكيت، ويوجين يونيسكو، متأثرا بالأدب بالتجريبي، والوجودية كفلسفة.
إن المتأمل في سيرة حكمت الحاج سيلاحظ أنها سيرة خصبة مليئة بالتجارب والانشغالات، فهو صحافي من العراق يقيم في تونس، شاعر وكاتب مسرحي، دراماتورغ ومعد نصوص مشهدية. له الكثير من الإصدارات التي تنوعت بين الشعر والنقد. ونشر في مسرح اللامعقول تحديدا العديد من الكتب التي هي محور هذه القراءة نذكر أهمها: "دروس خصوصية" ، "جِنْ أو الموعد القاتل" ، "تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول" . وله تحت الطبع، بالاشتراك مع د. زينب بن ضياف، التي قامت بترجمة معظم أعماله إلى العامية التونسية، مسرحية "في انتظار غودو"، في نسخة متونسة مائة بالمائة، علاوة على كتاب مزمع صدوره قريبا تحت عنوان "مونو، ديو، تريو، درامات"، بالعربية الفصحى، ومن عنوانه واضح على ماذا سيحتوي هذا الإصدار المسرحي.
لقد شهد مسرح اللامعقول أوْجَهُ في خمسينيات القرن الماضي، وقد تأثر تأثرا جما بالفلسفة اللاعقلانية، وتمرد على مقومات المسرح التقليدي، مطلقا العنان للتجريب واللامنطق.
فما هي خصائص ومميزات هذا النوع من المسرح، من خلال تجربة الشاعر والمسرحي العراقي حكمت الحاج؟

في هذا السياق، يمكننا ملاحظة ما يلي:
كسر القواعد المسرحية الأرسطية:
ينزع الكاتب حكمت الحاج في كل نصوصه المسرحية إلى الاعتماد على الفصل الواحد المقسم إلى عدة مشاهد، أو أحيانا يقتصر على مشهد واحد طويل. هذا الفصل الواحد هو مختصر لوجود إنسان منعزل يعيش قطيعة مع الآخر، يقضي عمره على وتيرة واحدة، لا أنباء عن تغيير، ولا يُتوقع حدوث أي جديد في مستقبله. نستشف ذلك من خلال الحوار داخل النصوص والذي انبنى بلغة فقدت مقصدها الطبيعي بإعطاء المعنى وإنتاج الفهم، فغاب منطقها وأصبحت مجرد رموز لغوية تتبادلها الشخصيات فلا يتحقق هدف التواصل المنوط بطبيعتها وانعدم الفهم، مما نتج عنه غياب العلاقات الطبيعية بين الأفراد، وسقوط هذا الإنسان في غربة مقيتة. ولهذا سمي مسرح اللامعقول بمسرح اللاتواصل، وإن اللغة فيه هي مجرد أداة للسخرية، خاصة مع تحطيم الحدود بين الكوميديا والتراجيديا وجمعهما بكل تناقضهما في نوع واحد من المسرح. وإمعانا في الخروج على قواعد أرسطو، دارت أحداث المسرحيات في أمكنة وأزمنة غير معتادة، أفقدها المؤلف قيمتها بإغراقها في ظلمة حالكة، وغدت مجرد خلفيات تبعث الخوف في النفس، وتثبط الشعور الواعي بها. إذ بدت فضاءات الأمكنة ضيقة جدا غريبة ومنفّرة. فمسرحية "جن أو الموعد القاتل"، والتي حمل الكتاب اسمها ، دارت أحداثها في مخزن مهجور، ومسرحية "أصوات" التي وقعت مشاهدها في غرفة في طابق أعلى لمنزل قديم، أما مسرحية "دروس خصوصية"، فقد توالت ردهاتها في صالة الاستقبال في منزل أستاذ من الطبقة الوسطى. ونلاحظ أن الأمكنة غطتها وحجبتها ظلمة الإطار الزماني، فالمسرحيات جلها وقعت أحداثها عند المساء، وفق ما يجيء في الإشارات المؤطرة للمناظر في بداية كل مسرحية: "الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء، لقد حل الظلام تقريبا" (ص9، جن أو الموعد القاتل)، و"الوقت الآن بعد غروب الشمس بقليل" (ص47، جن أو الموعد القاتل)، و"الخلفية تمثل السماء التي تتغير باستخدام الإنارة من نهار ساطع إلى ليل دامس" (ص65، جن أو الموعد القاتل). لكأن هذه الأطر ليل طويل لا يتبدد يحاكي سوداوية الواقع. هوة مملوءة بالقاذورات والموت سقط فيها الإنسان ولا مخرج منها إلا بالعبور من نافذة قصية مهجورة قُدت من العبث.
لا مسرح بلا صراع:
في نصوص مسرح اللامعقول، بشكل عام، لا نجد تلك السيرورة التقليدية المتصاعدة نحو توقيت التأزم، ولا أثر لأية عقدة أو حدث قادح يعقبه انفراج. وبدلا عن ذلك نجد صراعا يمتد من أول النص إلى نهايته. ففي مستوى أول، نجد صراعا بين الشخوص التي تحضر وهي في حالة تأهب دائم وهجوم، منطلقهُ هو التباين الفكري، ففي مسرحية "أصوات" يحاول الشاعر الخائف الضعيف، وتحاول العجوز قوية البنية، فهم مصدر الأصوات القادمة، فيتحول ذلك إلى صدام:

الشاعر: لا أعتقد أننا نتحدث عن نفس الأصوات.
العجوز: انتبه، ها أنت ذا تجادلني وأنا لا أحب ذلك.
(تخرج العجوز، ويبقى الرجل وحيدا مرة أخرى)" (ص51)
وفي مسرحية "الملاك عازف الكمنجة" ، تلخص العجوز الصراع القائم بينها وبين الآخرين قائلة: "أرأيتم الطريقة التي يعاملون بها امرأة عجوزا؟ يجرجرونها من بيتها ويركبونها سيارة ويأتون بها إلى هنا.. من هناااااك إلى هنا.. يدفنونها في الرمل ويتركونها حتى تتعفن.. لماذا؟" (ص71).
إن التباين في النوع الإنساني أي الجندري، في مسرحية "جِنْ" يدفع بالرجل إلى أن يتحسس بكل استثارة مناطق حساسة من جسد الفتاة المتحولة من شبح إلى مانيكان إلى فتاة إلى امرأة، معللا ذلك بالسعي إلى المعرفة. وكذلك في مسرحية "دروس خصوصية" نلمح الصراع بين الأستاذ وأخته، وبينه وبين التلميذة، والذي يؤول إلى نتائج كارثية. هذه الحركة في الصراع من خلالها يحاول الكاتب أن يجعل الشخصيات نامية وتتطور بتقدم النص، لكن ذلك لا يحدث مع معظمها فتبقى ثابتة بالكاد تقوم بردود أفعال واضحة. وفي مستوى ثان نجد صراعا مع عالم غير مرئي مفارق. ففي مسرحية "جن" يجد الجاسوس بوريس يلتسين نفسه تحت مراقبة شديدة من قبل شبح لا يعرف مكانه. وفي مسرحية "أصوات" يجاهد الشاعر لمعرفة مصدر الصوت الذي يصله من الأسفل هل هو شبح أم شيطان. وفي مسرحية "الملاك عازف الكمنجة" ترى العجوزُ الشابَّ العازفَ، لكنها لا تعرف أنه ملاك الموت الذي ينتظرها ليزهق روحها. وفي كل هذه الوضعيات يكون الإنسان ضعيفا خائفا، لأنه لا يعرف خصمه من هو بالتحديد.
في مستوى ثالث، نجد صراعا نفسيا، وبخطاب داخلي كالمونولوج يكشف لنا المجهود الهائل ومحاولات مد جسور التواصل مع الذات. سينعكس ذلك على أقوال الشخصيات، الذي ينكشف للقارئ، ويبين حقيقة هواجسها وأفكارها وحالتها. في مسرحية "أصوات" على سبيل الذكر يقول الشاعر (لنفسه) لماذا أنا أرتعد، يجب أن أتماسك. يجب أن لا أشعر بالخوف مطلقا. (يرتعد من الخوف) كان عليّ أن أكتب شيئا ما". (ص49) وهو ما يجعلنا نتساءل عن طبيعة الشخصيات في نصوص حكمت الحاج المسرحية.
الشخصيات دمى في مهب العبث:
لقد اعتمد المؤلف على شخصيات لا يكاد يتجاوز عددها أصابع اليد في المسرحية الواحدة. هذا الاختزال في العدد يقطع مع المسرح التقليدي، ويكتفي بعرض نماذج بشرية تختلف بتغير موضوع الطرح في النصوص. فمثلا في مسرحية "أصوات" أو "الكلمات والأشجار" في نسختها الفصيحة، نجد ثلاث شخصيات، واحدة منها غير حاضرة جسديا بل تحضر كصوت فقط. وفي مسرحية "جن" نجد فتاة ورجلا يتقمصان شخصيات كثيرة. كذلك مسرحية "دروس خصوصية" تؤديها ثلاث شخصيات. واللافت أن هذه الشخصيات كلها قادمة من مناطق الظل المظلم، مغمورة ومجهولة تماما لا نعرف عنها سوى ما تضمنته الإشارات الركحية، فاقتصر الكاتب على وصفها وصفا خارجيا. فنجده مثلا في مسرحية "الملاك عازف الكمنجة" في تعريفه للرجل بأنه "أشيب ضئيل نحيل الجسم في الخمسين من عمره"، أو الجدة تلك المرأة ضئيلة الجسم سبعينية حسب تقديم الكاتب لها تحاول التعريف بنفسها داخل النص المسرحي "كان كي عمري سطاش سنا خذيت واحد زوالي فالس.. أنا مرا عزوزة مكملة" (ص38 تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول) هذا التعريف لم يقدم جديدا من أجل تحديد هويتها بدقة. وإن حدث وذُكرت أسماءها فإن الذاكرة لا تكاد تحفظها لأن الشخصيات تمارس لعبة التخفي والظهور إلى ما لا نهاية. فكأن المعطيات الشخصية يتم إخفاؤها عن قصد. ويقتصر الأمر على تقديم أمثلة تختصر كل الفئات، وتلخص فيها صورة كائن من درجة دنيا، إنسان ميت وهو على قيد الحياة في انتظار موت مادي. إنها دورة فارغة تتلقف هذا الإنسان وتعبث به ليصبح كأنه غير مرئي وغير موجود.
إنّ اقتصار الكاتب على التقديم المادي للشخصيات، يكشف عن كمّ التناقض بينها. على سبيل المثال، في مسرحية "أصوات" نجد الشاعر الذي يوحي مظهره بأنه سجين وليس له سوى الكلمات، وفي المقابل نجد امرأة عجوزا في يدها سوط ، كأننا بالضعيف في مواجهة القوي، وبالمسن أمام الأصغر عمرا، وبالمعرفة أمام الجهل، وبالاهتمام أمام التجاهل. هذا التنافر الجسدي المادي والنفسي يكشف أن هذا النوع من المسرح هو ضد التواصل وضد تكوين علاقات طبيعية، ويكرس فقط الفردانية.
صرخات من مسرح اللامعقول تتميز عن غيرها:
إن نصوص مسرح اللامعقول ليست سوى صرخات احتجاجية عن الوضع البائس الذي وصل إليه الإنسان ككائن جوهري في هذا العالم. ولئن تشابهت في القالب العام، وتخلت عن البناء الأرسطي، فإنها لا تخلو من ميزات خاصة تميزها عن البقية، وهذا ما نلمحه في نصوص حكمت الحاج التي اتسمت بِسِماتٍ أربع، وهي:
أ‌. الطابع السياسي: إن المتأمل في ردهات الصراع سيلاحظ الطابع السياسي الذي تكتسيه نصوص حكمت الحاج المسرحية. ويتجلى ذلك من خلال وجود شخصية "جان" في مسرحية "جن أو الموعد القاتل"، والتي في إحدى تحولاتها تحمل اسم "بوريس يلتسين"، نفس اسم الرئيس الروسي الأسبق، وقد عرفه الكاتب بأنه "جاسوس وعضو جديد في منظمة إرهابية" (ص7). اختيار الاسم والصفة لم يكن صدفة بل هو انتقاء واع، لأن روسيا ولسنوات طويلة كانت طرفا قويا في الحرب الباردة ونفوذها فيما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي، والكل يعرف باعها في الجوسسة، ودورها المخابراتي الذي يطال كل دول العالم . كذلك الخطاب داخل النص في حد ذاته والذي جاء في مجمله بصيغة الأمر من قبل شخصيات قوية متسلطة، فالشاعر في مسرحية "أصوات" كأننا به سجينا صودرت أوراقه تأمره سجانته التي تحمل سوطا "ابعد وآقف على جنب" (ص12 تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول)، والأستاذ يأمر التلميذة تباعا "هيا مالا ما عندناش وقت نضيعوه يعيشك يا مدموازال نبدو توا توا" (ص18 دروس خصوصية) أو وهو يخاطب أخته بلغة خشنة قائلا: "إلتوا ما كملت إنتي؟وزيد أختي أش مدخلك؟ هذيا حاجات تخصني أنا وأنا نعرف شنوا نعمل وشنوا ما نعملش". أما في مسرحية "جن"، فالسلطة الكاملة بيد الفتاة المتحولة من شبح إلى مانيكان ثم إلى فتاة تحمل سلاحا أوتوماتيكيا، إلى أن تتحول إلى فتاة عادية تجلس في المقهى وتحدد للجاسوس برنامجه وجدوله الزمني. العنف أيضا هو أحد تجليات الطابع السياسي والذي يولده الصراع، فنجد العنف اللفظي "أيتها الأشجار الخبيثة المسنة الشائخة القاسية" (ص 50 جن أو الموعد القاتل). والعنف في الحركة من خلال الإشارات الركحية التي تترجم لنا ردود الأفعال الحركية "تغلق النافذة بعنف" (ص13 تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول). والعنف المادي الذي يبدأ بالتحكم في الحركة: "تعود المرأة ومعها الرجل وهما يحملان الجدة من تحت إبطيها وهي متصلبة" (ص34) وينتهي بالقتل كما حدث في مسرحية "دروس خصوصية": "وبعد الطعنة الأولى يلاحقها بطعنة ثانية من السكين" (ص77). كذلك حضور المرأة المتسلطة في المسرحيات الثلاث تأمر وتنهي، تحمل سوطا أو عصا، تصفع وتنصح وتبحث عن حلول، وتقود عمليات جوسسة. كل أوجه العنف هذه تعلي كفة القوي الذي يفرض كلمته وسلطته مقابل إلغاء الآخر، وكأننا أمام معادلة سياسية ملخصها: إن لم تتبع سياستي، فأنت تعارضها، ويجب إزاحتك من الطريق.
ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أن تصوير أوجه العنف هكذا ليس تبريرا له، بل إن مجرد عرضه بهذه الدرجة من السفور هو إدانة مطلقة للعنف بكل أشكاله من قبل المؤلف، وليس هناك من مجال يضم هذا الكم من العنف سوى المجال السياسي.
ب‌. الطابع الذهني: رغم أن مسرح اللامعقول لا يقوم بتعديد أسباب الظواهر السلبية ومسبباتها واستعراض الآراء والأفكار أو التنظير، بل يذهب مباشرة إلى إظهار الإشكالات دون أي تفسير معقد، وإبراز نتائجها مباشرة بأسلوب مبسط جدا يستهدف القارئ البسيط، إلا إن هذا المسرح "لا يستثير العقل مباشرة" بل يحرك غريزته بالضحك في مقام أول عبر السخرية السوداء. لكن لا يمكن تجاهل الطابع الذهني الذي تتميز به نصوص حكمت الحاج المسرحية، وتأثره الواضح برائد المسرح الذهني توفيق الحكيم. فالخطاب داخل النص رغم بساطة لغته وغرابتها من حيث أنها فقدت منطقيتها ومعناها فإنه يحمل كمّا من الرموز والمعاني المنبثقة عن اللامعنى تشجع المتقبل على التأمل والتفكير العميق لاستنباط معنى حقيقيا. الأمر لا يخلو من متعة سريالية تحدث في الأحلام تتنزل إلى النص أو الركح فتصبح عبثية اللغة نوعا من الفلسفة الوجودية التي تطرح سيلا من الأسئلة يستطيع القارئ البسيط خوض تجربة البحث عن إجابات لها دون أي اتهام بالشعبوية.
ج. رحلة النص وتحولاته: للنص المسرحي عند الكاتب حكمت الحاج دورة حياة كاملة. فالنص الفصيح تتم ترجمته أو اقتباسه عن النص الأصلي باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، كمسرحية "الملاك عازف الكمنجة" المبنية على نص مسرحية "صندوق الرمل" لصاحبها إدوارد ألبي، ومسرحية "جن أو الموعد القاتل" مقتبسة عن رواية "جن" للكاتب الفرنسي ألان روب- غْرِييه، كذلك مسرحية "أصوات" أو "الكلمات والأشجار" المقتبسة من قصة قصيرة بعنوان "أصوات" للبريطاني غابرييل غوزبيوفتشي، وبطبيعة الحال فإن مسرحية "دروس خصوصية" معدة دراميا عن مسرحية "الدرس" ليوجين يونيسكو. كل هذه الترحلات يوثقها المؤلف حكمت الحاج، ليسمح لنا مرافقته الرحلة من النص الأصلي إلى ترجمته إلى الفصحى، إلى تدوينه بالعامية العراقية، وصولا إلى مغامرته الأخيرة إبان سني إقامته الطويلة في تونس، ودخوله عالم المحكيات التونسية الزاخرة، وتعاونه المثمر مع مترجمته الأثيرة الدكتورة زينب بن ضياف في نقل معظم نصوصه المسرحية إلى العامية التونسية، بل ووصل الأمر بهما إلى إصدارهما لكتاب مشترك بهذه اللهجة، وهو كتاب يحمل عنوانا كتب بالمحكية التونسية "تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول"، حيث جاء الكتاب بمسرحياته الثلاث، مزدانا بأسلوب سلس متخلصا من الرطانة اليومية، ومكتسبا إيقاعا جديدا تستسيغه الأذن. وفي رأيي فإن ذلك يدل على قدرة حكمت الحاج على الاندماج في المجتمع التونسي، خاصة على المستوى الفكري، وتمكنه من فهم نفسية الفرد التونسي بكل هواجسه وقلقه واضطراباته. وإن حدث وتحوّل النص إلى عرض مسرحي يعرض على الركح، فإن نصا جديدا يتولد ويرى النور على يدي المخرج، ينفذ فيه تصوره ورؤيته في ملاءمة بين النص المدون، والمتطلبات الركحية، ما يعطي للكاتب فرصة اختلاق نص آخر، كما صرح المؤلف بذلك في أكثر من مناسبة، لعلي شهدت إحداها إثر عرض مسرحية "أصوات" في مدينة بني خداش، حيث أشار إلى ذلك بكل وضوح . هذه الدورة والتي ترصف طبقات من النصوص تتلخص في أربع نسخ للنص الواحد، وأحيانا خمس، حتى يصل النص إلى الركح أين سيكتشف القارئ/ المشاهد حصول تغييرات جوهرية، كما حدت في مسرحية أصوات التي أخرجها الفنان جلال حمودي، والتي عرفت تغيير العجوز بفتاة في مقتبل العمر تحمل عصا عوضا عن السوط ولا يحافظ أبطالها على التباعد المعتاد بل ينخرطان في رقص وهما متعانقان ويتغير طبق الطعام الذي يبقى فارغا إلى آخر النص المكتوب إلى كتب تلقيها المرأة كطعام للشاعر، وكأني بالمخرج يحاول تقريب وجهات النظر وتقليص هوة التصادم حتى يعطي مشروعية لخطاب فقد منطقيته لكنه يتسم بشعرية تنضح بالمعنى.
د. شعرية النص: راوح حكمت الحاج في إنتاجه الأدبي بين القصة القصيرة، وقصيدة النثر، والنص المسرحي المكتوب، وبما أننا بصدد قراءة النص المسرحي فإننا نلمس أثرا للشعر داخله. فهل نحن أمام مسرح شعري؟
في المسرح الشعري عادة ما تتم الاستعانة بنصوص من الشعر العمودي أو من شعر التفعيلة، لكن الشاعر والكاتب المسرحي حكمت الحاج يكسر المتعارف عليه في معادلة جديدة، حيث تنهل نصوصه المسرحية من قصيدة النثر. فنجد خطابا يتسم بالشعرية والشاعرية وحضور قوي للإيقاع والصورة والانزياحات والاستعارات، ووجود شخصية الشاعر في مسرحية "أصوات" والذي يقول كلامه ضربا من الشعر القريب من الغناء "كم من جدار للرأس؟ إنني أتساءل. كم من جدار...أيتها الكلمات، تراقصي في المكان الخالي تراقصي تراقصي تراقصي". (ص49). وتقول شخصية العجوز في ذات النص: "أشجار تصرخ في وجه الريح.. جاء الشتاء وأحاط بالأشجار سجن من الثلوج حجب رؤية حدود أغصانها بوضوح. كانت تعلم أنها مسجونة هناك في الأسفل وعندما طلعت الشمس الباردة البيضاء خافت الأشجار من صورتها المنعكسة. (ص52)". وفي مسرحية "الملاك عازف الكمنجة" يقول الشاب: "لا إسم لي، وأحمل كل الأسماء. أنا هو الموت، صديق البشر". وفي مسرحية "جن"، يدور حوار بين شخصية الرجل، وشخصية "جون"، يعتبر قصيدة متكاملة:
- جون: الحب حزين.
- الرجل: الحب أعمى.
- جون: أنت حزين.
- الرجل: إذن أنا أعمى.
- جون: الحب أعمى.
- الرجل: الحب حزين.
- جون: أنت تحب.
- الرجل: إذن، أنت حزين. (ص 30).

والملاحظ أن كل نصوص حكمت الحاج المسرحية كتبت بنسق منتظم يخلو من الحشو والزوائد والتفرعات، وتم ترتيب مشاهدها وصورها على طريقة كتابة النصوص الشعرية، أفلا يمكن القول إن هذه المسرحيات تصب قالب في المسرح الشعري؟
إن اللغة وباعتبارها أداة التواصل بين أطراف الحوار وبما أنها في مسرح اللامعقول أصبحت مجرد أصوات خشنة مبهمة لا يمكن فهمها، فإن شعريتها في نصوص حكمت الحاج أخرجتها من هذا المأزق وقدمتها في قالب شعري يحكمه نسق وإيقاع، تلفه جمالية وسحر يجعل القارئ يتفاعل معها ويطلق العنان لخياله وفكره للوصول إلى المقصود المطمور، ويشجع الشخصيات على أن تتفاعل أكثر فيما بينها وتتخفف غربتها ويتطور الخطاب ويُلغى خيار الالتجاء إلى الصمت والقطيعة ،كما حدث في مسرحية "النادل" لهارولد بنتر، وهو من كبار كتاب مسرح اللامعقول في العالم.
لقد استطاع مسرح اللامعقول انطلاقا من بيكيت ويونيسكو إلى توفيق الحكيم ويوسف إدريس، الوصول إلى أعماق النفس وترجمة قلقها الوجودي وتصوير فقدان شغفها بالحياة وقبولها الدوران في حلقة عبثية مفرغة من المعنى والمنطق، لكن حكمت الحاج وبأسلوب تجريبي استطاع أن يعطي معنى لكل ذلك فخاطب العقل أولا، وأثار متعة التلذذ الجمالي، وأسس لنوع من الانتظام في قلب الفوضى.
-----------

في مسرح حكمت الحاج الملهم..

* د. أصيل الشّابي/ باحث وأكاديمي من تونس

مقدمة: للكتابة المسرحيّة وضع خاص يختلف عن أيّ كتابة أخرى، فإنّها محكومة بغضّ النظر عن نوع المسرح وعراقته أو جدّته بمواجهة الجمهور والاحتكاك به ضمن إطار الفرجة. ينشدّ في العرض المسرحي، في هذا الزمن بعينه وهذا الفضاء بعينه، الممثّلون والجمهور، في حين تتطوّر المشاهد وتتحقّق ممكنات العالم المسرحي بطريقة أو بأخرى. والسؤال الذي يُطرح، ههنا، هل يتسنّى لهذا كلّه أن يكون في غياب كتابة مسرحيّة ملهمة يتلقّفها الممثّل وينجرف نحوها المتفرّج، فيتحقّق ما يسمّى بالفعل المسرحي بكلّ ما يعنيه من تأثيرات ترتسم وخطاب له سمات فارقة. لا يجدر بنا أن نغفل، في هذا السياق، عن أسبقيّة الحداثة المسرحيّة العربيّة عن غيرها من الحداثات الأخرى الشعريّة وغير الشعريّة، فهذا بحدّ ذاته يدفعنا للبحث في مدى فعليّة تلك البدايات ومصيرها من خلال التجارب المسرحيّة الرّاهنة ومنها تجربة الكاتب العراقي حكمة الحاج التي اطّلع عليها الجمهور التونسي في عروض مسرحيّة "أصوات" التي حوّلتها د. زينب بن ضياف إلى العاميّة التونسيّة، وأخرجها على الركح جلال حمودي، وجلبت الانتباه أكثر فأكثر إلى بقيّة نصوصه المسرحيّة بنهجها اللاّمعقول أو العبثي، ومن أبرز أعلام هذا النهج الفرنسي صموئيل بيكيت بمسرحيّته المرجع "في انتظار غودو" والإنجليزي هارولد بنتر صاحب مسرحيّة "حفلة عيد الميلاد" و"الحارس" و"النادل الأخرس" على سبيل الذكر لا الحصر. ويظهر أنّ كتابة حكمت الحاج، انطلاقا من مشاغل الإنسان اليوم، معلّقة برهانات كبرى تتّصل بالحداثة ذاتها وصدور الإنسان الحديث والمعاصر عن مقولة العقل بوصفه وجاهة بحدّ ذاته، وهي مقولة تجد أصولها في عصر التنوير الذي رفع شعار العقل وألغى فرديّة الإنسان وألغى ذاته ممّا جعل العالم عبثيّا.
يتحرّك حكمت الحاج في ظروف شبيهة بتلك الظروف التي أحاطت بصموئيل بيكيت، والتي يمكن تلخيصها في وحشيّة الكينونة المسّماة إنسانيّة، فالعنف يملأ الأفق والجثث تغطّي مجال الرؤية والحروب تتوالى على العراق والعالم بلونها القرمزي المرعب، وإنّه يمكن القول أنّه كما نجا بيكيت من مكيدة الغستابو الألماني الفاشي وهرب إلى الرسم مع الرسّام هنري هايدن، نجا حكمت من حوادث لا تقلّ خطورة من الموت فارتحل هادما حدود الجغرافيا من الضيق إلى الحرّية، عابرا من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق، وقد ارتحل، في معنى أعمق، من جنس إلى جنس، من الشعر إلى القصّة إلى الكتابة المسرحيّة، ليجرّب أدواته على محور المغامرة التجربيبّة، ولاسيّما تجربة مسرح اللاّمعقول، حيث يستلهم التراث الإنساني من يوجين يونسكو في مسرحيّة "دروس خصوصية"، إلى الروائي الفرنسي صاحب الرواية الجديدة ألان روب-غرييه، إلى السويسري فريدريتش دورينمات صاحب مسرحيّة "زيارة السيّدة العجوز"، ويظلّ صدى مسرحيّة "في انتظار غودو" لبيكيت وأعمال الإنجليزي هارولد بنتر المسرحيّة المتنوّعة تتردّد بقوّة في أعمال حكمت الحاج بجامع تعميق أبجديّة مسرحيّة مستحدثة في كتابة النص قوامها تمفصل بين اللغوي والصمت ومنطق لعبي بين الكاتب وجمهوره يتجاوز المنطوق إلى الإشاري ويرجّ الذات من الداخل عبر كوميديا جارحة ومستفزّة تعيد الاعتبار للذات وتنزع عن المحيط الحياة التي نمارسها مثاليتها وزيفها.
تتميّز كتابة حكمت الحاج، في هذا الشأن بثلاث سمات لافتة من بين سمات أخرى تجعل منها كتابة دقيقة أوّلا وملهمة ثانيا: أمّا الأولى فهي سمة تدقيق الأطر، ويظهر هذا أكثر ما يظهر في كتابة المسرحيّة في فصل واحد وهو حال مسرحيّة "أصوات"، وأمّا السمة الثانية فهي الإلغاز المتعلّق بالشخصيّات، ويظهر هذا في الخطاب الإشاري الممهّد للمخاطبات، فالشاعر يمكن أن يكون مريضا نفسيّا أو غير ذلك من الاحتمالات الأخرى والعجوز يمكن أن تكون عسكريّة أو ممرّضة أو.. وأمّا السمة الثالثة فهي نظام المقابلات بين المحسوسات والمجرّدات، إذ تواجه الشخصيّة عبر الممثّل بحركاتها وسكناتها وصوتها وصياحها الموت، الذي يبتعد ويقترب منها. تؤسّس هاته السمات تأجيل المعنى، فالتدقيق الذي نجده اختصاري، تجعل المتفرّج على الركح يواجه نفسه أكثر منّا يواجه حياة أخرى كما في المسرح الكلاسيكي، ولربّما يشعر القارئ حيال المكان المدقّق ومحدوديّة الزمن بحضور ذاته الحميميّة، والشخصيّة الملغزة تستفزّه وتصل حيرته إلى ذروتها مع تداخل الحياة والموت. وتؤسّس هاته السمات لعمق الذات التي تجد نفسها بين لغة لا تقدّم معنى يبعث على الطمأنينة والصمت الرنّان والمدوّي الكائن بين مخاطبة ومخاطبة والكائن داخل كلّ مخاطبة. إنّ الشخصيات تجتمع في فضاء ضيّق، وهذا هو حال مسرحيّة" أصوات" ومسرحيّة "دروس خصوصية" وغيرهما، ولكنّ السائد هو اللاّتواصل الذي يعني تماما اللاّمعقول، ويترتّب عن هذا أنّه في اللّحظة التي ينهار فيها منطق اللّغة البراغماتي التواصلي عكس ما يُزعم ينهض منطق آخر يراهن عليه الكاتب ومداره إلى إلهام الممثّلين والقرّاء والمتفرّجين كلّهم.
يستتبع الإلهام تحوّل هؤلاء دون استثناء إلى كتّاب، بمعنى ما، للنصّ بشروط جديدة يستدعيها العرض المسرحي، فيكتب الممثلون أدوارهم، ويكتب المتفرجون أدوارهم، ويكتب القرّاء أما المكتوب أدوارهم على قاعدة ما تتيحه الكتابة ذاتها من احتمالات مضمّنة في الصمت، بل مضمّنة في شعريّة الصمت التي لا تتحقّق إلاّ بالنظر إلى الأقوال الماكرة والكوميديا المبطّنة بالسخريّة، كما لا تتحقّق إلاّ بالنظر إلى الحياة ذاتها، فالكتابة عند حكمت الحاج ترتدّ على المعيش وتحتكّ به، وهي سليلة إدانة العصر الفوضوي الذي جعل الناس مغتربين عن ذواتهم ومع ذلك يزعمون أنّهم يعرفونها. تحاول الكتابة المسرحيّة إثارة هاته المفارقة بجعل المتقبّلين قرّاء أو متفرّجين فاعلين ومسهمين في تكوين المعنى لا مجرّد متسلّين. والكاتب في كلّ هذا يقتصد في المعنى واللّفظ، وكلّما ازداد اقتصاده كلّما ألهم وكلّما ألهم كلّما أثار هاته الفوضى في الأذهان وعبث بالبديهيات وأفسد لعبة اليد الناعمة، يد السلطة، أيّ سلطة، تنشر ورود الطمأنينة والرّخاء في عالم يتلوّى تحت وقع الألم، والكاتب في كلّ هذا يُنصت لأعماقه ويكتب بجسده الذي هو جسد كلّ إنسان الطريق المتعرّجة الصاعدة إلى الذات.
-------------------------

الخطاب المسرحي عند حكمت الحاج بين اللامعقول واللامَقُول..

بقلم: * لامعة العقربي (ناقدة من تونس)

بعد اطلاعي على معظم ما كتب المسرحي حكمت الحاج توجهت صوب الخطاب، هنا لا نعنى به المفهوم اللغوي من كونه نظاما بموضوع محدد، إنما هو عبارة عن مقاربات تتعايش في ما بينها من خلال ملفوظ أو حركة ركحية نصية معينة.
ومن المتعارف عليه أن الخطاب المسرحي مقروء غير الخطاب مشاهد أو مسموع، فالخطاب في مسرحية "الكيخوطي" لا يختزل في الجملة التي تكونه إنما يتخطى ذلك للمشهدية التي تتجسد بالقوة في ذهن القارئ قبل مشاهدة الحدث المسرحي على الخشبة..
الكيخوطي أو فارس الظل الحزين لمن لا يعرفها هي مونودراما شعرية من مسرح اللامعقول وهي بمثابة ستاند آب كوميدي/ تراجيدية في الآن نفسه تبعث في القارئ شعورًا بالغرابة الإبداعية بتلك الدهشة الممتعة التي تكون ردة فعل طبيعية لكل عمل مكتنز بالمفارقات بين الجّد والهزّل والقريب والبعيد والفصاحة والعالمية وبين الذاتي والغيري الذي من خلاله يترك لنا الكاتب حرية التخيل ولذة اكتشاف الشخصية بكل ما فيها من ظاهر وباطن وقصد ولا قصد، ومعقولية ولا معقولية أيضاً.
هذه المسرحية هي انعكاس مؤلم للواقع بسيطة وجوهرية وكذا معظم أعماله أصوات ودروس خصوصية وغيرها ممن حملت في طياتها شخصيات قلقة دائماً باحثة عن وجود نعلمه لكننا لا نعلمه أيضاً..
وهذه المونودراما تدفعنا للبحث عن العلاقة القائمة بين المسرح والشعر باعتبارها عملاً يتكامل فيه الخطاب المسرحي بالشعر مما يضفي عليه جماليات ومتعة في الحضور، وحيوية تعبيرية تواصلية في ظل كل ذلك اللاتواصل العبثي الذي يقوم عليه مسرح اللامعقول، إنهما يشكلان تمازجًا حضوريًا مميزًا ناتج عن تلك العلاقة الأزلية بينهما ففي كل مسرحٍ عظيم هنالك لون من الشعر.
لئن كان مسرح العبث أو اللامعقول هو تفكير مستمر في الثوابت عبر دهاليز مظلمة مع عدد قليل من الشخصيات المسرحية في فضاء ضيق تغلب عليه العتمة أو محدود بجدران ونوافذ فإنه يحاول من خلال هذه الدعائم زعزعة استقرار وأمان البطل وإضفاء طابع البرود والغرابة والوحشة على المكان، لعل ذلك ما لاحظناه في خطاب ومكونات مسرحية أصوات أيضاً..
لدى كل متقبل لهذه الأعمال المسرحية وعي قائم بوجود معنى أكثر عمقًا مما يتيحه الفهم الأولي والسطحي وذلك من خلال فهم وإعادة قراءة الإشارات والرموز وأفعال الكلام العامية وما يحتويه من تضمينات موجودة في الحوار اليومي.. وفي سياق دراستنا لفارس الظل الحزين تنتابنا حيرة الكاتب وقلقه، وهو الذي يلعب لعبة الظهور والضمور التجلي والتخفي اللغوي فليس السؤال هنا، ماذا تقول الشخصية في المسرحية؟ ولكن السؤال ماذا تفعل الشخصية على المسرح لحظة قولها للكلام، ولماذا قامت بما تقوم به بالذات؟
في هذا النص لعبة لغة مسرحية لا نبحث فيها عن تأويل اللفظ بقدر ما نستفسر حول المتلفظ والإيديولوجيا التي ينطق عنها. يمكنني القول بعد قراءتي المسرحية وغيرها من النماذج أن اللامعقول هو مرتع اللامقول الضمني فمن خلال الإشارات، كما يقول في مسرحية الكيخوطي على لسان بطلها:
- "أنا (ينهض من جلسته ويركل الكرسي بقدمه بقوة...)"
ننظر لهذا القول كخطاب ضمني بكل علاماته الصمت والحركة وتموضع الجسد الذي يبوح بأكثر مما يبوح به اللفظ، كما يعد الإنجاز المسرحي تحقيقًا لمبادئ الخطاب الضمني فالعملية قائمة على منطق القول والتعبير داخل مسار يحدد نسق الأحداث تتحدث فيه الشخصية من خلال ما تقوله كما تتورط من خلال ما تفعل أيضاً.
بين المعقول واللامعقول حيث يكمن الخيال المبدع، الخيال الذي ينسج عالم المسرحية بجنون خفي متسترا وراء أقوال الشخصية وأفعالها وردود أفعالها، هذا السلوك الفردي الذي يحيل على الجماعي فينا. نجد في المسرحية ما لا نريد قوله وتخفي ما نريده فشخصياتها عبثية لكنها تقول اللامعقول تجسيدًا للمعقولية التامة تلك التي لا مفر منها إلا إليها، فالجنون في مسرحيات حكمت الحاج هو تعبير معرفي عن وعي ثقافي حضاري معين.
مسرحية "الكيخوطي أو فارس الظل الحزين" عبارة عن عقل يلامس اللامعقول، المخفي والمستور فكل عبارة يكتبها فيها مس من وعي، لعبة لغوية يقوم بها أو يصوغها على لسان شخصيته هي لعبة تقوم على الجنون المعرفي.
هذه البراءة في تناول موضوعات خطيرة تطرق لها الكاتب المسرحي في أكثر من عرض وفي أكثر من سياق ترتقي بالنص المسرحي إلى ما فوق مقولة الصدق والكذب، إنها تعانق اللامعقول في وتيرة خيالية تشاكل الواقع أو توهم به عبر الخيال المتقبل لهذا النص ففي الخيال قوة عقلية نتصور من خلالها كل شيء وربط الأحداث ببعضها كما حدث مع شخصية فارس الظل الحزين المسافر عبر محطات عدة تساعد على فهم المناخ العام المسرحية.
ولا أدعم هنا فكرة كون هذه الأعمال المسرحية خيالية، لا، بل إن كل عمل إبداعي فني يمر عبر الخيال ليتجسد إما بكامل عقلانيته أو بأشد درجات لامعقوليته كما هو حال هذه الأعمال التي بين أيدينا، حكمت الحاج مسرحي يجيد لغة الركح يعري ويلبس الأشياء والكلمات معان أخرى تليق بالإنسان المشاهد في كل عصر وكل زمان.
ولأننا لا نرغب في رؤية العالم وما يحدث اليوم كما هو بنظرة معقولة متزنة كان العبث واللامعقول هو المجهر الذي من خلاله وعبره نرى ملامح هذا الوجود.
حكمت الحاج عابث بالأشياء لا صانع لها والمسرح عنده فن لامعقولية المعقول.
_______
هامش: الكيخوطي أو فارس الظل الحزين، مونودراما شعرية من تأليف حكمت الحاج، منشورة كاملة في موقع "الحوار المتمدن"، عام 2019، على الصفحة الخاصة باسمه.
------------------------

الأبعاد الأيديولوجية والثقافية في مسرحيات حكمت الحاج

* د. رائدة العامري (ناقدة وأكاديمية من العراق)

لا يمكن الحديث بأي حال من الأحوال عن النصوص المسرحية الثلاث، التي ضمها معا كتاب (جن أو الموعد القاتل)، للكاتب المسرحي العراقي حكمت الحاج، والذي اخذ عنوان كتابه من عنوان نصه المسرحي الأول جن أو الموعد القاتل، فضلا عن مسرحيتي (الكلمات والأشجار، الملاك وعازف الكمنجة)، بشكل منفرد، إذ كونت المسرحيات متوالية يكمل بعضها بعضاً، ويوحدها المضمون/ الهدف، إذ تحمل رؤية ودلالية محورية عميقة تشكل امتدادها وصيرورتها وفق سياق المفاهيم والدلالات. فضلا عن حركتها الداخلية في الظهور والتخفي لتمرير الرؤى والأفكار. إذ يقول الكاتب ما يريده بمزج كامل لأسلوبه مع أساليب الآخرين.
لنقف على نص (الكلمات والأشجار) عن قصة قصيرة بعنوان (الأصوات) لغابرييل غوزبيوفيتشي. نلمح ثيمة الأنا والآخر في قراءة هذه القصة.
تعد قضية الأنا والآخر من أهم القضايا التي شغلت النقد الحديث حداثية وما بعد الحداثي، كونها تتعلق بخطاب السلطة / المركز والهامش، وهو خطاب قوة يهدف إلى إخضاع الأخر فكريا وجسديا.
يتجلى النصّ بناءً استثنائيا يحمل رؤية التجديد وذلك لتمرير أفكار وأيدولوجيات للآخر متجاوزاً كل قيد يقيد الفكر. فيحمل حمولات ثقافية مختلفة وثابتة ليسجل حضورا أيديولوجيا/ اجتماعيا، كالنقد السلطوي والمجتمعي. بتوظيف الكاتب النص برؤية مختلفة، وذلك لكسر الحواجز والرغبة في الهروب من الصورة النمطية بثيمة مقصودة.
والسؤال هنا من هو الشاعر وما هي طبيعة العلاقة الجدلية مع المرأة العجوز المجهولة النسب والماهية.. والذي يبدو أن الذات هي من جعلت منها مهيمنة. والدليل على ذلك إناء الطعام الفارغ.
يعود الكاتب إلى الحوار في كشف الجوانب المهمة في أحداثها كونها بوحا مباشرا بين الشخصيات القليلة ـــ والتي يدور حديث الحوار داخل الذات وخارجها على عنف وبطل واحد وهو شكسبير نفسه الشاعر، وذلك بقول:
العجوز: آه يا شكسبيري الجميل، أيها الشاعر، عندك استشهاد واقتباس على كل شيء. بينما أنت عديم الرحمة في داخلك.
وأكد القول الشاعر بإنه شكسبير وذلك بوضع علامة النقطة، دلالة على انتهاء من استفهام العجوز الأول. إذ يقول:
الشاعر: نعم، صدقتِ.
وقام بالرد مجدداً على استفهامها الآخر. قائلا:
الشاعر: أنه يقتل شخوصه بعيدا عن المسرح.
العجوز: من؟
الشاعر: شكسبير.
مقتربات كثيرة ومكنونات أكثر ودعوة للسخرية عما يجري من أفعال وأقوال، ودلالة مكانية مقصودة تستحضر عن طريقه الحيز بكل خصائصه المادية والفنية.
يذهب الكاتب إلى تفصيلات تعد اليوم من أهم المفاهيم النقدية، وهي استدعاء الرموز والرؤى ك (الصمت، الظلمة، غربة الذات، الرائحة التي تشير إلى الكراهية).
لكن لابد من القول أن الكاتب يملك وعيا قبليا بالقضية وبتقنياتها، ورمزية عالية ومن يفهم رمزيته ممكن أن يتكلم بحرية. عن طريق إثارة مواضيع وإشكاليات نفسية واجتماعية وقد ترك بصمة لدى الآخر وقد ترك استفهاما في البعض الآخر، وذلك للبحث في الواقع وماهيته لرسم ملامح أيديولوجية واجتماعية بصوت هادي في معالجة الموضوع، ذي مستوى عال يجعل من الآخر يستبعد اليأس بأسلوب لافت بإتقان وتجلي، مما يمنع القول إنها كتبت بمعيارية خارج سياق الزمان والمكان.
---------------------------

رحلة النص من الكتابة إلى الفرجة: قراء في مسرحية "أصوات"

* عبد الجليل حمودي (ناقد من تونس)

شاهدت في المدة الأخيرة مسرحية "أصوات" للمخرج التونسي الشاب "جلال حمودي". إنها مسرحيةٌ تؤرّقك بقدر ما تورق لك. في قمة التجريب هي. نصٌ يقضّ مضجع طمأنينتك ومسلّماتك في الحياة والإبداع. رؤية مسرحية أوغلت في الواقع حتى راح مجرّدا. من الرموز حيكت في لغة متأنّقة تخالها يوميّة محكية لكن سرعان ما يرتدّ إليك حكمك خاسئا. إنها عالم المثقف. إنها عالمك أيها الإنسان. شدّني إليها عمق فكرتها وطرافة نصها وحسن أداء ممثليها.
وبعد انتهاء المسرحية أشار المخرج أنّها سليلة نص عربي فصيح قدّه المبدع العراقي "حكمت الحاج" ونقلته إلى العامية التونسية "زينب بن ضياف"، فجال في خلدي سؤال رحلة النص من الكتابة إلى الفرجة . وماهي المسارات التي قطعها؟ وكيف تعامل المخرج مع النص الأصل؟
وجدت نفسي ميمّنا سبيلا معاكسا لسبيل النص فبدأت رحلتي من حيث أناخوا. شاهدته منسوجا على الركح يتراءى لي بين لعب ممثّليه وألاعيب مخرجه ثم دلفت أبحث فيه وقد نُسج بالعامية التونسية على ركح من ورق لا من خشب وانتهى بي الأمر إلى أصله العربي.
هذه الرحلة دعتني لكي أتوقّف عند النصوص الثلاثة الأولى أحاورها حينا وأسائلها أحايين أخرى علّها تبوح ببعض أسرارها فأغرتني ببعض التجلّي لكنّها لم تمنح نفسها كلّ المنح.
من المعلوم أنّ النص المسرحي يتميز بكونه نصا يرتحل من الكتابة إلى الفرجة. وفي هذه الرحلة تطرأ عليه تغيّرات تفرضها خصوصيّة كلّ من الكتابة والفرجة. فهو ظاهرة لغويّة يفيض فيها المعنى على اللفظ منسوجة من جمل تتحول إلى لغة درامية يكون الجسد فيها هو المهيمن إذ تتحوّل الأفعال والأقوال والأحوال إلى تجسيد صوتي حركي على الركح وبذلك تكتسب العلامات المسرحية دلالات ومعاني جديدة تزيد من ثراء النص في بنية الخطاب المسرحي كما يتحوّل المتلقي من قارئ إلى متفرج كان يتفاعل مع النص مابعديّا ليصبح يتفاعل مع النص حينيّا.
*العنوان
اكتشفت أنها نصوص تتمايز عناوينها رغم اشتراكها في المضامين. فعنوان نص حكمت الحاج "الكلمات والأشجار" يحيل إلى نص الفيلسوف الفرنسي "ميشال فوكو" "الكلمات والأشياء" وبين النصين وشائج. فإذا كان "فوكو" يدعو إلى تعاقد جديد بين كلام الإنسان وأشيائه فالكلمات لا تحيل دائما إلى الأشياء وإنّما قد تراوغ الإنسان فيبقى عاريا في المكان إلاّ من جسد يحدّد وجوديّته، فإنّ "حكمت الحاج" يدعو إلى تعاقد جديد بين الإنسان وكلامه وبين الإنسان والأشجار بما ترمز إليه من فضاء خارجي يعود دائما إلى داخل الإنسان فكأنّ لا شيء خارج جسد الإنسان فالكلّ واقع فيه.
إنّ الشخصية الرئيسية هو شاعر وممثل مسرحي سابقا. صفتان تدلّان على اسم جامع لا يشير إلى من ينظُم الكلام أو من يجسّده على الركح فقط وإنّما يختزل كلّ مبدع هو العالِم كما تحدّد في التراث العربي أو هو شخصية المثقف في العصر الحديث. تبدو علاقته بالكلام غير ما يفهمه الناس فهو يفكّر "خارج الصندوق" لا حدّ لتخيّلاته. يعيش عالَمه داخلَه. متوحّد هو. والكلام غير منتظم لا يستقرّ على صفة. إنّ الكلمات راقصات باليه في رأس المثقف تدور وتدور وتتمايل وتنثني في حركات دائمة منغّمة موقَّعة كأحسن ما يكون الرقص. يشاهدها بكلّ اندهاش و رغبة و تفاعل . يقول الشاعر "الأصوات في رأسي تهمس تدق تحترق تضرب تثقب تخرب تمشي تحترق... يااااااه أيتها الكلمات تراقصي في المكان الخالي تراقصي تراقصي تراقصي" .
بينما الآخر الذي تمثّله "العجوز" فلا يهمّه إلاّ اليوميّ من الأحداث، لا فكرة في الأعالي إلاّ غذاء لا يسمن ولا يغني من جوع لذلك تأمر "العجوزُ" "الشاعرَ" بلهجة قاسية "خذ. هذا طعامك" وتتأزم العلاقة بينهما لتباعد عالَميهما فتخاطبه "كفى. لقد تكلّمت كثيرا" . إنها تلعب دور الآمر العليّ ولا تدري بأنّ الكلام هو من يرفع الإنسان ولا تكتفي بهذا الحدّ بل تتّهمه بالهلوسة "أنت لم تبدأ بسماع الأصوات هذه أوهامك"
وكثيرا ما يتّهم المثقف بالجنون عبر التاريخ فلم تسلم حضارة من ذلك، ولعلّ "نيتشه" يلخّص ما يصل إليه المثقف في مجتمعه عندما يقول "عقلاء المدينة مجانينها".
كما يعتبر الآخرُ الكلامَ خطرا عليه فهو يعرف أنّه سلاح المثقف الذي لا رادّ له. فالعجوز تقول "انتبه، ها أنت ذا تجادلني وأنا لا أحبّ ذلك" . هروب واضح من الكلام لأنّ النتيجة واقعة تعلن هزيمتها - هزيمة الآخر أمام اللعب بالكلام الذي يفلح فيه الشاعر- المثقف جيّدا لذلك تأمره بإنهاء الحرب " كفى لقد تكلّمت كثيرا" .
ويتّسع هذا الاختلاف بين المثقف والآخر ليصبح لكلٍّ منهما عالمه. الأول يعيش عالم الإبداع وحريّة التعبير فيعلن عن ولادة جديدة "اسمعي لقد كتبت قصيدة" أمّا الثاني فيتلهّى باليوميّ ما يجعله يعيش الحد الأدنى البيولوجي لذلك تردّ العجوز مباشرة "جئتك بالطعام" .
كما يحيل العنوان "الكلمات والأشجار" أيضا إلى رواية عبد الرحمان منيف "الأشجار واغتيال مرزوق" وما مثّلته من الأشجار فيها من رمز للكرامة والعطاء والنبل والخير. فالأشجار هي تلك القيم الفضلى التي تعيش داخل الإنسان تحاوره فيخاف عليها ويخاف منها لأنّها تذكّره دائما بطفولته البريئة وما تحمله من شقاء داخلي لم يدركه أقرانه. لذلك استغربوا عندما بدأ "الشاعر" يتأمّل الأشجار وهو صغير "سألني الصبيّ قائلا: لماذا تنظر هكذا إلى الأشجار؟ " . واتّهموه بالخوف من الأشجار "إنّه خائف. والخوف يمنعه من الكلام" . هذه هي المفارقة بين طمأنينة العامّة - طمأنينة الإبل وقلق المثقف الدائم. فما يرونه خوفا يراه قلقا أبديا لذلك يحترز من الفضاء الخارجي - الأشجار الذي يخفي حقائق وكلما أدرك حقيقة غابت عنه أخريات. لذلك فهو دائم البحث لا يني عن المكابدة والتسآل المتواصل عن حقيقة ما وراء الأشجار. هذا الفضاء قد يتحول إلى معطى داخلي لذلك يكون المثقف دائم التأمّل داخله فينبع داخله الإبداع ونلاحظ أنّ إعلان الشاعر عن كتابة القصيدة "اسمعي كتبت قصيدة " جاء مباشرة بعد "قصة" الصبيان والأشجار.
إضافة إلى العنوان الكبير " الكلمات والأشجار" نجد لافتة تشير إلى أنّ نصه نص مسرحي مأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان "الأصوات" لـــ "غابريال غوزبيوفيتشي" ممّا حدا بناقلة النص "زينب بن ضياف" إلى العامية التونسية أن تستعيض عن عنوان النص المسرحي الأصلي بعنوان القصة القصيرة "الأصوات". فقد تكون رغبت في تقديم نصها على أساس أنّه نص أصليّ يعود إلى المنبع مباشرة فتتماهى في ذلك إبداعا مع "حكمت الحاج" فكأنّهما يمتحان من المنبع نفسه وتشاركه لذّة التأسيس، تأسيس النص، بل حافظت على العنوان معرّفا بالألف واللام "الأصوات" فأبرمت عقدا مع القارئ أنّ الأصوات المتحدّث عنها مشهورة لا وجود لغيرها. تلك النابعة من ذات الإنسان المبدع يلهج بها فتحدّد عالمه وتجعله قابعا فيه ويعبّر بها عن مشاعره وأفكاره فتكون دالّة عليه وثيقة الصلة به. هكذا خاطبت "العجوزُ" "الشاعر" قائلة "ماك باش تسمع حتى شَـيْ ما غير الحس لي خارج من بدنك " . أصوات صادرة من الجسد. تخرج نطقا وتعود إليه سماعا. كأنّه لا عالَم خارج الجسد. لا عالم خارج اللغة.
أمّا " جلال حمودي "فهو القارئ المتميّز باعتباره مخرجا للمسرحية فإنّه لم يكتف بتغيير هوية النص من كونه نصا مكتوبا إلى كونه نصا ممسرحا منجزا على الركح، بل تمرّد على صاحب النص الأصلي فاختار نفس عنوان قصة "غابريال غوزبيوفيتشي" إلاّ أنّه نكّره إلى "أصوات". إنّه يريد أن يتجاوز من سبقه في الاختيار مشيرا إلى أنّ الأصوات خاصة بكل فرد لا يعرفها الكلّ. فأصوات المثقف لا يدركها العامة من الناس فهي نوعيّة لا يرتقي إليها تفكيرهم ويظلون عاجزين عن فهمها. أصوات المثقف عظيمة إلى درجة تجعل منه يقترب من مرتبة الأنبياء. ألم يقل المتنبي الشاعر الجمعُ:
ما مقامي بأرض نخلة إلاّ
كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمة تداركها الله
غريب كصالح في ثمود

*الإشارات الركحية
يرى الكثير من النقاد أنّ الإشارات الركحية في النص المسرحي المكتوب هو نص يوازي الحوار الدرامي فهو عبارة عن فقرات يغيب فيها الحوار وتندثر أصوات الشخصيات ليعلو صوت الكاتب ويعلن من خلالها ما لا تستطيع الشخصيات إبلاغه عبر الكلام وقد تفتتح المشهد أو تكون خاتمة له أو تتخلّل الحوار وتنهض بوظائف متعدّدة إذ تساعد القارئ على تمثّل الشخصيات عبر صفاتها وأحوالها النفسية وتصوّر له الإطار المكاني بما يحتويه من أثاث وأشياء. إنّها تسهّل ما اعتاص عليه فهمه في الحوار فتجلي له الحركات الحسيّة على الركح وأصوات الشخصيات عن طريق التنغيم.
وعند دراستنا للمدوّنة موضوع البحث حاولنا أن نستجلي الإشارات الركحية في ذاتها ومدى تجسيدها في النص ممسرحا. يبدأ النص المكتوب بتعريف الشخصيات وتحديد ملامحها "الشاعر: في العقد الرابع من عمره. شاعر و ممثل مسرحي سابق وعاطل عن العمل حاليّا " لكنّ ذلك لا يلاحظ في النص بصفة مباشرة إلاّ من خلال إعلانه عن كتابة قصيدة " كتبت قصيدة " ثم يعرّف "العجوز" بكونها "امرأة في عقدها السادس. قويّة البنية وترتدي ملابس عسكرية يمكن أن تكون ممرّضة في مستشفى أمراض عقلية أو زوجة نكدية أو حتى أختا كبيرة تخطّاها الزمن برحمته " .
اختيار واع من الكاتب حتى يعمّق الصراع بين الشخصيّتين فهما يتباعدان في الجنس والعمر والصفات والأفكار وبذلك يدفع الصراع إلى أقصاه فكأنّ "العجوز" هي النقيض الأبدي "للشاعر". لكنّ المخرج يلطّف من هذا الصراع. فالممثلة لا يبدو على الركح أنها في عمر الشيخوخة حتى المكياج يبيّن أنّها في منتصف العمر femme de mature وذلك يتيح له عقد علاقة حب وإن كانت عابرة من خلال الرقص واقتراب الممثلين من بعضهما في حركات تشير إلى قبلة مفعمة بالحب. حتى العصا التي تحملها في يدها ترمز إلى التسلّط وقوّة القهر- بدل السوط الذي أشار إليه الكاتب في إحدى الإشارات الركحية- فإنّها تتحول إلى أداة للرقص وجذب "الشاعر" إليها علّها تبحث عن حضن غاب لمدّة. إنّه الحب القاسي. قساوة مستمرة يقطعها من حين لآخر حبّ لا يدوم.
ثم يعرّف الكاتب "الساكنَ" بأنه "رجل بلا ملامح يمكن أن يكون شبحا أو ظلاّ أو صوتا إلاّ أنّه بالتأكيد سيكون هو الشيطان نفسه" . لكنّ هذه الشخصية تغيب من المسرحية ممثّلا فوق الركح ليعوّضها صوت دون صورة. أو ما يعرف في المسرح بتقنية voix off التي وهبت المخرج حرية أكبر في التصوّر الإخراجي. وهنا ساعد الكاتبُ المخرجَ بأن ترك له حريّة الاختيار عن طريق حرف العطف (أو) منتهيا إلى تحديد الشخصية كونها "الشيطان". فكانت تلك التقنية المسرحية أفضل ما يعبّر عنها. ويصبح المتفرج يعيش نفس الحالة التي يعيشها الممثل فوق الركح. الاثنان يسمعان صوتا ولا يريان صورة. ويكون منشدّا أكثر ويسهل عليه تمثّل شخصية "الساكن" دون عناء.
إضافة إلى الإشارة الركحية التي عرّف الكاتب من خلالها الشخصيات نجد إشارة أخرى عنونها بـــ "المنظر" وهي فقرة وصفية بامتياز. وصف فيها الإطار المكاني للأحداث في علاقة بالركح "غرفة في طابق أعلى لمنزل قديم. على يسار المسرح ثمة باب يؤدي إلى الخارج. وعلى اليمين هناك شباك كبير يطلّ على الحديقة" وحدّد أثاثها وأشياءها "وإلى الوسط في مواجهة الجمهور تماما صورة شخصية كبيرة جدا يحيطها إطار خشبي لذلك الذي سيقوم بدور الرجل. ويقطع الزاوية اليسرى للصورة شريط أسود كعلامة على وفاة صاحبها. وهناك سرير معدني يستعمل للمرضى في المستشفيات وإلى جانبه منضدة صغيرة عليها دورق ماء وقدح زجاجي وعلب أدوية مختلفة الأنواع والأحجام. أوراق متناثرة على الأرض. أوراق أشجار متيبّسة صفراء تحت السرير وأمام الشباك كرسي قديم." دقّة متناهية في الوصف حاول الكاتب من خلالها أن يدفع بالقارئ إلى تخيّل المكان فيكون رافدا من روافد الفعل الدرامي يؤثر في القارئ مثلما يؤثر فيه ملفوظ الشخصيات أو صفاتها .
ثم واصل الكاتب إشارته الركحية بتحديد زمان الأحداث "الوقت الآن بعد غروب الشمس بقليل" . زمان بداية الليل هو زمان الحبّ والإبداع والهلوسة. زمانٌ يعود فيه الإنسان إلى ذاته تساعده السكينة أن يتأمل نفسه فلا يسمع إلا أصواته.
ولم يكتف الكاتب بهذا القدر من التوضيح بل يحدّد بداية المسرحية بــ "عند فتح الستار" ويوجّه الممثل "الشاعر" على الركح واصفا ملابسه "مرتديا ما يشبه بدلة العمل الموحّدة الزرقاء " ثم ألمح إلى أنّ شخصية "العجوز" تظهر وفي يدها سوط أسود اللون ومميّز من النوع الذي يستعمل لترويض الجياد وطبق طعام كبير سيبقى فارغا طيلة زمن العرض "
يبدو الكاتب حريصا على الدقّة فهو يكتب نصا مسرحيا وفي ذهنه قارئ يتابع نصه حبرا على ورق ومتفرج يشاهده فعلا على ركح. إنّه يوجّه خطابه إلى مخرج مفترض دون أن يصرّح بذلك إذ نعت البدلة الزرقاء بأنها "يجب أن تعطي ما أمكن إحساسا لدى المتفرج بأنها ربما قد تكون في الأصل بدلة سجين مع طاقية رأس من قماش البدلة نفسه ولونها" .
لكنّ هذه الإشارة الركحية تتغيّر تغيّرا واضحا إذا انتقلنا من النص المكتوب إلى النص المشاهَد. فالمخرج استعاض عن بدء المسرحية برفع الستار بإنارة الركح بضوء خافت سرعان ما ينير الركح أكثر ويجد المتفرج نفسه أمام ركح لا يدل على غرفة كما وصفها الكاتب وإنما هو ركح محاط بستار من جهاته الثلاثة وكرسي من خشب وسطه ومثّل هذا الكرسي الشيء الوحيد من الأشياء التي وصفها الكاتب للغرفة إلى جانب الكتب التي تلقي بها "العجوز" في وجه "الشاعر" طعاما له. فكأنّ المخرج أراد من جهة أن يوغل بالمسرحية في التعقيد ولا يسلّم للمتفرّج أدوات سهلة يحلّل بها ما يرى. فعلى هذا الأخير أن يكدّ رويّته حتى يتخيل. ومن جهة أخرى يدعو المخرجُ المتفرجَ أن يتحرّر من سلطة المبدع كاتبا كان أو مخرجا فيتخيّل الإطارين المكاني والزماني بكل حرية. وجعل من "الكرسي" أداة لإبراز مهارات الممثّل الذي وقف على متّكأ الكرسي راقصا مرة وجالسا القرفصاء يدخّن سيجارة مرات أخرى ممّا يقوّي مشهديّة الفعل الدرامي ويجعل المتفرج منبهرا أكثر بالعمل. كما إن المخرج أضاف إيقاعا حركيا من خلال دوران الشخصيتين حول بعضهما البعض وإيقاعا كلاميا من خلال تبادل الملفوظ نفسه إعادة المقطع الواحدة أكثر من مرة. كلّ ذلك قد يفهم أنّه من مقتضيات الفرجة ولكن قد يفهم منه أيضا تجاوز من قبل المخرج للمحدّدات التي ساقها الكاتب.
هكذا نستنتج من خلال ما توصلنا إليه من تحليل أنّ النص في رحلته من الكتابة إلى الفرجة ينزع ثوبا ليلبس آخر وكلا الثوبين منسوجان من نفس الخيط إلا أنّهما يختلفان في طريقة الطرز. هذا التحول محكوم بخاصيات الكتابة الورقية وخاصيات الكتابة الركحية فيتنازع النصَّ أبوان. أب له سلطة الكتابة يضع المتقبل (القارئ أو المخرج) نصب عينيه ويحاول أن يوجّهه حيث يريد. وأب له سلطة الإخراج يحاور الأب الأصلي ويتفاعل معه ويتجاوزه ليثبت أنه أصل كذلك.

ملحوظة: نشر هذا المقال لأول مرة في مجلة تكاملات انتيكرال، العدد الخاص بعنوان ملامح من النقد والأكاديميا بتونس، الصادر في مارس 2021، لندن.

هوامش المقال:
* مسرحية "أصوات" من إنتاج جمعية الإشراق المسرحي ببني خداش، ومن إخراج جلال حمودي، مأخوذة من النص المسرحي "الكلمات والأشجار" للكاتب العراقي "حكمت الحاج" ونقلتها إلى العامية التونسية "زينب بن ضياف".
* عرضت مسرحية "أصوات" في إطار الملتقى الأدبي ببني خداش في دورته الثانية أيام 18 و19 و20 أكتوبر 2019.
* ورد نص المسرحية بعنوان آخر وهو "الكلمات والأشجار" ضمن كتاب بعنوان "جن أو الموعد القاتل" للكاتب العراقي حكمت الحاج طبعة "مومنت للكتب والنشر" 2018 لندن.
* ورد النص بالعامية التونسية بترجمة "زينب بن ضياف " ضمن كتاب بعنوان "تلاث مسرحيات بالتونسي من أدب اللامعقول" بالاشتراك مع حكمت الحاج طبعة "مومنت للكتب والنشر" 2019 لندن.
------------------------------



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مونت دور، قصيدة مترجمة الى اللغة الانكليزية
- أصوات.. مسرحية من دراما اللامعقول
- ما زلتُ أنهضُ.. قصيدة مايا أنجيلو
- فن الرواية والسينما والخيال: مقابلة مع سلمان رشدي
- الملاك عازف الكمنجة
- حول مفهوم -وجهة النظر- في الرواية المعاصرة..
- الرواية الدينية والبديل الشعري عند وليم غولدينغ
- حوار مع الفنانة التشكيلية التونسية عائدة عمار: أفكار لوحاتي ...
- المسرح الآن، أكثر من أي وقت مضى.. بمناسبة يوم المسرح العالمي
- سنتان وثمانية أشهر وثمانية وعشرون ليلة: ألف ليلة وليلة كما ي ...
- سلمان رشدي متحدثا عن الشعر والقصة القصيرة والخيال..
- الثدي المقطوع: فارس اللامعقول يترجل..
- نجيب عياد: نحو هوية عربية للسينما..
- رواية ما بعد الحداثة وتكنيك المرايا المتقابلة: -المرآة والقط ...
- في بنية التفهم الأدبي: الأدب والقراءة والتأويل..
- الغموض بوصفه ظاهرة شعرية
- الخيال والعالم: تداخل النص والمعنى في شعر والاس ستيفنز
- الشاعر وتراثه
- سوق الشيوخ
- بنية اللغة الشعرية: سبع ملاحظات على أطروحة جان كوهين..


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - شاعر يعيش اللامعقول مسرحا وحياة..